إلى متى تُهمل عقلك ؟
يا صاحبي، إنك تمضي الساعات الطوال تُقَلِّبُ شاشاتك، تُتابع لهوًا، وتضحك على ما لا يُغني ولا يُثْمِر، ثم تُفاجأ بأن ذهنك قد غشاَهُ الكسل، وأن روحك أثقلها الضجر، وأن طاقتك تسلَّلت من بين يديك.

يا صاحبي، إنك تمضي الساعات الطوال تُقَلِّبُ شاشاتك، تُتابع لهوًا، وتضحك على ما لا يُغني ولا يُثْمِر، ثم تُفاجأ بأن ذهنك قد غشاَهُ الكسل، وأن روحك أثقلها الضجر، وأن طاقتك تسلَّلت من بين يديك.
نحن اليوم نعيش في عالمٍ يعرض علينا المتعة الرخيصة في كل لحظة، ولكن ما أثقل الثمن! إنك تدفع صفاء ذهنك، ونور عقلك، وأجمل أوقاتك. كل نقرة فارغة، كل مشهد عابر، يذيب شيئًا من قدرتك على التفكير العميق، ويطفئ جذوة الإبداع فيك.
وليس هذا دعوةً إلى جلد الذات أو تأنيب الضمير، بل هو نداء إلى أن تَسْتَنهِض ما أودع الله فيك من طاقةٍ وعقل. إن عقلك لم يُخلَق ليكون وعاءً خاملًا، بل رُكِّب ليستكشف ويسأل ويتعلم. فابدأ من الآن: اقرأ، تساءل، ابحث، لا ترضَ بالإجابات السريعة، بل اجعلها بداية الطريق، ثم غُص في أعماق الكتب، وفتّش في قلوب المعارف حتى يسطع لك اليقين.
واكتب يا أخي! دوّن خواطرك، ولو كانت مبعثرة؛ صُغ أفكارك، ولو كانت قصيرة؛ فبالكتابة تُصبح خواطرك حقيقةً مُعاشة، ويشتد ساعد فكرك.
تعلّم لغةً جديدة، أو صنعة نافعة، أو فنًا يبدع قلبك فيه. لا تفعل هذا لأجل إثارة حسد الآخرين، ولا طلبًا للزهو، بل افعله من أجل نماءك ونضوجك، فإن للنمو لذّةً لا تضاهيها لذّة.
واصنع لعقلك لحظاتٍ من الصمت؛ بلا معازف، بلا شاشات، بل خلوة تُناجي فيها ربك ثم نفسك، وتراجع فيها يومك. فإن لم تمنح نفسك فرصة للتفكير نهارًا، طاردك ذهنك ليلًا، وحرمك طمأنينة النوم.
يا صاحبي، لستَ مُطالبًا بالكمال، ولكنك مُطالب بألّا تدع عقلك يذبل باسم “الراحة” الكاذبة. ثَقِّف نفسك. تحدَّ نفسك. اجعل من عقلك أقوى ما تملك، فهو عُدّتك في الدنيا بعد توفيق الله، ونورك في الطريق إلى الخير والقوة والعزة.
خالد بن منصور الدريس
أستاذ مشارك قسم الحديث في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض. ومدير موقع تعليم التفكير من منظور إسلامي
- التصنيف: