فضل العشر الأول من ذي الحجة والعمل الصالح فيها

منذ 2023-06-18

العشر الأولى من ذي الحجة جامع للعبادات والقربات من الصوم، والصلاة، والصدقة، والذكر وتلاوة القرآن، وصلة الأرحام، وإطعام الطعام إفطارًا للصوام، وغير ذلك.

فضل العشر الأول من ذي الحجة والعمل الصالح فيها

أَحْمَدُ اللهَ حَمْدًا لَيسَ لَهُ نِهَايَةٌ، وَأُقِرُّ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ فَكَمْ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةٌ، وَأُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ الَّذِي مَا رُدَّتْ لَهُ رَايَةٌ، صَلاةً تَصِلُ إِلَيْهِ فِي الْقَبْرِ، وَعَلَى ضَجِيعِهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ الشَّدِيدِ فِي الْحَقِّ الْوَثِيقِ وَعُثْمَانَ الْمُحِبِّ الشَّفِيقِ وَعَلَى الرَّفِيعِ الْقَدْرِ، وَعَلَى عَمِّهِ أَبِي الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ، الشَّرِيفِ الأَصْلُ كَرِيمِ الأَغْرَاسِ، الَّذِي نَسَبَه فِي الأَنْسَابِ لا يقاس؛ سلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم حشر الناس، رغم أنف الشيعة الروافض الأرجاس؛ نسأل الله تعالى أن يثبتنا على هدي وسنّة خير الناس، أما بعد:

العشر الأولى من ذي الحجة جامع للعبادات والقربات من الصوم، والصلاة، والصدقة، والذكر وتلاوة القرآن، وصلة الأرحام، وإطعام الطعام إفطارًا للصوام، وغير ذلك.

 

ومن فوائد هذه المواسم مواسم الطاعات: سد الخلل، واستدراك النقص، وتعويض ما فات، وكل موسم فاضل له وظيفة من طاعة تتقرب بها إلى عز وجل، فاغتنمها لعلك تصيب نفحة من رحمة الله تعالى، فكم من أناس تمنوا وأمَّلوا أن يدركوا هذا العشر، فأدركهم الموت فأصبحوا في قبورهم مرتهنين، لا يستطيعون زيادة في الأعمال ولا توبة من التسويف والإهمال، وأنتم إن أدركتموها بصحة وعافية، فاجتهدوا فيها بالعمل الصالح والدعاء والتوبة، لعلكم تصيبون نفحة من رحمة الله تعالى، فتسعدوا بها في الدارين في الدنيا والآخرة.

 

والعلماء يقولون: من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه، وأمكنه الانتفاع به فلم ينتفع، ابتُلي بالاشتغال بما يضره؛ (تفسير السعدي صـ60).

 

وفي الحديث: «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ»؛ (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1890).

 

فهيا بنا نتعرض ونتلمس هذه النفحات في أوقات الفضيلة والخيرات، لعلنا نسعد برحمة رب البريات ونسكن الجنات مع خير الخليقات عليه أفضل الصلوات وخير التسليمات.

 

بماذا تستقبل مواسم الطاعات؟

تستقبل مواسم الطاعات بالتوبة الصادقة النصوح، وهي تتضمن أمورًا:

الأول: الإخلاص في التوبة.

الثاني: الإقلاع عن الذُّنوب والمعاصي فورًا.

الثالث: النَّدم على اقتراف المعاصي في الماضي.

الرابع: العزم على عدم العودة إليها.

الخامس: ردُّ الحقوق إلى أصحابها إن كان اغتصب حقًّا من أهله.

السادس: أن تكون في موعدها الذي حدده الشرع (قبل بلوغ الروح الحلقوم والغرغرة.. أو قبل طلوع الشمس من مغربها).

 

وتستقبل مواسم الطاعات بطلَب العلم الشرعي المتضمِّن معرفة وظيفة الوقت.

 

فضائل العشر من القرآن الكريم:

ونبدأ بالقرآن الكريم، قال الله تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 1 - 3].

 

الله يقسم بالفجر، والله عز وجل يقسم بما شاء، أما عباده فلا يقسمون ولا يحلفون إلا به سبحانه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ»؛ حديث صحيح، «انظر صحيح الجامع (6204).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله، أو لِيَصْمُتْ»؛ (رواه مسلم في صحيحه (1646)، وغيره) .

 

وحروف القسم ثلاثة: الواو، والباء، والتاء.

 

سؤال: وما المقصود بالليالي العشر؟

الجواب: اختلف المفسرون في تفسيرها، وجماهير العلماء (أي أكثر العلماء)، على أنها العشر الأولى من ذي الحجة لِما فيه من فضل وخير ذكره النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففيها يوم التروية، ويوم عرفة، ويوم الحج الأكبر... لذلك كان السلف يعظمون ثلاثة أعشار المذكورة، عشر المحرم، وعشر رمضان الأخير، وعشر ذي الحجة.

 

فأقسم الله بها لفضلها وشرفها ومكانتها وقدرها ومنزلتها، ولِما يقع فيها من العبادات والقربات، بل أمهات العبادات من صلاة وصيام وحج وصدقة، ويقع فيها ما لا يقع في غيرها، وأيضًا لأن فيها يوم التروية، ويوم عرفه وهو ركن الحج، ولا يُقبل الحج بدون الوقوف بعرفة، وصومه يُكفِّر سنتين، ويباهي فيه ربنا ملائكته بأهل الموقف، ويغفر لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان، ويقع فيها أكثر أعمال الحج والعمرة، (إحرام بالحج في اليوم الثامن، ووقوف بعرفة في اليوم التاسع، وطواف الإفاضة - في اليوم العاشر، ورمي جمرة العقبة الكبرى، والسعي بين الصفا والمروة، وذبح الهدي، والحلق أو التقصير).

 

لذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد (1 / 56): وَكَذَلِكَ تَفْضِيلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ، فَإِنَّ أَيَّامَهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ؛ اهـ.

 

فالعشر المذكور في الآية هي العشر الأولى من ذي الحجة، وهو قول ابن عباس وابن الزبير ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف، وهو قول جمهور المفسرين، وهو الصواب، والله أعلم.

 

فضائل العشر من السنة النبوية:

ومما يدل على فضل العشر الأولى من ذي الحجة من السنة ما رواه البخاري وغيره، وهذا لفظ أبي داود:عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ»؛ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»؛ (البخاري 969، وأبو داود 2438، وابن ماجة 1727، ومسند أحمد 1968، وغيرهم).

 

وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ، عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ»، قَالَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «ولَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ»؛ (أخرجه البزار كما في كشف الأستار: (2/ 28، رقم 1128)؛ انظر صَحِيح الْجَامِع: 1133، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب:1150، قال الألباني: صحيح).

 

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر، وقوله: العمل الصالح، يشمل الصلاة والصدقة والصيام والذكر والتكبير، وقراءة القرآن وبر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الخلق وحسن الجوار، وغير ذلك، كل الأعمال الصالحة.

 

فضائل عشر في الأيام العشر:

قال ابن الجوزي في التبصرة (2 / 124): قال أبو عثمان النَّهْدِيُّ: كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلاثَ عَشَرَاتٍ: الْعَشْرَ الأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْعَشْرَ الأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْعَشْرَ الأُوَلَ مِنَ الْمُحَرَّمِ.

 

اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّ عَشْرَكُمْ هَذَا لَيْسَ كَعَشْرٍ، وَهُوَ يَحْتِوي عَلَى فَضَائِلَ عَشْرٍ:

الأُولَى: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجل أقسم به، فقال: {لَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2].

 

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ سَمَّاهُ الأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ.

 

وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، فقال: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر».

 

وَالرَّابِعَةُ: حث عَلَى أَفْعَالِ الْخَيْرِ فِيهِ.

 

وَالْخَامِسَةُ: أَنَّهُ أَمَرَ بِكَثْرَةِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ فِيهِ.

 

وَالسَّادِسَةُ: أَنَّ فيه يوم التروية؛ قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ لأَنَّ عَرَفَاتٍ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَاءٌ فَكَانُوا يَتَرَوَّوْنَ مِنَ الْمَاءِ إِلَيْهَا.

 

وَالسَّابِعَةُ: أَنَّ فِيهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَصَوْمُهُ بِسَنَتَيْنِ.

 

وَالثَّامِنَةُ: أَنَّ فِيهِ لَيْلَةَ جَمْعٍ وَهِيَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ فَضْلِهَا.

 

وَالتَّاسِعَةُ: أَنَّ فِيهِ الْحَجَّ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ.

 

وَالْعَاشِرَةُ: وُقُوعُ الأُضْحِيَةِ الَّتِي هِيَ عَلَمٌ لِلْمِلَّةِ الإِبْرَاهِيمِيَّةِ وَالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ كُرِهَ لَهُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ يَأْخُذَ بَشَرَتَهُ وَأَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ أَوْ يَحْلِقَ شَعَرَهُ، وَلْيَتَشَبَّهْ بِالْمُحْرِمِينَ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَحْرُمُ ذَلِكَ كُلُّهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أَهَلَّ هِلالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلا يَأْخُذْ مِنْ شَعَرِهِ وَلا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ»؛ اهـ.

 

الحادي عشر: وأزيد هنا واحدة، وهي: أن فيه عيد أهل الموقف، وهو يوم عرفة، والذي فيه أكمل الله للمسلمين دينهم.

 

الصيام من يوم 1 إلى يوم 9 من ذي الحجة:

أيها المحبون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، إن حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ»؛ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»، هذا الحديث يدل على استحباب الصوم فيها؛ لأن الصيام من العمل الصالح وداخل في عموم الحديث: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ».

 

وهناك حديث رواه أبو داود في سننه (2437)، وغيره بإسناد صححه الشيخ الألباني رحمه الله؛ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ».

 

يقول الشيخ عبد المحسن العباد: عشر ذي الحجة، ولكن المقصود التسع، وقد اشتهرت بهذا الاسم تغليبًا، وإلا فإن اليوم العاشر يوم العيد، ولا يجوز صيامه بحال من الأحوال؛ لأنه يحرم صوم العيدين وأيام التشريق، وأيام التشريق لم يرخَّص في أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي، أما العيدان فلا يجوز صيامهما بحال من الأحوال، بل يجب إفطارهما.

 

قال ابن رجب الحنبلي في اللطائف صـ262: وممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد تقدم عن الحسن وابن سيرين وقتادة ذكر فضل صيامه، وهو قول أكثر العلماء أو كثير منهم.

 

وقال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري شرح صحيح البخاري (9 / 15): ولهذا كان سعيد بن جبير - وهو راوي هذا الحديث، عن ابن عباس - إذا دخل العشر اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يقدر عليه.

 

وروي عنه، أنه قال: لا تطفئوا مصابيحكم في العشر؛ تعجبه العبادة؛ اهـ.

إذًا السلف يهتمون بهذه العشر ويعظِّمونها في نهارها بالصوم ولياليها بالقيام.

 

أيهما أفضل؟

وهنا يطرأ سؤال: يقول ابن القيم في زاد المعاد (1 / 57): فَإِنْ قُلْتَ: أَيُّ الْعَشْرَيْنِ أَفْضَلُ؟ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، أَو الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ؟

قُلْتُ: فَالصَّوَابُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ رَمَضَانَ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ لَيَالِيَ الْعَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ إِنَّمَا فُضِّلَتْ بِاعْتِبَارِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَهِيَ مِنَ اللَّيَالِي، وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ إِنَّمَا فُضِّلَ بِاعْتِبَارِ أَيَّامِهِ؛ إِذْ فِيهِ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ؛ اهـ.

 

وقال شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في مجموع الفتاوى (25 / 287): أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاللَّيَالِي الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ.

 

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَإِذَا تَأَمَّلَ الْفَاضِلُ اللَّبِيبُ هَذَا الْجَوَابِ. وَجَدَهُ شَافِيًا كَافِيًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَفِيهَا: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ.

 

وَأَمَّا لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ فَهِيَ لَيَالِي الْإِحْيَاءِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحْيِيهَا كُلَّهَا، وَفِيهَا لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. فَمَنْ أَجَابَ بِغَيْرِ هَذَا التَّفْصِيلِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُدْلِي بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ؛ اهـ.

 

وقال ابن رجب في اللطائف صـ267: والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء: إن مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها، والله أعلم؛ اهـ.

 

وقال ابن رجب أيضًا صـ 263: وأمَّا قيام ليالي العَشر، فمستحبٌّ... استحبَّه الشافعيُّ وغيرُه من العلماء، وكان سعيد بن جبير وهو الذي روى هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما إذا دخل العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يُقدَر عليه، وروي عنه أنه قال: لا تطفئوا سُرُجَكم ليالي العشر تعجبه العبادة.

 

يبقى عندنا سؤال: كيف نتعبَّد في الأيام العشر؟

الجواب باختصار، أقول: أمَّا العبادة، فقال شيخ الإسلام: العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل.

 

وقال أيضًا: العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة؛ اهـ.

 

والعبادة لها ركنان أو شرطان:

الأول: الإخلاص لله، بأن يكون قصدك في العمل هو الله وحده؛ لا رياء فيه ولا سمعة، ولا إرادة وجه الناس وحمدهم؛ قال الله تعالى في سورة الكهف: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ»؛إسناده صحيح أخرجه ابن ماجة (4202) بهذا اللفظ، وأخرجه مسلم (2985)، وفي مسند أحمد (7999)، وابن حبان (395).

 

الثاني: المتابعة، بأن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضد السنة البدعة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَأَمْرُهُ رَدٌّ»؛ (رواه مسلم (1718) (18)، وغيره.

 

ومن الأعمال التي يستحب الإكثار من فعلها في هذه الأيام:

1 - كثرة ذِكر الله تعالى من تكبير وتهليل وتحميد: قال الحافظ ابن رجب في اللطائف 263: وأما استحباب الإكثار من الذِّكر فيها، فقد دلَّ عليه قولُ الله عزَّ وجل: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]؛ فإنَّ الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء؛ اهـ.

 

ويسنُّ إظهار التكبير في المساجد والمنازِل والطرقات والأسواق، وغيرها، يَجهر به الرجال، وتسرُّ به المرأة، إعلانًا بتعظيم الله تعالى.

 

2 - الصيام فيها، وأعظمها صِيام يوم عرفة؛ وهو مستحبٌّ لغير الحاجِّ.

 

3 - كثرة الصَّلاة من نوافل وقِيام ليل ونحوه.

 

4 - كثرة الصدقات: فلا تَحرم نفسك من الصدقة ولو بالقليل.

 

5 - صِلَة الأرحام: فقد روى البخاريُّ ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «من سرَّه أن يُبسط له في رِزقه، وأن يُنسأ له في أَثره، فليصِل رَحِمه»؛ (رواه البخاري (5985)، ومسلم (2557).

 

7 - بر الوالدين: فقد روى الإمام مسلِم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «رَغِم أنفُ، ثُمَّ رغم أنفُ، ثُمَّ رَغم أنفُ»، قيل: مَن يا رسُول الله؟ قال: «مَن أدرك أبويه عِند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخُل الجنَّة» (رواه مسلم 2551).

 

قال العلماء: قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «رَغِم أنف» معناه إمَّا دعاء بالذلِّ، وإمَّا بالفقر.

 

8 - الإحسان إلى الخلق.

 

9 - حسن الجوار.

 

10 - قراءة القرآن.

 

11- الأُضْحِيَّة، وهي سنَّة مؤكَّدة في حقِّ الموسِر.

 

12- أداء الحج والعمرة لمن حجَّ الفريضة إن استطاع.

 

13- صلاة العيد.

 

وغيرها من الأعمال الصالحة.

 

إذًا فلك أن تصلي وتصوم، وافعل كل ما يحبه الله ويرضاه مما يوافق شريعته ويوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم من غير ابتداع في الدين، هذا والله أعلم، وصلِّ الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.

________________________________________________
الكاتب: الشيخ حسن حفني

  • 8
  • 0
  • 2,472

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً