كما أن الجنة فى الآخرة للمتقين؛ قال تعالى فى سورة الطلاق: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ ...

كما أن الجنة فى الآخرة للمتقين؛ قال تعالى فى سورة الطلاق: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق: 4]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق: 5]، وأمثال ذلك فى التقوى العامة والخاصة وأجرها وعاقبتها كثير.
فمعنى التقوى العام: اتقاء كل ما يضر الإنسان فى نفسه وفى جنسه الإنسانى القريب والبعيد، وما يحول بينه وبين المقاصد الشريفة والغايات الحسنة والكمال الممكن. ولذلك قال العلماء: إنها عبارة عن ترك جميع الذنوب والمعاصى وفعل ما يستطاع من الطاعات، وزدنا على ذلك: اتقاء الأسباب الدنيوية المانعة من الكمال وسعادة الدارين بحسب سنن الله تعالى فى الكون، كالنصر على الأعداء وجعل كلمة الله هى العليا فى الأرض، كما هى فى الواقع ونفس الأمر، وكلمة الذين كفروا السفل كذلك، وكمال ذلك يتوقف على العلم الواسع بالكتاب والسّنّة، وكمال هذا يتوقف على معرفة سنن الله تعالى فى الإنسان مجتمعا ومنفردا كما أرشد إليه فى آيات من كتابه، ومن ثم كانت ثمرة التقوى العامة الكاملة هنا حصول ملكة الفرقان التى يفرق صاحبها بنوره بين الأشياء التى تعرض له من علم وحكم وعمل، فيفصل فيها بين ما يجب قبوله وما يجب رفضه، وبين ما ينبغى فعله وما يجب تركه. وتنكير الفرقان للتنويع التابع لأنواع التقوى، كالفتن فى السياسة والرئاسة والحلال والحرام والعدل والظلم، فكل متق لله فى شىء يؤتيه فرقانا فيه.
وبذلك كان الخلفاء والحكام من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن تبعهم من خلفاء العرب أعدل حكام الأمم فى الأرض حتى فى عهد الفتح، قال بعض حكماء الإفرنج «1»: ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب، ولكنهم لم يتقوا فتن السياسة والرئاسة لقلة خبرتهم. فعوقبوا عليها بتفرقهم وضعفهم وزوال ملكهم، وكان من بعدهم من أعاجم المسلمين دونهم لجهلهم بكل نوع من أنواع التقوى الواجبة، وحرمانهم من فرقانها، فهم يزعمون أنهم يجددون مجدهم، مع جهل هذا الفرقان المبين، وعدم الاعتصام بالتقوى المزكية للنفس، المؤهلة لها للإصلاح فى الأرض، بل مع انغماسهم فى السكر والفواحش، لظنهم أن الإفرنج قد ترقوا فى دنياهم بفسّاقهم
وفجّارهم، وإنما ترقوا بحكمائهم وأبرارهم، الذين وقفوا حياتهم على العلم والعمل النافع.
وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ هذا عطف على يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً، أى:
ويمحو بسبب هذا الفرقان وتأثيره ما كان من تدنيس سيئاتكم لأنفسكم فتزول منها داعية
__________
(1) هو الدكتور «غوستاف لوبون»؛ صاحب كتاب حضارة العرب والإسلام وغيره من المصنفات.

.
.
.
.
.
.
جاءت قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم .. قالوا اجعل لنا الجبل ذهبا نتبعك .. ثم انتهى به الراي انهم اذا لم يوفوا بوعدهم هلكوا .. فقال اتركهم والايات في السماوات والأرض .. يذنبوا مرة ويتوبوا مرة .. فرصة النجاح كبيرة
وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: 164]، ويلى ذلك فى الكثرة آيات كتابه التشريعية، ووصاياه كقوله فى تفصيل الوصايا الجامعة من أواخر [سورة الأنعام: 151]: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وكرر قوله: أَفَلا تَعْقِلُونَ أكثر من عشرات كأمره لرسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يحتج على قومه بكون القرآن من عند الله لا من عنده بقوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [يونس: 16]، وجعل إهمال استعمال العقل سبب عذاب الآخرة بقوله فى أهل النار فى سورة [سورة الملك الآية: 10]: وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ، وفى معناها قوله تعالى من [سورة الأعراف: 179]: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ، وقوله فى [سورة الحج: 46]: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها.
كذلك آيات النظر العقليّ والتفكر كثيرة فى الكتاب العزيز، فمن تأملها علم أن أهل هذا الدين هم أهل النظر والتفكر والعقل والتدبر، وأنّ الغافلين الذين يعيشون كالأنعام لا خطّ لهم منه إلا الظواهر التقليدية التى لا تزكى الأنفس ولا يثقف العقول، ولا تصعد بها فى معارج الكمال، بعرفان ذى الجلال والجمال، ومنها قوله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [الروم: 8]، وقوله فى صفات العقلاء أولى الألباب: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: 191]، وقوله بعد نفى علم الغيب والتصرف فى خزائن الأرض عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وحصر وظيفته فى اتباع الوحى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50].
وقد صرّح بعض حكماء الغرب بما لا يختلف فيه عاقلان فى الأرض من أنّ التفكّر هو مبدأ ارتقاء البشر، وبقدر جودته يكون تفاضلهم فيه.
كانت التقاليد الدينية قد حجرت حريّة التفكر واستقلال العقل على البشر. حتى جاء الإسلام فأبطل بكتابه هذا الحجر، وأعتقهم من هذا الرقّ، وقد تعلم هذه الحرية أمم الغرب من المسلمين، ثم نكس هؤلاء المسلمون على رءوسهم فحرموها على أنفسهم إلا قليلا منهم حتى عاد بعضهم يقلدون فيها من أخذوها عن أجدادهم، وقد اعترف علماء الغرب لعلماء سلفنا بسبقهم وإمامتهم لهم فيها وفى ثمراتها، ونقل شيخنا الأستاذ الإمام طائفة من أقوالهم فى كتاب (الإسلام والنصرانية).
...المزيد

..🌴وقد أوصى بعض حكماء العرب بنحو ما قلناه فقال: "أعلم أنه لا يتهيأ لك نقل رجل عن طريقته بالمناقضة ...

..🌴وقد أوصى بعض حكماء العرب بنحو ما قلناه فقال: "أعلم أنه لا يتهيأ لك نقل رجل عن طريقته بالمناقضة والمكابرة، ....................... الخ ، فإن مجالس السلطان مخالفة لمجالس الرعية، ومجالس العلماء مخالفة لمجالس الجهال، ومجالس الجد مخالفة لمجالس الهزل، فحق العاقل أن يعظم مجالس السلطان والعلماء فلا يأتي فيهما مخالفة بشيء من الخنا، ولا الهزل ولا اللهو إلا أن يشاء السلطان ذلك منه، فيأتي ما يأتي ذلك عن إذنه وطاعة لأمره وتحسب ما يحتمله نشاطه من غير زيادة على ما يخرج به عن حد الخلاف عليه، والعصيان لأمره، ولا يملي لنفسه مع ذلك في الاسترسال، والجري على عادة النفس في الإهمال، وأن يكون في مجلس السلطان بين ثلاثة أحوال:
إما أن يكون منصتاً، أو معظماً لحقه عن الابتداء بالكلام في مجلسه، أو مجيباً عما يسأل عنه، من غير دخول في جواب مسألة لغيره، أو منهياً نصحه إليه فيما أصلح ملكه ورعيته من غير أن يشوب النصح بالسعاية، أو يخلط المشورة بالنميمة، والتحميل على الرعية، فالتوقير للرؤساء والأئمة مما قد أمر الله سبحانه به حيث يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ .....................الخ}.
وفي الحديث ...... - "إن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين".
والسعاية والنميمة وتحميل السلطان على الرعية مذموماً عند الحكماء
🌴وقد روي أن أفلاطون أعرض عن أرسطاطاليس لشيء بلغه عنه، فسأله عن سبب إعراضه، فقال شيء بلغنيه الثقة عنك، فقال: "الثقة لا يكون تملقاً".
وروي أن رجلاً سعى إلى الإسكندر ببعض أصحابه، فقال: إن أردت أن أقبل قولك فيه على أن أقبل قوله فيك فعلت، وإلا بدع الشر يدعك.
🌴وإن يكون في مجلس العلماء في أحد ثلاثة أحوال: إما سائل متعلم، أو منصت متفهم، أو مذاكر بالعلم للمتعلم. فقد روي: كن عالماً أو متعلماً أو منصتاً ولا تكن الرابع فتهلك وأن يوقر العلماء، ويتملقهم، فقد روي
...المزيد

🌴. عالوا به يريد: علوا به، كل مركب: صعب أو ذلول، يريد: وإن حمّلوه ما لا يستطيع، ومن الجانب الأقصى، ...

🌴. عالوا به يريد: علوا به، كل مركب: صعب أو ذلول، يريد: وإن حمّلوه ما لا يستطيع، ومن الجانب الأقصى، يريد: من الحيِّ الأبعد، وقوله: فكل ما علفت: فهذا مثل، يريد به: المسالمة ، ويروى للشاعر بعد هذا البيت:
فإنْ حَدَّثتك النفسُ أنّك قادِرٌ ... على ما حَوَتْ أَيْدِي الرجالِ فكَذِّبِ
وقديماً أكثروا من شكوى الأقارب: من جهة أنهم بحكم تجاورهم وقرابتهم أدنى إلى الحسد والعداوة، فقالوا: الأقارب عقارب وأمتُّهم بك رَحِماً أشدُّهم بك لَدْغا، وقال بعض حكماء العجم: ثلاث لا يستصلح فسادهم بشيء من الحيل: العداوة بين الأقارب، وتحاسد الأكفاء، والركاكة في الملوك. . . ولذلك شكوا من أن عداوة الأقارب أشد على النفس من عداوة الأباعد فقالوا: - والقائل طرفة بن العبد -:
وَظُلمُ ذَوِي القربى أشَدُّ مَضاضةً ... على المرءِ مِنْ وَقْعِ الحُسامِ المُهنَّدِ
وقال الشريف الرّضيّ:
ولِلذُّلِّ بين الأقربينَ مَضاضةٌ ... والذُّلُّ ما بينَ الأباعدِ أرْوَحُ
وإذا أتَتْكَ مِن الرجالِ قَوَارِصٌ ... فسِهامُ ذِي القُربى القريبةِ أجْرَحُ
.
.
.
أذيالها الشيح والرند. ويمنية تعلمت صنعاء مِنْهَا وشى برودها. وخراسانية غَار سحبان ببرودها، ومصرية ضرب على محاسنها الْفسْطَاط، وَهَاجَرت بِسَبَبِهَا الأنباط، وسكنت مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة حَيْثُ الرِّبَاط. وإفريقية تفرق النُّفُوس لتوقع فراقها. وتغار الشموس عِنْد إشراقها. وغربية حطت لَهَا العصم، وطلعت آياتها من الْمغرب، فبهت الْخصم. وأندلسية لَهَا الشفوف، أولياؤها الكموت، وشهودها الصُّفُوف، وخدورها البنود، وظلالها السيوف، وبيوتها الثغور، وغروسها الْجِهَاد الْمَعْرُوف وَهُوَ على تَرْتِيب مَعْلُوم، وَوصف مَوْسُوم، من الْمَدْح وَمَا يُقَارِبه، والنسيب وَمَا يُنَاسِبه، وَالْوَصْف وَإِن تشعبت مذاهبه، وَالْملح وفيهَا محَاسِن الشَّيْء ومعايبه، وَالْحكم والزهد، وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ واجبه، فجَاء تَمَامه نسك، وختامه مسك، ليَكُون أجمع للفكر، وأسهل للذّكر. وَقسمت مَا تضمنه قسمَيْنِ، سحر وَشعر [وَرُبمَا عوجلت بالاستفهام عَن هَذَا الْإِبْهَام، فَنَقُول إِن الشّعْر لَيْسَ فِي أمة من الْأُمَم مَحْصُور، وَلَا على صنف من الْبشر مَقْصُور، وَهُوَ فِيهَا يُوجد الأوايل، ويلفي أَعم من أَن يَشْمَلهُ الْوَزْن المقفى، أَو يخْتَص بِهِ عرُوض يكمل وَزنه فِيهِ ويوفى. فَمن الشّعْر عِنْدهم، الصُّور الممثلة، واللعب المخيلة، وَمَا تأسس على الْمُحَاذَاة، والتخييل ببناه، ككتاب كليلة ودمنة وَمَا فِي مَعْنَاهُ. إِلَّا أَنه فِي سجية الْعَرَب أنهر، وهم بِهِ أشهر.
🌴 وَلذَلِك يَقُول بعض حكماء الْفرس، الشّعْر حلية اللِّسَان، ومدرجة الْبَيَان، ونظام للْكَلَام، مَفْهُوم غير مَحْظُور ومشترك غير مَقْصُور، إِلَّا أَنه فِي الْعَرَب جوهري، وَفِي الْعَجم صناعي.
وَمَتى يخلى الْكَلَام عَن هَذَا الْغَرَض، وَعدل عَن واجبه المفترض، وخاض فِي الْأُمُور الشايعة، والمقدمات الزاهية، وَلم يعدل عَن الْمَشْهُور، فِي مُخَاطبَة الْجُمْهُور، بعد ترك الشّعْر وتعداه، وأفضى بِهِ إِلَى بَاب الْحِكَايَة مداه، وَلكُل مِنْهَا فِي الْكتب المنطقية بَاب يضْبط أُصُوله وَيبين خواصه وفصوله. ثمَّ إِن الْعَرَب لم
.
.
.
. دخل ثابت بن عبد الله بن الزبير على عبد الملك بن مروان، فقال: ما ثابت من الأسماء؟ والله ما هو باسم رجل ولا امرأة، فقال: لا ذنب يا أمير المؤمنين للرجل فيما سمّاه أبواه، ولو كان اسمي إليّ لتسميت زينب حتى تحبني، يعرض له بزينب التي يقال: زينب وكعكتان
[موعظة حكيم]
عبد الرحمن عن عمه قال: قال بعض حكماء العرب لابنه، وهو يعظه، يا بنيّ، إنّ التواضع مع البخل ........الخ
🌴 [هجاء دعبل لإبراهيم بن المهدي]
عن ابن أبي داود [1] قال: دخلت على المعتصم، فقال لي: يا أبا عبد الله، أيظنّ دعبل [2] أنّه يجد عندي من الاحتمال، ما كان يجده عند المأمون؟
__________
[2] دعبل الخزاعي: دعبل بن علي بن رزين، أبو علي، أصله من الكوفة، وأقام ببغداد، شاعر هجّاء جيد الشعر، كان مولعا بالهجاء والحط من أقدار الناس وهجاء الخلفاء، الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق، صنف كتابا في طبقات الشعراء، توفي سنة 246 هـ، (وفيات الأعيان 12/178، الشعر والشعراء ص 350، تاريخ بغداد 8/382) .
.
.
.
ظلمة، ويلفظ نورا؛ قد يكون قلم الكاتب، أمضى من شباة المحارب؛ القلم سهم ينفذ المقاتل، وشفرة تطيح بها المفاصل. ومن كلام العميد عمر بن عثمان الكاتب: قلم يطلق الآجال والأرزاق، وينفث السّم والدّرياق؛ قلم تدق عن الإدراك حركاته، وتحلّى بالنفائس فتكاته؛ يسرع ولا انحدار السيل إلى قراره، وانقداح الضوء من شراره، معطوفة الغايات على المبادي، مصروفة الأعجاز إلى الهوادي؛ وإذا صال أراك كيف اختلاف الرماح بين الآساد. وله خصائص أخرى يبدعها إبداعا، فإذا لم يأت بها غيره تطبّعا أتى بها هو طبعا، فطورا يرى إماما يلقي درسا، وطورا يرى ماشطة تجلو عرسا، وطورا يرى ورقاء تصدح في الأوراق، وطورا يرى جوادا مخلّقا بخلوق السّباق، وطورا أفعوانا مطرقا، والعجب أنه لا يزهو إلا عند الإطراق! ولطالما نفث سحرا، وجلب عطرا، وأدار في القرطاس خمرا؛ وتصرّف في صنوف الغناء فكان في الفتح عمر «1» ، وفي الهدي عمّارا «2» ، وفي الكيد عمرا «3» فلا تحظى به دولة إلّا فخرت على الدول، واستغنت عن الخيل والخول.
.🌴 وقال الإسكندر: لولا القلم ما قامت الدنيا، ولا استقامت المملكة. وكلّ شيء تحت العقل واللسان لأنهما الحاكمان على كل شيء، والقلم يريكهما صورتين، ويوجدكهما شكلين.
🌴. وقال بعض حكماء اليونان: أمور الدنيا تحت شيئين: السيف والقلم، والسيف تحت القلم. وقال آخر: فاقت صنعة القلم عند سائر الأمم جمع الحكم في صحون الكتب.
.
الاقصى🚐
...المزيد

لأحبني حب الصبي ورمني ... رم الهدي إلى الغنى الواجد ولقد نضحت مليلتي فتميثت ... عن آل عتاب بماء ...

لأحبني حب الصبي ورمني ... رم الهدي إلى الغنى الواجد
ولقد نضحت مليلتي فتميثت ... عن آل عتاب بماء بارد
يقول: إن رمت القيام بواجب سعى علقمة لي، وأديت المفروض لحسن بلائه عندي، لم أقابله على صنيعة واحدة، ولا جازيته لبلاء معمة فاردة، لأن أياديه عندي كثيرة متظاهرة، وآلاءه لدى متواترة متناصرة، فوالله لقد أحبتني كما يحب الصبي، وأصلح من أموري ما يصلح من شأن العروس إذا زفت إلى الموسر الغنى، فتضاعف مؤنها، وتزايد التكاليف في هدائها وتحويلها. فقوله لأحبني، اللام جواب يمين مضمرة، وغنما قال: حب الصبي لأنه يخلط بمحبته زيادة الشفقة، وكفالة الترفرف عليه والمرحمة.
وسئل بعض حكماء العرب عن أحب أولاده إليه فقال: الصغير حتى يكبر، والغائب (الاسد)حتى يقدم، والعليل (القط)حتى يبرأ.
وإذا تأملت وجدت حال الغائب والعليل كحال الصغير فيما ذكرت، فلذلك جمعها في قرن الذكر. وقوله: ولقد نضحت مليلتي يريد. ولقد رششت غليلي من آل عتاب وما امتله نار وجدي من أحشائي وصدري بماء بارد، فكنت وزال حميمها، حتى كأنها لم تكن. وإنما قال ذلك لأن آل عتاب كانوا وتروه فاشتد برح حميه واتسع قرح وتره، فأعانه على إدراك الثأر علقمة بن سيف، وشفاه من دائه. وإذا تؤمل ما عدده من أياديه لديه حصل فيه الميل والإكرام، والبر والإنعام، وإصلاح الحال، والمؤاساة بالمال، والشفاء من الداء، والانتقام من الأعداء، وذلك مالا مزيد عليه. ومعنى تميثت تذللت وتذوبت. ويقال: ميثت الشيء، إذا مرسته. والنضخ بالخاء المعجة ابلغ من النضح.
.
. وفي أثر ابن عباس أيضا: "الهوى إله معبود".
وعن الغزي، قال: رأيت عاشقين اجتمعا، فتحدثا من أول الليل إلى الغداة، ثم قاما إلى الصلاة.
ووردت أحاديث كثيرة في العشق مع العفة. قيل لعذري: أتعدون موتكم في الحب مزية، وهو من ضعف البنية، ووهن العقل، وضيق الرئة؟ فقال: أما والله لو رأيتم المحاجر البلج، ترشق بالعيون الدعج، من تحت الحواجب الزج، والشفاه السمر، تبسم عن الثنايا الغر، كأنها شذر الدر، لجعلتموها اللات والعزى وتركتم الإسلام وراء ظهوركم.
وبنو عذرة مختصون بمزية الحب وإيثار العشق، ولا تضرب الأمثال إلا بهم. وقال بعض حكماء الجهل: ما اعتل احد عندنا إلا وعزينا أهله فيه.
وحكى الحافظ مغلطاي: إن العشق يختلف باختلاف أصحابه، فإن الغرام أشد ما يكون مع الفراغ وتكرار التردد إلى المعشوق والعجز عن الوصول إليه، فعلى هذا يكون أخف الناس عشقا الملوك، ثم من دونهم، لاشتغالهم بتدبير الملك وقدرتهم على مرادهم، ولكن قد يتذللون للمحبوب بما في ذلك من مزيد اللذة، ودونهم أفرغ لقلة الاشتغال، حتى يكون المفترغ له بالذات أهل البادية لعدم....
.
.
.
مبحث في قسمة العشق مخاطباته
اعلم أنهم قسموا العشق على أربعة أوجه: بالسمع، وبالرؤيا، وبرؤية التصوير، وبرؤية الأصل. وعقد ابن أبي حجلة في "بستان السلطان" بابا في ذكر من عشق على السماع، وقال: إن العشق بالسمع لمشاكلة بينه وبين المحبوب، وتعارف سابق في عالم الذر، ويؤيده قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". وعلى المشاكلة
، ولهذا اغتم بقراط حين وصف رجل من أهل البغض، إنه يحبك، فقال: ما أحبني إلا وقد وافقته في بعض أخلاقه.


.
..
حكاية: قيل إن أبا نواس أتى إلى بلاد الرشيد يوماً، فلما علم به طلب بيضاً وقال للجماعة الذين عنده هذا أبو نواس على الباب، فكل واحد منكم يأخذ بيضة ويجعلها تحته وإذا دخل أظهرت الغضب على الجميع وقلت لكم بيضوا الآن بيضة بيضة وإلا أمرت بضرب رؤوسكم حتى نرى ما يقول ثم طلبه فدخل فبعد ساعة جال بهم الحديث إلى شيء أغضب الخليفة فأظهر لهم الغضب الشديد وقال لهم الواحد مثل الدجاجة ويدخل ويدخل فيما لا يعنيه بيضوا الآن بيضة بيضة لأنها صفتكم وإلا أمرت بضرب رؤوسكم والتفت إلى من على يمينه، وقال أنت الأوّل بض الآن بيضة فعصر نفسه وتنحنح وتغير وجهه ثم أخرج بيضة فدار على الكل مثل هذا حتى وصلت النوبة إلى أبي نواس فضرب بعضديه على جنبيه ثم صرخ، وقال في صراخه قوققوقو قال يا مولانا لا يصلح الدجاج بغير ديك؟ فهؤلاء دجاج وأنا ديكهم، فضحك الخليفة حتى استلقى على قفاه واستحسن ذلك منه.
وحكى أنه غضب عليه يوماً فأمر جماعة أن يخرؤا على فراشه الذي يرقد عليه فأتوه وهو ببيته، فقالوا له أمرنا الخليفة بأن نخرأ على فراشك، فقال أمر الخليفة مطاع فهل أمركم بشيء غير الخراء قالوا لا فأخذ خشبة بيديه. وقال لهم اخرؤا ولكن إن بال أحدكم منكم ضربت رأسه بهذه الخشبة فما أمكنهم ذلك بغير أن يبولوا فرجعوا إلى الخليفة وأعلموه بذلك فضحك وأمر له بصلة.

حكاية: دخل لص دار مالك بن دينار في الليل فطاف بها، فلم يجد فيها شيئاً فلما همّ بالخروج رفع مالك رأسه وقال يا هذا طلبت الدنيا فما وجدتها عندنا فهل لك أن تقبل على
الآخرة، فقال اللص نعم ثم تقدم إلى مالك فتاب على يديه، فلما طلع الفجر أخذه مالك ومضى به إلى المسجد، فلما رآه التلامذة قالوا للشيخ ما هذا الرجل، فقال هذا لص جاء ليصيدنا فصدناه، فصار ذلك اللص ببركة مالك من كبار الأولياء.

حكاية: قال بعض حكماء الفرس أخذت من كل شيء أحسن.........الج

حكاية: قيل إن رجل أتى سليمان عليه السلام، فقال له يا نبي الله علمني منطق الطير، فقال أعلمك بشرط أن لا تخبر به أحداً وإن أخبرت به أحداً مت، فقبل ذلك فعلمه فرجع الرجل إلى داره وأمسى وكان له حمار وثور وديك، فكان الحمار يسأل الثور كيف كنت اليوم؟ قال في عناء وشدة قال أتريد أن لا يحمل عليك غداً فتستريح؟ قال نعم قال لا تأكل العلف الليلة، ففعل وكان الرجل يسمع كلامهما، فلما أصبح أمر أن يحمل على الحمار بدل الثور، فلما كان الليل انصرف الحمار إلى معلفه، فسأله الثور كيف كنت اليوم كأنك لم تعمل قال بلى قد عملت وأصابتني الشدة كما أصابتك إلا أني سمعت أنهم يستعدون لذبحك وقالوا هو عليل لا يصلح إلا للذبح قبل أن يموت فإن أردت السلامة، فكل العلف فضحك الرجل لما فهم من كلامهما، فقالت له امرأته مم تضحك قال لا شيء فألحت عليه، فلم يخبرها مخافة ان يمون؟ فقالت إن لم تخبرني قلت إنك مجنون أو أن لك امرأة غيري قال إن أخبرتك مت، فلم تطاوعه ولم يكن له بدّ منها، فقال أمهليني حتى أوصي، ففعلت فلما أصبح كان يوصي وأمسك الحمار والثور عن الأكل والشرب ولم يمسك الديك عن الصراخ والنشاط، فقال له أصحابه صاحبنا يموت فما هذا النشاط قال الموت لهذا خير من الحياة قالوا ولم ذلك؟ قال إن تحت يدي عشرين وأنا أعولهن وهو لا يقدر أن يعول امرأة واحدة ولا يقدر أن يدفعها عن نفسه قالوا فما يعمل معها قال يأخذ السوط ويضربها إلى أن تموت أو تتوب، فقال الرجل صدق الديك وقام وأخذ السوط وضربها حتى سكتت ورجعت عن ذلك.
...المزيد

. . . 193-وقال أنس رفعة: "إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب". 194-وقال بعض حكماء ...

.
.
.

193-وقال أنس رفعة: "إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب".
194-وقال بعض حكماء العرب: "الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود. يقول الله عز وجل: "الحاسد عدو نعمتي، متسخط لفعلي، غير راضي بقسمتي التي قسمت بين عبادي".
195-وقال عبد الله بن شداد بن الهاد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه: "يا بني إن سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك لست بشاهد، فإنك إن أمضيتها صار جميع العيب على من قالها".
196-وقال الأصمعي: "رأيت أعرابياً قد بلغ عمره مائة سنة فقلت له: ما طول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت".
.
سمعك عنه فإنه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك. (للمستعصمي) قال الشبراوي:
وسمعك صن عن سماع القبح ... كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سماع القبيح ... شريكٌ لقائله فانتبه
.
المزاح
174 قال بعض حكماء العرب: المزاح يذهب المهابة ويورث الضغينة أو المهانة. وقال ابن المعتز: المزاح يا كل الهيبة كما تأكل النار الحطب. ومن كثر مزاحه لم يزل في استخفاف به وحقدٍ عليه.
.
...المزيد

(3) لسان الدين بن الخطيب هو ذو الوزارتين الكاتب الشاعر. أبو عبد الله لسان الدين محمد بن عبد الله ...

(3) لسان الدين بن الخطيب
هو ذو الوزارتين الكاتب الشاعر. أبو عبد الله لسان الدين محمد بن عبد الله المعروف بابن الخطيب تأدب وتفقه واجتمع له من الحكمة والأدب ملكة يلذ بها أدباء الأندلس كتابة وشعراً وتصنيفاً وسياسة ومات سنة 776 هـ?.
ومن قصار رسائله رسالة في الشوق كتبها إلى ابن خلدون وهي بعد الديباجة (أما الشوق فحدث عن البحر ولا حرج، وأما الصبر فسل به أية درج، بعد أن تجاوز اللوى والمنعرج، لكن الشدة تعشق الفرج، والمؤمن ينشق من روح الله الأرج، وأني بالصبر، على إبر الدبر. بل الضرب الهبر. ومطاولة اليوم والشهر حتى حكم القهر، وهل للعين أن تسلو سلو المقصر. عن إنسانها المبصر، أو تذهل ذهول الزاهد. عن سرها الرائي والمشاهد. وفي الجسد مضغة يصلح إذا صلحت فكيف حاله إن رحلت عنه ونزحت، وإذا كان الفراق هو الحمام الأول. فعلام المعول، أعيت مراوضة الفراق على الراق، وكادت لوعة الاشتياق، أن تفضي إلى السياق.

تركتموني بعد تشييعكم ... أوسعُ أمرَ الصبر عصيانا
أقرعُ سنّي ندماً تارةً ... وأستميحُ الدمعَ أحياناً

التدوين
ألف علماء هذا العصر تأليف جمة أخلفت على العربية بعض ما أباده التتار والصليبيون: من الكتب النفسية. ويرجع أكثر الفضل في ذلك إلى علماء مصر والشام وجالية الأندلس. أما أعاجم المشرق وإن ألفوا في العلوم الإسلامية والفلسفية فإن تأثير بيئتهم الأعجمية جعل كتبهم صعبة التناول ضعيفة الأثر في تقدم اللسان العربي مما ستعرفه من أحوال العلوم ومؤلفيها.

الأدب
قد كان لأدباء القاهرة من الكتاب السبق في وضع الكتب الجامعة التي تبحث في عدة علوم أدبية أو ملحقة بها. ومن هؤلاء:
شهاب الدين النويري صاحب "نهاية الأرب"، وابن فضل الله العمري صاحب مسالك الأبصار، وشهاب الدين القلقشندي صاحب صبح الأعشى. وممن ألف في الأدب بمناح مختلفة: جمال الدين الوطواط صاحب الغرر والعرر، وشهاب الدين الحلبي صاحب منازل الأحباب، وحسن التوسل إلى صناعة الترسل، وشهاب الدين أحمد الأبشيهي صاحب المستطرف، والنواجي صاحب حلبة الكميت.

بقية العلوم الإسلامية
لما أباد التتار بقية العلماء والنحاة في الشرق، كاد أفق المشرق والشام ومصر يصفر من النحاة وأهل اللغة، لولا أن تداركها الله بدخول التتار في السلام ومعاضدتهم هم والدول التي خلفتهم للعلم والعلماء، وبجلاء بعض كبار النحاة واللغويين من الأندلس والغرب قبيل حادث التتار وبعده. كابن مالك، والشاطبي، وأبي حيان، وابن منظور الأفريقي، فجددوا والنحو واللغة بمصر والشام، وتخرج عليهم تلاميذ أفاضل كانوا كواكب العصور المتأخرة، فدونوا العلم وحفظوه لمن أتى بعدهم ممن نشؤوا في العصور المظلمة.

كتابة التدوين والتصنيف
أما كتابة التدوين فكانت في المتون ونحوها موجز جداً. وكانت في الشروح والمطولات مبسوطة: ومن أشهر المؤلفين في هذا العصر ابن خلكان: وابن خلدون والسيوطي: وابن مكرم: والفيروز أبادي: وعز اليدين بن عبد السلام المتوفى سنة 660 هـ?، وابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ?، وابن هشاالجرجاني، المتوفى سنة 816، والشهاب الخفاجي. م النحوي المتوفى سنة 761 هـ?، ولسان الدين بن الخطيب المتوفى 776 هـ?، وسعد الدين التفتازاني المتوفى سنة 791، والسيد
ابن خلكان
هو قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أبي بكر خلكان الإربلي ولد سنة 608 هـ? بمدينة أربل وأقام بها إلى سنة 621 هـ? فرحل إلى حلب ومكث بها سنين ثم إلى دمشق وأقام مدة، ثم أقام بمصر وتولى القضاء بها وفيها ألف أكثر تاريخه العظيم "وفيات الأعيان" ثم تقلبت ب الأحوال بين مصر والشام إلى أن مات بدمشق سنة 681: وكان كاتباً بليغاً، وشاعراً مجيداً، حسن المحاضرة، لطيف المعاشرة، وساع الاطلاع، شديد التحري والضبط ("وتاريخه" "وفيات الأعيان" "وأنباء أبناء الزمان") أفضل بأيدي الناس ممن كتب التاريخ لشدة عنايته بضبط الأعلام وأسماء البقاع والبلدان وتحقيق الحوادث بحسب الإمكان.

ابن خلدون
هو حكيم المؤرخين، وعلم المحققين، الفقيه القاضي الكاتب الشاعر المصنف عبد الرحمن ابن محمد المعروف بابن خلدون ولد بتونس سنة 732 هـ?، وتلقى العلم والأدب من أبيه ومن كبار العلماء، وقرأ العلوم العقلية والفلسفية على بعض حكماء المغرب، واحترف بصناعة الكتابة وهو شاب لم يطر شاربه، ثم وصل بعد ذلك إلى ملوك بني الأحمر فحظي عندهم حتى حسده على ذلك صديقه لسان الدين بن الخطيب فأقلع عنها، وذهب إلى صاخب بجاية بالمغرب الأوسط فوزر له، وبقي يتردد بين المغرب الأوسط والأقصى وأفريقية والأندلس حتى حسن في عينه التخلي عن السياسة والانقطاع إلى العلم، فنزل إلى بعض قبائل العرب على حدود الصحراء أربعة أعوام ألف فيها تاريخه ومقدمته التي لم ينسج أحد من المتقدمين ولا المتأخرين على منوالها، ثم عزم على الحج فدخل مص زمن سلطانها برقوق. ثم استقدم أهله وولده من المغرب فغرقت بهم السفينة فأقام بمصر حزيناً، وجلس للتدريس بالجامع الأزهر، وتولى قضاء المالكية سنة 786 هـ? إلى أن مات سنة 808 هـ?.

جلال الدين السيوطي
هو عبد الرحمن جلال الدين بن الإمام كمال الدين الخضيري السيوطي العالم المحدث المفسر صاحب التصانيف المشهورة: واد سنة 849 هـ? ونشأ يتيماً وحفظ القرآن وعمره دون الثمان، ثم حفظ متون الفقه والنحو، وأخذ العلم عن مشايخ وقته وابتدأ في التصنيف وسنه 17 سنة، ثم لازم الأشياخ وطلب العلم في بقاع الأرض فدخل الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب والتكرور ونبغ في كثير من العلوم، ورزق التبحر في التفسير والحديث والفقه والنحو والمعان والبيان والبديع وتولى التدريس والإفتاء ولم يكن أشهر منه في زمنه. ويعد السيوطي من الأئمة الذين حفظوا العلم للخلف وسهلوا سبيله للمتأخرين، وقد ترك للناس أكثر من ثلاثمائة مصنف، وتوفي ستة 911 هـ? بالقاهرة.

الشعر
لما كان أكثر الملوك والأمراء في هذا العصر أعاجم بالفطرة، كان نيلهم إلى الشعر العربي غير طبيعي، ولذلك انقرض الشعر العربي من أواسط آسيا وبقيت صبابة منه بالعراق والجزيرة: وبقي على كل شيء من الرونق في الشام ومصر والأندلس والمغرب، غير أنه قل التكسب به فيها، فمال أكثر الشعراء إلى انتحال الكتابة والدواوين صناعة واستعملوا الشعر في تملق الملوك والرؤساء وفي إظهار التفصح والتسلية فهجر قوله في الأغراض الهامة وعدل به إلى أغراض أخرى.

الشعراء
ظهر في هذا العصر شعراء كثيرون، من أشهرهم، شرف الدين الأنصاري المتوفى سنة 662 هـ?، وجمال الدين بن نباتة المصري المتوفى سنة 768 هـ?، وشهاب الدين التلغفري المتوفى سنة 675 هـ?، وأبو بكر بن حجة المتوفى سنة 837 هـ?، وصفي الدين الحلي المتوفى سنة 1111 هـ?، وهاك ترجمة بعضهم: 1 البوصيري هو شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري، صاحب البردة والهمزية، ولد بدلاص ونشأ ببوصير ثم انتقل إلى القاهرة، وتعلم علوم العربية والأدب فقال الشعر البليغ في جده وهزله ومن أشهر شعره قصيدة البردة الشهير التي(عن سلمى) أولها:
أمن تذكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ ... مزجتَ دمعاً جرى من مقلةٍ بدم
أم هبّتِ الريحُ من تلقاءِ كاظمةٍ ... وأومضَ البرقُ في الظّلماء من إضم
فما لعينيك إن قلتَ اكففاهمتا ... وما لقلبك إن قلتَ استفق يهمِ
أيحسب الصبُّ أن الحبّ منكتم ... ما بيَن منسجم منه ومضطرمِ
ومن حكمها البديعة المشوبة بمحاسن البديع قوله(عن رويم):
والنّفس كالطّفل إن تهمله شبّ على ... حب الرّضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرفْ هواها وحاذرْ أن تولّيه ... إن الهوى ما تولَّى يصمِ أو يصمِ
وراعها وهي في الأعمال سائمةٌ ... وإن هي استحلت المرعى فلا تسمِ
كم حسنتْ لذةً للمرء قاتلةً ... من حيث لم يدر أن السُّم في الدَّسم
واخشَ الدسائس من جوع ومن شبع ... فربّ مخمصةٍ شرٌّ من التُّخمِ
واستفرغ الدمعَ من عين قد امتلأتْ ... من المحارمِ والزمْ حميةَ النَّدمِ


وقصيدته الهمزية في مدحه محمد صلى الله عليه وسلم لا تقل عن البردة في فصاحتها، وأولها:
كيف ترقى رقيك الأنبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء
لم يساووك في علاك وقد حا ... ل سنا منك دونهم وسناء
وتوفي البوصيري سنة 696 هـ? بالإسكندرية وقبره بها مشهور يزار.

2 صفي الدين الحلي
هو عبد العزيز الملك المنصور بن علي الشهير بابن سرايا الطائي الحلي شاعر الجزيرة ولد سنة 677 هـ?، ونشأ بمدينة الحلة من مدن الفرات فتأدب ونظم الشعر وأجاده وأصبح فيه أشهر شعراء عصره، وخدم به نجم الدين غازي بن قره أرسلان: أحد ملوك الدولة الأرتقية (ديار بكر) .
واتصل بعده بابنه الملك الصالح شمس الدين، ثم ذهب إلى الحج وعرج منصرفه منه إلى مصر فمدح الملك الناصر بن قلاوون وتوفي سنة 750 هـ?.
ويعتبر صفي الدين من أئمة البديع المبتدعين في أنواعه المغالين في استعماله في شعرهم بلا كثير تكلف، وهو أول من نظم القصائد النبوية الجامعة لأنواع البديع المسماة بالبديعيات على مثال بردة البوصيري. ومن وقوله في الأدب:
اسمعْ مخاطبةَ الجليس ولا تكنْ ... عجلاً بنطقك قبلما تتفهَّمُ
لم تعطَ مع أذنيك نطقاً واحداً ... إلا لتسمع ضعفَ ما تتكلمُ

3 ابن نباتة المصري
هو جمال الدين محمد بن محمد المعروف بابن بناتة، أشعر شعراء المصريين زمن المماليك. ولد سنة 686 هـ? ونشأ بالقاهرة، وتلقى العلم والأدب وانكب على قراءة شعر القاضي الفاضل ورسائله، فرسخت في طريقته من الولوع بالتورية والتلميح والطباق، لم يأت بعده من شعراء مصر والشام من بلغ غايته في لطف التصور ورقة اللفظ وانسجام العبارة ومات سنة 768 هـ? ومن شعره قوله:
يا مشتكي الهم دعه وانتظر فرجاً ... ودار وقتك من حين إلى حين
ولا تعاند إذا أصبحت في كدر ... فإنما أنت من ماء ومن طين

4 ابن معتوق الموسوي
هو شهاب الدين بن معتوق الموسوي شاعر العراق في عصره وسابق حلبته في رقة شعره. ولد سنة 1025 ونشأ بالبصرة وبها تعلم وتأدب وقال الشعر وأجاده، وكان في نشأته فقيراً فاتصل بالسيد على خان أحد أمراء البصرة من قبل لدولة الصفوية الإيرانية وكانت وقتئذ تملك العراق والبحرين، ومدحه مدحاً رقيقة، وأكثر شعره مقصور عليه وعلى آل بيته فغمره بإحسانه. وابن معتوق من كبار شعراء الشيعة فمدح علياً والشهيدين بما يرج عن حد الشرع والعقل، ومات سنة 1111 هـ?، ويمتاز شعره بالرقة وكثرة المجازات.

"العصر الخامس عصر النهضة الأخيرة من 1330 إلى الوقت الحاضر"
حالة اللغة العربية وآدابها في هذا العصر كانت حالة البلاد العربية في أوائل القرن الثالث عشر غاية ما وصلت إليه من الفساد والاضمحلال، فلما استولى ساكن الجنان محمد علي باشا على مصر رأى بحكمته أن يربي من يكون خير واسطة لنقل معارف الأوروبيين إليها. فبعث إلى أوروبا ثلاثة بعوث علمية في أزمنة مختلفة كونت بعد ثلاث طبقات من العلماء، والأطباء، والمهندسين، والضباط. فنقلوا إلى اللغة العربية عشرات الكتب الجليلة في العلوم المختلفة فأحدث ذلك في اللغة العربية انقلاباً عظيماً، واكتسبت من سعة الأغراض والمعاني والألفاظ العلمية والأساليب الأجنبية وطرق البرهنة والاستنباط وترتيب الفكر ثروة طائلة، ورأى العلماء والأدباء أنه صارت لهم دولة منظمة متحضرة تقبل منهم بقبول حسن كل كما يحسنونه من نتيجة كدهم وثمرة أفكارهم فالتفوا حولها وصارت للدولة كتاب وشعراء ومنشؤون في جريدتها "الوقائع" أول جريدة عربية، واقتدى بمصر أهل الشام، بل ركدت ريها زمن عباس باشا الأول وزمن سعيد باشا، ثم تنسمت في عصر اسماعيل، وما لبثت أن صارت رخاء طيبة فأعاد سيرة في نشر العلم، وظهرت ثمرة أعماله في حياته وكادت مصر توشك أن تكون قطعة من أوروبا.

النثر المحادثة أو لغة التخاطب
كانت العامية في أوائل هذه العصور غاية في الانحطاط، ثم لما انتشر التعليم بين طبقات المصريين دخل عباراتهم كثير من الفصيح، وانتقل ذلك لمعاشريهم من الأميين وبعض النساء، ومما ساعد على ذلك أيضاً جعل التقاضي باللغة الفصيحة وكثرة الصحف والمجلات والروايات.

الخطابة
كان المصريون والسوريون أوائل هذا العصر لا يستعملون الخطابة في غير الأغراض الدينية، ثم اتسعت ائرة الأفكار في عصر إسماعيل باشا، وصادف ذلك مجيء السيد جمال الدين الأفغاني إلى مصر، والتف خوله لفيف من أدباء المصريين والسوريين، فأدخلهم في عداد جمعيته وألف منهم أندية كانوا ينتابون الخطابة فيها في الأمور الدينية السياسية والاجتماعية، وانتشرت الخطابة بين شبان مصر وفشت بعد عصر إسماعيل في زمن توفيق باشا وصاحب السمو الخديوي عباس باشا الثاني: ومن أشهر خطبائهم السيد عبد الله النديم، والشيخ محمد عبده، ومصفى باشا كامل، ومحمد بك فريد، وسعد باشا غلول، والشيخ عبد العزيز جاويش وغيرهم، حتى بلغت الخطابة في عصرنا هذا مبلغاً عظيماً.

الكتابة الخطية
وقف الخط في سبيل تقدمه عند الحد الذي رسمته له الطبقة الناشئة والحادي والثاني عشر من خطاطي الترك، وكل ما نشأ بعدهم فإنما هو متبع طريقهم. وأشهرهم عبد الله الزهدي، وهو الذي خط بالقلم الجليل جدران المسجد النبوي وجدران سبيل والدة عباس باشا بالصليبية بالقاهرة، ومحمد مؤنس أفندي، وتخرج عليه وعلى تلميذه محمد جعفر بك جميع خطاطي قطرنا المصري.

الكتابة الإنشائية
مضى العصر المتقدم وليس لكتابة الدواوين في أواخره شيء يذكر لجعل التركية هي اللغة الرسمية، وأقبل العصر الحاضر والحال لم تتغير في المماليك العثمانية إلا قليلاً وشرعت تتغير في مصر، ثم لما أنشئت المدارس النظامية نشأت طبقة من كتاب الدواوين رقوا كتابتها. وقد هجر السجع الذي أكثر منه الأقدمون إلا أن عبد الله باشا الفكري أشهر المصلحين للكتابة الديوانية الفصيحة ألم به في كثير من مكاتبته الرسمية، كما سبق ذلك في المكاتبات.
أما كتابة التأليف والصحف فأخذت تنحو منحى كتابة ابن خلدون في "مقدمته". ولما ولت الحكومة الشيخ محمد عبده تحرير الوقائع الرسمية والإشراف على تحرير الجرائد، ترقت كتابتها كثيراً ودرجت في سبيل التقدم إلى الآن:

كتابة التدوين
كان أكثر الكتب التي ألفت أو ترجمت في مصر علمية، لشدة احتياجها إليها. أما سورية فكانت حالة الأدب فيها في لنصف الأول من العصر الحاضر خيراً منها في مصر، ولكن مصر نهضت في النصف الثاني واسترجعت حياتها الأدبية
...المزيد

في القران...(قالت النصارى قتلنا المسيح عيسى ابن مريم) . وتوفي سنة 749 هـ?، ومن إنشائه في وصف قط ...

في القران...(قالت النصارى قتلنا المسيح عيسى ابن مريم)
.
وتوفي سنة 749 هـ?، ومن إنشائه في وصف قط زباد(سليم).. من رسالة طويلة (وقط الزباد الذي لا تحكيه الأسود في صورها: ولا تسمح غزلان المسك بما يخزنه من عرفه الطيب في سررها كم تنقل في بيوت طابت موطناً، ومشى من دار أصحابه فقالوا: (رَبّنَا عَجّل لّنَا قِطّنَا) [ص: 16] ) . ...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً