أسرار الصلاة (26)- أسرار الركوع والتكبير

شرع له رفع اليدين عند الركوع تعظيماً لأمر الله، وزينةً للصلاة، وعبودية خاصةً لليدين كعبودية باقي الجوارح، واتباعاً لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حليةُ الصلاة، وزينتها وتعظيمٌ لشعائرها.

ثم شرع له التكبير الذي هو في انتقالات الصلاة من رُكن إلى ركن، كالتلبية في انتقالات الحاجِّ، من مشعر إلى مشعر، فهو شعار الصلاة، كما أن التلبية شعار الحج، مميز ليعلم أن سر الصلاة هو تعظيم الرب تعالى وتكبيره بعبادته وحده.

أسرار الصلاة (24)- إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (2)

أراد تقديم العبادة، وهي العمل، على الاستعانة، فالعبادة لله والاستعانة للعبد، فالله هو المعبود، وهوالمستعان على عبادته، فإياك نعبد؛ أي إياك أريد بعبادتي، وهو يتضمن العمل الصالح الخالص، والعلم النافع الدال على الله، معرفة ومحبة، وصدقاً وإخلاصاً، فالعبادة حق الرب تعالى على خلقه، والاستعانة تتضمن استعانة العبد بربه على جميع أموره، وهي القول المتضمن قسم العبد.

فكل عبادة لا تكون لله وبالله فهي باطلة مضمحلة، وكل استعانة لا تكون بالله وحده فهي خذلانٌ وذل. وتأمل علم ما ينفع العباد وما يدفع عنهم كل واحد من هاتين الكلمتين من الآفة المنافية للعبودية نفعاً ودفعاً وكيف تدخل العبد هاتان الكلمتان في صريح العبودية.

أسرار الصلاة (23)- إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] انتظر جواب ربه له: "هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل"، وتأمل عبودية هاتين الكلمتين وحقوقهما، وميِّز الكلمة التي لله سبحانه وتعالى، والكلمة التي للعبد، وفِقهِ سرَّ كون إحداهما لله، والأخرى للعبد، وميِّز بين التوحيد الذي تقتضيه كلمة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ والتوحيد الذي تقتضيه كلمة {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وفِقهَ سرَّ كون هاتين الكلمتين في وسط السورة بين نوعي الثناء قبلهما، والدعاء بعدهما، وفِقه تقديم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

أسرار الصلاة (25)- أقسام الخلق إلى الهداية

فانقسم الخلق إذن إلى ثلاثة أقسام بالنسبة إلى هذه الهداية:

مُنعم عليه: بحصولها له واستمرارها وحظه من المنعم عليهم، بحسب حظه من تفاصيلها وأقسامها، وضالٌ: لم يُعطَ هذه الهداية ولم يُوفق لها، ومغضوب عليه: عَرفها ولم يوفق للعمل بموجبها، فالضال: حائد عنها، حائر لا يهتدي إليها سبيلاً، والمغضوب عليه: متحيّر منحرف عنها ؛ لانحرافه عن الحق بعد معرفته به مع علمه بها.

فالأول المنعم عليه قائم بالهدى، ودين الحق علماً وعملاً واعتقاداً والضال عكسه، منسلخ منه علماً وعملاً، والمغضوب عليه لا يرفع فيها رأساً، عارف به علماً منسلخ عملاً، والله الموفق للصواب.

أسرار الصلاة (21)- ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

{ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ} [الفاتحة:3]؛​ عبودية تخصه سبحانه، وهي شهود العبد عموم رحمته. وشمولها لكلّ شيء، وسعتها لكلِّ مخلوق وأخذ كلّ موجود بنصيبه منها، ولاسيما الرحمة الخاصَّة بالعبد وهي التي أقامته بين يدي ربه: أقم فلاناً، ففي بعض الآثار أن جبرائيل يقول كل ليلة أقم فلاناً، وأنم فلاناً فبرحمته للعبد أقامه في خدمته يناجيه بكلامه، ويتملقه ويسترحمه ويدعوه ويستعطفه ويسأله  هدايته ورحمته، وتمام نعمته عليه دنياه وأخراه فهذا من رحمته بعبده، فرحمته وسعت كل شيء، كما أن حمده وسع كل شيء، وعلمه وسع كل شيء، {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍۢ رَّحْمَةًۭ وَعِلْمًۭا} [غافر من الآية:7]، وغيره مطرود محروم قد فاتته هذه الرحمة الخاصَّة فهو منفي عنها.

أسرار الصلاة (20)- فلا ربَّ غيره

{رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} [الفاتحة من الآية:2]؛ من العبودية شهود تفرّده سبحانه بالربوبية وحده، وأنَّه كما أنه رب العالمين، وخالقهم، ورازقهم، ومدبِّر أمورهم، وموجدهم، ومغنيهم، فهو أيضاً وحده إلههم، ومعبودهم، وملجأهم ومفزعهم عند النوائب، فلا ربَّ غيره، ولا إله سواه.

أسرار الصلاة (22)- مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ

ويعطي قوله {مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ[الفاتحة:4]؛ عبوديته من الذلِّ والانقياد، وقصد العدل والقيام بالقسط، وكفَّ العبد نفسه عن الظلم والمعاصي، وليتأمل ما تضمنته من إثبات المعاد وتفرَّد الربِّ في ذلك بالحكم بين خلقه، وأنه يومٌ يدين الله فيه الخلق بأعمالهم من الخير والشر، وذلك من تفاصيل حمده، وموجبه كما قال تعالى: {وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ[الزمر من الآية:75]، ويروى أن جميع الخلائق يحمدونه يومئذ أهل الجنة وأهل النار، عدلاً وفضلاً، ولما كان قوله {ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}.

أسرار الصلاة (17)- ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ

{ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} [الفاتحة:2]؛ تجد تحت هذه الكلمة إثبات الكمال للرب ووصفاً واسماً، وتنزيهه سُبحَانه وبحمده عن كلِّ سوء، فعلاً ووصفاً واسماً، وإنما هومحمود في أفعاله وأوصافه وأسمائه، مُنزَّه عن العيوب والنقائص في أفعاله وأوصافه وأسمائه. فأفعاله كلّها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل ولا تخرج عن ذلك، وأوصافه كلها أوصاف كمال، ونعوت جلال، وأسماؤه كلّها حُسنى.

أسرار الصلاة (19)- وإن لم يوحِّده العباد

كما أنه هو الواحد الأحد، وإن لم يوحِّده العباد، وهوالإله الحقُّ وإن لم يؤلِّهه، سبحانه هوالذي حمِد نفسه على لسان الحامد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن اللهَ عز وجل قضى على لسانِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم سَمِعَ اللهُ مِن حَمِدَه» (صحيح مسلم [404]). 

فهو الحامدُ لنفسه في الحقيقة على لسان عبده، فإنه هو الذي أجري الحمدَ على لسانه وقلبه، وأجراؤه بحمده فله الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، علانيته وسره.

أسرار الصلاة (18)- فالكون كلّه ناطق بحمده

وحمده تعالى قد ملأ الدنيا والآخرة، والسموات والأرض، وما بينهما وما فيهما، فالكون كلّه ناطق بحمده، والخلق والأمر كلّه صادر عن حمده، وقائم بحمده، ووجوده وعدمه بحمده، فحمدُه هوسبب وجود كل شيء موجود، وهوغاية كل موجود، وكلّ موجود شاهد بحمده، فإرساله رسله بحمده، وإنزاله كتبه بحمده، والجنة عُمِّرت بأهلها بحمده، والنَّار عُمِّرت بأهلها بحمده، كما أنَّها إنَّما وجدتا بحمده.

أسرار الصلاة (14)- قام في مقام مخاطبة ربِّه

فإذا أخذ العبد في قراءة القرآن، فقد قام في مقام مخاطبة ربِّه ومناجاته، فليحذر كل الحذر من التعرّض لمقته وسخطه، بأن يناجيه ويخاطبه، وقلبه معرِض عنه، ملتفت، إلى غيره، فإنه يستدعي بذلك مقته، ويكون بمنزلة رجل قرَّبه ملك من ملوك الدنيا، وأقامه بين يديه فجعل يخاطب الملك، وقد ولاَّه قفاه، أوالتفت عنه بوجهه يَمنَة ويسرة، فهولا يفهم ما يقول الملك، فما الظن بمقت الملك لهذا.

 

أسرار الصلاة (16)- طعم الصلاة

ومَن ذاق طعم الصلاة عَلِمَ أنه لا يقوم مقام التكبير والفاتحة غيرهما مقامها، كما لا يقوم غير القيام والركوع والسجود مقامها، فلكلٍّ عبوديته من عبودية الصلاة سرٌّ وتأثيرٌ وعبودية لا تحصل في غيرها، ثمَّ لكل آية من آيات الفاتحة عبودية وذوق ووجد يخُصُّها لا يوجد في غيرها.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً