رمضان والهوية الإسلامية

منذ 7 ساعات

إن شهر رمضان يذكِّرنا بأننا أصحاب مجدٍ وأصالة، وأصحاب تاريخ وحضارة، بأننا أُمَّة ذات هُوِيَّة قوية، وذات عزيمة أبِيَّة، وذات همَّة عليَّة، شهر رمضان يذكِّرنا بهويتنا، وأن مصدر عزِّنا وقوتنا كتابُ ربنا وسُنة نبينا ﷺ.

رمضان والهوية الإسلامية

أما بعد إخوة الإسلام:

فإن شهر رمضان يذكِّرنا بأننا أصحاب مجدٍ وأصالة، وأصحاب تاريخ وحضارة، بأننا أُمَّة ذات هُوِيَّة قوية، وذات عزيمة أبِيَّة، وذات همَّة عليَّة، شهر رمضان يذكِّرنا بهويتنا، وأن مصدر عزِّنا وقوتنا كتابُ ربنا وسُنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

 

شهر رمضان يذكِّرنا بأن هويتنا ذات تميُّز ولا تذوب في الآخر.

 

شهر رمضان يذكِّرنا بهويتنا التي أهوت عروشَ كسرى وقيصر.

 

يذكرنا بهويتنا التي أهوت الحروب الصليبية.

 

يذكرنا بهويتنا التي أهوت وقهرت الحروب التتارية.

 

يذكرنا بهويتنا التي ربما تمرض، ولكنها لا تموت؛ لأن جذورها في أعماق التاريخ ضاربة.

 

يذكرنا بهويتنا التي ربما تضعف ولكنها لا تذِلُّ.

 

اعلموا - عباد الله - أن من مزايا شهر رمضان المبارك أنـه مَعلَم من معالم هويـة هذه الأمـة الربانية؛ ففيه أُنزل القرآن إيذانـًا بربط البشرية بخالقها من جديد، بعد أن اجتالتها الشياطين عن الحنيفية السَّمحة، وفيه يتجلى البعد الروحي للعبادات في الإسـلام، كما لا يكون فيما سواه.

 

الصوم في الإسلام عبادة عظيمة، ولعظمتها نالت الرُّكنيَّة في مبنى الإسلام العظيم، فلا غرابة أن يشتمل هذا الركن على مقاصدَ جليلة تتعلق بالأفراد وبجماعة المسلمين، ومن أهم تلك المقاصد ما يتحقق به من الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتجديد الخصوصية لهذه الأمة ببعض أحكامه وتعاليمه، التي تميزت بها هذه الأمة من بين الديانات والثقافات المختلفة.

 

أولًا: مصدر الهوية الإسلامية في رمضان هو القرآن الكريم:

إخوة الإسلام الكرام: إن مصدر عزِّ الأمة وشرفها، ومصدر هُوِيَّتِها التي تميزها عن غيرها هو ذلك الكتابُ الذي أنزله الله تعالى في شهر رمضان ليكون دستورًا للأُمة، ومنهجًا تسير على نهجه، ونورًا تهتدي به في ظلمات الحياة، ومنهلًا تنهل منه الأمة، وقاضيًا يقضي بينهم، وقائدًا يقودهم إلى السعادة الدنيوية والأخروية، وغذاءً للأرواح تستمد منه طاقتها وروحانيتها؛ إنه القرآن؛ قال ربنا: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10]، تردد العلماء في تفسير هذه الآية، وأرضى التفاسير عندي هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما؛ أي: فيه شرفكم، {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10]؛ أي: فيه شرفكم، وقال ربنا سبحانه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44]؛ لشرف لك ولقومك.

 

ولأهمية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهَّرة كمصدرين أساسيين للهوية الإسلامية؛ فقد اعتنى الشارع الحكيم اعتناء كبيرًا بالمحافظة عليهما؛ فقال تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10].

 

وقـال سبحانه وتعـالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 43، 44].

 

وكلتا الآيتين الكريمتين تشيران إلى ضرورة التمسك بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة؛ لأن فيهما العزة والرفعة للإنسان المسلم، ولهذا فهما موضع الفخر والاعتزاز بهما؛ قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8].

 

ثانيًا: القرآن الكريم وهوية التميز (الولاء والبراء):

والقرآن الكرم - أيها الإخوة الكرام - جاء ليحافظ على الهوية المسلمة حتى لا تذوب مع الآخر؛ فتذوب هويتها، وينسلخ أبناؤها عن هويتهم؛ لذا جاء القرآن الكريم ليضع الضوابط والحدود التي تحافظ على تلك الهوية، ومن أبرز تلك الضوابط ضابط الولاء والبراء، الذي لا يكون إلا لله ولرسوله ولعباده المؤمنين؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 23، 24].

 

نهاهم عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء؛ فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 51 - 53].

 

ثالثًا: التأكيد على الهوية الإسلامية في الصيام:

إخوة الإسلام الكرام: اعلموا أن الشريعة كلها - بما فيها الصوم - حافظت على بناء الخصوصية لهذه الأمة، بناء على طبيعة وجودها الخاتم، ووسطيتها في كل شيء، فجاء الصوم مؤكدًا لهذا المعنى من خلال النهي عن التشبُّه بالأمم الأخرى في بعض الأحكام والتعاليم، مع أنها عبادة واحدة في جوهرها، لكن تمييز هذه الأمة أصل جارٍ في فروع الشريعة كثيرًا.

 

مخالفة اليهود في الفِطر: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفطر، عجِّلوا الفطر؛ ‌فإن ‌اليهود ‌يؤخِّرون»[1].

 

 

مخالفة اليهود في السحور وهوية الأمة في رمضان:

ومن ذلك ما جاء في الترغيب بتناول أكلة السحور كثيرًا في السنة النبوية، ومن جملة مقاصد ذلك مخالفة اليهود؛ ففي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السَّحَر»[2].

 

قال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: "معناه الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم السحور، فإنهم لا يتسحَّرون، ونحن يُستحب لنا أن نتسحر"[3].

 

قال القرطبي في المفهم: "هذا الحديث يدل على أن السحور من خصائص هذه الأمة، ومما خُفِّف به عنهم أكلة السحر"[4].

 

وتعبير النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة (فصل) تدل على أن المفاصلة في العبادات وشعائر الدين مقصودة شرعًا؛ قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "وفيه دليل على أن الفصل بين العبادتين أمر مقصود للشارع"[5].

 

ومن ذلك النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام، وقد قيل: إن علة النهي هي ترك موافقة اليهود في يوم واحد من بين أيام الأسبوع، فاليهود عظَّمت السبت، فلا تعظِّموا أنتم الجمعة خاصة بصيام وقيام.

 

ومن ذلك النهي عن تخصيص يوم السبت بالصوم؛ فعن عبدالله بن بسر، عن أخته الصمَّاء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لِحاء عِنَبَة، أو عودَ شجرة، فلْيَمْضُغه»؛ (رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي) [6].

 

رابعًا: رمضان وهوية الأمة بالتكافل والتراحم بين أبناء الأمة:

إخوة الإسلام، إن شهر رمضان هو شهر وحدة الأحاسيس والمشاعر والعواطف؛ لتصبح الأمة كالجسد الواحد.

 

في شهر رمضان، تتجلى قِيَم التراحم والتكافل الاجتماعي في أبهى صورها، تتجلى هوية الأمة؛ حيث يصبح القلب أكثر لينًا، والروح أكثر قربًا من معاناة الآخرين، هذا الشهر الكريم يزرع فينا إحساسًا عميقًا بالآخر، وتتجلى هذه القيم في:

الشعور بمعاناة الآخرين: الصيام يذكِّرنا بأن هناك من يعاني الجوع طوال العام، مما يزرع في قلوبنا الرحمة والإحساس بالمسؤولية تجاههم.

 

العطاء بلا مقابل: من خلال الصدقات وزكاة الفطر، تتحقق أسمى معاني الإحسان؛ حيث يعطي الإنسان مما يحب دون انتظار مقابل.

 

التواصل الاجتماعي: موائد الإفطار الجماعية وتبادل الزيارات تجعل من رمضان فرصةً ذهبية لتقوية العلاقات الاجتماعية.

 

العمل الجماعي: رمضان يُبرز أجمل صور التعاون عبر المبادرات التطوعية، التي تعكس روح التآزُر بين أفراد المجتمع.

 

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس في رمضان وغيره؛ أخرج البخاري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة))[7].

 

ولقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على إفطار الصائمين، ورتَّب على ذلك الأجر والثواب من الكريم الوهَّاب؛ عن زيد بن خالد الجهني قال: قال صلى الله عليه وسلم: «من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء»[8].

 

واشتهى بعض الصالحين من السلف طعامًا وكان صائمًا، فوُضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلًا يقول: من يُقرض المليَّ الوفيَّ الغنيَّ؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصَّحفة فخرج بها إليه وبات طاويًا، وجاء سائلٌ إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائمًا، وكان الحسن يطعم إخوانه وهو صائم تطوعًا، ويجلس يروحهم وهم يأكلون، وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر الألوانَ من الحَلْوَاء وغيرها وهو صائم[9].

 

وكان من السلف مَن يُطعم إخوانه الطعام وهو صائم، ويجلس بخدمهم ويروحهم؛ منهم الحسن وابن المبارك.

 

قال أبو السوار العدوي: "كان رجال من بني عدي يُصلُّون في هذا المسجد، ما أفطر أحدٌ منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع الناس، وأكل الناس معه"[10].

 

وقد قال بعض السلف: "لأن أدعو عشرة من أصحابي فأُطعمهم طعامًا يشتهونه أحب إليَّ من أن أُعتق عشرة من ولد إسماعيل".

 

يقول يونس بن يزيد: "كان ابن شهاب - الزهري - إذا دخل رمضان، قال: فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام".

 

وكان حماد بن أبي سليمان يُفطِّر في شهر رمضان خمسمائة إنسان - طيلة شهر رمضان، هو مسؤول عنهم وعن تفطيرهم - وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكل واحد - منهم - مائة درهم.

 

خامسًا: رمضان وهوية الأمة: أمة عزيزة منتصرة لا تعرف الانهزامية:

أمة العزة والإباء: رمضان شهر انتصارات المسلمين في معاركهم الحاسمة، وذلك على مدار التاريخ، تلك الانتصارات التي أثبتت للأمة الإسلامية مكانتها، وحافظت على هويتها أول حلقة في سلسلة الانتصارات الرمضانية، وأول معركة وقعت بين المسلمين والمشركين، معركة الفرقان بين الحق والباطل، هي غزوة بدر الكبرى، التي وقعت بالقرب من ماء بدر، صبيحة يوم الجمعة 17 رمضان 2هـ (13 مارس 624م)، وعلى رغم قلة عدد المسلمين مقابل المشركين، فقد كان النصر حليفًا لهم، وخرج المسلمون من هذه الموقعة بكثير من المغانم؛ وقد قال الله تعالى في شأنها: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123].

 

وفي رمضان، كان الفتح الأعظم لأعظم بقعة خلقها الله تعالى على يدي أعظم مخلوق وأفضل موجود صلى الله عليه وسلم؛ كان فتح مكة، فبعد ستة أعوام من الحلقة الرمضانية الأولى، والانتصار الرمضاني الأول، كانت الحلقة الثانية، وهي فتح مكة، بقيادة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فبعد أن غدرت قريش ونكثت العهد الذي أبرمته في صلح الحديبية بمساعدتها قبيلة بكرٍ على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين، كان لا بد من نجدة خزاعة، وإذلال الشرك والمشركين في العام الذي سُمِّيَ بعام الفتح.

 

وفي 8 رمضان 9هـ (18 ديسمبر 630م)، كانت غزوة تبوك أو العُسرة على حدود الأراضي البيزنطية، وهناك أعلنت القبائل العربية خضوعها للمسلمين، واكتفى الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم بذلك، ولم يتوغل المسلمون في أراضي الدولة البيزنطية، وقد ترتب على هذه الموقعة اتساع رقعة الدولة الإسلامية لدرجة أنها عمَّت كل أرجاء بلاد العرب.

 

أما أبرز المعارك التي انتصر فيها المسلمون إبان عصر الخلفاء الراشدين، فهي معركة القادسية، على الضفة الغربية لنهر الفرات، التي وقعت في شعبان، واستمرت إلى رمضان 16هـ (637م)، بين المسلمين والفرس، ثم كانت المعركة التي أنقذت الإسلام والمسلمين، المعركة التي قامت أمة الإسلام بعدها من غفلتها واختلافها، وقامت تحت قيادة واحدة؛ هذه المعركة هي معركة عين جالوت في 25 رمضان 658هـ (3 سبتمبر 1260م)، وهي واحدة من أكثر المعارك حسمًا في التاريخ، أنقذت العالم الإسلامي من خطر داهم لم يواجَه بمثله من قبلُ، وأنقذت حضارته من الضياع والانهيار، وحَمَتِ العالم الأوروبي أيضًا من شرٍّ لم يكن لأحد من ملوك أوروبا وقتئذٍ أن يدفعه.

 

وفي 10 رمضان 1363هـ (6 أكتوبر 1973م)، عَبَرَ الجيش المصري قناة السويس، وحطَّم خط بارليف، وألحق الهزيمة بالقوات الصهيونية، في يوم من أيام العرب الخالدة التي سطَّرها التاريخ في أنصع صفحاته بأحرف من نور؛ ففي هذا اليوم وقف التاريخ يسجل مواقف أبطال حرب أكتوبر الذين تدفَّقوا كالسيل العارم يستردُّون أرضهم، ويستعيدون كرامتهم ومجدهم؛ فهم الذين دافعوا عن أرضهم، وكافحوا في سبيل تطهيرها وإعزازها، فضربوا بدمائهم، وحفظوا لأنفسهم ذكرًا حسنًا لا ينقطع، وأثرًا مجيدًا لا يُمحى، هؤلاء الأبطال الذين خشعت لذكرهم الأصواتُ، وأجمعت على فضلهم القلوبُ؛ لأنهم قضَوا نحبهم لحفظ مجدٍ مُغتصب، ولطلب حقٍّ مسلوب، ذلك اليوم المجيد من أيام التجلي الأعظم، وقف الله فيه مع جنوده المخلصين يشُدُّ أزْرَهم، ويقوِّي عزائمهم، ويثبِّت أقدامهم، ويرُد كيد عدوهم، ويقذف فيه بالحق على الباطل فيدمغه، فإذا هو زاهق.

 

إخوة الإسلام، من خلال تلك الانتصارات التي سطرت مشاهد العزة، ومشاهد التضحية، ومشاهد الفداء، ينبغي على الأمة أن تعتصم بكتاب ربها وسنة نبيها، وأن تعمل على الحفاظ عليها وإعادة مجدها.

 


[1] أخرجه ابن ماجه (1/ 542، رقم 1698)، قال البوصيري (2/ 71): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

[2] أخرجه: مسلم حديث رقم 1096، وأحمد 4/ 202، وأبو داود رقم 2343 كتاب الصوم، باب: توكيد السحور.

[3] «صحيح مسلم» (2/ 771 ت: عبدالباقي).

[4] «البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج» (20/ 556).

[5] «فيض القدير» (4/ 430).

[6] مسند أحمد (17686)، وصحيح ابن حبان (3615)، وأخرجه أبو داود (2421)، وابن ماجه في إثر الحديث (1726)، والنسائي في الكبرى (2760) و(2762).

[7] أخرجه أحمد 1/ 230 (2042)، والبخاري 1/ 4 (6) و4/ 229 (3554).

[8] رواه الترمذي (807)، وابن ماجه (1746)، وصححه ابن حبان (8/ 216)، والألباني في صحيح الجامع (6415).

[9] لطائف المعارف (188، 189).

[10] الكرم والجود وسخاء النفوس، البرجلاني (ص: 53).

_________________________________________________________-

الكاتب: السيد مراد سلامة

  • 2
  • 0
  • 21

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً