خلاصات في أحكام الأضحية

منذ 2020-07-15

إن من دلالات الإيمان وعلائم التقوى في القلب تعظيم شعائر الله عز وجل، ونحن مقبلون على شعيرة عظيمة من شعائر ربنا، ألا وهي الأضحية، فينبغي على المسلم أن يتعلم أحكام الله في هذه الشعيرة، وأن يسعى لتنفيذ ذلك..

خلاصات في أحكام الأضحية

الذبح لله دليل على التوحيد:

أيها المسلمون: إن من دلالات الإيمان وعلائم التقوى في القلب تعظيم شعائر الله عز وجل، ونحن مقبلون على شعيرة عظيمة من شعائر ربنا، ألا وهي الأضحية، فينبغي على المسلم أن يتعلم أحكام الله في هذه الشعيرة، وأن يسعى لتنفيذ ذلك، وهاكم أيها الإخوة المسلمون ما يتعلق بهذا الأمر، فلا بد من ذكره إذا حان وقته وقرب، قال الله عز وجل:  {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ۝ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [سورة الحج30-31]، نعم إن هذا الذبح لله دليل على التوحيد؛ لأن الكفار والمشركين يذبحون للأنداد والأصنام، فكان الذبح لله من علامات توحيد العبد لربه، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَسورة} [الحج34]، فكان هذا النسك فيمن قبلنا من الأنبياء، وهو شرع لنا في نبوة محمد ﷺ يذكرنا بتوحيد الله {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر2]  أي: وانحر لربك، لعن الله من ذبح لغير الله، وهؤلاء الكفرة المشركون يذبحون اليوم باسم الصنم، أو باسم الصليب، أو باسم الكعبة ونحو ذلك، أو باسم المجيب كما يقع عند فرق الباطنية، وهكذا يذبحون للجن وغيرهم، فجاءت هذه الشعيرة العظيمة مخلصة خالصة لله عز وجل، {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ۝ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [سورة الحـج32-33]، في الآيات ذكر للهدي الذي يهديه الحاج إلى الكعبة فيذبحه هناك في الحرم، والآيات السابقة وغيرها تشمل الذبح مما كان من الهدي أو الأضحية وغيره، {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ} [سورة الحج36]، فينبغي تعظيمها، وتعظيمها باستسمانها واستحسانها واستعظامها، وفي البخاري عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: كنا نسمِّن الأضحية في المدينة، وكان المسلمون يسمنون.

أحكام الأضحية:

هذه التضحية الخالصة لله سبحانه وتعالى ينبغي أن نتعلم أحكامها، فأما الأضحية أو الأضحيَّة والضحية فهي الشاة التي تذبح ضحوة، أي: وقت ارتفاع النهار وما يليه، وبهذا سمي يوم الأضحى بهذا الاسم؛ لأنه اليوم الذي يضحي فيه الناس، والأضحية هي ما يذكى في أيام النحر تقرباً إلى الله بشرائط مخصوصة ذكرها أهل العلم، والأضحية إذن تختلف عما ذبح تقرباً إلى الله في غير هذه الأيام أيام النحر، وتختلف عما ذبح للبيع أو للأكل أو لإكرام الضيف، وتختلف عن عقيقة المولود، وتختلف عما يذبحه الحاج المتمتع، أو القارن مهدياً إياه إلى الكعبة في نسكه، فهذا هدي وهذه أضحية، وتختلف عما يذبحه الحاج أو المعتمر من الفدية جزاءً لترك واجب، أو فعل محظور من محظورات النسك، وتختلف عن النقيعة، وهي السنة التي يذبحها المسافر إذا قدم من سفره حمداً لله على السلامة، ويدعوا إليها الناس، هذه النقيعة، فالأضحية تختلف عن ذلك كله، فهذه الأضحية أجمع المسلمون على مشروعيتها بعد ما جاء ذكرها في الكتاب العزيز والسنة النبوية المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، شرعت الأضحية في السنة الثانية للهجرة، وهي شكر لله على نعمة الحياة، وإحياءً لسنة إبراهيم الخليل، وتذكيراً للمسلم بصبر إبراهيم وإسماعيل وإيثارهما طاعة الله ومحبته، على محبة الوالد والولد، وتوسعة على النفس وأهل البيت، ونفعاً للفقير، وأجراً لمن تصدق منها، وذبحها في هذا اليوم العظيم، وهي عبادة في يوم عظيم هو أعظم أيام السنة، يوم النحر يوم العاشر من ذي الحجة، يجتمع فيه من العبادات ما لا يجتمع في غيره، ويشارك المضحون من أهل البلدان يشاركون حجاج البيت في بعض شعائر الحج، فالحجاج يتقربون إلى الله بالهدي، وأهل البلدان يتقربون إلى الله بالضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده أن لم يحرم أهل البلدان شيئاً يشابهون فيه الحجاج ويثابون عليه.

وذهب كثير من العلماء إلى استحباب الأضحية، مستدلين بقوله ﷺ: إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي الحديث، فقالوا: إن قوله: أراد على التخيير، واستدلوا بما صح عن أبي بكر وعمر أنهما تركا التضحية لئلا يظن الناس أنها واجبة. وذهب جمع من أهل العلم إلى وجوب الأضحية، مستدلين بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر: 2]  أي: انحر والأمر للوجوب، وبقوله ﷺ في الحديث الصحيح: «من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا»، وهذا وعيد، وبقوله ﷺ:  «من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها شاة» (رواه مسلم) ، فأمر بإعادتها إذا فعلت قبل وقتها، فدل على الوجوب، واستدلوا بالحديث الذي صححه بعض أهل العلم على كل أهل بيت في كل أضحى شاة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والأظهر وجوبها فإنها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار، والنسك مقرون بالصلاة وهي ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته، وقد جاءت الأحاديث بالأمر بها، ونفاة الوجوب ليس معهم نص" إلى آخر كلامه يرحمه الله.

على أية حال جاء القولان عن أهل العلم فلا تدع أيها المسلم القادر لا تدع الأضحية وتذكر ما فيها من الأجر العظيم، والحاج إذا كان متمتعاً أو قارناً فأهدى فيكفيه هديه، ولا حاجة له أن يضحي؛ لأن النبي ﷺ لما حج ذبح هديه، ولم ينقل عنه أن ضحى، وهكذا فعل أصحابه، ولكن إن خلف بعض أهله في بلده، وذهب إلى الحج، فإن المستحسن أن يترك للقاعدين مالاً يضحون به عن أنفسهم، ولو ضحى الحاج غير الهدي عنه وعن أهل بيته في المكان الذي هو فيه في الحرم فلا بأس بذلك على الإطلاق، ويضحي الإنسان عن نفسه وعن أهل بيته في بلده، تكفيهم أضحية واحدة مهما بلغ عددهم، عن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا فيكم على عهد النبي ﷺ؟ فقال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصار كما ترى، صارت الأضاحي للمباهاة لا للعبادة.

والناس المجتمعون أكلهم واحد وشربهم واحد من الأقرباء في السكن الواحد ومالهم واحد تكفيهم أضحية واحدة، فلو ضحى الرجل عن أبويه اللذين يسكنان معه وزوجته وأولاده، وجميع من يعيل وينفق عليهم في بيته أضحية واحدة من ماله هو أجزأه ذلك، وأما العمال المجتمعون في سكن واحد فعلى كل واحد أضحية عنه وعن أهل بيته ممن تركهم في بلده، أو أتى بهم إلى هنا ليقيموا معه سواءً ذبحها هنا ولو كان أهله هناك، أو أرسل المال إلى أهله في بلده ليذبحوا عنه صح ذلك كله ولله الحمد، ولو ضحى الرجل وضحت زوجته وضحى أولاده كل بمفرده فإن ذلك خير وبر ولله الحمد، ولا يمنعن أب ابنه من التضحية عن نفسه، أو يعتبر ذلك خروجاً وعقوقاً، ولا يمنعن الرجل زوجته إن كانت مقتدرة أن تضحي، فيضحي هو عنه وعن أهل بيته، وتضحي هي إن شاءت، مع أن أضحية زوجها تكفيها، ولو تبرع شخص بقيمة الأضحية لشخص آخر فقيراً أو غنياً، أو أهدى إليه شاة ليذبحها ويضحي بها جاز ذلك والحمد لله وهو مأجور، ولا يجزئ اشتراك جماعة في أضحية واحدة إذا كانت من الضأن أو المعز، فلو اتفق ثلاثة على دفع ثمن أضحية واحدة مشتركة من الضأن أو المعز فلا تجزئ عن أي واحد منهم، أما البقر والإبل فيجوز اشتراك سبعة في البقرة الواحدة أو الناقة الواحدة، والأضحية عبادة كأي عبادة، يشترط فيها الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﷺ، ولذلك كان لا بد من معرفة شروطها، فلا بد أن تكون في الوقت الشرعي، ولا بد أن تكون ملكاً للمضحي لا مغصوباً ولا مسروقاً، ولا بد أن تكون من بهيمة الأنعام، ولا بد أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً، ولا بد أن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء، فأما وقتها فإن الأضحية ليست للأكل، ليست لحماً فقط وإنما نسك، ومعنى هذا التزام بالوقت، هذه عبادة، ولذلك فرق ﷺ بينها، وبين شاة اللحم العادية، وقال ﷺ:  «إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء». حديث صحيح، ولا يجزئ الذبح قبل تمام صلاة العيد، فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم، ووجب عليه أن يعيدها بعد الصلاة، والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبتان؛ لحديث جندب رضى الله عنه، النبي ﷺ يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح، وينتهي وقت الذبح بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فأيام الذبح إذن على المشهور من أقوال أهل العلم أربعة: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده، فإذا غربت شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة انتهى وقت الذبح، والذبح في النهار أفضل، ويجوز في الليل؛ لأن الحديث يشمل الأيام والليالي.

ويجوز لأهل البلدان التي ليس فيها صلاة عيد أن يضحوا فيقدروا انتهاء وقت صلاة العيد فيما جاورهم من البلدان التي تصلي العيد، فيذبحون بعد هذا، وينفع هذا الحكم أهل البادية أو المسلمين المتغربين في أقطار الأرض ممن ليس في البلد منهم إلا الواحد أو الإثنان، وأما ما يضحى به فإنها بهيمة الأنعام، الإبل والبقر والغنم، قال ﷺ: ضحوا بالجذع من الضأن فإنه جائز ، وقال: لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ، والمسنة: هي الثنية فما فوق من الإبل والبقر والغنم، فمن الإبل ما تم له خمس سنين، ومن البقر ما تم له سنتان، والثني من الغنم ضأنها ومعزها ما تم له سنة، والجذع من الضأن ما تم له نصف سنة.

والأضحية من غير هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم لا تجزئ قال ﷺ: دم عفراء أحب إليَّ من سوداوين، فإذا كانت الشاة مغبرة غير سوداء قاتمة فإنها أفضل، ولو ذبح السوداء جاز، وقد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، يعني رجله سوداء، ويبرك في سواد يعني ركبته سوداء، وينظر في سواد أي: ما حول عينيه أسود، فأتي به ليضحي به فقال لها: يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه وقال مع الذبح: بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به.

وهذا الذي ضحى به فيه سواد وليس كله أسود، وأما ما عيب من هذه الأصناف فلا يجزئ ذبحه كما قال ﷺ: لا تجزئ العوراء البين عورها، ولا المريضة البين مرضها، ولا العرجاء البين عرجها، ولا العجفاء التي لا تنقيلا مخ في عظامها،وذلك لهزالها، ولا تجزئ العمياء، ولا المبشومة، ولا التي نزل بها الولادة حتى تلد وتسلم، ولا العاجزة عن المشي لعاهة، ولا مقطوعة اليدين والرجلين، ويكره أن يذبح ما فيه عيب أبسط من ذلك مثل مقطوعة القرن، أو الأذن، أو التي قطع ذنبها، أو سقط من أسنانها، وما قطعت أليتها إلا ما لا ألية له أصلاً فلا بأس به؛ لأنه ليس بمعيب، وكلما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وصفاتها وأحسن منظراً كان أفضل وآجر تقرباً إلى الله عز وجل، وإذا عين أضحيته باللفظ، أو بالنية عند الشراء أو بالذبح فلا يجوز له بيعها ولا هبتها لأحد ولا تغييرها إلا بأحسن منها، ولا يجوز استعمالها استعمالاً يضر بها، ولا يجز صوفها، والأفضل أن يتصدق بحليبها، ولو ولد لها فالولد داخل في حكمها، فلو عينها ثم ضاعت أو سرقت أو عيبت فلو كان بتفريط منه يلزمه استبدالها، وإن لم يكن فلا شيء عليه،

وكان ﷺ يذبح أضحيته بيده، ويسمي ويكبر، فانتبهوا رحمكم الله، يا أيها الناس الذين يأتون بجزارين أحياناً ليذبحوا لهم فيكون الجزار لا يصلي بالكلية، أو بوذي،أو هندوسي، أو نصراني يذكر عليها غير اسم الله، فلا يجوز ذبحه في هذه الحالة، وهي فطيس ميتة لا تؤكل أبداً، فاذبحها على اسم الله، أو سلمها لمسلم يذبحها، وإن غلب على ظنك من هيأته أنه مسلم يكفي، لا حاجة للتحقيق معه هل يصلي أو لا؟ وما معتقده ونحو ذلك، إذا ظهر لك منه الإسلام فهذا كافٍ.

وهذه الأضحية شعيرة ينبغي على المسلمين الاهتمام بها، وقد كان ﷺ يضحي بيده، فإذا لم يتسن لك التضحية بيدك فاشهد ذبحها على الأقل، فإن لم تشهد ذبحها فهي أضحية صحيحة والحمد لله.

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقنا وإياكم لتعظيم شرائعه وشعائره، وأن يجعلنا من المؤمنين المخبتين المسلمين التائبين العابدين القانتين.

أيها المسلمون: هذه الأضاحي يؤكل منها ويهدى منها ويتصدق منها، قال الله عز وجل:  {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [سورة الحج27]، وقال رسول الله ﷺ:  «كلوا وادخروا وتصدقوا». رواه مسلم، وقال:  «كلوا وأطعموا وادخروا» رواه البخاري.

فإذا أكل منها أجر، وتصدق منها أجر، وأهدى منها فله ذلك، للجيران والأقرباء ونحوهم، ويجوز أن يعطي الكافر منها لفقره، أو قرابته، أو جواره، أو لتأليف قلبه، فأما إن كان محارباً لله مظهراً العداوة لدين الله فلا يعطى ولا كرامة، ويحرم بيع الأضحية أو شيء منها؛ لأنها مال أخرج لله فلا يجوز الرجوع فيه ولا في جزء منه، قال ﷺ: من باع جلد أضحيته فلا أضحية له، يتصدق به أو يهديه، ولا يعطي الجزار من ثمن الأضحية أجرة أبداً، كما جاء في حديث علي: أمرني رسول الله ﷺ أن أقوم على بدنه، إلى أن قال: ولا أعطي الجازر منها شيئاً، وقال: نحن نعطيه من عندنا. متفق عليه.

وقد يقول بعض الناس: إن معك من في المسجد ممن يحضرون هذه الخطبة أناساً لا يستطيعون الأضحية؛ لأنه لا مال لهم يشترون به أضحية أو عليهم ديون كثيرة، وهذا الكلام الذي ذكرته فيه تشويق فهل يتحسر هؤلاء أنه ليست لديهم أضاحي؟ أقول: مهلاً، فإليكم هذه البشرى، يا من عجزتم عن شراء الأضحية، عن أبي رافع قال: ضحى النبي ﷺ بكبشين موجوئين خصيين أحدهما عمن شهد بالتوحيد وله بالبلاغ والآخر عنه وعن أهل بيته، وعن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله ﷺ الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته ونزل من منبره وأتي بكبش فذبحه رسول الله ﷺ بيده، وقال:  «بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضحِ من أمتي»، فهنيئاً لكم البشرى يا من عجزتم عن التضحية لقد ضحى عنكم رسول الله ﷺ، ضحى عمن لم يضحِ من أمته، فإذن لا يتحسر فقير أنه لا يملك ثمنها ما دام رسوله محمد ﷺ قد ضحى عنه.

ويسأل بعض الناس فيقولون: ما هو الأفضل الذبح أو التصدق بثمنها، فإن بعض الناس في العالم الإسلامي أحوج إلى النقود؟

فنقول: ذبح الأضحية أفضل ولا شك باتفاق العلماء، أفضل من الصدقة بثمنها، قال ابن القيم رحمه الله: الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة، فإنهار الدم مقصد من مقاصد الشرع، أن تنهر الدم وتذبح لله، مقصود إنهار الدم، مقصود لذاته، فلذلك ذبحها أفضل من التصدق بثمنها، وإن أردت التصدق فاذبح أضحيتك وتصدق من مال آخر والحمد لله رب العالمين، وهذا رسول الله ﷺ ذبح وذبح أصحابه، فلو كانت الصدقة بالثمن أفضل لعدلوا إليها.

ومن الأحكام المرتبطة بالأضحية وبالمضحي بالذات، بالذي دفع ثمن الأضحية، المضحي أو الذي ذبح أضحيته أو قدمها لتذبح الذي ملك أضحية وضحى بها، قال ﷺ: إذا دخل العشرو المقصود بالعشر هذه العشر التي نحن مقبلون عليها، أفضل أيام السنة على الإطلاق، ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام، إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئاً، وفي رواية أخرى صحيحة: إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ، وقال: من رأى منكم هلال ذي الحجة، فأراد أن يضحي، فلا يقربن له شعرا، ولا ظفرا  ، وهذا النهي ظاهره للتحريم، ولعل الحكمة أن يشابه المضحي الحاج في مثل قول الله: وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُسورة البقرة196، وإذا دخلت العشر ولم يكن عنده نية للأضحية كمن لم يكن يملك ثمنها ثم نوى في اليوم الخامس أو السادس من ذي الحجة فيمسك عن الشعر والأظفار والبشرة من حين نيته، فلا تأخذ من شعرك، لا شعر الرأس ولا الإبط ولا العانة، وإياك إياك من حلق لحيتك، ولا تأخذ من أظفارك ولا من بشرتك، فلا تقضم من أظافرك ولا تأخذ من جلدك ما حول الأظافر أو الرجلين ونحوها من جلد الشفة وغيره، لا تأخذ شيئاً منه إذا أردت التضحية، وأما من فعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، أو احتاج كأن انكسر ظفره أو احتاج في عملية أو جرح لإزالة شيء جلده فلا حرج عليه، وليس عليه كفارة ولا شيء، ومن أخذ من شعره وأظفاره معصية عامداً فلا تبطل أضحيته، وعليه أن يتوب إلى الله من أخذه من شعره وأظفاره.

ومن تبرع عن غيره بأضحية لزم المتبرع الذي قدم الثمن هو الذي يلزمه الإمساك عن شعره وأظفاره، فأما من ضحى عن غيره بوكالة فلا يلزم الإمساك عن الشعر والأظفار؛ لأنه وكيل وليس مضحياً، والراجح أن المضحى عنهم من أهل البيت من النساء والأولاد لا يلزمهم هذا الحكم، المضحى عنهم من الأهل والأولاد.

ونقل الأضحية من بلد إلى آخر أجازه بعض أهل العلم مراعاة لفقر أهل بعض البلدان، ولكن الذي يذبح في بلده أحسن، وذلك لأسباب؛ لأنه يتأكد بنفسه، يشتريها وينتقيها ويستحسنها ويستسمنها ويتأكد من إجزائها، وإذا ذبحها بنفسه أو شاهد ذبحها له أجر يفوته لو أذهبها إلى بلد آخر، ويضاف إلى ذلك أجر الأكل منها، كما في الحديث الصحيح، ليأكل كل رجل من أضحيته، فأما إن وكل أحداً من أقربائه في بلد آخر فلا بأس والحمد لله، ويخشى أن تموت السنة في البلد إذا انتشر فيهم نقل الأضاحي إلى البلدان الأخرى.

الأضحية عن الأموات

ويسأل بعض الناس عن وصايا الأموات، ماذا نفعل فيها؟ فنقول: الأصل في الأضحية أنها للحي، كما كان ﷺ يضحي عن نفسه وعن أهله، والأضحية عن الميت أنواع: إذا كانت تابعة لأضحية الحي فالحمد لله، فإنه ﷺ ضحى عن نفسه وعن أهل بيته الأحياء والأموات، ما ذبح ذبيحة لنفسه خاصة ولخديجة الميتة من قبله خاصة، ولحمزة الذي مات قبله خاصة، ولإبراهيم الذي مات قبله خاصة، وإنما ذبح واحدة عنه وعن أهل بيته كلهم الأحياء والأموات، لكن إن ضحى للميت استقلالاً جائز، فأما إن كان الميت قد أوصى فيجب تنفيذ وصيته مستقلة كما أوصى، أو جعل وقفاً ينفذ منه الأضحية إذا شرط ذلك فلا بد، ومن أشد الخطأ أن يقوم بعض الناس بضحية عن الميت أول سنة يموت فيها ويسمونها أضحية الحفرة، فهذه من البدع، والموصي إذا نص في وصيته قدراً معيناً فإن وصى بواحدة أو اثنتين أو ثلاث يجب تنفيذ وصيته مهما بلغت، فإن لم يكفِ المال الذي تركه للتضحية فإن تبرع الوصي بتكميلها من عنده فالحمد لله، فإن لم يتبرع يبقيها لسنة قادمة عل الأضاحي ترخص، فإن كانت الأضاحي لا ترخص وخشي أن تغلا زيادة في السنوات القادمة تصدق بما بقي من الوصية في عشر ذي الحجة عن الميت والحمد لله.

وكذلك فإن من كان عنده عدة أضاحي ولم يتذكر اسم كل واحد من هؤلاء فليذبحها بالنية عمن أوصى بها.

وعليكم أيها المسلمون بتقوى الله سبحانه وتعالى وتنفيذ وصايا أمواتكم وعدم تحريفها، ولا تنسى إشراك من مات من أهل بيتك في أضحيتك، فتقول عند ذبحها: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعن أهل بيتي، فيدخل في ذلك الأحياء والأموات والحمد لله رب العالمين.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى أن تجعلنا من المعظمين لشعائرك يا رب العالمين، الوقافين عند حدودك واغفر لنا يا أرحم الراحمين، اللهم تب علينا واغفر ذنوبنا، وارحم موتانا، واشف مرضانا، واقض ديوننا، واستر عيوبنا، وزلاتنا يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين، اللهم انصر المجاهدين، اللهم أهلك أعداء الدين، اللهم رد إلينا ما سلب من أراضينا يا رب العالمين، وارزق فيها من يحكم شرعك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

__________________________________________________________

1 - رواه مسلم1978

2 - رواه ابن ماجه3123

3 - رواه مسلم1960

4 - رواه أحمد20730

5 - رواه البخاري965

6 - رواه أحمد27072

7 - رواه مسلم1963

8 - رواه أحمد9404

9 - رواه مسلم1967

10 - رواه أحمد18675 

11 - رواه مسلم1971

12 - رواه البخاري5569

13 - رواه البيهقي19233

14 - رواه البزار609

15 - رواه أبو داود2810

16 - رواه ابن ماجه3149

17 - رواه مسلم1977

18 - رواه ابن ماجه3150

محمد صالح المنجد

أحد طلبة العلم والدعاة المتميزين بالسعودية. وهو من تلاميذ العالم الإمام عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه.

  • 18
  • 1
  • 14,135

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً