الأضحية في الإسلام
الأضاحي لها أحكام وآداب يجب على المسلم معرفتها، وتم عرضها في هذا المقال وبالله تعالى التوفيق.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إلى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.
الأضاحي لها أحكام وآداب يجب على المسلم معرفتها، فأقول وبالله تعالى التوفيق.
معنى الأضاحي:
الأضحية: هي اسمٌ لما يذبحهُ المسلمُ مِن الإبل والبقر والغنم يوم عيد الأضحى وأيام التشريق الثلاثة؛ تقربًا إلى اللهِ تَعَالَى؛ (فقه السنة للسيد سابق ـ جـ4 ـ صـ176).
قَالَ الإمَامُ النووي (رَحِمَهُ اللهُ): سُميت الْأُضْحِيَّة بهذا الاسم؛ لأنها تُفعَلُ في الضُّحَى، وَهُوَ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ؛ (صحيح مسلم بشرح النووي ـ جـ7 ـ صـ127)
مشروعية ذبح الأضاحي:
الْأُضْحِيَّةُ ثابتةٌ بالقرآن الكريم والسُّنَّة النبوية المباركة وإجماع عُلماء المسلمين، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].
رَوَى مُسلمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا (جَانِبِ الْعُنُقِ)؛ (مسلم ـ حديث 1966).
الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، يُكْرَهُ للمُسْلِمِ أن يتركها إذا كان يَقْدِرُ عَلَى شِرَائِهَا؛ (المجموع للنووي ـ جـ8 ـ صـ385).
رَوَى مسلمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»؛ (مسلم ـ حديث 1977).
فائدة مهمة:
في هذا الحديث الشريف عَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُضْحِيَّةَ بالإرادة، والتعليقُ بالإرادة يُنَافي الوجُوب.
* رَوَى عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ: إِنِّي لَأَدَعُ الْأَضْحَى، وَإِنِّي لَمُوسِرٌ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى جِيرَانِي أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيَّ؛ (إسناده صحيح) (مصنف عبدالرزاق ـ جـ4 ـ صـ383).
رَوَى عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبَةٌ الضَّحِيَّةُ عَلَى النَّاسِ؟ قَالَ: لَا، وَقَدْ ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ (إسناده صحيح). (مصنف عبدالرزاق ـ جـ 4ـ صـ 380).
* قَالَ الإمَامُ مَالِكُ بْنُ أنَسٍ (رَحِمَهُ اللهُ): الضَّحِيَّةُ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَوِيَ عَلَى ثَمَنِهَا أَنْ يَتْرُكَهَا؛ (موطأ مالك ـ جـ 1 ـ صـ 388).
* قَالَ الإمَامُ الترمذي (رَحِمَهُ اللهُ): الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْمَلَ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ؛ (سنن الترمذي ـ جـ 4 ـ صـ 78).
الحكمة من ذبح الأضحية:
نستطيع أن نوجز الحكمة من الأضحية في الأمور التالية:
(1) التَّقَرُّب إلى اللهِ تَعَالَى بِهَا، قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام: 162، 163].
والنُّسُكُ هُنَا هُوَ الذبح تقرُّبًا إلى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
(2) إحْيَاء سُنَّة خليل الرحمن إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(3) التَّوْسِعة عَلى الأهْلِ يوم العيد، وإشاعة الرحمة والمودة بين الفقراء.
(4) شُكْر الله تَعَالَى عَلى نِعَمِهِ العظيمة وعَلى مَا سَخَّرَه لنا مِنْ بهيمة الأنعام؛ (منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري ـ صـ243).
أنواع الأضاحي المشروعة:
اتفقَ العُلماءُ على أنَّ الْأُضْحِيَّةَ لا تجوز إلا مِنَ الإبل والبقر، والغنم ومنها الماعز، بسائر أنواعها، فيشمل الذَّكَر والأنثى، والخصي، ولا تجزئ غير هذه الأنواع؛ لأنه لم ينقل أحَدٌ مِن العُلماء عَن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عَن الصحابة التضحية بغير هذه الأنواع مِن الأنعام، ولأن الْأُضْحِيةَ عِبادة تتعلق بالحيوان، فتختص بهذه الأنواع المذكورة فقط؛ (الفقه الإسلامي للزحيلي ـ جـ3 ـ صـ611).
وأفْضَلُ ما يُضَحي به المسلمُ هو: الإبل ثم البقر ثم الغنم ثم الاشتراك في الإبل ثم الاشتراك في البقر؛ (المغني لابن قدامة ـ جـ13 ـ صـ 366).
رَوَى عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَا يُهْدِي أَحَدُكُمْ لِلَّهِ مَا يَسْتَحِي أَنْ يُهْدِيَ لِكَرِيمِه؛ اللَّهُ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ، وَأَحَقُّ مَنِ اخُتِيرَ لَهُ؛ (إسناده صحيح) (مصنف عبدالرزاق ـ جـ 4 ـ صـ 386).
السِنُّ المشروع للأضاحي عند ذبحها:
يُجْزئُ مِن الضَّأن والماعز ما له سَنَة كَامِلَة، ولكن إذا لم يتيسَّر مِن الضَّأن مَا له سَنَة، أجزأ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، ولا يجوز ذلك في الماعز. ويُجْزئ مِن البقر مَا له سَنَتان كاملتان، ويُجْزئ مِن الإبل مَا له خمس سنين، ولا يُجزئُ أقَل مِنْ ذَلِكَ؛ (الاستذكار لابن عبدالبر ـ جـ15 ـ صـ154).
رَوَى مسلمٌ عَنْ جَابِرٍ بْنِ عبدالله قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» "؛ (مسلم ـ حديث 1963).
فتوى دار الإفتاء الـمصرية:
* أقل ما يـجزئ في الأضحية مِن البقر الثنية منها، وهي ما كان لها سنتان ودخلت في الثالثة، وتـحديد سِن الأضحية تـوقيفي، ولا عبرة لكثرة اللحم؛ لأن الاعتبار لبلوغ سِن التلقيح؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية ـ جـ8 ـ فتوى رقم:1130/ صـ2762).
ينبغي على المسلم الذي يَحْرِصُ على اتباع سُنَّة نبينا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أن يتأكد مِنْ سِن الْأُضْحِيَّةِ عند شرائها، وذلك بسؤال أهْلِ الخبرة الصالحين في هذا الأمْر.
حكم الأضحية بالأنعام المخصية:
يجوزُ أن تكون الْأُضْحِيَّة بالْخَصِيِّ مِن الإبل أو البقر أو الغنم؛ (المغني لابن قدامة ـ جـ13ـ صـ371).
رَوَى ابْنُ مَاجَه عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ (خَصِيَّيْنِ) فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ لِمَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني ـ حديث 2531).
معنى الخِصاء:
الْخِصَاءُ: ذَهَابُ عُضْوٍ غَيْرِ مُسْتَطَابٍ، يَطِيبُ اللَّحْمُ بِذَهَابِهِ، وَيَكْثُرُ وَيَسْمَنُ.
* قَالَ الْخَطَّابِيُّ (رحمهُ اللهُ): فِي هَذَا الحَدِيثِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْخَصِيَّ فِي الضَّحَايَا غَيْر مَكْرُوه، وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْض أَهْل الْعِلْم لِنَقْصِ الْعُضْو، وَهَذَا النَّقْص لَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ الْخِصَاءَ يَزِيدُ اللَّحْمَ طِيبًا وَيَنْفِي فِيهِ الزُّهُومَة وَسُوء الرَّائِحَة؛ (معالم السنن للخطابي ـ جـ2ـ صـ197).
ما لا يجـوز من الأضاحـي:
رَوَى أبو داودَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ؟ فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ، فَقَالَ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا ( (عَرَجَهَا) )، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى» (لَيْسَ لَهَا مُخٌّ)؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني ـ حديث 2431).
* قَالَ الإمَامُ ابنُ عَبدالبر (رَحِمَهُ اللهُ): الْعُيُوبُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَمُجْتَمَعٌ عَلَيْهَا، لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا دَاخِلٌ فِيهَا. فَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ قَائِمَة، أَلَّا تَرَى أَنَّ الْعَوْرَاءَ إِذَا لَمْ تَجُزْ فِي الضَّحَايَا، فَالْعَمْيَاءُ أَحْرَى أَلَّا تَجُوزَ، وَإِذَا لَمْ تَجُزِ الْعَرْجَاءُ، فَالْمَقْطُوعَةُ الرِّجْلِ أَحْرَى أَلَّا تَجُوزَ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ (الاستذكار لابن عبدالبر ـ جـ 15ـ صـ 124).
يَجبُ أنْ يَعْلَمَ كُلُّ مُسْلِمٍ أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طَيِّبًا؛ ولذا فإنَّ مِنْ شُروط الْأُضْحِيَّةِ أن تكون سليمة مِن العيوب التي تنقص اللحم، فلا يَجوزُ للمسلم أن يتقربَ إلى الله تَعَالى بأضحيةٍ بها عُيوب، فلا تُجزئ العمياء ولا العَوْرَاء ولا الْمَرِيضَةُ، التي لا يُرجَى شِفَاؤُهَا، ولا العرجاء، الظاهر عرجها، ولا التي يبس ضرعها، ولا التي ذَهَبَ أُذُنها أو قَرنها، ولا مقطوعة الإلية؛ (المغني لابن قدامة ـ جـ13ـ صـ369: صـ371).
العيوب اليسيرة في الأضحية مَعفوٌّ عنها:
* قَالَ الْخَطَّابِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): الْعَيْب الْخَفِيف فِي الضَّحَايَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: "بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَبَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَبَيِّنٌ ظَلْعُهَا"، فَالْقَلِيلُ مِنْهُ غَيْرُ بَيِّنٍ فَكَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ؛ (معالم السنن للخطابي ـ جـ2ـ صـ199).
الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهل بيته:
أهْلُ بيتِ الرَّجُلِ هُمُ الَّذِينَ تلزمه النفقة عليهم، قليلًا كانوا أو كثيرًا، والْأُضْحِيَّةُ بالشاة الواحدة تُجزئُ عنهم جميعًا؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية ـ جـ23 ـ صـ164).
رَوَى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَحَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ، أَنَفِسْتِ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ»، فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ؛ (البخاري ـ حديث 5548).
* قَالَ العسقلاني (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: (ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الذَّبْحَ الْمَذْكُور كَانَ على سَبِيل الْأُضْحِية، ثم قَالَ رحمهُ اللهُ: وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ضَحِيَّةَ الرَّجُلِ تُجْزِي عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني ـ جـ 10ـ صـ 8).
* قَالَ القرطبي (رحمهُ اللهُ): لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بِأُضْحِيَّةٍ مَعَ تَكْرَارِ سِنِي الضَّحَايَا وَمَعَ تَعَدُّدِهِنَّ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِنَقْلِ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ، كَمَا نُقِلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الجزئيات؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني ـ جـ 10ـ صـ 8).
رَوَى ابْنُ مَاجَه عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ لِمَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني ـ حديث 2531).
رَوَى الترمذيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1261).
رَوَى عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَذْبَحُ الشَّاةَ يَقُولُ أَهْلُهُ: وَعَنَّا، فَيَقُولُ: وَعَنْكُمْ؛ (إسناده صحيح) (مصنف عبدالرزاق ـ جـ 4ـ صـ 384).
الاشتراك في الأضحية الواحدة:
يجوز للمسلم أن يَشتركَ في الْأُضْحِيَّةِ مع غيره، إذا كانت مِن الإبل أو البقر، فيُجزئُ البعير الواحد أو البقرة الواحدة عَن سَبعة أفراد، بشرطِ مُرَاعَاة السِّن؛ (المغني ـ لابن قدامة ـ جـ13 ـ صـ392).
رَوَى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عبدالله قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ (البعير) عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ؛ (مسلم ـ حديث 1318).
ما يتجنبه صاحب الأضحية:
رَوَى مسلمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْج النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ»؛ (مسلم حديث 1977).
النهي في هذا الحديث الشريف يَشْمَلُ شَعْر الرأسِ والشَّارِبِ والإبِطِ والعَانَةِ.
وقت ذبح الأضاحي:
يبدأ وَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ الانتهاء مِن صلاة العيد والخطبة، أو مرور وقت بمقدار الانتهاء مِنْ صلاة العيد والخطبة، ويمتد الذبح ليلًا ونهارًا حتى آخِـــر أيام التشريق الثلاثة؛ (الاستذكار ـ لابن عبدالبر ـ جـ15 ـ صـ198).
ذبح الأضاحي قبل صلاة العيد:
لا يَجوزُ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ قبل صلاة العيد أو قبل مرور وقت بمقدار صلاة العيد؛ (سبل السلام للصنعاني ـ جـ4ـ صـ533).
رَوَى البخاريُّ عَن الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ؛ (البخاري ـ حديث 965).
رَوَى مُسْلمٌ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: شَهِدْتُ الْأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعْدُ أَنْ صَلَّى وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَرَى لَحْمَ أَضَاحِيَّ قَدْ ذُبِحَتْ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ
بِاسْمِ اللَّهِ؛ (مسلم ـ حديث 1960).
حكم التوكيل في الأضاحي:
مِنَ السُّنَّةِ أن يَقُومَ صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ بذبحها بنفسه، اقتداءً بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
رَوَى البخاريُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا (جَانِبِ الْعُنُقِ) وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ؛ (البخاري ـ حديث5564).
ويَجوزُ لصَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ أن يُنيبَ غيره في ذَبْحِها والتصرف فيها بلا حَرَج، ولا خِلافَ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ في جَواز التوكيل؛ وذلكَ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ بيده ثلاثًا وستين بَعِيرًا ثم أعطى السِّكِينَ لعَلي بن أبي طالب فنَحَرَ الباقي؛ (البخاري ـ حديث 1718/ مسلم ـ حديث 1218).
الدعاء عند ذبح الأضحية:
مِنَ السُّنَّةِ عند ذَبْح الْأُضْحِيَّةِ أن يقولَ صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ، أو نائبه: (بِاسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ) اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ (ويَذْكُر اسمه) وأهْلِهِ، ويَذْكُرُ الوكيلُ اسْمَ مَنْ أنَابَهُ؛ (مسلم ـ حديث 1967).
أجـرة الجـزَّار:
يَقُومُ صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ بإعطاء الْجــَزَّار أُجْــرَةَ عمله مِنَ المال، ولا يجوز أن يعطيه أجرته مِنْ لحم الْأُضْحِيَّةِ، ولا يعطيه جلدها بدلًا مِنَ الأجـــرة؛ لأن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهى عَنْ ذلكَ.
رَوَى مُسْلمٌ عَنْ عَلِيِّ بنِ أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا، وَأَلَّا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا، قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا؛ (مسلم ـ حديث 1317).
فائدة مهمة:
يَجوزُ لصَاحِب الْأُضْحِيَّةِ أن يُعطي الْجَزَّارَ شيئًا مِنْ لحم الْأُضْحِيَّةِ عَلَى سبيل الهدية، أو الصدقة؛ (المغني لابن قدامة ـ جـ13 ـ صـ 382:381).
تقسيم لحوم الأضاحي:
يُستحبُّ أن تُقَسَّمَ الْأُضْحِيَّة ثلاثة أقسام: فيأكل أهْلُ البيت ثُلُثَ الْأُضْحِيَّةِ، ويتصدَّقون بثُلُثٍ على الفقراء، ويُهدون الثُّلُثَ البَاقي للأقارب والجيران؛ (الاستذكار لابن عبدالبرـ جـ15ـ صـ173/ المغني ـ جـ13ـ صـ379).
رَوَى مُسْلمٌ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (عَنْ لحوم الأضاحي): كُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا؛ (مسلم ـ حديث 1791).
أمور خاصة بالأضاحي:
(1) إذا عَيَّنَ المسْلمُ أضحيةً، فولدت، فولدها تابعٌ لها، وحُكْمه حُكْمها، سواء كان حَملًا قبل التعيين، أو حَدَثَ بعده؛ (المغني لابن قدامة ـ جــ 13ـ صـ375).
(2) إذا أَوْجَبَ المسْلمُ عَلَى نفْسِهِ أضحيةً سليمةً ثم أصابها عيب يمنع الإجزاء بتضحيتها، مِنْ غير إهمال منه، ذبحها ولا حَرَج؛ (الأم للشافعي ـ جـ2 ـ صـ225).
(3) إذا أَوْجَبَ المسلمُ أضحيةً مُعَيَّنَةً ثُم أصَابَهَا تَلَفٌ أو سُرِقَت بإهمالٍ منه، وَجَبَ عليه أن يذبحَ مثلها، وأما إذا حَدَثَ ذلكَ بغير تفريطٍ منه فلا شيء عليه.
(4) يَجوزُ استبدال الْأُضْحِيَّةِ بأفضل مِنْهَا، ولا يَجوزُ استبدالها بِأَقَلّ مِنْهَا.
(5) لا يَجوزُ بيع شيء مِن الْأُضْحِيَّةِ، لا لحمها، ولا جِلْدَهَا، ولا صُوفها، واجبة كانت أو تطوُّعًا؛ لأنها تعيَّنت بالذبح، ويجوز الانتفاع بجلدها، أو التصدُّق به.
(6) إذا نَذَرَ المسْلمُ أضحيةً نَذْرًا غير مُقَيَّدٍ بشخصٍ مُحَدَّدٍ، فله أن يأكل منها.
(7) إذا عَيَّنَ المسْلمُ أضحيةً ومات قبل ذبحها، وَجَبَ عَلى ورثته ذبحها، ولا يجوز بيعها والتصدق بثمنها، ولا بيعها لسداد دَيْنه؛ لأن دَيْن الله أحق بالقضاء؛ (المغني لابن قدامة ـ جـ13ـ صـ391:373).
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وينفعَ به طلابَ العِلْمِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّينِ.
___________________________________________________
الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق
- التصنيف: