الزواج المثلي (اللواطي أو السحاقي)
وواجب على أمة الإسلام أن تنهض لاستنكار ما يدعو إليه أهل الشر والفساد، من توطين جرائمهم في بلاد الإسلام باسم حقوق الإنسان، أو باسم التطور والتقدم، ومنها هذه الجريمة العظمى والرزية الكبرى زواج اللوطية والسحاقية باسم الزواج المثلي.
إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، أمّا بعد:
لقد حرص الإسلام على بناء الأسرة وتكوينها تكويناً سليماً من الذكر والأنثى، فالزواج في الشريعة الإسلامية لا يكون إلا بين الجنسين -الذكر والأنثى- كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات:13] وقوله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21] وهذا مما أجمع عليه أهل الإسلام، وجميع الشرائع، وتطابقت عليه الفطر المستقيمة والمروءات القويمة.
وفي بلدان غير المسلمين اليوم انحراف في منهج الزواج، ونسف لقيمه النبيلة، ولم يكفهم علاقة الرجل بالمرأة بأي صورة من صور الانحراف، بل تعدى ذلك إلى ما سموه بالزواج المثلي (الزواج اللواطي والسحاقي) وهو عقد الذكر على الذكر (زواج اللواط) أو الأنثى على الأنثى (زواج السحاق).
فهؤلاء القوم لم يرعوا شرائعهم من نصرانية أو يهودية أو غيرها والتي تحرم ذلك وتمنعه، كما لم يرعوا فطرة مستقيمة، ولا مروءة قويمة؛ فشرعوا زواج اللوطية والسحاقية باسم: (زواج المثلية).
ونبين هنا تعريف الزواج المثلي عند الداعين إليه ونكارته في الشريعة الإسلامية فيما يلي:
تعريف الزواج اللواطي أو السحاقي (المثلي):
هو عقد بين شخصين من جنس واحد يجعل لكل منهما الاستمتاع بالآخر.
أي بين ذكرين أو بين أنثيين؛ ذكر مع ذكر، وأنثى مع أنثى.
حيث يُعْقَد رسمياً بين شخصين من جنس واحد، كما يعقد بين الرجل والمرأة، فيصيران شريكين في الحياة، ويجري بينهما في الفراش ما يجري بين الرجل والمرأة المتزوجين، وذلك انتكاس يخالف الفطرة السوية، والحالة المشروعة للزواج في الإسلام وغيره من الديانات السماوية.
وحقيقة الزواج المثلي عند المسلمين وفي شريعة رب العالمين أنه إن كان بين رجلين فهو عقد زواج على اللواط بإتيان الرجل للرجل، واتخاذ كل واحد منهما الآخر زوجاً، وهذا هو اللواط منضافاً إليه استحلال هذا الأمر بالعقد.
وإذا كان بين امرأتين فهو عقد زواج على السحاق بإتيان المرأة للمرأة كما يفعل الرجل مع المرأة، وهذا هو السحاق منضافاً إليه استحلال هذا الأمر بالعقد.
وكلاهما منهي عنه، فهو محرم، ومجرم ومعاقب عليه في شريعة الإسلام.
والزواج اللواطي والسحاقي انتكاس في الفطرة، ومفسدة للرجولة، وظلم للمرأة، تنفر منه الفطرة السليمة، والمروءة المستقيمة.
ولا يصير إلى زواج اللواط والسحاق (المثلية) إلا من أعمى الله بصيرتهم، ومسخ عقولهم عن رؤية الحق فصاروا كالأنعام بل هم أضل.
يقول الوليد بن عبد الملك (ت: 96هـ): "لولا أنَّ اللَّه قص علينا قصة قومِ لوط في كتابه ما ظننت أنَّ ذكراً يأتي ذكراً كما تؤتى النساء"[1].
وقد أمر الله تعالى بحفظ الفروج إلا ما شرع سبيله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5-7، المعارج:29-31] والزواج اللواطي والسحاقي (المثلي) تعدٍّ من المباح في الفروج بعقد الزواج إلى اللواط أو السحاق فهو محرم.
وقد حرم الله تعالى الفواحش ما ظهر منها وما بطن فقال تعالى: {قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون} [الأعراف:33].
ومن الفواحش المنكرة الزنا، وقد نهى الله عز وجل عن قرب أسبابه؛ لأنها تجر إليه، يقول تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32] وهذا تحريم قاطع، ودل ذلك على أنه جريمة منكرة في شريعة الإسلام، وحرمته مجمع عليها بين المسلمين قاطبة، قال ابن أبي تغلب (ت:1135ه): "قد أجمع المسلمون على تحريمه"[2]؛ لما سبق من أدلة، كما أجمع المسلمون على كفر من استحله، يقول القاضي عياض (ت:544ه): "أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل، أو شرب الخمر، أو الزنا مما حرم الله بعد علمه بتحريمه"[3].
وكذا من أبشع الفواحش وأقبحها عند الله تعالى فاحشة اللواط فهي فعلة محرمة، وجريمة منكرة، وقد نهى الله عز وجل عن اللواط فقال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [النمل:54] وقال {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165-166].
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: «لعن الله مَن عمل عمل قوم لوط، ولعن الله مَن عمل عمل قوم لوط، ولعن الله مَن عمل عمل قوم لوط»[4].
وكذا السحاق محرم في الشريعة[5] كما حرم اللواط؛ لما رواه واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السحاق بين النساء زنا بينهن»[6].
كما يدل على تحريم اللواط والسحاق من السنة النبوية حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الرجلُ إلى عورة الرجلِ، ولا المرأةُ إلى عورة المرأة، ولا يُفضي الرجلُ إلى الرجلِ في ثوب واحد، ولا تفضي المرأةُ إلى المرأةِ في الثوب الواحد»[7].
وأجمع علماء المسلمين على حرمة اللواط، قال ابن قدامة (ت:620ه): "أجمع أهل العلم على تحريم اللواط"[8].
بل العالم كله من المسلمين وغيرهم على تحريمه ونكارته، يقول ابن تيمية (ت:728ه): "العالم يعلم أن هذا[9] حرام بإجماع المسلمين، واليهود، والنصارى، والمجوس، والصابئين، وأكثر المشركين، لم يستحله إلا قوم لوط، وبعض الزنادقة من بقية الطوائف"[10].
ولا خلاف بين الفقهاء في تحريم السحاق[11]، وهو من كبائر الذنوب[12].
واللواط محرم ولو كان مع الزوجة، فقد شدد الشارع النهي والنكير على إتيان الزوجة في دبرها فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله عز وجل إلى رجل جامع امرأته في دبرها»[13]، قال ابن تيمية (ت:728ه): "وطء المرأة في دبرها حرام بالكتاب، والسنة، وهو قول جماهير السلف والخلف، بل هو اللوطية الصغرى"[14]، وقال: "متى وطئها في الدبر وطاوعته، عزرا جميعاً، فإن لم ينتهيا وإلا فرق بينهما، كما يفرق بين الرجل الفاجر ومن يفجر به"[15]، فضلاً عن لواط الرجل بالرجل، أو بالمرأة أياً كانت، فهو أشد نكراً وأعظم وزراً.
ومن ضلال غير المسلمين أنهم شرعوا الزواج اللواطي والسحاقي (المثلي) في قوانينهم، فيوجد أكثر من عشرين دولة حتى الآن أجازته في قوانينها.
والمنظمون لحقوق الإنسان من غير المسلمين -وبئس ما صنعوا- زجّوا بموضوع الزواج اللواطي والسحاقي (المثلي) ضمن موضوعات حقوق الإنسان منذ عام 1994م، ودعوا المسلمين إلى أن يكونوا مثلهم، لبئس ما قالوا وما فعلوا وما دعوا إليه، وصاروا بذلك كالأنعام، لا بل هم أضل سبيلاً.
وأما المسلمون فلا يعرفون من حقوق الإنسان إلا ما قرره كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا عبرة بما خالفهما مهما أتوا به في زخرف من القول، فالحقيقة لا يغيرها قوالب الألفاظ المزيفة، إذ العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
ودين الإسلام عالمي ما اتسعت الأرض، لا أقليمي أو محلي ضيق النطاق، يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
وقد بيّن الله تعالى في كتابه الكريم ما فعل بقوم لوط لما ارتكبوا أبشع الجرائم وأقبحها عند الله تعالى، وهو اللواط، فأنزل تعالى عليهم سخطه وعذابه الشديد؛ لشناعة جريمتهم النكراء، فقال: ﴿ {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82-82] فقلب الله بلدهم عليهم ظهراً لبطن، وأتبع ذلك بأن أمطرهم بحجارة من سجيل، أي: من طين متحجر، فهلكوا جميعاً.
قال ابن القيم (ت:751ه): "ليس في المعاصي مفسدة أعظم من هذه المفسدة، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل...قالوا: ولم يبتلِ الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدًا من العالمين، وعاقبهم عقوبةً لم يعاقب بها أمةً غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكّلَ بهم نكالاً لم ينكّله بأمّة سواهم؛ وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُمِلت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شاهدوها، خشيةَ نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم؛ وتعجّ الأرض إلى ربّها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها"[16]، وأثبتت الدراسات الطبية اليوم أن اللواط من أسباب مرض الإيدز، وهو من الأمراض المهلكة.
وقد أوجبت الشريعة الإسلامية العقوبة الشديدة على اللواط يقول النبي صلى الله عليه وسلم في عقوبة اللواط: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به»[17].
قال ابن القيم (ت: 751ه): "ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات"[18].
ويقرر الفقهاء أن عقوبة السحاق هي التعزير الموجع[19].
وقد بغى القوم من غير المسلمين وتعدوا جريمة اللواط والسحاق مع ما في ممارستها من الشذوذ، وما جاء فيها من التحريم والعقوبات - فشرعوا زواج اللوطية والسحاقية بعقد يجعل للرجل اللواط بالرجل، واتخاذه زوجاً، وسحاق المرأة بالمرأة واتخاذها زوجاً، وبذلك تعدوا في الجرم جريمة قوم لوط، فزادوا على إباحة اللواط وفعله بأن جعلوه زواجاً بعقد.
وأما استحلال المسلم عقد زواج الرجل بالرجل (اللواط) والأنثى بالأنثى (السحاق) فهو استحلال لما تحريمه مقطوع به ومعلوم من الدين بالضرورة في شريعة رب العالمين، وفيه مضادة للكتاب المنزل ومشاقة للنبي المرسل محمد صلى الله عليه وسلم، يقول العز بن عبدالسلام (ت:660ه): "ومن كذب بحكم فروعي...عالماً بأنه مقطوع به حكم بكفره؛ لتكذيبه الشرع"[20]، واستحلال الزواج اللواطي والسحاقي استحلال لأمر نهى الله عنه بحكم قاطع بنصوص صريحة على نحو ما سلف في تحريم اللواط والسحاق، وحصر الزواج بين الجنسيين الذكر والأنثى، كما أن ذلك اعتداء على ضرورات مقطوع بها في الشرع وهي: حماية العرض والنسل، وقى الله بلاد المسلمين من الشرور والفساد ما ظهر منه وما بطن.
وفي زواج الذكر بالأنثى على الأصل المشروع إرواء لعاطفة الزوجية بإشباع رغبة وميل كل جنس للآخر، وسد حاجته إليه ليسنده في مكابد الحياة، وذلك أمر ركبه الله في الإنسان من ذكر وأنثى لأصحاب الفطر السوية.
وفي الزواج الشرعي بين الذكر والأنثى تحقيق أحد مقاصد النكاح العظيمة ألا وهو تحصيل النسل، وهو زينة مطلوبة شرعاً، ومحبوبة طبعاً يقول الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46].
وتحصيل الولد من النكاح الشرعي له عوائد وفوائد على الوالدين بإرواء عاطفة الأبوة والأمومة، وبرهما من قبل الولد، والقيام بهما حال العجز والشيخوخة، والدعاء لهما بعد الوفاة.
كما للنسل عوائد وفوائد للمجتمع الإسلامي والإنساني بأسره، فقد استخلف الله عز وجل الإنسان في هذه الأرض لعمارتها، واستمرار الحياة فيها إلى ما شاء الله يقول تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَٰٓائِفَ ٱلْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍۢ دَرَجَٰتٍۢ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام:165] وقال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود:61].
وجعل من أسباب استمرار الخلافة في الأرض وعمارتها تناسل الإنسان وتكاثره، وليس للتكاثر والتناسل طريق مشروع سوى طريق واحد وهو الزواج بين الذكر والأنثى يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ} [الحجرات:13].
فزواج اللوطية والسحاقية (المثلية) قطع لهذه الفوائد والعوائد.
وللزواج اللواطي والسحاقي انعكاسات سيئة على أهله بالأمراض الناتجة عن الشذوذ الجنسي مثل: الإيدز (طاعون العصر) والهربس، وما لهما من مضاعفات خطيرة على صحة الإنسان، وتتعدى الأضرار إلى المجتمع الذي يطبق فيه بانهيار نظام الأسرة، وتفكك المجتمع، وقطع النسل، والحيلولة دون استمرار بقاء النوع الإنساني، وزيادة نسبة العنوسة في المجتمع، وما يستجلبه ذلك المنكر العظيم من العقوبة الإلهية للمجتمعات.
إن الشريعة الإسلامية الغراء، تحمل كل معاني الخير وجميل الخصال، صحة في الاعتقاد، وجمالاً في الأخلاق، وكمالاً في التشريع، وحوت الرحمة والعدل والصلاح للمسلمين ولغيرهم.
والخير كل الخير في شرع الله أولاً وآخراً، لا في الأهواء المنحرفة المورثة للفساد في الأرض، كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18] وقال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمواتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أتيناهم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذكرهم معرضون} [المؤمنون:71].
إن القوى المعادية للإسلام والمسلمين اليوم تريد أن تسدل الستار على الحروب التي كلفتها الكثير من القتلى والأموال، وخرجت منها خاسرة منكسرة ذليلة في أكثر أحوالها، ولكنها اليوم أعدَّت جيوشاً لا بندقية فيها، ولا مدفعية، ولا دبابة، ولا طائرة حربية؛ مسيرة أو غير مسيرة، ولكن جيوشها آلات تلفزة، وأقلام، وإعلام يستعمل أدوات التواصل الاجتماعي لبث الأفكار السامة -المعادية لهدي كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللدول والمجتمعات الإسلامية- وفي مقدمتها الإقناع والإلزام بالزواج اللوطي أو السحاقي تحت مسمى الزواج المثلي؛ ليوقعوا الأمة الإسلامية في مخالفة شريعة ربها، وفي أسباب الفناء والزوال، وقد أعدت هذه الجيوش الغازية اليوم عدتها، ونصبت أجهزتها، وخندقت مفكريها الذين مسخت فطرهم، وقلعت المروءة منهم -إن كان فيهم بقية من مروءة- لينهضوا بالدعاية لزواج اللواط والسحاق (الزواج المثلي) والتبرير لواقعها عندهم، وتصديرها للمسلمين فحذار حذار منهم على أمتنا.
وواجب على أمة الإسلام أن تنهض لاستنكار ما يدعو إليه أهل الشر والفساد، من توطين جرائمهم في بلاد الإسلام باسم حقوق الإنسان، أو باسم التطور والتقدم، ومنها هذه الجريمة العظمى والرزية الكبرى زواج اللوطية والسحاقية باسم الزواج المثلي.
ولا حقوق للإنسان عند المسلمين إلا ما تقرر في شريعة الإسلام {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27].
فلنكن على قدر المسئولية في صدهم؛ ليرتدوا خاسئين خاسرين كما خسرت جيوشهم من قبل، وإن المسلمين -إن شاء الله- لمنتصرون عليهم في هذه المعركة، كما انتصروا على جيوشهم العسكرية من قبل و {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:4-5].
وبالله التوفيق، وصل الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
[1] البداية والنهاية 12/ 403.
[2] نيل المآرب بشرح دليل الطالب 2/ 355.
[3] الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/ 287.
[4] أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (2816) 5/26، والنسائي في الكبرى برقم (7297) 6/ 485، والطبراني في الكبير برقم (11546) 11/ 218، والبيهقي في الكبرى برقم (17017) 8/ 402، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/622.
[5] المغني 10/ 162.
[6] أخرجه الطبراني في الكبير برقم (153) 22/ 63، قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 6/ 256: "رواه الطبراني، ورواه أبو يعلى ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سحاق النساء بينهن زنا» ورجاله ثقات".
[7] أخرجه مسلم برقم (337) 1/ 266.
[8] المغني 10/ 160.
[9] يعني: اللواط.
[10] الاستقامة 1/ 61.
[11] الموسوعة الفقهية الكويتية 24/ 252.
[12] الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 119.
[13] أخرجه ابن ماجه برقم (1923) 3/ 108، وأحمد في المسند برقم (8532) 14/ 214، والدارمي في المسند برقم (1180) 1/ 735، والنسائي في الكبرى برقم (8965) 8/200، قال ابن عبدالهادي في تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق 4/ 472: "وهو حديث جيد الإسناد"، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه 2/110: "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
[14] مجموع الفتاوى 32/ 266.
[15] مجموع الفتاوى 32/ 267.
[16] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي 1/ 395-396.
[17] أخرجه أبو داود برقم (4462) 6/ 510، والترمذي برقم (1456) 4/ 57، وابن ماجه برقم (2561) 3/594، وأحمد في المسند برقم (2731) 4/ 464، وقال ابن عبدالهادي في المحرر في الحديث برقم (1148) 624-625: "وإسناده صحيح فإن عكرمة روى له البخاري، وعمرو من رجال الصحيحين، وقد أعل بما فيه نظر"، وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام من أدلة الأحكام رقم (1216) 459: "ورجاله موثقون، إلا أن فيه اختلافاً"، وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 8/ 16-17.
[18] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي 1/ 392.
[19] الكافي في فقه أهل المدينة المالكي؛ لابن عبدالبر 2/ 1073، المغني 10/ 162.
[20] قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/ 182 تحقيق: نزيه حماد، وعثمان ضميرية.
______________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين
- التصنيف: