زكاة الفطر
فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ"
تعريفها:
زكاة الفطر هي صدقة تجب بالفطر في رمضان، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنها سبب وجوبها.
حكمتها ومشروعيتها:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ))؛ (رواه أبو داود 1371 قال النووي: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ).
قوله: (طهرة): أي تطهيرا لنفس من صام رمضان، وقوله (والرفث) قال ابن الأثير: الرفث هنا هو الفحش من كلام، قوله (وطعمة): بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل. قوله: (من أداها قبل الصلاة): أي قبل صلاة العيد، قوله (فهي زكاة مقبولة): المراد بالزكاة صدقة الفطر، قوله (صدقة من الصدقات): يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات. عون المعبود شرح أبي داود.
وقيل هي المقصودة بقوله تعالى في سورة الأعْلَى: { {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} } [الأعلى: 15]; رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ قَالا: ((أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلاةِ)) أيْ صلاة العيد. أحكام القرآن للجصَّاص ج3: سورة الأعلى.
وعَنْ وَكِيعٍ بْنِ الْجَرَّاحِ - رحمه الله - قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَتِي السَّهْوِ لِلصَّلاةِ، تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلاةِ. المجموع للنووي ج6.
حكمها:
الصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضٌ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ). وَلإجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ. المغني ج2 باب صدقة الفطر.
وقت وجوبها:
فَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَهُوَ وَقْتُ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ. فَمَنْ تَزَوَّجَ، أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَعَلَيْهِ الْفِطْرَةُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، لَمْ تَلْزَمْهُ.. وَمِنْ مَاتَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ، فَعَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ (المغني ج2): فصل وقت وجوب زكاة الفطر.
على من تجب:
- زكاة الفطر تجب على المسلمين: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ). (البخاري 1407)
- قال الشافعي - رحمه الله -: وَفِي حَدِيثِ نَافِعٍ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَفْرِضْهَا إلا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ مُوَافَقَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الزَّكَاةَ لِلْمُسْلِمِينَ طَهُورًا وَالطَّهُورُ لا يَكُونُ إلا لِلْمُسْلِمِينَ. (الأم ج2 باب زكاة الفطر).
- تجب على المستطيع، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ. (الأم ج2 باب زكاة الفطر).
- قال النووي - رحمه الله -: الْمُعْسِرُ لا فِطْرَةَ عَلَيْهِ بِلا خِلافٍ،.. وَالاعْتِبَارُ بِالْيَسَارِ وَالإِعْسَارِ بِحَالِ الْوُجُوبِ، فَمَنْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ صَاعٌ، فَهُوَ مُوسِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَهُوَ مُعْسِرٌ وَلا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْحَالِ. المجموع ج6.
شروط وجوب صدقة الفطر:
- يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن ينفق عليهم من الزوجات والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم، لأنهم المخاطبون بها أصلاً.
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. (صحيح البخاري 1407)
قال الشافعي رحمه الله: وَيُؤَدِّي وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ عَنْهُمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ كَمَا يُؤَدِّي الصَّحِيحُ عَنْ نَفْسِهِ.. وإِنْ كَانَ فِيمَنْ يمونُ (أي يعول) كَافِرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ لأَنَّهُ لا يَطْهُرْ بِالزَّكَاةِ. الأم ج2 باب زكاة الفطر.
وقال صاحب المهذب: قَالَ الْمُصَنِّفُ - رحمه الله تعالى -: (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ وَوَجَدَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ فَاضِلا عَنْ النَّفَقَةِ، فَيَجِبُ عَلَى الأَبِ وَالأُمِّ وَعَلَى أَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا - وَإِنْ عَلَوا - فِطْرَةُ وَلَدِهِمَا وَوَلَدِ وَلَدِهِمَا - وَإِنْ سَفَلُوا - وَعَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ (وَإِنْ سَفَلُوا) فِطْرَةُ الأَبِ وَالأُمِّ وَأَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا - وَإِنْ عَلَوا - إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ نَفَقَتُهُمْ، المجموع ج6.
يُخْرِجُ الإنسانُ عن نفسه وزوجته - وإن كان لها مال - وأولاده الفقراء ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها. فإن كان ولده غنيًّا لم يجب عليه أن يخرج عنه، ويُخرج الزوج عن مطلقته الرجعية لا الناشز ولا البائن، ولا يلزم الولد إخراج فطرة زوجة أبيه الفقير لأنه لا تجب عليه نفقتها.
ويبدأ بالأقرب فالأقرب، بنفسه فزوجته فأولاده ثم بقية القرابة أقربهم فأقربهم على حسب قانون الميراث.
- قال الشافعي - رحمه الله -: وَمَنْ قُلْت تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَإِذَا وُلِدَ، أَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ عِيَالِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَغَابَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ هِلالِ شَوَّالٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ.. الأم: باب زكاة الفطر الثاني.
ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا إن يتطوع بها فلا بأس.
وَإِنْ مَاتَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ قَبْلَ أَدَائِهَا، أُخْرِجَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ.. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَمُونُهُ، بَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ، لَمْ تَسْقُطْ. (المغني ج2).
والخادم إذا كان له أُجْرَةٌ مُقَدَّرة كل يوم أو كُلَّ شهر لا يُخرج عنه الصدقة لأنه أجير والأجير لا يُنفق عليه. (الموسوعة 23/339).
- وفِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ الْيَتِيمِ: قَالَ مَالِكٌ - رحمه الله -: يُؤَدِّي الْوَصِيُّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الْيَتَامَى الَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا. المدونة ج1.
- إذا أسلم الكافر يوم الفطر: فقد قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ. المدونة ج1.
مقدار الزكاة:
مقدارها صاع من طعام بصاع النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم.
لحديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ "كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ" (رواه البخاري 1412).
والوزن يختلف باختلاف ما يملأ به الصاع، فعند إخراج الوزن لابد من التأكد أنه يعادل ملئ الصاع من النوع المخرَج منه... وهو مثل 3 كيلو من الرز تقريبًا.
الأصناف التي تؤدى منها:
الجنس الذي تُخرج منه هو طعام الآدميين، من تمر أو بر أو رز أو غيرها من طعام بني آدم.
ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ((فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ)) - وكان الشعير يومذاك من طعامهم - (البخاري 1408)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: ((كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ))؛ (رواه البخاري 1414).
فتخرج من غالب قوت البلد الذي يستعمله الناس وينتفعون به سواء كان قمحا أو رزًا أو تمرًا أو عدسًا...
قال الشافعي - رحمه الله -: وَإِنْ اقْتَاتَ قَوْمٌ ذُرَةً، أَوْ دُخْنًا، أَوْ سُلْتًا أَوْ أُرْزًا، أَوْ أَيَّ حَبَّةٍ مَا كَانَتْ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَهُمْ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهَا. (الأمّ للشافعي ج2 باب الرجل يختلف قوته).
وقال النَّوَوِيُّ - رحمه الله -: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْرَجِ مِنْ الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الأَقْوَاتِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ (أي في زكاة الحبوب والثمار)، فَلا يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهَا إلا الأَقِط وَالْجُبْنُ وَاللَّبَنُ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَزَائِرِ أَوْ غَيْرِهِمْ يَقْتَاتُونَ السَّمَكَ وَالْبَيْضَ فَلا يُجْزِئُهُمْ بِلا خِلافٍ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَالصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ: أَنَّهُ لا يُجْزِئُ قَوْلا وَاحِدًا... قَالَ أَصْحَابُنَا: وَكَذَا لَوْ اقْتَاتُوا ثَمَرَةً لا عُشْرَ فِيهَا كَالتِّينِ وَغَيْرِهِ لا يُجْزِئُ قَطْعًا. (المجموع ج6: الواجب في زكاة الفطر).
وقال ابن القيم - رحمه الله -: فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ صَاعَ التَّمْرِ فِي كُلِّ مَكَان، سَوَاءٌ كَانَ قُوتًا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قِيلَ: هَذَا مِنْ مَسَائِلِ النِّزَاعِ وَمَوَارِدِ الاجْتِهَادِ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُ فِي كُلِّ بَلَدٍ صَاعًا مِنْ قُوتِهِمْ، وَنَظِيرُ هَذَا تَعْيِينُهُ صلى الله عليه وسلم الأَصْنَافَ الْخَمْسَةَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَأَنَّ كُلَّ بَلَدٍ يُخْرِجُونَ مِنْ قُوتِهِمْ مِقْدَارَ الصَّاعِ، وَهَذَا أَرْجَحُ وَأَقْرَبُ إلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَإِلا فَكَيْفَ يُكَلَّفُ مَنْ قُوتُهُمْ السَّمَكُ مَثَلا أَوْ الأَرُزُّ أَوْ الدُّخْنُ إلَى التَّمْرِ.. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (إعلام الموقعين ج2).
القياس:
ويجوز إخراجها من المكرونة المصنوعة من القمح ولكن يتأكد أنَّ الوزن هو وزن صاع القمح.
وأمَّا إخراجُها مالاً فلا يجوز مطلقا لأنّ الشّارع فرضها طعاما لا مالاً وحدّد جِنْسها وهو الطّعام فلا يجوز الإخراج مِنْ غيره، ولأنّه أرادها ظاهرة لا خفيّة، ولأنّ الصحابة أخرجوها طعاما ونحن نتّبع ولا نبتدع، ثمّ إخراج زكاة الفطر بالطعام ينضبط بهذا الصّاع أمّا إخراجها نقودا فلا ينضبط، فعلى سعر أي شيء يُخرج؟، وقد تظهر فوائد لإخراجها قوتًا كما في حالات الاحتكار وارتفاع الأسعار والحروب والغلاء. ولو قال قائل: النقود أنفع للفقير ويشتري بها ما يشاء وقد يحتاج شيئًا آخَر غير الطعام، ثم قد يبيع الفقير الطعام ويخسر فيه، فالجواب عن هذا كله أن هناك مصادر أخرى لسدّ احتياجات الفقراء في المسكن والملبس وغيرها، وذلك من زكاة المال والصدقات العامة والهبات وغيرها، فَلْنَضَعْ الأمور في نصابها الشّرعي ونلتزم بما حدّده الشّارع، وهو قد فرضها صاعا من طعام: طُعمة للمساكين ونَحْنُ لَوْ أعطينا الفقير طعامًا مِنْ قوت البلد فإنه سيأكل منه ويستفيد عاجلا أو آجلا لأنَّ هذا مما يستعمله أصلا.
وبناء عليه فلا يجوز إعطاؤها مالا لسداد دَيْنِ شخص أو أجرة عملية جراحية لمريض أو تسديد قسط دراسة عن طالب محتاج ونحو ذلك فلهذا مصادر أخرى كما تقدم.
وقت الإخراج:
- تؤدى قبل صلاة العيد كما في الحديث أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم – (أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ). (البخاري 1407)
ووقت الدفع له وقت استحباب ووقت جواز.
فأما وقت الاستحباب فهو صباح يوم العيد للحديث السابق، ولهذا يسن تأخير صلاة العيد يوم الفطر ليتَّسِعَ الوقت لمن عليه إخراجها، ويفطر قبل الخروج.
كما يُسَنّ تعجيل صلاة العيد يوم الأضحى ليذهب الناس لذبح أضاحيهم ويأكلوا منها.
أما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو يومين. ففي صحيح البخاري عن نافع قال: "كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير حتى إنه كان يعطي عن بنيّ وكان يعطيها الذين يقبلونها وكان يُعطون قبل الفطر بيوم أو بيومين".
ومعنى قوله (الذين يقبلونها) هم الجباة الذين ينصبهم الإمام لجمع صدقة الفطر.
وعَنْ نَافِعٍ: "إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ بِثَلاثَةٍ". (المدونة ج1 باب تعجيل الزكاة قبل حلولها).
ويكره تأخيرها بعد صلاة العيد وقال بعضهم يحرم وتكون قضاء واستُدِل لذلك بحديث: "مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ" (رواه أبو داود 1371).
قال في عون المعبود شرح أبي داود: والظَّاهِرُ أنَّ مَنْ أَخْرَجَ الفطرة بعد الصلاة كان كَمَنْ لم يخرجها باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة. وقد ذَهَبَ أكثر العلماء إلى أنَّ إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ، وجزموا بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر، والحديث يردّ عليهم، وأمَّا تأخيرها عن يوم العيد. فقال ابن رسلان: إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها.
فيحرم إذن تأخيرها عن وقتها بلا عذر لأنه يفوت به المعنى المقصود، وهو إغناء الفقراء عن الطلب يوم السرور فلو أخَّرها بلا عذر عصى وقضى.
ويجب أن تصل إلى مستحقها أو من ينوب عنه من المتوكلين في وقتها قبل الصلاة، فلو أراد دفعها إلى شخص فلم يجده ولم يجد وكيلاً له وخاف خروج الوقت فعليه أن يدفعها إلى مستحق آخر ولا يؤخّرها عن وقتها، وإذا كان الشّخص يحب أن يدفع فطرته لفقير معيّن ويخشى أن لا يراه وقت إخراجِها فليأمره أن يوكل أحدًا بقبضها منه أو يوكله هو في قبضها له من نفسه فإذا جاء وقت دفعها فليأخذها له في كيس أو غيره ويبقيها أمانة عنده حتى يلقى صاحبها.
وإذا وكّل المزكّي شخصًا بإخراج الزكاة عنه فلا تبرأ الذمة حتى يتأكد أن الوكيل قد أخرجها ودفعها فعلاً.: مجالس شهر رمضان: أحكام زكاة الفطر للشيخ ابن عثيمين.
لمن تعطى:
تصرف زكاة الفطر إلى الأصناف الثمانية التي تصرف فيها زكاة المال وهذا هو قول الجمهور.
وذهب المالكية وهي رواية عن أحمد واختارها ابن تيميّة إلى تَخْصِيصِ صَرْفِها للفقراء والمساكين.
- (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَتُقْسَمُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تُقْسَمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ لا يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ،.. وَيَقْسِمُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِي الرِّقَابِ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ. كتاب الأم: باب ضيعة زكاة الفطر قبل قسمها.
- وقال النووي - رحمه الله -: بعدما ساق حديث ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمُعَاذٍ رضي الله عنه: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ».. قال: وَلا يَجُوزُ دَفْعُ شَيْءٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ إلَى كَافِرٍ , سَوَاءٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ الْمَالِ.. وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: لا يُعْطَوْنَ (أي الكفار).
والمستَحِقّون لزكاة الفطر مِنَ الفقراء ومَنْ عَلَيْهِمْ دُيون لا يستطيعون وفاءها أو لا تكفيهم رواتبهم إلى آخر الشهر فيكونون مَساكين محتاجين فيعطون منها بقدر حاجتهم.
ولا يجوز لدافِعها شراؤها ممن دفعها إليه. فتاوى الشيخ ابن عثيمين.
إخراجها وتفريقها:
- الأفضل أنْ يَتَوَلَّى الإنسان قسْمها بنفسه: (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَخْتَارُ قَسْمَ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنَفْسِي عَلَى طَرْحِهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ.
- قال النووي - رحمه الله -: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي (الْمُخْتَصَرِ): وَتُقَسَّمُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ، وَأُحِبُّ دَفْعَهَا إلَى ذَوِي رَحِمِهِ الَّذِينَ لا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِحَالٍ، قَالَ: فَإِنْ طَرَحَهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.. و..الأَفْضَلَ أَنْ يُفَرِّقَ الْفِطْرَةَ بِنَفْسِهِ و.. لَوْ دَفَعَهَا إلَى الإِمَامِ أَوْ السَّاعِي أَوْ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ الْفِطْرَةُ لِلنَّاسِ وَأَذِنَ لَهُ فِي إخْرَاجِهَا أَجْزَأَهُ، وَلَكِنَّ تَفْرِيقَهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ. (المجموع: ج6).
- ويجوز أن يوكّل ثقة بإيصالِها إلى مُسْتَحِقّيها وأمَّا إن كان غير ثقة فلا، قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ وَرَجُلٌ يَقُولُ لَهُ: إنَّ (فلانا) أَمَرَنِي أَنْ أَطْرَحَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَفْتَاكَ الْعِلْجُ بِغَيْرِ رَأْيِهِ؟ اقْسِمْهَا (أي تولّ أنت قسمتها بنفسك)، فَإِنَّمَا يُعْطِيهَا ابْنُ هِشَامٍ (أي الوالي الذي يجمعها في المسجد) أَحْرَاسَهُ وَمَنْ شَاءَ. (أي يعطيها لغير مستحقّيها). الأم: باب ضيعة زكاة الفطر قبل قسمها.
وَنَصَّ الإمام أحمد - رحمه الله - على أنه يَجُوزُ صَرْفُ صَاعٍ إلَى جَمَاعَةٍ، وَآصُعٍ إلَى وَاحِدٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْ عِيَالِهِ مِسْكِينًا وَاحِدًا. (المدونة ج1 باب في قسم زكاة الفطر).
وإذا أعطى فقيرا أقلّ من صاع فلينبهه لأنّ الفقير قد يُخرجها عن نفسه.
ويجوز للفقير إذا أخذ الفطرة من شخص وزادت عن حاجته أن يدفعها هو عن نفسه أو أحد ممن يعولهم إذا علم أنها تامة مجزئة.
مكان الإخراج:
قال ابن قدامة رحمه الله: فَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُهَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَفُرِّقَتْ فِي الْبَلَدِ الَّذِي سَبَبُهَا فِيهِ. (المغني ج2 فصل إذا كان المزكي في بلد وماله في بلد).
وورد في المدونة في فقه الإمام مالك - رحمه الله -: قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ إفْرِيقِيَّةَ وَهُوَ بِمِصْرَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَيْنَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: حَيْثُ هُوَ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَدَّى عَنْهُ أَهْلُهُ بِإِفْرِيقِيَّةَ أَجْزَأَهُ (ومصطلحهم في كلمة إفريقية يختلف عما هو عليه الآن) (ج1. باب في إخراج المسافر زكاة الفطر).
نسأل الله أن يتقبّل منّا أجمعين، وأن يُلحقنا بالصالحين، وصلى الله على النبيّ الأمين وعلى آله وصحبه.
_______________________________________________________
المصدر: موقع جمعية البر بالرياض
- التصنيف: