سورة الحاقة - تفسير السعدي



" الحاقة "

القيامة الواقعة حقا التي يتحقق فيها الوعد والوعيد,

" ما الحاقة "

ما القيامة الواقعة حقا في صفتها وحالها؟

" وما أدراك ما الحاقة "

وأي شيء أدرك- يا محمد- وعرفك حقيقة القيامة, وصور لك هولها وشدتها؟

" كذبت ثمود وعاد بالقارعة "

كذبت ثمود قوم صالح, وعاد قوم هود بالقيامة التي تقرع القلوب بأهوالها

" فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية "

فأما ثمود فأهلكوا بالصيحة التي جاوزت الحد في شدتها,

" وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية "

وأما عاد فأهلكوا بريح باردة شديدة الهبوب,

" سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية "

سلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة, لا تفتر ولا تنقطع, فترى القوم في تلك الليالي والأيام موتى كأنهم أصول نخل خربة متآكلة الأجواف.

" فهل ترى لهم من باقية "

فهل ترى لهؤلاء القوم من نفس باقية دون هلاك؟
" وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ "
وجاء الطاغية فرعون, ومن سبقه من الأمم التي كفرت برسلها, وأهل قرى قوم لوط الذين انقلبت بهم ديارهم بسبب الفعلة المنكرة من الكفر والشرك والفواحش,

" فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية "

فعصت كل أمة منهم رسول ربهم الذي أرسله إليهم, فأخذهم الله أخذة بالغة في الشدة.

" إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية "

إنا لما جاوز الماء حدة, حتى علا وارتفع فوق كل شيء, حملنا أصولكم مع نوح في السفينة التي تجري في الماء

" لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية "

لنجعل الواقعة التي كان فيها نجاة المؤمنين وإغراق الكافرين عبرة وعظة, وتحفظها كل أذن من شأنها أن تحفظ, وتعقل عن الله ما سمعت.

" فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة "

فإذا نفخ الملك في " القرن " نفخة واحدة, وهي النفخة الأولى التي يكون عندها هلاك العالم,

" وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة "

ورفعت الأرض والجبال عن أماكنها فكسرتا, ودقتا دقة واحدة.

" فيومئذ وقعت الواقعة "

ففي ذلك الحين قامت القيامة,

" وانشقت السماء فهي يومئذ واهية "

وانصدعت السماء, فهي يؤمئذ ضعيفة مسترخية, لا تماسك فيها ولا صلابة,

" والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية "

والملائكة على جوانبها وأطرافها, ويحمل عرش ربك فوقهم يوم القيامة ثمانية من الملائكة العظام.

" يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية "

في ذلك اليوم تعرضون على الله- أيها الناس- الحساب والجزاء, لا يخفى عليه شيء من أسراركم.

" فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه "

فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه, فيقول ابتهاجا وسرورا: خذوا اقرؤا كتابي,

" إني ظننت أني ملاق حسابيه "

إني أيقنت في الدنيا بأني سألقى جزائي يوم القيامة, فأعددت له العدة من الإيمان والعمل الصالح,

" فهو في عيشة راضية "

فهو في عيشة هنيئة مرضية,

" في جنة عالية "

في جنة مرتفعة المكان والدرجات,

" قطوفها دانية "

ثمارها قريبة يتناولها القائم والقاعد والمضطجع.

" كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية "

يقال لهم: كلوا أكلا, واشربوا شربا بعيدا عن كل أذى, سالمين من كل مكروه بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في أيام الدنيا الماضية.

" وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه "

فأما من أعطي كتاب أعماله بشماله, فيقول نادما متحسرا: يا ليتي لم أعط كتابي,

" ولم أدر ما حسابيه "

ولم أعلم ما جزائي؟

" يا ليتها كانت القاضية "

يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاطعة لأمري, ولم أبعث بعدها,

" ما أغنى عني ماليه "

ما نفعني مالي الذي جمعته في الدنيا,

" هلك عني سلطانيه "

ذهبت عني حجتي, ولم يعد لي حجة أحتج بها.

" خذوه فغلوه "

يقال لخزنة جهنم: خذوا هذا المجرم الأثيم, فاجمعوا يديه إلى عنقه بالأكل,

" ثم الجحيم صلوه "

ثم أدخلوه الجحيم ليقاسي حرها,

" ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه "

ثم في سلسلة من حديد طولها سبعون ذراعا فادخلوه

" إنه كان لا يؤمن بالله العظيم "

إنه كان لا يصدق بوحدانية الله وعظمته, ولا يعمل بهديه,

" ولا يحض على طعام المسكين "

ولا يحث الناس في الدنيا على إطعام أهل الحاجة من المساكين وغيرهم.

" فليس له اليوم ها هنا حميم "

فليس لهذا الكافر يوم القيامة قريب يدفع عنه العذاب,

" ولا طعام إلا من غسلين "

وليس له طعام إلا من صديد أهل النار,

" لا يأكله إلا الخاطئون "

لا يأكله إلا المذنبون المصرون على الكفر بالله.

" فلا أقسم بما تبصرون "

فلا أقسم بما تبصرون من المرئيات,

" وما لا تبصرون "

وما لا تبصرون مما غاب عنكم,

" إنه لقول رسول كريم "

إن القرآن لكلام الله, يتلوه رسول عظيم الشرف والفضل,

" وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون "

وليس بقول شاعر كما تزعمون, قليلا ما تؤمنون,

" ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون "

وليس بسجع كسجع الكان, قليلا ما يكون منكم تذكر وتأمل الفرق بينهما,

" تنزيل من رب العالمين "

ولكنه كلام رب العالمين الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

" ولو تقول علينا بعض الأقاويل "

ولو ادعى محمد علينا شيئا لم نقله,

" لأخذنا منه باليمين "

لانتقمنا وأخذنا منه باليمين,

" ثم لقطعنا منه الوتين "

ثم لقطعنا منه نياط قلبه,

" فما منكم من أحد عنه حاجزين "

فلا يقدر أحد منكم أن يحجز عنه عقابنا.

" وإنه لتذكرة للمتقين "

إن هذا القرآن لعظة للمتقين الذين يمتثلون أوامر الله ويجتنبون نواهيه

" وإنا لنعلم أن منكم مكذبين "

إنا لنعلم أن منكم من يكذب بهذا القرآن مع وضوح آياته,

" وإنه لحسرة على الكافرين "

وإن التكذيب به لندامة عظيمة على الكافرين به حين يرون عذابهم ويرون نعيم المؤمنين به,

" وإنه لحق اليقين "

وإنه لحق ثابت ويقين لا شك فيه

" فسبح باسم ربك العظيم "

فنزه الله سبحانه عما لا يليق بجلاله, واذكره باسمه العظيم.

 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً