أيتام على موائد اللئام!! إن حال أهل السنة في الشام اليوم لا يسر مؤمنا، فقد تسلط عليهم ...

أيتام على موائد اللئام!!


إن حال أهل السنة في الشام اليوم لا يسر مؤمنا، فقد تسلط عليهم الصليبيون والمرتدون من مختلف الطوائف والأديان، وباتوا نهبا لتلك الفرق والأحزاب المتنازعة، يتقاسمونهم وديارهم وأموالهم، ويفرضون عليهم أهواءهم، وهم مغلوبون على أمرهم لا يدرون ماذا سيُفعل بهم، ولا أين يمضون في التيه الذي أُدخلوه منذ سنين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

وإن كان تسلّط المرتدين من أتباع النظام النصيري وحلفائه وأتباع حزب الـ PKK وحلفائه واضحا جليا، بسبب عدوانهم الظاهر على الإسلام ومحاربتهم لأهله، وسعيهم الجلي لتبديل دين الناس بإدخالهم في شرك الرافضة أو إلحاد الشيوعيين؛ فإن حال فصائل الصحوات المرتدين في مناطق حلب وإدلب ليس بأحسن كثيرا، رغم أن تلك الأحزاب والفصائل تزعم الإسلام، وترفع شعارات إسلامية كذبا وزورا.

ومن ينظر إلى حال الأهالي في تلك المناطق وخاصة النازحين منهم، يدرك حقيقة أنهم أصبحوا أداة في أيدي مرتدي الصحوات يتاجرون بهم ليتكسّبوا الدعم والتمويل على جراحاتهم من الخارج، ويستعملونهم أداة للتفاوض مستقبلا في الداخل، في الوقت الذي بدأ أمل أولئك النازحين بالعودة إلى ديارهم التي استولى عليها النصيرية يتضاءل رويدا رويدا، بعد أن تلاشى لديهم الأمل في إسقاط النظام النصيري إثر خيانة فصائل الصحوات وبيعها قضية بلاد الشام وأهلها للدول الداعمة التي لا تريد خيرا للإسلام والمسلمين كما هو معلوم.

أما المتاجرة بمعاناة أولئك النازحين، فلا أدل عليها من حملات البكاء والعويل التي تطلقها الفصائل المرتدة في كل شتاء حيث تغرق خيامهم بمياه الأمطار، وفي كل صيف حيث تتحول إلى أفران حامية تحرق المقيمين تحتها، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وهذه الحملات الكاذبة ليس هدفها مساعدة النازحين ورحمتهم والتخفيف عنهم كما تروج فصائل الصحوات والهيئات، وإنما استجداء للدعم والمساعدات، والتي إن وصلت فلن ينال النازحون منها إلا الفتات، بينما يذهب أكثرها إلى مستودعات ومخازن الصحوات وجيوب قادتها المرتدين.

وأما استعمالهم كأداة في المفاوضات المستقبلية، فإن حال النازحين والمهجرين اليوم في الشام يذكّرنا بحال المهجّرين من فلسطين على أيدي اليهود منذ عشرات السنين، حيث ما زالوا إلى اليوم مشردين في مخيمات اللجوء، لا تساويهم أغلب الدول التي يسكنونها بسكانها المقيمين، بحجة أن لهم حقا في العودة إلى ديارهم في فلسطين بعد تحريرها من اليهود، فلما أفل بريق شعارات التحرير، أصبحوا ورقة في التفاوض مع اليهود في "محادثات السلام"!، وبات ما يسمى "حق العودة" هو الهدف من وراء تلك المفاوضات، لا طرد اليهود وإعادة الأرض كل الأرض لأصحابها كما كان يقال.

والحق الذي يظهر أن مرتدي الصحوات الذين يتاجرون اليوم وسيزدادون متاجرة غدا بقضية المهجّرين ويرفعون شعار حق العودة -بنسخته الشامية- إلى ديارهم الواقعة تحت سيطرة النصيريين؛ لا يمكن أن يكونوا صادقين في هذا الشعار لتناقضه مع أساس عملية التجارة والمتاجرة التي يقومون بها، إذ إن خروج المهجّرين من المناطق الخاضعة لسيطرة الصحوات إلى ديارهم في مناطق سيطرة النصيرية، سيؤدي حتما إلى حجب مليارات الدولارات التي تصل اليوم كدعم وتمويل للمخيمات والنازحين، وستتحول تبعا لذلك هذه الأموال لتقع في أيدي النظام النصيري بدلا من الصحوات.

ويشهد على هذا الأمر اليوم، تحول قسم كبير من أموال الدعم لتمويل بناء مساكن إسمنتية في المخيمات عوضا عن الخيام، في رمزية تشير إلى التحول من حالة النزوح المؤقت إلى الإقامة الدائمة!، وبالتالي قطع آمال النازحين بالعودة إلى ديارهم، والتي لا يأمنون العودة إليها ما دام النظام النصيري مسيطرا عليها، في الوقت الذي تتواتر الأخبار عن نية النظام النصيري تجريد النازحين من أملاكهم التي تركوها خلفهم في مدنهم وقراهم والاستيلاء عليها، ثم حرمانهم من الأوراق الثبوتية، ما يبقيهم في حالة النزوح التي لا يعرفون متى ستنتهي.

ولأجل كل ماسبق، فإن الواجب على المسلمين اليوم في بلاد الشام أن يجددوا إيمانهم ويصححوا نواياهم، ويصلحوا ما أفسدته فصائل الصحوات، بالعزم على الجهاد في سبيل الله تعالى لاستعادة مناطقهم التي سيطر عليها النصيرية، فيعودوا إليها أعزة كرماء بدل أن يبقوا في مهاجرهم أذلة غرباء، وأن يسعوا لاستنقاذ أسارى المسلمين من سجون النصيرية ومرتدي الـ PKK ، فيخرجونهم من حكم الطاغوت إلى حكم الله العزيز الحكيم، وفي الوقت نفسه عليهم أن لا يتركوا جهاد مرتدي الصحوات الذين لا يقلون كفرا وضلالا وإفسادا، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 286
السبت 3 شوال 1442 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - قصة شهيد - أبو محمد الفرقان إن حرب العقائد والأفكار لا تقل أهمية ولا شراسة ...

الدولة الإسلامية - قصة شهيد - أبو محمد الفرقان


إن حرب العقائد والأفكار لا تقل أهمية ولا شراسة عن حروب الحديد والنار التي تتصارع من خلالها الجيوش، فتُسحق فيها الجماجم، وتُسكب الدماء، ويُباد البشر، بل لا مبالغة في القول إن حرب الأفكار هي الأساس الذي تقوم عليه أكثر حروب الحديد والنار.

ولذلك يخصص المشركون جزءا كبيرا من مواردهم المالية والمادية والبشرية لهذه الحرب، لتقوية صفوفهم، وتحشيد أنصارهم، وتغيير عقائد المسلمين، وزرع الوهن والعجز في نفوسهم، ودفعهم إلى الاستسلام والقبول بالتبعية لأعداء الملة والدين.

وفي الوقت نفسه يرابط على هذا الثغر العظيم رجال من أهل التوحيد، يعرفون من أين يُؤتى الإيمان، فيدفعون عن المسلمين الشبهات، ويدركون مقاتل العدو، فيُتبعون الغارة الغارة على عقول أتباعه وقلوبهم، ويوقنون أن النصر من الله تعالى، فيستعينون عليه بطاعته سبحانه، والتوكل عليه حق التوكل.

ومن هؤلاء الدعاة إلى الله، الذائدين عن حياض الإيمان، الذين وطئوا مرارا مواطئ تغيظ الكفار، حتى اعترفوا مرغمين بخبرته في هذا الميدان من الصراع، وشدة بأسه وصبره على هذه الساحة من ساحات النزال؛ الشيخ المجاهد أبو محمد الفرقان، تقبله الله تعالى، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

هو الدكتور وائل الطائي، من الرعيل الأول من المجاهدين في العراق، وتلاميذ مدرسة التوحيد في بغداد التي وضع أسسها الشيخ فائز تقبّله الله، ودفع ثمنا لذلك قتلة في سبيل الله على يد طاغوت البعث الهالك صدام حسين، ومن المؤسسين لقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين آنذاك، ومن القادة الأفاضل لدولة العراق الإسلاميّة، وأحد من أرسى الله بهم دعائم الدولة الإسلامية في الشام، وجدّد بهم معالم الدين وخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نشأ يتيما فلم يمنعه ذلك من التفوق على أقرانه، ودرس الطبّ فلم يشغله ذلك عن طلب العلم الشرعي والدعوة إلى دين الله تعالى، فكان ينشط بين زملائه في جامعة بغداد يدعوهم إلى التوحيد، ويوزع عليهم رسائل أئمة الدين من علماء الدعوة النجدية رحمهم الله، ويرتبط بعُصب الموحدين في بغداد وحزامها، ويطلب العلم على يد بعض من عُرفوا به في تلك الفترة.

لم يكد ينهي دراسته للطب وتخصصه في طب الأطفال ويعمل به لسنوات قليلة حتى دهمه وإخوانه الغزو الصليبي الأمريكي لأرض العراق، وسقوط نظام البعث الكافر، وانطلاق الجهاد المبارك في بلاد الرافدين، فكان من العصبة التي تأسست على يديها جماعة (أنصار السنة) في العراق، وذلك بعد وصول من نجا من جماعة (أنصار الإسلام) في كردستان إليهم، فكانوا النواة المؤسسة لهذه الجماعة المقاتلة، والمحرك الفعلي لأغلب مفاصلها.

• مع الأمير الذباح.. أبي مصعب الزرقاوي

فلما أظهر الله -تعالى- دعوة الشيخ أبي مصعب الزرقاوي تقبله الله، وأبان للناس صحة منهجه، وأعظم نكايته وإخوانه في الصليبيين، كان خيار الأفاضل من جماعة (أنصار السنة) الانضمام إليه، وعقد البيعة له، حرصا على الجماعة، ونبذا للاختلاف والفرقة، وكان على رأس هؤلاء الأفاضل الشيخ (أبو علي الأنباري) تقبّله الله، الذي فوضه إخوانه بمبايعة الشيخ الزرقاوي بالنيابة عنهم بعد أن وجدوا تسويفا ومماطلة من قيادة (أنصار السنة) في هذا الأمر، وحرصا على الزعامة والإمارة.

وهكذا دخل الشيخ أبو محمد إلى صفوف قاعدة الجهاد، ملازما لأخيه وأميره الشيخ خالد المشهداني (أبو شهد) تقبّله الله، الذي كان أميرا للقسم الإعلامي في التنظيم، فلما زادت الأحمال والتكاليف التي ألقاها الشيخ الزرقاوي على عاتق (أبي شهد)، عهد إلى أبي محمد بإدارة ملف الإعلام بالنيابة عنه، فأبلى في ذلك أحسن البلاء، حتى اعتقل الشيخ المشهداني، فصار أبو محمد أميرا للإعلام في التنظيم وكان يعمل حينها بكنية (أبي سَجَّاد).

وفي تلك الفترة كان الشيخ كثير اللقاء بالشيخ الزرقاوي يناقش معه أمور الإعلام والرسائل التي ينبغي أن تصل إلى كل من المسلمين والصليبيين، فتزيد من تأييد أهل الإسلام للجهاد في العراق، وتدفعهم إلى الهجرة والانضمام إلى المجاهدين، وتوهن من عزائم الصليبيين، وتشككهم في جدوى حربهم المهلكة في العراق، وتدفعهم إلى الانسحاب منه مخذولين مدحورين، وكان -رحمه الله- يبين لإخوانه في تلك المرحلة أن أهم واجبات الإعلام فيها إظهار الغلظة والشدة من المسلمين على الصليبيين، لإعادة الثقة والعزة لدى أهل الإيمان بعد قرون من الذل والخضوع، ولزرع الرعب من المجاهدين في قلوب المشركين عامة، وهذا ما كان بفضل من الله وحده.

ولما استوى الجهاد على سوقه، وقويت شوكة المجاهدين بعد معركة الفلوجة الثانية، وبدأ الشيخ الزرقاوي -تقبّله الله تعالى- يعد العدة لمسك الأرض، وتحقيق التمكين، وإقامة الشريعة والدين، وإعلان الدولة الإسلامية، وعزم أن يسبق ذلك بالخروج على الإعلام بوجهه مطمئنا للموحدين وإغاظة للمشركين.

كان الشيخ أبو محمد على موعد مع الشيخ الزرقاوي ليكون معه في تصوير المشاهد الضرورية للإصدار، فخرج إليه مع عدد من إخوانه أمراء التنظيم، كالشيخ أبي علي الأنباري والشيخ أبي محمد العراقي والشيخ أبي المعتز القرشي تقبّلهم الله جميعا، فقدر الله أن يعثر الصليبيون على المضافة التي كانوا فيها ينتظرون من يقلهم إلى مكان الشيخ الزرقاوي، وذلك إثر عملية إنزال أمريكية على موقع للمجاهدين قريب من المضافة، فالتقطت مكان المضافة عدسات طائرة استطلاع للصليبيين كانت تحوم في الأجواء لحظة اشتباكهم مع المجاهدين، وبعد أن انتهى الاشتباك بمقتل جميع المجاهدين في الموقع المجاور حيث فجَّروا أحزمتهم على القوات المهاجِمة ورفضوا الاستئسار لهم، حاصروا المضافة وفيها الشيخ أبو محمد ومن معه، وهم عزّل من السلاح تقريبا، لكون طريقهم من بغداد إلى مكان الشيخ الزرقاوي ملغما بالعديد من سيطرات الصليبيين، فقدر الله للشيخ أبي محمد أن يؤسر، ويبقى في السجن سنوات، وأن لا يودع أميره الوداع الأخير، فقتل الشيخ الزرقاوي تقبّله الله، وهو في سجنه، أسيرا عند الصليبيين، متنقلا بين سجونهم ومحاجرهم.

• داع إلى الله في سجون الصليبيين

في سجنه، لم يكن الشيخ أبو محمد لينسحب من ثغره ولا أن يترك أفكار أهل الضلال بمختلف أنواعهم أن تلوّث منهج أهل التوحيد أو تفسد عقائدهم، فكان يتصدى لأي انحراف يجده داخل السجن، ويقف في وجه كل من يسعى لإضلال المجاهدين مستغلا الضيق النفسي الذي يشعرون به في محابسهم، من خلال جرهم إلى الإرجاء إن وجد فيهم ضعفا وعجزا، أو دفعهم إلى الغلو إن وجد فيهم غضبا وسفاهة، وما زال جنود الدولة الإسلامية يذكرون موقفه في وجه الغلاة داخل السجن بعد خروج نابتة الخوارج في إحدى المناطق، وتسرب أفكارها الغالية إلى داخل السجن، معتمدين على شبهات باطلة أخذوها من بعض الكتب التي لم يحسنوا قراءتها، وأقوال نقلوها عن بعض علماء السوء لم يفهموها.

ولما وجد الإخوة الذين كانوا يسيِّرون شؤون جنود الدولة الإسلامية داخل السجن عظم فتنة الغلاة وخطرهم فوّضوا الشيخ أبا محمد الفرقان للتصدي لهم، وقد برزت حكمته وحسن سياسته في إدارته لذلك الملف الشائك، فلم يصطدم برؤوس الغلاة، ولم يلق لهم بالا لكيلا يمنحهم قيمة لا يستحقونها أو زعامة لا يملكونها، بل أسس للرد عليهم بسلسلة مبسطة من المحاضرات الشرعية، في باب أحكام الديار، وبات يدرس هذا المنهاج المبسط لمن يثق بهم من الإخوة، ويختبرهم فيه، فمن ضبط المنهاج أجازه بتدريسه لغيره من الإخوة.

وبات هذا المنهاج الذي استنسخ منه المجاهدون مئات النسخ، كتبوها على أوراق ينزعونها من علب العصير الذي يُقدّم لهم مع وجبات الطعام، ويحفظونه عن ظهر قلب؛ ينتقل من غرفة إلى غرفة داخل السجن الواحد، ويتعلمه الإخوة، فيردون على شبهات الغلاة الذين كان معظمهم جاهلا في الدين سطحيا في التفكير، وهكذا منّ الله تعالى على الإخوة داخل السجن بعزل أولئك الغلاة، وحماية المجاهدين من شبهاتهم، في الوقت الذي بدأ فيه جنود الدولة الإسلامية بحصد رؤوسهم في مختلف مناطق العراق لتنطفئ فتنتهم ويزول شرهم، بفضل الله وحده.

كان في سجنه مثالا للولاء والبراء، ونموذجا لإظهار العزة على الكافرين حتى وهو أسير عندهم، فبقي يظهر لهم العداء، ويغلظ لهم في القول، ويقف في وجههم مجادلا عن إخوانه، ولم يلن معهم رغم احتكاكه الإجباري الكبير معهم، فقد ألزمته معرفته باللغة الإنكليزية بالعمل مترجما لإخوانه داخل الأسر، حتى كان مصدر إزعاج للسجّانين، ومصدر تعزيز لنفوس الأسرى والمعتقلين.

• إعادة تأسيس جهاز الإعلام في الدولة الإسلامية

منَّ الله تعالى على الشّيخ بخروجه من سجن الرافضة المشركين، وما هي إلا أيام وقد التقى بإخوانه وعاد للعمل معهم، فقد كانوا يرقبون هذا اليوم منذ سنين، وكانوا ينتظرون أمثاله ليقيم صرح الإعلام من جديد بعد تعاقب الضربات التي تلقاها الجهاز الإعلامي للدولة الإسلامية، من قتل للكوادر، ومداهمة للمكاتب والمقرات، وكثرة تغير المسؤولين عنه، فما يكلف به أحد من المجاهدين حتى يبتليه الله بالأسر، أو يمن عليه بالقتل، في فترة من أصعب الفترات التي مرت بها الدولة الإسلامية عموما، فولاه أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي -تقبّله الله تعالى- وزارة الإعلام في دولة العراق الإسلامية، وظهر في التشكيلة الوزارية الثانية للدولة تحت اسم (الأستاذ أحمد الطائي).

بعد فضل الله وحده، كان في حرصه الكبير على الإجراءات الأمنية، وما عرف عنه من كتمان شديد، وحسن اختيار للغطاء الذي يتحرك به، وكثرة تنقله؛ دور كبير في نجاته من أيدي المرتدين الذين عمموا اسمه وصوره من جديد على سيطراتهم طالبين اعتقاله، وكانت هذه السمات قديمة فيه لم يفارقها منذ أيام جهاده الأولى، فكل من عرفه كان يعرف عنه كرهه الشديد لأي سؤال يخص شخصه أو يكشف معلومات خاصة عنه، وكان يعقد أكثر اجتماعاته مع الإخوة ولقاءاته بهم في أماكن عامة، يغيرها في كل مرة، وأكثر تنقلاته في المدن سيرا على الأقدام

تجنبا للحواجز والسيطرات، وكان غطاؤه الذي يتحرك به كطبيب قريبا جدا من شخصيته ومهنته الأصلية مما ساهم -بفضل الله تعالى- في إبعاد الشبهات عنه، وقلل من متابعة المرتدين له.

وفي هذه الفترة الصعبة كان واجب الشيخ أبي محمد أن يعيد بناء الجهاز الإعلامي للدولة الإسلامية، فيقوي مركزه المتمثل آنذاك بمؤسسة الفرقان، ويعيد الارتباط بالأطراف المتمثلة بمكاتب الولايات، بل ويؤمّن الاتصال من جديد بفروع القاعدة في العالم من أجل الرد على مطاعنهم في الدولة الإسلامية ومنهجها، وتوضيح ما أشكل عليهم من مسائل بهذا الخصوص، وقد تولى هذه المهمة معه الشيخ أبو علي الأنباري تقبّله الله.

ولما كانت الضربات الأمنية السمة الكبرى لتلك المرحلة، ولضعف بنية الجهاز الإعلامي للدولة الإسلامية آنذاك؛ كاد هذا الجهاز أن ينهار تماما بضربة واحدة وخصوصا بعد اكتشاف الروافض وأوليائهم الصليبيين لمقر سري لمؤسسة الفرقان داخل مدينة بغداد، ومداهمتهم للمقر، حيث كانت الملحمة التي استبسل فيها اثنان من المجاهدين هما أبو فيصل العراقي وناصر الجزراوي في التصدي للقوات المهاجمة، والإثخان في المرتدين، حتى قتلا تقبلهما الله تعالى، لتنتهي معهم مؤسسة الفرقان لولا لطف الله، فقد كان البطلان هما نواة هذه المؤسسة المنتجان لإصداراتها، المشرفان -مع بعض من كان حولهم من إخوانهم- على كل نشاطاتها.

ولما وصل الخبر للشيخ أبي محمد سارع بسحب من سلم من الإخوة إلى مدينة الموصل ليبدأ بهم تأسيس العمل الإعلامي من جديد، رغم أن الثقل الأكبر من العمل وقع على عاتقه هو لا على غيره.

• ربيع المجاهدين

ففي تلك الفترة التي قل فيها دخول المهاجرين، وصعب فيها تحصيل الكوادر الإعلامية المدربة، وجد أنه ينبغي تأسيس العمل من جديد، وابتدأ بنفسه، فراح يقرأ عن فنون التصميم والمونتاج والإخراج، ويتعلم من شبكة الإنترنت ما يعينه على ذلك، حتى وجد في نفسه القدرة على العمل، فشرع في العمل على إنتاج سلسلة من الإصدارات لمؤسسة الفرقان، بارك الله فيها، وصارت محط أنظار الناس في مشارق الأرض ومغاربها، فكان (ربيع الأنبار)، وكان (صليل الصوارم) بإصداراته الثلاثة الأولى، والتي كان سرّها خافيا حتى على أقرب الإخوة من الشيخ والعاملين معه، فكان يعطيهم الإصدار قبل نشره ليستشيرهم في أمره ويأخذ ملاحظاتهم عليه، وقد أوهمهم أن فريقا من الإخوة قد أنجزه، وما ذلك إلا من إخلاصه، تقبله الله، نحسبه كذلك، والله حسيبه.

وقد تزامنت فترة إعادة تأسيس إعلام الدولة الإسلامية تلك مع أحداث كثيرة هامة، أهمها خروج القوات الصليبية الأمريكية من العراق مذلولة مدحورة، وعودة الزخم للعمليات العسكرية لجنود الدولة الإسلامية في مختلف ولايات العراق، وكذلك انطلاق المظاهرات في مختلف البلدان، التي سمّاها الإعلام بمظاهرات "الربيع العربي"، التي امتدت أصداؤها إلى داخل العراق، ورغم افتتان أكثر الناس بهذه الأحداث، وتسويق الضالين لها أنها خير من منهج المجاهدين في سبيل الله؛ كان قادة دولة العراق الإسلامية يدركون أن لا جدوى من المظاهرات السلمية، ولا صحة للدعوات الجاهلية حتى لو أفضت إلى إسقاط الطواغيت، ويوقنون أن لا بديل عن الجهاد في سبيل الله لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين، ويعلمون أن أكبر فائدة تقدمها هذه المظاهرات والفوضى المرافقة لها أن تشغل الطواغيت وجنودهم، مما يسهل على المجاهدين توجيه الضربات القاضية لهم، وإقامة الدولة الإسلامية على ركام عروشهم المتهاوية، فكان إصدار (ربيع الأنبار) رسالة واضحة بهذا الخصوص، للتأكيد على أن لا تراجع عن منهج الجهاد، وأن ربيع المسلمين الحقيقي هو بإقامتهم للدين، وسيرهم على سنة خير المرسلين عليه الصلاة والسلام.

أما التأكيد الميداني على هذه الحقائق فتمثل بإرسال المجاهدين من العراق إلى الشام، ليؤسسوا لمشروع الجهاد ضد طاغية الشام بشار، مستفيدين من حالة الفوضى التي ضربت الشام إثر المظاهرات التي لم تتوقف منذ شهور، وباتت تتحول إلى العمل المسلح مع شدة بطش جنود الطاغوت في المناطق التي خرجت تنادي بإسقاط النظام النصيري، كما بدأ مجاهدو دولة العراق الإسلامية يصعدون من عملياتهم في مختلف ولايات العراق ويعظمون النكاية في الروافض والصحوات المرتدين، ويعدون العدة للنزول من الصحراء للسيطرة على المدن.

هذه الأحداث مهدت -بفضل الله وحده- لتحقيق التمكين للدولة الإسلامية، وتجديد الخلافة على منهاج النبوة، ثم الحملة الصليبية الكبرى والأخيرة -بإذن الله تعالى- على الدولة الإسلامية.

وكان للشيخ أبي محمد الفرقان -تقبّله الله- دور كبير في هذه الأحداث الكبرى بعد هجرته إلى الشام، وتوليه مهام جديدة في الدولة الإسلامية، وهذا ما سنكشف عنه -بإذن الله- في الحلقة القادمة من هذه السيرة العطرة، نسأل الله أن يعيننا ويسددنا، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 285
الخميس 24 رمضان 1442 هـ
...المزيد

حجج المفلسين بعد موجة التقارير الأمنية التي أطلقها الصليبيون طوال الفترة الماضية، وكانت تحذّر ...

حجج المفلسين


بعد موجة التقارير الأمنية التي أطلقها الصليبيون طوال الفترة الماضية، وكانت تحذّر من إمكانية "عودة" الدولة الإسلامية، وتعرب عن "قلقهم" من ذلك؛ هاهم اليوم يقرون صاغرين في أحدث تقاريرهم بأن الدولة الإسلامية عادت ووقع ما كانوا يحذرون، لكنهم عمدوا إلى تفسير أسباب هذه "العودة" بتفسيرات واهية لا تعدو كونها محاولات تبرير وترقيع، وحجج مفلسين حائرين عاجزين تقطعت بهم الأسباب وفقدوا الحلول.

لكن الصليبيون لم يعترفوا بهذه "العودة" من أول مرة، بل استغرقوا السنوات الثلاث الأخيرة وهم يتدرجون في هذا الإقرار الثقيل الذي أفسد عليهم نشوتهم التي لم تدم طويلا بعد ملحمة القرن "الباغوز"، والتي قالوا عنها إنها "الجيب الأخير" لجنود الخلافة!

ليتضح لاحقا للصليبيين ولغيرهم أنها كانت بعثا جديدا لمشروع الدولة الإسلامية وانتقالا له إلى أصقاع أخرى من الأرض، كما كانت دافعا إيمانيا قويا ونموذجا يُحتذى لالتحاق جيل جديد من المسلمين بهذه الدولة المباركة، بعد أن رأوا ذلك الثبات الأسطوري لقادتها وجنودها وذراريهم في وجه تلك الأهوال التي لم يعرف عنها العالم إلا القليل وحسبنا أن الله تعالى رأى وعلم.

وتدرّج الصليبيون في هذا الاعتراف بدءا بتصريحاتهم القديمة حول "وجود خلايا ما زالت تنشط في العراق والشام" إلى قولهم إن الدولة الإسلامية "يصعب القضاء عليها نهائيا" وقولهم إنها "لا تزال تشكل تهديدا حقيقيا" ثم قولهم إنها "نجحت في إعادة تجميع شتاتها" إلى محاولتهم تخفيف هول الصدمة على أنفسهم وأتباعهم بالإعلان عن أن "تنامي نشاطها" يقتصر على ملاذات ومناطق معينة ومحاولة حصر المشكلة في هذه المناطق دون غيرها، وظلوا يتهربون من الحقيقة ويرقّعون إلى أن اتسع الخرق عليهم وأصبحت "عودتها" أمرا واقعا لا تخطئه العين، فلم يجد الصليبيون بدّا من الاعتراف بذلك لأسباب مختلفة منها تهيئة شعوبهم وجيوشهم لما هو أسوأ!
ففرنسا مثلا الدويلة الصليبية التي غرقت جيوشها في رمال إفريقية، كانت مطلع العام تقول إنه "يمكن الحديث عن شكل من أشكال عودة الدولة الإسلامية"، ثم لم يمضِ سوى ثلاثة أشهر فقط على هذا التصريح، حتى عادت وزارة دفاعهم خاسئة لتعترف بأن الدولة الإسلامية "عادت للظهور مجددا".

ومع تأكيدنا على أن الدولة الإسلامية لم تختف لتظهر مجددا ولم تذهب لكي تعود كما يتحدث هؤلاء، بل ظلت باقية صامدة ماضية في جهادها، ولا أدلّ على ذلك من حصاد عملياتها العسكري الذي لم يتوقف بفضل الله تعالى في مختلف الولايات؛ إلا أننا نسلط الضوء اليوم على فشل الحكومات والجيوش الصليبية وتخبّطها في حربها ضد جنود الخلافة، وكيف حطّم المجاهدون بمعاول الإيمان وثن القوى الصليبية التي أخفقت -بقطبيها الأمريكي والروسي- أمام ثبات جنود الدولة الإسلامية والذين مازالوا ماضين ومصممين على مواصلة طريقهم حتى دابق وروما والقدس بإذن الله تعالى.

ولتبرير بقاء الدولة الإسلامية وانتشارها بعد كل حملاتهم عليها، صار الصليبيون يصرّحون بأنها "نقلت قاعدة عملياتها ومركز ثقلها إلى مناطق جديدة" غير العراق والشام، فمرة إلى خراسان، ومرة إلى جنوب شرق آسيا، ومرة إلى إفريقية والساحل، ومرة إلى سيناء، وكلما تصاعدت هجمات المجاهدين في صقع من الأرض قالوا إن الدولة الإسلامية نقلت مركز ثقلها إليه.

والحقيقة التي يحاول الصليبيون أن يغمضوا أعينهم عنها، هي أن الدولة الإسلامية لم تنقل مركز ثقلها من منطقة إلى أخرى، بل زادت أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم في كل مكان وطأته أقدام جنودها الأباة، وهذا هو التطبيق العملي لفريضة الجهاد التي لا تحدها حدود ولا سدود.

وغدا من الطبيعي أن يقول الصليبيون مرة بعد أخرى إن هجمات جنود الخلافة "خلال فترة معينة من العام قد زادت بشكل كبير مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق" ولم يعد يمر عليهم عام إلا والذي بعده أشدّ عليهم وأنكى بهم بفضل الله تعالى.

وللتغطية على خيبتهم، أرهق الصليبيون والمرتدون أنفسهم وهم يحاولون تفسير أسباب هذه "العودة" بتفسيرات كثيرة متناقضة، بعضها قديم قدم هذا الصراع بين الحق والباطل، وبعضها يتجدد مع كل تمدد يحرزه المجاهدون على الأرض.

ومِن هذه التبريرات قولهم: إن "الانسحاب الأمريكي من العراق ساهم في ولادة الدولة الإسلامية"، فما الذي أجبرهم على الانسحاب إذا؟ وهل هذا الانسحاب سبب لعودتها أم نتيجة لحروب الاستنزاف التي سعّرها المجاهدون عليهم في كل مكان نزلوا فيه؟!

ومنها: انشغال الحكومات الكافرة بالتصدي للوباء الفتاك، فأين كان الوباء يوم هربوا أول مرة من العراق؟ وهل كان الوباء سببا لسقوط الموصل والرقة وفرار جيوش حلفائهم بالمئات أمام تقدم المجاهدين؟!

ومِن أسخفها قولهم: "عدم جدية التحالف والحكومات في محاربة الدولة الإسلامية"! ولو تعرضت دولهم لعشر معشار القصف الذي صمد تحته أشبال الخلافة فضلا عن جنودها في الباغوز والموصل، لسقطت دولهم إلى الأبد.

ومِن أكثر الحجج والتفسيرات التي يكررها الصليبيون ويفضّلها المرتدون حول أسباب تضاعف أعداد المجاهدين؛ هي الفقر والبطالة!، فمن وجهة نظرهم يشكّل الفقر عاملا أساسيا في صعود الدولة الإسلامية في غرب ووسط إفريقية مؤخرا، فهلّا يخبرنا هؤلاء ما الذي دفع المئات من أثرياء المسلمين من أبناء الجزيرة العربية إلى النفير إلى دولة الإسلام؟ وما الذي دفع المئات من المسلمين في أوروبا الصليبية ليفعلوا الأمر نفسه؟ وما الذي يدفع رجالا يتحرقون شوقا اليوم للوصول إلى بوادي الشام وصحاري الأنبار أو مستنقعات تشاد أو إلى عشش سيناء؟!، إلى غيرها من دعاوى البطالين وحجج المفلسين.

إننا إذْ نستعرض هذا الإخفاق والإفلاس الصليبي، فإننا نستذكر يوم كانت الحمم تنهمر في الباغوز على أجساد المؤمنين الذين نهلوا من معين التوحيد الصافي فأنساهم عذوبته هول الموقف! بينما ظنّ الصليبيون والمنافقون يومها أنهم قضوا على المجاهدين في ذلك "الجيب"، إلا أن ظنونهم خابت بفضل الله تعالى واشتعلت جذوة التوحيد اليوم، وسيتعاظم أوارها حتى تحرق جيوشهم في دابق.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 284
الخميس 17 رمضان 1442 هـ
...المزيد

مِن بغداد إلى إفريقية! "قسما قسما، لنهدمنّ الساتر ولنردمنّ الخندق ولنُزيلنّ الأسلاك ولتُمسحنّ ...

مِن بغداد إلى إفريقية!


"قسما قسما، لنهدمنّ الساتر ولنردمنّ الخندق ولنُزيلنّ الأسلاك ولتُمسحنّ الحدود من الخارطة ولتُزالنّ من القلوب، ولتضربنّ المفخخات الروافض من ديالى إلى بيروت"؛ تلك كانت كلمات الشيخ المجاهد أبي محمد العدناني تقبله الله، قبل نحو سبع سنوات من الآن يوم أن تمددت الدولة الإسلامية انطلاقا من العراق نحو الشام واجتمعت يومها شياطين الإنس والجن لوقف هذا التمدد المبارك.

وبينما كانت الدولة الإسلامية -قادتها وجنودها- على يقين بوعد الله تعالى؛ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في تلك الفترة يتخيلون أن يصل هذا التمدد أبعد مِن حدود الشام القريبة، فضلا عن أن يتجاوز حدود المنطقة العربية بل والقارة بأسرها، ولم يكن هؤلاء جميعا يتوقعون أن تضرب المفخخات اليوم من بغداد إلى إفريقية! وليس الروافض فحسب بل سائر الكفرة والمشركين.

لقد أدخلت الدولة الإسلامية دويلات غرب ووسط إفريقية في أتون لهيب الحرب الذي انقدحت شرارته من العراق، وأصبح جنود الخلافة يصولون ويجولون في نيجيريا والنيجر وتشاد ومالي...، كما لو كانوا في ديالى وكركوك وصلاح الدين.

فلا يكاد يتوقف إعلام الدولة الإسلامية عن نشر تقارير وصور الهجمات الواسعة والانتصارات الكبيرة التي يحققها المجاهدون بفضل الله تعالى في مناطق نيجيريا والنيجر وتشاد ومالي والكونغو وموزمبيق وغيرها، وهم يقتحمون البلدات والمعسكرات، ويحرقون المقرات والثكنات، ويديرون رحى المعمعات ويشعلون ضرام الغارات على المشركين كافة من الجيوش والشرط والقوات الكافرة والمرتدة والميليشيات الموالية لهم.

كما لم ينسَ جنود الدولة الإسلامية -وكيف ينسون؟- ثأر المسلمين المستضعفين من نصارى إفريقية الكافرين والذين يذوقون اليوم بأس المجاهدين بعد أن صارت قراهم وتجمعاتهم وكنائسهم في نيجيريا والكونغو وغيرها هدفا دائما لصولاتهم، وهم عازمون بإذن الله تعالى على أن يواصلوا حربهم ضد النصارى ويزيدوها ضراما، فلم يذق النصارى في إفريقية إلا بعض الثأر ولم يزل للثأر بقايا! ولم يدفعوا سوى جزءا من فاتورة حساب طويل ثقيل ينتظرهم لما اقترفوه بحق إخواننا المسلمين هناك.

نعم، لقد أثلجت الهجمات المستمرة في غرب ووسط إفريقية صدور الموحدين وأغاظت وأرعبت قلوب المرتدين والصليبيين، وأصبحت القارة السمراء في دائرة الاهتمام العالمي وصارت أخبار موزمبيق -مثلا- تطغى على أخبار أمريكا الصليبية!

وفي غمرة الأحداث وتسارعها جدّد المجاهدون ضرب الرافضة في بغداد بتفجير جديد جاء برغم العمليات الأمنية المستمرة لتأمين مدن ومناطق حزام بغداد، وخصوصا بعد التفجير السابق الذي نثر أشلاءهم في ساحة الطيران، ومع ذلك وقع التفجير الجديد مرة أخرى داخل الحزام! ونجح المجاهدون في استهداف قلب العدو وتجاوز تحصيناته والتفنن في إيصال مطايا الموت لأتباعه المشركين.

ومِن مفخخة بغداد التي لن تكون الأخيرة بإذن الله تعالى، إلى العمليات المتواصلة في مناطق العراق والشام وسائر الولايات، إلى هجمات غرب ووسط إفريقية؛ يواصل جنود الدولة الإسلامية تصعيد جهادهم وإمضاء وعودهم وبرّ أيمانهم بكسر الحدود وهدم السواتر وضرب المفخخات.

لقد دخلت أمريكا الصليبية ومعها حلفها البائس الحرب ضد المجاهدين وهي تظن أن بإمكانها أن تستفرد بهم في العراق أو الشام ثم تأمن في غيرها من البلاد، إلا أن الاجتماع والاعتصام الذي حققته الدولة الإسلامية بإعلان الخلافة أفسد على الصليبيين مخططاتهم وأفشل مكائدهم، وصار العراق والشام وإفريقية وغيرها من الولايات جسدا واحدا، فنقلت الدولة الإسلامية بذلك مفهوم وحدة المسلمين من التنظيرات والشعارات إلى التطبيق العملي على أرض الواقع، وصنعت صفا مؤمنا قويا كالبنيان المرصوص.

هذا البنيان الذي أقامته الدولة الإسلامية من أول يوم على التقوى، على التوحيد والإيمان، على الولاء والبراء، على المفاصلة التامة مع الكافرين كافة؛ هو سر قوتها واستمرارها، وسر تمددها وانتشارها، وهو سر ثباتها في وجه هذه التحالفات العالمية.

فهي بفضل الله تعالى تجاوزت كل الحدود والعرقيات والقوميات التي فرضها البشر على البشر، وكفرت بكل دساتيرهم وقوانينهم وآمنت فقط بالشريعة التي فرضها الله على العباد، وعقدت الولاء لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، ولذلك لم يعد غريبا اليوم أن نرى هذا الانسجام والالتئام التام بين الولايات والجبهات التابعة للدولة الإسلامية برغم بعد المسافات واختلاف اللغات، فدينهم واحد، وعقيدتهم واحدة، وغايتهم واحدة؛ هي إقامة الدين وإزالة الشرك من الأرض وتعبيد الناس لربهم سبحانه، وهي الغاية التي من أجلها بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.

لقد أكرم الله تعالى عباده المجاهدين وأتمّ عليهم نعمه بأن حفظ جهادهم وأوصله إلى مشارق الأرض ومغاربها في الوقت الذي كان الصليبيون يظنون أنهم قضوا عليه في العراق والشام، ولئن كان الصليبيون والمرتدون قد تورطوا سابقا في حرب العراق، فإنهم اليوم تورطوا في حروب كثيرة ليس آخرها في إفريقية، وغدا أسود إفريقية اليوم بفضل الله تعالى رقما صعبا في ساحة الصراع بين الحق والباطل، وأصبحت تهتزّ على وقع هجماتهم جيوش وعروش وحكومات.

وهذه دعوة للمسلمين في كل مكان، ليتأملوا كيف فتح الله تعالى على تلك العصبة المؤمنة القليلة التي انطلقت في العراق؟ وأمدّها وأيدها وبارك فيها حتى وصلت دعوتها إلى أقاصي الأرض ولحق بركبها من لا يتحدث لغتها، برغم ما تعرضت له من فتن وزلازل تنهدّ لها الجبال، وعلى المجاهدين الذين يعيشون اليوم ظروف عصبة العراق الأولى أن يعلموا أنه ما هي إلا السنن والمحن ثم يجنون ثمار صبرهم وثباتهم من حيث لا يحتسبون وأبعد مما يطلبون بإذن الله تعالى.

وإلى جنود الخلافة في إفريقية نقول: بيّض الله وجوهكم فلقد شفيتم صدور الموحدين بعملياتكم وتنكيلكم في جيوش الكافرين، وتخذيلكم عن إخوانكم المجاهدين، فواصلوا ما أنتم فيه وسلوا الله تعالى الثبات عليه وأدّوا شكره على هذه النعمة العظيمة، وتذكروا أن لوقع خطواتكم اليوم في تلك البقاع البعيدة ما بعده بإذن الله تعالى، وإن غدا لناظره لقريب.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 283
الخميس 10 رمضان 1442 هـ
...المزيد

عدْوى الحملات الفاشلة لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن انطلاق حملات عسكرية جديدة لجيوش وقوات ...

عدْوى الحملات الفاشلة


لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن انطلاق حملات عسكرية جديدة لجيوش وقوات الحكومات الكافرة والمرتدة في الولايات والمناطق التي يُمارس فيها جنود الدولة الإسلامية عبادة الجهاد في سبيل الله تعالى؛ ناسية أو متناسية هذه الجيوش والحكومات أنها قد أعلنت من قبل النصر النهائي على المجاهدين ودبّجت لأجل ذلك البيانات وأرّخت لذلك أيام الاحتفالات والعطلات!
ففي العراق مثلا أطلقت الحكومة الرافضية على مدار الأسابيع والأشهر الماضية عشرات الحملات العسكرية والأمنية مستهدفة بذلك ما تصفه بـ "مخابئ وملاجئ" المجاهدين، وزجّت بالمئات من فرق الجيش والشرط والميليشيات المرتدة وبمشاركة جوية من طيرانهم الحربي ودعم مباشر وغير مباشر من القوات الصليبية، وأصبحت أرتالهم كأسراب الجراد تهيم في كل جبل وواد، ومواقعهم لا تتوقف عن نشر صور وأخبار وتحركات هذه الحملات، ثم ماذا كانت النتيجة على أرض الواقع؟ فشل أمني وعسكري كبير لعل بعض معالمه ظهرت في الحملة الأخيرة على جبال مخمور وتلال حمرين والتي لم يجدوا لها صورا يعرضونها حول "الإنجازات" التي زعموها، فعادوا إلى التنقيب في أرشيفهم البائس لعلهم يجدون فيه ما يستر كذب قادتهم الذين أسرفوا على أنفسهم في نشر البيانات والتصريحات الكاذبة كما بالغ ضباطهم وجنودهم في التقاط الصور الاستعراضية الباهتة أمام أكوام القش في البساتين!

من زاوية أخرى، فإن هذه الحملات الرافضية المستمرة في الفشل، المتواصلة في الإخفاق، الموغلة في استنزاف خزينة حكومتهم، المتسببة بإنهاك قواتهم وميليشياتهم التائهة في عمق الصحاري والوديان؛ ما هي إلا دليل على ما سبق أن أكّد عليه المجاهدون حول زيف "النصر" الذي أعلنته الحكومة الرافضية ومِن خلفها الصليبيون، وردّ عليهم المجاهدون يومها بقولهم: "فهل لمنتصر وحاسمِ معركة يُطلق الحملات تلو الحملات؟".
عدوى الحملات الفاشلة لم تقتصر على الروافض في العراق وحسب، فقد سبقتها حملات أخرى شنّها الجيش والميليشيات النصيرية بدعم ومشاركة القوات الروسية الصليبية على بوادي الشام والتي تحوّلت إلى أنبار أخرى يتيهون فيها وتختفي فيها أرتالهم وآلياتهم بفضل الله تعالى، وأصبح جنودهم لا يأمنون على أنفسهم من السير على طرق البوادي في حمص وحماة إلا تحت غطاء الطائرات المروحية!

ومن آخر أخبار فشل حملات أعداء الدولة الإسلامية، الحملة التي شنتها قوات حكومة (بونتلاند) المرتدة على مواقع المجاهدين في ولاية الصومال، والخسارة الفادحة التي مُنيت بها هذه القوات على أيدي المجاهدين بفضل الله تعالى، وكان الأمر اللافت أيضا في هذه الحملة هو حجم الكذب الكبير الذي رافقها ومزاعم الحكومة المرتدة والتي فنّدها المجاهدون في تقاريرهم، وكان الكذب مِن أكثر أعراض هذه العدوى وضوحا، وحجمه يتناسب طرديا مع شدة الإصابة! وذلك عام في جميع هذه الحملات.

وقبلها الحملة الفاشلة التي شنّها الجيش النيجيري المرتد على مناطق المجاهدين في غابات (ألغارنو) والتي حشد لها ما لم يحشده في حملاته السابقة، ومع ذلك تمكن المجاهدون بفضل الله تعالى من صدّ حملتهم وإفشالها وإلحاق خسائر كبيرة فيها.
لقد أصابت عدوى الحملات الفاشلة جميع الجيوش المحاربة للدولة الإسلامية، وأصبحت حملاتهم العاثرة فرصة للمجاهدين ليكثّفوا استنزافهم لهذه الجيوش، بل ويقلبوها عليهم وبالا ونكالا.

ولعل العالم بأسره رأى ماذا حصل في موزمبيق عقب الحملات الأخيرة التي كان الجيش الموزمبيقي وحلفاؤه الأفارقة قد أطلقوها ضد مجاهدي الدولة الإسلامية في مناطق شمال شرق موزمبيق خلال الفترة السابقة، وكيف استطاع المجاهدون امتصاص الحملات وقلب الطاولة على رؤوس الصليبيين يوم استيقظ العالم على أخبار اجتياح المجاهدين لمدينة (بالما) الاقتصادية، وكيف صدم هذا الهجوم الحكومات الصليبية التي راحت تهذي عبر وسائل إعلامها وتندب حظها وهي ترى أن غرس الخلافة التي حاربوها في العراق والشام قد أثمر في وسط إفريقية، وأن الأموال التي أنفقوها والجيوش التي حشدوها والأحزاب التي حزّبوها والتحالفات التي أقاموها لم تحقق لهم شيئا سوى الحسرة كما أخبرنا الله تعالى: { فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال: 36]

وبات الصليبيون اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: أن يبدأو بتشكيل "تحالف دولي جديد" ويجمعوا له أضعاف ما جمعوه -من تمويل ومقدرات وجيوش- لتحالفهم السابق الذي انتهى به الحال ممزقا منقسما على نفسه سياسيا مستهلَكا عسكريا محصورا مختبئا في بعض قواعده العسكرية؛ في الوقت الذي تنشغل فيه دول هذا التحالف بمحاولة ترميم بيتها وإصلاح أزماتها الاقتصادية ومشاكلها الداخلية ونكباتها الاجتماعية التي ما زالت في بدايتها!

والخيار الثاني هو أن يدعموا الحكومات والميليشيات الموالية لهم من أجل القتال نيابة عنهم ضد الدولة الإسلامية، وهذا الخيار قد جرّبوه مرارا مِن قبل وجنوا حصاده مرّا علقما ولم يستفيقوا إلا وجنود الخلافة يفتحون الموصل والرقة وتدمر وسرت وغيرها ويعلنون إقامة الدولة الإسلامية التي غيّرت مجرى العالم وإلى الأبد.
أما جنود الخلافة فما زادتهم هذه الحملات إلا إصرارا وعزما على المضي قدما في طريق جهادهم المبارك، كيف لا وهم يرون بأعينهم معية الله تعالى وحفظه لهم، ومكره سبحانه بأعدائهم واستدراجهم من حيث لا يعلمون.

كما منحتهم هذه الحملات الفاشلة فرَصا أكثر لزيادة إغراق أعدائهم في دوامة الاستنزاف التي تتعاظم يوما بعد يوم، حتى أصبحت طلقة أو طلقتان تدُمّر (كاميرا) حرارية على أطراف ديالى أو شمال بغداد كفيلة بأن تستدرج جيشا بأكمله من قطعان الروافض وميليشياتهم نحو الفخاخ والكمائن، وأصبحت عبوة واحدة تنفجر في أرياف الخير أو الرقة أو البركة قادرة على إشغال فِرَق بأسرها من المرتدين في حملات البحث عن السراب.

لقد أنهكت عدوى الحملات الفاشلة جيوش وحكومات الكفر وأغرقتهم في بحور الاستنزاف الذي لا يملكون أمامه إلا الاستمرار في الغرق أكثر فأكثر حتى ينتهون، أو التوقف وترك الساحة للمجاهدين ليعيدوا رسم خارطة العالم على منهاج النبوة، وهو الهدف الذي لن يحيدوا عنه بإذن الله تعالى.


• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 282
الخميس 3 رمضان 1442 هـ
...المزيد

التواصي بالحق والصبر اقتضت مشيئة الله تعالى وحكمته البالغة أن يبتلي عباده المؤمنين ويختبر صدق ...

التواصي بالحق والصبر


اقتضت مشيئة الله تعالى وحكمته البالغة أن يبتلي عباده المؤمنين ويختبر صدق إيمانهم بصور الابتلاء والتمحيص التي لا ينفكّ عنها زمن من الأزمان حتى تقوم الساعة، ومِن رحمته سبحانه بعباده أن بيّن لهم الأمور التي تساعدهم في الثبات على هذا الدين العظيم، وهداهم بفضله إلى ما يعينهم على مواصلة السير في طريق الحق القويم.

ومع أنّ عوامل الثبات كثيرة فصّلتها آيُ القرآن الكريم والسنة النبوية في مواضع عديدة، لكن هناك عامل مهم قد يغفل عنه البعض كونه لا يندرج في العادة ضمن عوامل الثبات بشكل مباشر، إنه التواصي بالحق والتواصي بالصبر.

قال تعالى: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر]. قال المفسرون: أي تحابوا وأوصى بعضهم بعضا، وحثّ بعضهم بعضا. بالحق: أي بالتوحيد والإيمان والقرآن، والصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معاصيه، وعلى ما يصيبهم من البلاء والمصائب، فبالإيمان والعمل الصالح يُكمل المرء نفسه، وبالتواصي بالحق والصبر يُصلح جماعته.

لقد قررت السورة العظيمة أن جميع الناس في خسر إلا مَن حقَّق الايمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر، ولقد ربطت السورة وقرنت بين هذه الأمور الأربعة؛ فإن المؤمن الذي يعمل الصالحات بحاجة إلى مَن يوصيه بالحق ويذكّره به، ويوصيه بالصبر على أعبائه وتكاليفه ويحثه على ذلك، فإن للحق ضريبة لا بدّ من دفعها، يبذلها أهل الحق طوعا وطاعة لله ورضا بقضائه وقدره سبحانه.

ويلحق بذلك خصلة أخرى مكمّلة وهي التواصي بالمرحمة، قال تعالى: { ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}[البلد: 17]. قال المفسرون: أي تواصوا بالرحمة على الخلق، فكما أوصى بعضهم بعضا رحم بعضهم بعضا.
ولقد جاء التواصي هنا أيضا مقرونا بالإيمان والصبر ليؤكد مرة أخرى أن المؤمنين لا بدّ لهم من التواصي فيما بينهم ليستمروا على طريق الإيمان ويثبتوا عليه.

ويكون التواصي آكد في أوقات المحن والشدائد التي تصيب المسلمين كما هو الحال في ظل اشتداد هجمة الصليبيين والمرتدين، ولكَم كان التواصي سببا في تثبيت الصفوف المؤمنة في أوقات الكرب عندما تزيغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر!، وكم مِن مجاهد كان له دور في تثبيت إخوانه وشدِّ أزرهم بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر؟، بل كم كان التواصي سببا في تثبيت صاحبه قبل أن يكون سببا في تثبيت إخوانه؟، وكل ذلك ببركة هذه الخصلة المباركة.

والقرآن الكريم حافل بالتواصي والوصايا العظيمة ومِن أعظمها وصية إمام الحنفاء وأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، تلك الوصية العظيمة بأن يحرص المرء كلّ الحرص على أن يختم حياته وهو محقق للإسلام، قال تعالى: { وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 132]، ومِن أشهر وصايا القرآن، وصايا لقمان الحكيم لابنه والتي ابتدأها بالتحذير من الشرك: { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] ومثْل القرآن، احتوت السنة النبوية على الكثير من الوصايا التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لتنال بها السيادة والسعادة في الدارين، وعلى هذا المنهج القرآني النبوي سار السلف الصالح في تحقيق التواصي بالحق والصبر وخصوصا في أوقات الشدة، حيث نقلت لنا مرويات السلف ومصنفاتهم الكثير من قصص التواصي بالحق والصبر وكيف كانت سببا في تثبيت المسلمين في أحلك الظروف، ومِن ذلك وصية الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لأصحابه يوم مؤتة وقد حشد لهم الروم والمشركون مئتي ألف مقاتل أمام ثلاثة آلاف من المسلمين! فقال لهم موصيا مثبِّتا: يا قوم، والله إن التي تكرهون لَلتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظُهور وإما شهادة، فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة.

ومِن ذلك أيضا قصة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في محنته وكيف ثبّته رجل أعرابي من بسطاء القوم لا يعرفه، قال الإمام أحمد: "ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة الأعرابي، قال: يا أحمد إن يقتلك الحق متَّ شهيدا، وإن عشت عشت حميدا... فقوِي قلبي"[سير أعلام النبلاء]
وعلى دربهم يسير جنود الخلافة اليوم، فيوصى بعضهم بعضا بالحق والتوحيد والجهاد والبراءة من الشرك والصبر على ذلك والثبات عليه؛ فالتواصي بالحق ضرورة لتذكير المؤمن ليبقى الحق مُشرَعا أمام ناظريْه، حاضرا في قلبه، حيا في واقعه، يُطبّقه في حياته، فلا تذبل صورته ولا تخبو جذوته.

وإن مِن حقوق المسلم على أخيه المسلم أن يوصيه ويذكّره ويشدّ أزره في كربته ويسلّي عنه في محنته، فهذه هي حقيقة الأخوة الإيمانية، قال تعالى مخاطبا موسى عليه السلام: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}[القصص: 35] أي: سنقويك ونعاونك ونعزّ جانبك به. كما أن التواصي من عوامل قوة جماعة المسلمين وترابط صفوفها واشتداد بنيانها، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لِلمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا)[البخاري] وإذا كان هذا شأن التواصي بالحق والصبر؛ فإن التواصي بالمرحمة لا يقل عنه شأنا وفضلا، فبه يرحم المسلمون إخوانهم من خلال السعي في قضاء حوائجهم وتفقد أحوالهم وإعانتهم ونخص منهم الأسرى والأرامل واليتامى، فيكون ذلك سببا في نزول رحمة الله تعالى ونصره على عباده المؤمنين.
ومن التواصي، أن نوصي إخواننا المجاهدين وأنصارهم في كل مكان بأن يعتنوا بهذا الجانب ويُحيوا سنة التواصي بالحق والصبر والمرحمة فيما بينهم، ويتعاهدوا إخوانهم بالوصية والتذكير والتثبيت فإن فيه من البركة والخير ما لا يخفى، فثماره في الدنيا ثبات على الحق، وفي الآخرة رضوان من الله أكبر، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 281
الخميس 25 شعبان 1442 هـ
...المزيد

لكل جاسوس نهاية لم تكن صولات صنّاع الملاحم في العراق على أوكار الجواسيس هي الأولى مِن نوعها، ...

لكل جاسوس نهاية


لم تكن صولات صنّاع الملاحم في العراق على أوكار الجواسيس هي الأولى مِن نوعها، وإن كانت أخذت صدى أوسع مِن مثيلاتها هذه المرة، لأسباب عديدة تخصّ الواقع المأزوم للرافضة المشركين على اختلاف مكوناتهم المتناحرة، والتي أخذت تتبادل الاتهامات فيما بينها بالتقصير والإخفاق، بل وحتى الخيانة! وهو ما يجري عقب كل صفعة يتلقونها من جنود الدولة الإسلامية.

فبعضهم اتّهم الجيش الرافضي والقوات الحكومية بالفشل في توفير الأمن في المناطق التي زعموا "تأمينها" سابقاً! وآخرون منهم اتّهموا الميليشيات الرافضية بذلك وطالبوا بإخراجها من المناطق وإبدالها، والأخيرة اتّهمت الجواسيس أنفسهم بالخيانة والتواطؤ! بينما كان المجاهدون وحدهم هم الكاسبون في هذه المعركة بفضل الله تعالى.
التنازع الداخلي في الموقف الرافضي من الهجمات الأخيرة لم يقتصر على الحكومة والميليشيات والأحزاب، بل تعدّى حتى إلى أتباع الرافضة وأفرادهم الذين أصبحوا يصرّحون علناً بفقدانهم الثقة في الحكومة والجيش والميليشيات جميعاً.

ضربُ الثقة بين المكونات الرافضية وحلفائهم، هي إحدى ثمرات هذه الصولات الأمنية الناجحة التي تنفّذها مفارز المجاهدين في عقر دور الجواسيس الذين باعوا دينهم بثمن بخس، وعاشوا حياتهم يترقّبون الموت كلما حلّ الظلام بهم حتى داهمهم وهم في سكراتهم داخل بيوتهم وعلى أسرّتهم، كما توعّدهم بذلك المجاهدون من قبل.

لقد كان الجواسيس خنجراً في ظهر المسلمين على مر العصور، ولئن كانت الجيوش هي أيدي الطواغيت الباطشة، فإن الجواسيس هم أعينهم الراصدة، وكما لا بدّ مِن قطع تلك الأيدي المعتدية على المسلمين، فلا بدّ كذلك مِن فقأ الأعين الخائنة التي تتجسس عليهم.

وقد حاربت الدولة الإسلامية منذ نشأتها الجواسيس بكل طريقة هداها الشرعُ الحكيمُ إليها بالبيان والسنان، ومكتبتها الإعلامية حافلة بالمواد المرئية والمسموعة والمقروءة، والتي تحذّر وتنذر، وتوضح وتشرح خطر الجواسيس وعظم جريمتهم، وفداحة جريرتهم، وسوء عاقبتهم، ولقد أولى قادة ومشايخ الدولة الإسلامية هذا الجانب اهتماما كبيرا، وأعطوه مساحة واسعة في كلماتهم وخطاباتهم طوال السنوات الماضية، وحذّروا من الوقوع في وحل التجسس لصالح المرتدين، وتوعّدوهم بالقتل أينما كانوا، وأنذروهم أنّ عاقبة أمرهم الخاسرة لن تختلف عمّن سبقهم إن لم يتوبوا.

وقد عرضت المكاتب الإعلامية للولايات عشرات الإصدارات المرئية التي وثّقت جرائم الجواسيس بحقّ المسلمين؛ وكيف كانوا سببا في دمار البيوت فوق رؤوس ساكنيها وإزهاق المئات مِن الأنفس والأرواح، وانتهاك كثير مِن الأعراض والحُرم. وبيّن إعلام المجاهدين عاقبة مَن يتورط بذلك على دينه وآخرته، كما أكّدت رسائلهم على قَبول توبة مَن تاب منهم قبل القدرة عليهم.

ومع ذلك يأبى الجواسيس إلا أن يكونوا أحذية ومطيّة لجيوش الردة وخدما وعونا لهم، يتخذونهم أولياء من دون المؤمنين، ويشاركونهم في حربهم على الإسلام وأهله، قال الله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 80]، وقال سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139].

إنّ جرائم جواسيس الردة ومحاربتهم للموحّدين، لم تقتصر على أرض العراق فحسب، بل يسعون للإفساد والتخريب أينما حلّوا، وإنّ أجناد الخلافة لا يألون جهدا في محاربتهم والقصاص منهم، حتى أصبحت أخبار أسْرهم ونحرهم في ولايات العراق، والشام، وخراسان، وباكستان، وسيناء، وغيرها، خبرا دوريا بفضل الله تعالى.

ومهما حاول هؤلاء المرتدون ومَن يقف خلفهم التخفّي عن أعين المجاهدين، إلا أنّ مصيرهم بإذن الله تعالى لن يختلف عن مصير أقرانهم الذين كُتمت أنفاسهم، وضُربت أعناقهم، وقُطّعت أوصالهم، فهم ينتظرون دورهم على قوائم الانتظار التي أعدها صيادو الجواسيس!

ويحسن بنا أنْ نسوق في هذا الباب كلام الشيخ المهاجر أبي حمزة القرشي المتحدث الرسمي للدولة الإسلامية حيث قال منذراً: "وأما رسالتنا إلى بعض العشائر والأفراد الذين ثبت تورطهم وردتهم في معاونة جيش وشرط الحكومات والأحزاب المرتدة، بمحاربة وتقديم المعلومات عن الموحدين وأعراضهم، فنقول لهم: أوَ تظنون بأن خستكم وعمالتكم ستمضي من غير حساب؟! أم أمنتم بعد سكركم وغيكم العقاب؟! فأمامكم فاتورة طويلة، وتعلمون جيدًا بأن جند الخلافة لا ينامون على ضيم، بإذن الله تعالى، طال الزمان أم قصر، وأنتم أشد الحرص على الحياة من غيركم، فمالكم ولحربنا، ولمَ الوقوف بدربنا؟! فانجوا بأنفسكم قبل فوات الأوان، فالخاسر من جرّب المجرَّب، وباع آخرته بدنيا غيره، والسعيد من اتعظ بغيره لا بنفسه".

وتابع: "فإياكم ونصرة الطواغيت وأحزاب وفصائل الردة، فلا يظن أحدكم أو يوهم نفسه بأننا بعيدون عنه، أو لا يبلغنا سوء فعله إن أقدم على إيذائنا أو الوقوف في وجهنا، فما تدرون في أية ساعةٍ تتخطفكم كواتم الموحدين، فاصحوا من سكركم وأحلامكم، وأبعدوا أولادكم عن مسالك الردة وتوبوا لربكم" انتهى كلامه.

فإلى الجواسيس في كل مكان نقول: توبوا قبل القدرة عليكم، واعلموا أنّ حكومات وجيوش الردة التي أغرتكم وجنّدتكم، عجزت بفضل الله تعالى عن حماية نفسها وجنودها فكيف لها بحمايتكم؟! وإنّ المجاهدين الذين صالوا على أمثالكم في عقر دورهم، لن يُعجزهم الوصول إلى رقابكم بإذن الله تعالى، فاعتبروا وتذكروا أنّ لكلّ جاسوس نهاية طال الزمان أم قصُر، والله غالب على أمره ولكن أكثر النّاس لا يعلمون، والحمد لله ربّ العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 280
الخميس 18 شعبان 1442 هـ
...المزيد

عبَق الشهادة إنّ المجاهدين في سبيل الله تعالى يسلكون طريق الجهاد وهم يعلمون مِن البداية أنه ...

عبَق الشهادة


إنّ المجاهدين في سبيل الله تعالى يسلكون طريق الجهاد وهم يعلمون مِن البداية أنه معبّدٌ بالدماء والأشلاء، مفروشٌ بالمحن والجراح، مقرونٌ ببذل المهج والأرواح، إنهم يعلمون ذلك يقيناً من كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فإنهم يُقبلون عليه ويقطعون المفاوز والقفار ويتقحّمون الأخطار ليصلوا إلى ساحاته وميادينه، طاعة لله تعالى واستجابة لأمره بالهجرة والنفير.
وما سُمِّي الجهادُ جهاداً إلا لِما فيه مِن بذل الجهد والمشقة، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } "أي: شديد عليكم ومشقة، وهو كذلك، فإنه إما أن يقتل أو يجرح مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء، { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي: لأن القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء، والاستيلاء على بلادهم وأموالهم وذراريهم، { وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ } وهذا عام في الأمور كلها، قد يحب المرء شيئا وليس له فيه خيرة ولا مصلحة، ومِن ذلك القعود عن القتال يعقبه استيلاء العدو على البلاد والحكم، { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } أي: هو أعلم بعواقب الأمور منكم، وأخبر بما فيه صلاحكم في دنياكم وأخراكم، فاستجيبوا له، وانقادوا لأمره، لعلكم ترشدون". أهــ

نعم، لقد استجاب مجاهدو الدولة الإسلامية شيباً وشباناً لما فيه صلاح دنياهم وأُخراهم، استجابوا لربهم وانقادوا لأمره تعالى بالهجرة والجهاد فكانوا بذلك من الراشدين -نحسبهم ولا نزكيهم-، كانوا من الراشدين مهما قال عنهم عبيد الدنيا ما قالوا، كانوا من الراشدين وإن وصفهم دعاة السوء بكل أوصاف الطعن والتنقيص، كانوا من الراشدين وإن قُتلوا وتمزقت أجسادهم في البوادي والحواضر، كانوا من الراشدين والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

فإنّ المولى تبارك وتعالى قال في حقّ عباده المجاهدين: { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وقال أيضا: { ثم إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }، وقال سبحانه: { وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }. قال المفسرون: "أي أن القتل في سبيله أو الموت فيه، ليس فيه نقص ولا محذور، وإنما هو مما ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون، لأنه سبب مُفضٍ وموصل إلى مغفرة الله ورحمته، وذلك خير من البقاء في الدنيا وجمع حطامها الفاني".

فهذا قول الله تعالى في المجاهدين والمهاجرين، فمن أصدق من الله قيلاً، ومَن أصدق من الله حديثا؟!

وما يزال جنود دولة الإسلام يبذلون أرواحهم ومهجهم رخيصة في سبيل نصرة الإسلام وتحكيم شريعة الله تعالى في أرضه حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وتسيل أنفسهم الطاهرة ودماؤهم الزكية في شتى الولايات وفي سائر الميادين التي عمروها بطاعة ربهم صياماً وقياماً ورباطاً على ثغور المسلمين، عمروها بالصبر والمصابرة ومراغمة أعداء الملة شرقاً وغرباً.

نذروا أنفسهم لنصرة الإسلام والذبّ عن حياضه، فبذلوا لأجل ذلك كلّ ما يملكون، تركوا أهلهم وأحبابهم ونفروا إلى سوح الجهاد وتحمّلوا في سبيل ذلك الحرمان والخذلان فما ضرّهم ذلك وما وهنوا ولا تراجعوا بل أكملوا طريقهم وواصلوا مسيرهم يبتغون رضى ربهم، والظفر بإحدى الحسنيين.

حملوا مِن أجل نصرة دينهم ما تنوء بحمله الجبال، ودفعوا ضريبة التوحيد من دماءهم عن طيب نفْس، هاجروا من ديارهم ليس يأساً من الدنيا ولا فشلاً في تحصيلها كما يزعم المنافقون الذين يقيسون الأمور بمقاييسهم المادية، فلو أرادوا الدنيا لزاحموا عليها أهلها! ولكن هيهات هيهات أن يفعلوا وهم يرجون مزاحمة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض، ويطمعون في الحسنى وزيادة.

لقد وصف الشيخ أبو محمد العدناني حال المجاهدين وقد عاش ظروفهم وخبر دروبهم وجرّب أحوالهم، فقال تقبله الله: "إن المجاهدين لم يقاتلوا يوماً من أجل المناصب أو الكراسي، أو لحطام الدنيا الفانية، إن المجاهدين ضحوا بكل شئ في سبيل نصرة دين الله ونصرة المستضعفين، إن المجاهدين لم ينالوا من هذه الدنيا سوى القتل والأسر والكسر والجراح، لم يورّثوا لأهلهم وذويهم سوى السجون والتشريد والحرمان، ولكن تراهم رغم كل هذه المآسي والجراح، ينبضون بالكرامة، وينضحون بالعزة، ولو أن أحدكم تجرّد لله وتفكر في قرارة نفسه متأملاً بحال أمة الإسلام اليوم: ليجدنّ أنها خلت من مواقف العزة والكرامة، إلا في أفعال المجاهدين وبين صفوفهم وتحت رايتهم".

إن مجاهدي دولة الإسلام اليوم يتسابقون على القتل والقتال في سبيل الله تعالى غير آبهين بكل المخاطر التي تحيط بهم، يركبون غمار الحتوف ويواصلون جهادهم بكل همة وعزم برغم ما يعتريهم مِن ضيق حال وشظف عيش، حالهم كحال سلَفهم المهاجرين الأوائل من الصحابة رضوان الله عليهم، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أوَّلُ مَن يدخُلُ الجنَّةَ من خلق الله، الفُقَراءُ المُهاجِرونَ الَّذينَ تُسَدُّ بهم الثُّغورُ وتُتَّقَى بهم المَكارِهُ ويموتُ أحَدُهم وحاجتُه في صدرِه لا يستطيعُ لها قضاءً، فيقولُ اللهُ لِمَن يشاءُ مِن ملائكتِه: ائتُوهم فحَيُّوهم، فيقولُ الملائكةُ: ربَّنا نحنُ سُكَّانُ سمَواتِكَ وخِيرتُكَ مِن خَلْقِكَ أفتأمُرُنا أنْ نأتيَ هؤلاءِ فنُسلِّمَ عليهم؟! قال: إنَّهم كانوا عباداً يعبُدوني لا يُشرِكون بي شيئاً، وتُسَدُّ بهم الثُّغورُ وتُتَّقى بهم المَكارِهُ ويموتُ أحَدُهم وحاجتُه في صدرِه لا يستطيعُ لها قضاءً، قال: فتأتيهم الملائكةُ عندَ ذلكَ فيدخُلونَ عليهم مِن كلِّ بابٍ: { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [صحيح ابن حبان].

فهذه هي أحوال المجاهدين والمهاجرين وقتلاهم، وتلك أجورهم ومنازلهم ودرجاتهم عند الله تعالى، عبَق الشهادة يفوح من جراحاتهم اللون لون الدم، والريح ريح المسك، ومع ما يصيبهم مِن فقد الأحبة والخلان إلا أنهم قد اعتادوا ذلك في رحلة جهادهم لأنهم على يقين بأن شفاء الفقد التلاقي والاجتماع في ظلّ عرشه سبحانه كما جمعهم في ظلّ شرعه، فاللهم اجمعنا بإخواننا الذين سبقونا، ولا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم، وتوفنا مؤمنين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 279
الخميس 11 شعبان 1442 هـ
...المزيد

ألا لَا تَرَاءَى نَارَهُمَا كثيرة هي الأكاذيب والتهم التي يلفّقها أهل الضلال ضد الدولة ...

ألا لَا تَرَاءَى نَارَهُمَا


كثيرة هي الأكاذيب والتهم التي يلفّقها أهل الضلال ضد الدولة الإسلامية وجنودها، ويصدّقها بعض الناس ثم يُرددونها دون تدقيق أو تحقيق، حتى تصبح مع التكرار وطول الأمد أشبه بالحقائق المتواترة التي لا تقبل التشكيك في صدقها فضلاً عن تكذيبها واتهام مَن أطلقها بالكذب.

وفي ظلّ انشغال الدولة الإسلامية بقتال المشركين والمرتدين مِن مختلف الطوائف فإنه لا يمكنها التفرغ للرد على كل هذه الأكاذيب التي يُطلقها أعداؤها ضدها، لكثرتها من جهة كثرة هؤلاء الأعداء، ولسرعة استبدالهم لها بأكاذيب جديدة كلما انفضحت أكاذيبهم السابقة.

وأيضاً لأن اتّباع سياسة الرد المتواصل يؤدي أحياناً إلى تثبيت بعض الأكاذيب، إذْ سيزعم الأعداء أنّ أيّ شيء لم تنفهِ الدولة الإسلامية فهو واقع لأن سكوتها عنه إقرار به، رغم أن السكوت عن الردّ ليس بالضرورة إقرارا بالقول، وإنما قد يكون سببه عدم بلوغ ما قيل فلم يُسمع، أو تجاهله كما يتجاهل العظيم الحليم مِن القوم أقوال السفهاء، أو للانشغال بأمر هو أعظم شأناً وأكثر خطراً، بل قد يكون هناك رد أو ردود قديمة على نفس الموضوع، فلا يجب في هذه الحالة تكرار الرد عليه في كل مرة، ومِن تحميل النفس ما لا يطاق أن نتفرغ لتتبع كل ما قيل والرد عليه، أيّاً كان القول وأيّاً كان قائله ومهما تكرر منه أو مِن غيره هذا القول. ومن الأكاذيب المتجددة التي يروجها أهل الضلال عن الدولة الإسلامية ويكررونها هذه الأيام بكثرة، قولهم إنها تكفّر المقيمين في دار الكفر بالعموم فلا تحكم بإسلام أحد ما لم تتحقق مِن إسلامه!، وإلا فالأصل فيهم جميعاً الكفر أو الردة! فتباح دماؤهم وأموالهم بالجملة! وتحرم ذبائحهم ويبطل نكاحهم!.

ورغم أن الدولة الإسلامية كذّبت هذه الفرية في مواطن عديدة بالقول والفعل؛ ومع ذلك لا زال مطلقو هذه الأكاذيب ينقّبون عن متشابهات الأقوال والأفعال ليجدوا فيها ما يخدعون به السذج والأغرار بكذب دعواهم مِن خلال التأويلات الخاطئة، ويتركون المحكم من الأقوال والأفعال التي تأويلها ظاهرها، لكونها تفضح كذب تلك الدعاوي وتبيّن زيفها للناس أجمعين.

فقد بيّنت الدولة الإسلامية مراراً بلسان القول أنها تحكم بإسلام كل مَن ظهر منه الإسلام فوق كل أرض وتحت كل سماء، وأنها لا تكفّر إلا مَن ظهر منه الكفر المقطوع بكونه كفراً، المقطوع بحدوثه مِن فاعله عاقلاً مختاراً، سواء كان المحكوم عليه مقيماً في دار الكفر أم في دار الإسلام، وأنها تميّز بين دور الكفر في الحكم على المقيمين فيها، كما فصّلت هذا الأمر مِن خلال ما نُشر قبل سنوات في "السلسلة المنهجية" التي كان فيها بيان لبعض المشتبهات، ورد على بعض الشبهات، ولكن البيان الأوضح والأجلى والذي لا يقبل التشكيك أو التأويل هو التطبيق العملي لأحكامها على الناس، سواء منهم المقيم في دار الكفر أو في دار الإسلام.

إذْ يعلم الناس كلهم أن الدولة الإسلامية تمكّنت في مواطن كثيرة من الأرض، كانت دار كفر تُحكم بشريعة الكافرين، فلما أزال جنود الخلافة حكم الكفر عنها صارت دار إسلام تعلوها شريعته وحدها دون غيرها من الشرائع الجاهلية، وكان الحكم الواضح بمعاملة كل سكان تلك المناطق المنتسبين إلى الإسلام معاملة المسلمين، على ظواهرهم، وأعدادهم بالملايين، كما حدث في العراق والشام، ولم تحكم إلا بردة مَن ظهر منه الكفر واضحاً، كالمنتسبين إلى طوائف الكفر والردة والمظاهرين للمشركين على المسلمين وأمثالهم من المرتدين.

وكذلك فإن جنودها لا يزالون يقاتلون أعداء الله تعالى في دار الكفر بمختلف المناطق، وأكثرها ممن ينتسب سكانها إلى الإسلام، فيستهدفون فيها الكفار والمرتدين وجيوشهم وشرطهم وأولياءهم، ممن يصرّحون بتكفيرهم والتحريض على قتالهم علنا، وفي الوقت نفسه فإنهم يتجنبون قدر إمكانهم أن يُصاب أحدٌ من الساكنين في تلك المناطق بأذى مِن تأثير هجماتهم، لكون المسلمين مِن سكانها مختلطين بالمرتدين في كثير من الأحيان ويصعب التمييز بينهم، ولذلك فإن المجاهدين يتّقون أن يُصاب أي مسلم بأذى مِن قِبلهم ولو عن غير قصد، ويؤخّرون كثيراً من الهجمات بل قد يلغونها بسبب ذلك، رغم أنه سبق منهم تحذير المسلمين مِن الاقتراب مِن الأماكن التي يستهدفها المجاهدون.

وإن الحكم بالبراءة من المسلم الذي يقيم بين ظهور الكافرين، هي البراءة مِن دمه وما يصيبه مِن أذى، لا منه، إذْ كانت صعوبة التمييز بينه وبين مَن يختلط بهم مِن الكافرين سبباً في تعرضه للأذى أو القتل، كما ورد عن جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِمُ القَتْلَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ العَقْلِ، وَقَالَ: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِمَ؟ قَالَ: (لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا)
]رواه النسائي[، فكان اختلاطهم بالمشركين مانعاً مِن استحقاقهم تمام الدية في أنفسهم.

وكذلك فإنه قد بات مشهوراً عن الدولة الإسلامية البينونة بينها وبين الطوائف التي كانت في صفّها ثم شقّت ذلك الصف وفارقت جماعة المسلمين لمّا وجد بعض مَن كانوا ينتسبون لها؛ أنها لا توافقهم في ضلالاتهم وانحرافاتهم مثل حكمهم بتكفير عامة مَن يحكمهم الكافرون!، واستباحة دمائهم وأموالهم بناء على ذلك، بل ما زال جنود الخلافة يقاتلون تلك الطوائف المنحرفة في بعض المناطق ويردون عاديتهم عن المسلمين، ويستهدفونهم بالقتال ويتتبعونهم بالقتل، حتى يتوبوا مِن بدعتهم ويتحللوا مِن مظالمهم.

فهذا لسان الحال أطلق وأصدق مِن لسان المقال، فمن استبين فقد بلغه البيان، ومَن استفسر فقد وصله التفسير، وأما الذين في قلوبهم زيغٌ فهم يتتبعون ما تشابه، والله لا يهدي القوم الظالمين، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 278
الخميس 4 شعبان 1442 هـ
...المزيد

رسائل طاغوت النصارى في زيارته للعراق اهتمام كبير انصب على زيارة طاغوت النصارى "البابا" إلى ...

رسائل طاغوت النصارى في زيارته للعراق


اهتمام كبير انصب على زيارة طاغوت النصارى "البابا" إلى العراق، والتي أريد منها الدعاية لبعض الأفكار الصليبية الجديدة تجاه بلدان المسلمين، وعلى رأسها العراق، الذي تدور على أرضه منذ عقدين من الزمان رحى حرب طاحنة بين المسلمين والمشركين، ولو أردنا تتبع مسار تلك الزيارة لوجدنا في كل محطة من محطاتها رسالة حرص الطاغوت من ورائه أتباعه وأولياؤه على إيصالها للمتابعين لأخبارها.

فلا شك أن زيارته للحكومة الرافضية واستقبالها له رسالة دعم وتأييد لهذه الحكومة الطاغوتية المجرمة، وإيحاءً باستقرار هذه الحكومة وسيطرتها على الأرض، وإحساس زوارها بالأمن، وهو بخلاف الواقع المعاش طبعا، فهذه الحكومة هي -بحمد الله تعالى- في أضعف حالاتها، فلم تعد قادرة على الزعم بأنها حسمت الحرب مع جنود الدولة الإسلامية في مناطق نشاط عملهم العسكري، والذي يمتد إلى داخل بغداد، ولا هي قادرة على الزعم أنها مسيطرة على مناطق الوسط والجنوب التي يكثر فيها الرافضة، بسبب حالة الانفلات الأمني والمظاهرات والاحتجاجات المستمرة منذ عامين، ولا هي قادرة حتى على الزعم أنها حكومة مستقرة ثابتة وهي تعلم حجم إفلاسها المالي وتمزقها السياسي في ظل صراعات الأحزاب الرافضية المشكلة لها.

فطاغوت النصارى إذن يسعى لطمأنة أوليائه الصليبيين في كل مكان إلى استقرار هذه الحكومة، والدعاية لتقديم الدعم والقروض لها، وهو ما يجد الرافضة اليوم صعوبة كبيرة في تأمينه، في ظل تراكم الديون عليها، والصراع المستمر بين إيران وأمريكا للهيمنة على العراق، وعدم ثقة الحكومات الصليبية في جدوى الاستمرار في دعم هذه الحكومة المنهارة بإذن الله رب العالمين.

ولا نستبعد هنا أن هذه الزيارة "الدينية" التي قام بها طاغوت النصارى لها أهداف اقتصادية بحتة، وأن طرفا ما قد موّلها بالكامل، لتقديم هذا الدعم المعنوي للحكومة الرافضية لقاء تحصيل عقود مهمة ستظهر للعلن خلال الفترة المقبلة أو تبقى طي الكتمان كما حال معظم العقود الوهمية الموقعة بين الحكومات الرافضية السابقة والشركات الأمريكية والأوروبية.

أما في جنوب العراق، فقد أطلق طاغوت النصارى الدعوة إلى ديانة الكفر والإلحاد الجديدة التي يسعى اليهود ومن والاهم من الصليبيين وطواغيت بلاد الإسلام إلى الترويج لها، بالتقارب بين أتباع الديانات التي تنتسب إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام حقا أو باطلا، والتي يطلقون عليها "الديانة الإبراهيمية" ، وذلك بناء على قولهم أنّ مدينة "أور" التي زارها طاغوت النصارى لإطلاق الدعوة منها هي مسقط رأس نبي الله إبراهيم عليه السلام.

وهذه الدعوة الشيطانية قد أنكرها الله تعالى من فوق سبع سماوات، وأنزل في ذلك قرآنا على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فكذّب دعوى الكافرين بالانتساب إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام أو نسبته إلى أديانهم الباطلة، قال تعالى: }مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ { ]آل عمران:67[.
فإبراهيم عليه السلام كان على دين الإسلام قبل أن يزوّروا أديانهم، وتوحيده سابق لشرك أولئك المشركين وكفرهم بالله العظيم، فما كان يؤمن بثالوث النصارى الشركي، ولا بأوثانهم التي يعبدونها من دون الله تعالى، ولا كان يعبد المسيح بن مريم عليه السلام الذي يعبدون، ولا كان يعبد أئمة الرافضة ولا يطيع طواغيتهم الذين يعبدونهم من دون الله تعالى، بل كان عليه السلام بريئا من الشرك وأهله، ومنهم مشركو أهل الكتاب وكفارهم، والمشركون المنتسبون إلى الإسلام زورا وبهتانا، فهم بريؤون من دينه بما أحدثوه من شرك بالله العظيم، وهو بريء منهم ومن شركهم إلى يوم الدين.

وإن إطلاق هذه الدعوة في ظل حكم الرافضة وطاغوتهم "السيستاني" يشي أنهم اختاروا هؤلاء المشركين لإعلان الدخول في هذا الدين الملفق، ليزعموا -إن تحقق لهم ذلك- أنهم أدخلوا المسلمين فيه، والروافض إخوان لهم في دين الشرك بالله العظيم وإن اختلفوا في الآلهة التي يعبدها كل منهم من دونه سبحانه، وليسوا بمسلمين.

وأما الرسالة الثالثة، وهي الأكثر وضوحا، فكانت رفع طاغوت النصارى لصليبه النجس فوق خرائب الموصل التي دمّرها أولياؤه، ليعلن هدف تلك الحملة الصليبية على دولة الإسلام، بأنها حرب لإزالة شرع الله تعالى من هذه الأرض، وإقامة دين الشرك مكانه فيها، وسنزيل صلبانهم منها كما أزلناها أول مرة عن قريب بإذن الله.

وهذه الرسالة أدركها حتى المرتدون الذين حاربوا الدولة الإسلامية، وكانوا يزعمون أنهم بذلك ينصرون الإسلام، فقد تأكد من فعل طاغوت النصارى أن كل من قاتلوها كانت نتائج أفعالهم تصب في مصلحة الحملة التي تستهدف نصرة الصليب وغيره من أوثان المشركين، علم ذلك من علم وجهله من جهل.

ونسأل الله تعالى أن تكون هذه الزيارة لطاغوت النصارى آخر زيارة له إلى أي من بلدان المسلمين، وأن يمكننا منه ومن أوليائه أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 277
الخميس 27 رجب 1442 هـ
...المزيد

ألا إنَّ نصر الله قريب بيّن ربُّنا تبارك وتعالى أن ابتلاء المؤمنين بالشدائد سنّة في كل أتباع ...

ألا إنَّ نصر الله قريب


بيّن ربُّنا تبارك وتعالى أن ابتلاء المؤمنين بالشدائد سنّة في كل أتباع المرسلين، فيصيبهم بما يشاء من الابتلاءات قبل أن يمنَّ عليهم بالنصر في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، قال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

وإن كان وعد الله تعالى لعباده المؤمنين بالنصر القريب متحققاً ولا شك، فإن هذا النصر الموعود يناله العباد بعد صبر وتحمل منهم لمشاق الطريق، وبعد بذل كثيرٍ من العرق والدماء في سبيل التمكين لدين الله تعالى في أرضه، وليس النصر لمن يزعمون استحقاقهم له وهم يعصون الله تعالى؛ فلا يصبرون على الأذى في سبيله، ويمتنعون عن الجهاد لإقامة دينه، وإزالة الشرك من أرضه، فهؤلاء مستحقون للعذاب في الدنيا والآخرة جزاء لمعصيتهم ربهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

فقد توعّد ربُّنا تبارك وتعالى مَن يرتدون عن دينه ولم يصبروا على فتنة المشركين لهم في سبيله بالعذاب المقيم في النار، ولم يستحقوا بسبب كفرانهم نصر الله تعالى لهم، قال سبحانه: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].

وقد عذّب ربُّنا جل في علاه مَن امتنعوا عن طاعته بجهاد أعدائه، بعد أن وعدهم بالتمكين في أرضه، فلما تولّوا عن طاعته، لم ينلهم وعده، قال تعالى: { قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 24 - 26]،
وقال جل جلاله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38 ، 39].

وإن كان رسولنا عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام هم أوضح مثال على نصر الله تعالى لعباده المؤمنين بعد الذلة والاستضعاف، فإن ذلك التمكين في الأرض لم يكن وليد اعتقادٍ قلبي بالله تعالى ودينه فحسب، بل كان بإيمانٍ بهذا الدين اعتقادا وقولا وعملا، فهم قد صبروا على أذى المشركين في مكة سنين، ثم تحملوا المشاق في هجراتهم عن بلدانهم وأهليهم فرارا بدينهم سنين، ثم جاهدوا أعداء الله المشركين بما استطاعوا سنين، حتى فتح الله تعالى عليهم البلاد وقلوب العباد فتحا مبينا، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، فهو ينصر عباده المؤمنين ولو خذلهم الناس وتولوا عن نصرتهم، كما قال تعالى: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40].

فهذه أسباب النصر التي قام بها المسلمون الأوائل من هذه الأمة حتى استحقوا نصر الله تعالى وتمكينه لهم في الأرض، ولو أنهم امتنعوا عن طاعة الله تعالى وتولوا عن أداء واجبات هذا الدين لخُذلوا ولم ينالوا النصر، ولن تجد لسنة الله تحويلا.

وأما من ترك ما عليه من واجبات، بل وزاد عليها بفعل المحرمات ثم تمنّى على الله تعالى الأماني فهذا ليس له إلا الخيبة والندامة في الدنيا والآخرة، وأشد منهم من قعدوا عن الجهاد مخافة الموت والابتلاء وانشغلوا بالطعن في المجاهدين في سبيل الله تعالى، وهم يزعمون أنهم ينتظرون نصر الله تعالى!، فهؤلاء أفعالهم من أفعال المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 167 - 168].

فالواجب على المسلمين أن يؤمنوا بالله تعالى، فينصروا دينه ويجاهدوا في سبيله ويسألوه سبحانه الإعانة والتوفيق والسداد في ذلك، ويرتقبوا نصر الله العظيم لهم، وهو قريب كما وعد جل جلاله، ما يؤخره عنهم إلا مشيئته سبحانه وذنوبهم، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 276
الخميس 20 رجب 1442 هـ
...المزيد

صراخ الرافضة على قدر آلامهم إن من يتابع أخبار الروافض في العراق ويشاهد الحالة الجنائزية التي ...

صراخ الرافضة على قدر آلامهم


إن من يتابع أخبار الروافض في العراق ويشاهد الحالة الجنائزية التي تطغى عليهم عند كل ضربة يتلقونها من جنود الدولة الإسلامية، والحالة الاحتفالية التي يشيعونها عند تحقيق أي نصر مزعوم مهما كان صغيرا، سيدرك جيداً مدى الضعف الذي يشعرون به والخوف الذي ينتابهم، فهم يخشون من كل ضربة للمجاهدين أن تقصم ظهورهم، فيحاولون إظهار القوة والسيطرة لتغطية ما هم عليه في حقيقة الأمر من ذلة وانكسار.

ففي كل مرة تنجح مفرزة من مفارز المجاهدين المنتشرة في العراق بتوجيه ضربة إلى قواتهم، نتفاجأ بقوة صراخهم وشدة عويلهم المبالغ فيه، لأن الضعف الذي هم فيه يجعلهم يشعرون بالألم أضعافاً مضاعفة عما قد يشعر به غيرهم من الكفار والمرتدين المحاربين للدولة الإسلامية والذين نالهم من البطش أكثر مما نال الروافض أحيانا.

وفي كل فترة يطالعوننا بأخبار مزعومة عن تمكنهم من قتل أعداد كبيرة من المجاهدين أو إحباط مخططات كبيرة لهم أو استهداف قياداتهم وأمرائهم، ونتفاجأ أيضا بحجم الاحتفالات التي يقيمونها لتلك المزاعم، وذلك لأنهم يحاولون التغطية على الهزيمة النفسية التي يشعرون بها ويخشون أن تؤول قريبا إلى هزيمة عسكرية في الميدان بأخبار انتصارات وفتوحات وتمكين، وهكذا الضعيف المهزوم يفرح لأي خبر انتصار مهما صغر، وينفخ فيه حتى يصبح بحجم هزيمته وانكسار نفسه، علّه يغطي عليهما ويحجبهما عن أعين الآخرين.

وليس بخاف اليوم على أحد أن أسباب ضعف الروافض في العراق كثيرة خطيرة، وليست حربهم المنهكة ضد جنود الخلافة الوحيدة فيها، وإن كانت من أكثر عوامل الكشف عن ذلك الضعف، ومما يقوي أثر بقية الأسباب المضعفة للحكومة الرافضية وميليشياتها.

فالحكومة الرافضية تدرك واقع جيشها المتهالك، الذي سُحق تماماً في الحرب ضد الدولة الإسلامية طوال السنوات الماضية، وصار أشبه بالميليشيات ضعيفة الأداء قليلة التسليح منه إلى الجيوش النظامية القوية، وتدرك أيضا أنه أصبح كالمريض المنهك الذي تؤدي كل حركة منه إلى زيادة إنهاكه وتعزيز ضعفه، وفي الوقت نفسه لا أمل في تجديد هذا الجيش وتعزيز قوته، في ظل حالة الإفلاس التي قد تدفع الحكومة الرافضية حتى إلى قطع أو تخفيض رواتب الجنود، ما سيشكل كارثة حقيقية على هذا الجيش المرتد وقيادته، بإذن الله تعالى.

كما أنها تدرك جيداً الحالة الاقتصادية والمالية السيئة لها، في ظل الديون التي تراكمت عليها خلال الحرب مع الدولة الإسلامية، والتي عجزت عن سداد أي جزء منها، بل زادت عليها أضعافا كثيرة، لتغطية نفقات هذه الحرب، ولضمان استمرارية عمل الحكومة ولو بشكل صوري، خاصة في ظل تراجع مواردها النفطية، وزيادة ضغوط الميليشيات عليها لتحصيل مكاسب أكبر للأحزاب، ولتأمين المزيد من الوظائف والخدمات للسكان الذين يعيشون تحت حكمها، فلذلك كله فإنهم يخشون كثيرا من عجزهم في الفترة القادمة عن تمويل الحرب على الدولة الإسلامية، أو أن يفتح الله تعالى على جنود الخلافة من جديد فلا يجدوا شيئا يستعينون به على حربها مرة أخرى.

كما أن الحالة السياسية لرافضة العراق اليوم ليست في أفضل حالاتها، فالصراع بين الأحزاب والميليشيات في تصاعد خطير، ويكاد يقترب من عتبة الصدام والتطاحن وينفلت من يد أجهزة استخبارات إيران وحرسها الثوري، وكذلك فإن حمّى المظاهرات والاحتجاجات لم ترفع منذ عام تقريبا، ضاغطة بشكل دائم على أعصاب الحكومة الرافضية وأحزابها، مهددة بحريق خطير في مناطق الوسط والجنوب، لن يكون من السهل عليهم إخماده، وفوق ذلك كله فموعد الانتخابات التي تتجه إليها أنظار المتصارعين يقترب أكثر، مقرَّبا مواعيد صدامات مؤجلة فيما بينهم، بإذن الله رب العالمين.

وهذه الأمور وغيرها مما تدركه الحكومة الرافضية في العراق وميليشياتها أكثر من غيرهم، تكشف لهم ضعف قوتهم وقلة حيلتهم، بخلاف ما يظهرونه للناس من قوة وتمكين، ولذلك فإنهم يشعرون بألم كل ضربة يتلقونها من المجاهدين شديدا عليهم، فهم يتألمون لضعفهم أكثر مما تؤلمهم الضربات، ويتألمون لعجزهم عن التوقّي من الهجمات أكثر من تألمهم من تلك الهجمات، نسأل الله أن يزيدهم على ضعفهم ضعفا، وعلى مصائبهم مصائبا، وأن يقوينا عليهم ويمكننا منهم، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحميد، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 275
الخميس 13 رجب 1442 هـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً