النحر والتشريق
أيام التشريق: هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فهي أيام الذكر التي ذكرها الله تعالى بقوله سبحانه {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}
يوم النحر: فهو أعظم أيام السنة؛ كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ). وهو يوم الحج الأكبر؛ لأن أكثر أعمال الحجاج تكون فيه؛ حيث رمي الجمار، وذبح الهدي، وحلق الرأس، والتحلل من الإحرام، والطواف بالبيت.
وخطب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم النحر فقال «هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ) ، قال ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «يَوْمُ النَّحْرِ تَكُونُ الْوِفَادَةُ وَالزِّيَارَةُ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ طَوَافُهُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ طُهِّرُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ يَوْمَ عَرَفَةَ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ رَبُّهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ فِي زِيَارَتِهِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ إِلَى بَيْتِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ فِيهِ ذَبْحُ الْقَرَابِينِ، وَحَلْقُ الرُّؤُوسِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَمُعْظَمُ أَفْعَالِ الْحَجِّ» اهـ.
وخطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة ذكر فيها استدارة الزمن، وإلغاء ما أحدثه أهل الجاهلية فيه من النسئ؛ ليستقر الزمان بأشهره على الصحيح الذي وضعه الله تعالى عليه، وبين فيها الحرمات العظيمة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ»؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا»؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ»؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ.ثُمَّ قَالَ: أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، [مَرَّتَيْنِ] (رواه الشيخان).
وأما أيام التشريق: وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فهي أيام الذكر التي ذكرها الله تعالى بقوله سبحانه {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، وتسمى أيام منى؛ لأن الحجاج يقرون فيها بمنى، ويكثر فيها ذكر الله تعالى بالتسمية والتكبير على الذبائح، والتكبير في رمي الجمار، والتكبير أدبار الصلوات؛ للحجاج وغير الحجاج، وقال فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). فاقدروا هذه الأيام العظيمة قدرها، وأكثروا من الذكر والعمل الصالح فيها؛ فإنها فرصة عظيمة لمن أدركها، وغنم كبير لمن استثمرها، وخسارة فادحة على من ضيعها.
أيها المسلمون: شرع الله تعالى لكم الأضاحي في يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة، وهي سنة مؤكدة لمن وجد قيمتها، وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأن يوم العيد هو يوم التقرب إلى الله تعالى بالهدي والأضاحي، ويجب الإخلاص فيها لله تعالى، ولا تذبح رياء ومفاخرة، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163]، وقال تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]؛ فكما أن الصلاة لله تعالى فكذلك يجب أن يكون النحر والذبح لله تعالى.
والأضحية من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).
ولأنها قربان لله تعالى فليختر أطيبها وأسمنها؛ لِقَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ رحمه الله تعالى: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ». ويجب اجتناب المعيبة من الذبائح فلا يجعلها أضحية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى». (رواه أهل السنن وصححه الترمذي).
قال ابن عبد البر: «أمّا العُيُوبُ الأربعةُ المذكُورةُ في هذا الحدِيثِ، فمُجتَمعٌ عليها، لا أعلمُ خِلافًا بينَ العُلماءِ فيها، ومَعلُومٌ أنَّ ما كانَ في معناها داخِلٌ فيها، ولا سيَّما إذا كانتِ العِلَّةُ فيها أبيَنَ»، وقَالَ عُبَيْدَ بْنَ فَيْرُوزَ: «قُلْتُ للبراء بن عازب: إنِّي لأكرَهُ أن يكونَ في القَرْنِ نَقصٌ، أو في الأُذُنِ نقصٌ، أو في السِّنِّ نقصٌ. قال: فما كَرِهتهُ فدَعْهُ، ولا تُحرِّمْهُ على أحَدٍ». فطيبوا بها نفسا، واستحضروا ثوابها، واشكروا الله تعالى عليها {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 36-37].
وصلوا وسلموا على نبيكم...
- التصنيف: