وماذا بعد وداع رمضان؟ [1/2] ها هو ضيفكم العزيز قد رحل، وشهركم الكريم قد أفل! فما أسرعَ انصرام ...

وماذا بعد وداع رمضان؟
[1/2]

ها هو ضيفكم العزيز قد رحل، وشهركم الكريم قد أفل! فما أسرعَ انصرام لياليه وأيامه، وما أعجل انطواء صفحاته وأعماله! رحل الغالي آخذاً شغاف قلوبنا، رحل الحبيبُ تاركاً دموعاً على خدودنا! كيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع، وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع! فحريٌّ بقلوب الصائمين لهذا الشهر تحن، ومن ألم فراقه تئن!

سلام من الرحمن كل أوان
على خير شهر قد مضى وزمانِ
سلام على شهر الصيام فإنه
أمان من الرحمن كل أمانِ
لئن فنيت أيامك الغر بغتة
فما الحزن من قلبي عليك بفانِ

مبارك عليكم إتمام رمضان، وتقبّل الله منكم صيامكم وقيامكم وصدقاتكم وتهجّدكم وسائر عباداتكم.

ولكن ألا يجدر بكم أن تتساءلوا: وماذا بعد وداع رمضان؟

- ولعلّكم تشكرون:

فأولاً عليكم أن تشكروا الله تعالى أن بلغكم رمضان ويسّر لكم إتمام صيامه وقيامه، فكم من محروم من هذه النعمة! ثم عليكم أن تحمدوه سبحانه وتشكروه وتكبروه كثيراً، لأنه أمركم بذلك فقال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة البقرة: 185].

قال ابن كثير: «وقوله: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أي: ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم، كما قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، وقال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}...».
وقال ابن رجب: «لما كانت المغفرة والعتق كل منهما مرتباً على صيام رمضان وقيامه، أمر الله سبحانه وتعالى عند إكمال العدة بتكبيره وشكره، فقال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام وإعانتهم عليه ومغفرته لهم وعتقهم من النار أن يذكروه ويشكروه ويتقوه حق تقاته» [لطائف المعارف].

ربّنا تقبّل منّا...

ثم اسألوا الله ثانياً القبول واستغفروه من التقصير، فقد كان السلفُ الصالح -وهم خيرُ القرون- يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه في رمضان، ما لا يجتهدون في غيره، ومع ذلك كانوا يخافون أن يُردَّ ولا يُتقبل منهم! روي عن علي –رضي الله عنه- أنه قال: «كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل»، وعن فضالة بن عبيد قال: «لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}»، وقال مالك بن دينار: «الخوف على العمل أن لا يُتقبل أشد من العمل»، وقال بن أبي رواد: «أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهمُّ أيُقبل منهم أم لا؟!» وخرج عمر بن عبد العزيز في يوم عيد فطر فقال في خطبته: «أيها الناس! إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً وقمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم»، وكان بعض الصالحين يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيُقال له: إنه يوم فرح! فيقول: «صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا؟!» [اللطائف]
نعم، أولئك السلف الصالح {الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [سورة المؤمنون: 57-61].

روى الترمذي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال، صلى الله عليه وسلم: (لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم) والحديثُ صحيح.

ومما قيل في تفسير الآية: «أي: هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح، مشفقون من الله خائفون منه، وجلون من مكره بهم، لذا تراهم يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبله الله منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء» [تفسير ابن كثير].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
وماذا بعد وداع رمضان؟
...المزيد

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها [3/3] - التربية على حب القتال في سبيل الله: ...

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
[3/3]

- التربية على حب القتال في سبيل الله:

ومن أعظم نعم الله على الأشبال في أرض الخلافة، التي على الأم استشعارها وحسن استغلالها وشكر الله تعالى عليها، أن ينشأ أبناؤها في كنف بيت أب مجاهد، فيكبرون وقد اعتادت أعينهم الصغيرة على رؤية السلاح من بنادق وجعب ورصاص وقنابل وأحزمة ناسفة، كما وأن متابعة إصدارات المجاهدين وأخبارهم المقروءة والمسموعة، تنمي لدى الشبل حب الجهاد وأهله وبغض من عاداهم، وقد تسمع الأم لوماً من بعض الناس على طريقة تربيتها لأبنائها، متحججين بأن هذا قد يقتل طفولتهم ويميت براءتهم، ولمثل هؤلاء نقول؛ أخرج أبو يعلى بإسناد جيد عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كان الحسن والحسين -عليهما السلام- يصطرعان بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (هَيَّ حسن) ، فقالت فاطمة، رضي الله عنها: يا رسول الله، لم تقول: (هَيَّ حسن)؟ فقال: (إن جبريل عليه السلام يقول: هَيَّ حسين).

وأخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: «إني لواقف يوم بدر في الصف، نظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، وما حاجتك يا ابني أخي؟ قال: بلغني أنه سب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي نفسي بيده لو رأيته لم يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فغمزني الآخر فقال لي مثلها، قال: فتعجبت لذلك، قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت لهما: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، فابتدراه، فاستقبلهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبراه، فقال: (أيكما قتله؟) فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، قال: (هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا، فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السيفين فقال: (كلاكما قتله)».
وجاء في البداية والنهاية: «عن هشام بن عروة قال: إن أول ما فصح به عبد الله بن الزبير وهو صغير السيف السيف، فكان لا يضعه من فيه، وكان الزبير إذا سمع ذلك منه يقول له: أما والله ليكونن لك منه يوم ويوم وأيام».

وعن عروة بن الزبير أن الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرسا وهو ابن عشر سنين ووكل به رجلا [رواه البخاري].

- الحرص على اللسان العربي:

وحبذا لو تحرص الأم المسلمة أن تحافظ على عروبة لسان أبنائها، وتقويمه من اللحن، فإن لم يكونوا من العرب فتسعى إلى تعليمهم اللسان العربي، ليتعلموا أمر دينهم، ويختلطوا بجماعة المسلمين، وقد روى الخطيب البغدادي أن عليا وابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- كانوا يضربون أبناءهم على اللحن


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
...المزيد

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها [2/3] - التربية على الزهد والخشونة: كما ...

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
[2/3]

- التربية على الزهد والخشونة:

كما ويجدر بالأم المسلمة أن تزرع في نفوس أبنائها أن هذه الدنيا دار سفر، وأن الآخرة هي دار القرار، والله -عز وجل- يقول على لسان مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [سورة غافر: 39]، وهكذا يزهد هؤلاء الناشئة في هذه الدنيا الفانية فتهون عليهم وتعظم في أعينهم الآخرة، بتربية أمهم لهم على شظف العيش وشيء من الخشونة، وإرضاعهم معنى الزهد، وأن هذه النعم التي نتنعم بها لزوّالة، وليس أفضل في مثل هذا من سيرة إمام الزاهدين -صلى الله عليه وسلم- فعن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نار!» فقلت: «يا خالة ما كان يعيشكم؟» قالت: «الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيران من الأنصار كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ألبانهم فيسقينا» [متفق عليه].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) [متفق عليه]؛ قال ابن حجر: «(قوتا): أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا» [فتح الباري].

نعم هذا ما سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- لآل بيته رغم أن جبريل -عليه السلام- قد أتاه بمفاتيح خزائن الأرض ولكنه -صلى الله عليه وسلم- زهد فيها، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «ما شبع آل محمد -صلى الله عليه وسلم- من طعام ثلاثة أيام حتى قُبض» [رواه البخاري]، وها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- حبيب الحق وصفيه وخير خلقه ينام على الحصير حتى تدمي جنبه ويراه عمر -رضي الله عنه- فيبكي لذلك، فيقول له النبي: (ما يبكيك؟) فيقول: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة) [متفق عليه].

هكذا كان حال نبينا -صلوات ربنا وسلامه عليه- في هذه الدنيا، وعلى مثل هذا يجب أن يتربى جيل الخلافة، فيَنشأ جيلاً صلباً خشناً قد عركته الحياة وشدت عوده، ويتهيأ بذلك لحمل الأمانة وأخذ الراية والاستخلاف في الأرض، عن أبي عثمان النهدي، قال: «أتانا كتاب عمر بن الخطاب: اخشوشنوا، واخشوشبوا، واخلولقوا، وتمعددوا كأنكم معد، وإياكم والتنعم، وزي العجم» [رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار»].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
...المزيد

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها [1/3] حريّ بكلّ أمٍّ أنعم الله عليها بنعمة ...

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
[1/3]


حريّ بكلّ أمٍّ أنعم الله عليها بنعمة الإنجاب في ربوع دولة الإسلام، أن تستغل هذا الفضل العظيم الذي آتاها الله تعالى دون غيرها من النساء، فتسعى جاهدة لتنشئة أبنائها تنشئة ترضي بها ربها وتنفع بها أمتها، كيف لا؟ وهي الأم المنجبة والحاضنة والمربية، بينما الرجال الآباء هم بين عمل ورباط.

فعن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته) [متفق عليه].

وقد عرّف أهل العلم الراعي على أنه الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه، ومسؤول هل قام بما يجب لرعيته أو لا.

وعندما يقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)، فهذا تكليف عظيم وأمانة كبيرة قد وُسِّدت للمرأة المسلمة، فيها من الأجر والثواب ما فيها، إن هي أدت ما عليها في حق رعيتها وهم الأبناء، وفيها من الحساب والعقاب ما فيها، إن هي ضيّعت هذه الأمانة وفرطت في حق رعيتها.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة التحريم: 6]، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما- لرجل: «أدِّب ابنك، فإنك مسؤول عن ولدك، ماذا أدّبته، وماذا علمته، وإنه مسؤول عن برّك وطواعيته لك» [رواه البيهقي].

- الابتداء بالتوحيد:

وإن أول ما على الأم المسلمة تنشئة الأطفال عليه عند أول نطقهم، تلقينهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومعناها، ومما يروى عن علي بن الحسين -رحمه الله- أنه كان يعلم ولده ويقول: (قل آمنت بالله وكفرت بالطاغوت) [رواه ابن أبي شيبة]، وكذلك تلقن الأم طفلها الأصول الثلاثة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وأيضا سؤال الطفل: أين الله؟ وما هو القرآن؟ ومثل هذه الأسئلة التي تضع أسسا للعقيدة السليمة والتوحيد الصافي في نفس الطفل.

ومن أجمل ما قد يتعلمه الطفل معية الله -سبحانه وتعالى- لعبيده، فيتعلم الخشية من الله -عز وجل- ويعظم شأن الخالق في نفسه، ويتحسس مراقبته له في سره وعلانيته، وهذا عبد الله التستري -رحمه الله- كان وهو طفل يردد قبل أن ينام: (الله شاهدي، الله ناظري، الله معي) [رواه ابن أبي شيبة].

- صلاح الأم سبب لإصلاح أبنائها:

وعلى الأم المربية المعلمة القدوة أن تصلح من نفسها حتى تنجح في إصلاح رعيتها في بيتها، فإن صلاح الرعية من صلاح الراعي، وصلاح الأبناء من صلاح الأم.

وقد روى ابن أبي الدنيا أن عتبة بن أبي سفيان قال لمؤدِّب ولده: «أبا عبد الصمد، ليكن أول إصلاحك بَنِيَّ إصلاحك نفسك؛ فإن عيوبهم معقودة بعيبك، الحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما استقبحت» [النفقة على العيال].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 38 رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاّب للموحدين من محمد بن عبد الوهّاب، إلى من ...

صحيفة النبأ العدد 38
رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاّب للموحدين


من محمد بن عبد الوهّاب، إلى من يصل إليه من الإخوان المؤمنين بآيات الله، المصدّقين لرسول الله، التابعين للسواد الأعظم من أصحاب رسول الله، والتابعين لهم بإحسان، وأهل العلم والإيمان، المتمسكين بالدين القيم عند فساد الزمان، الصابرين على الغربة والامتحان، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: فإن الله سبحانه بعث نبيكم -صلى الله عليه وسلم- على حين فترة من الرسل، وأهل الأرض من المشرق إلى المغرب، قد خرجوا عن ملة إبراهيم، وأقبلوا على الشرك بالله، إلا بقايا من أهل الكتاب، فلما دعا إلى الله، ارتاع أهل الأرض من دعوته، وعادَوْه كلهم، جُهّالهم وأهل الكتاب، عبّادهم وفسّاقهم، ولم يتبعه على دينه إلا أبو بكر الصديق، وبلال وأهل بيته -صلى الله عليه وسلم- خديجة وأولادها، ومولاه زيد بن حارثة، وعلي، رضي الله عنه.

قال عمرو بن عبسة: لما أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة قلت: ما أنت؟ قال: نبي. قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله. قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يُعبد الله لا يُشرك به شيء. قلت: من معك على هذا؟ قال: حر وعبد. ومعه يومئذ أبو بكر، وبلال.

فهذا صيغة بُدوّ الإسلام وعداوة الخاص والعام له، وكونه في غاية الغربة، ثم قد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ) فمن تأمل هذا وفهمه، زالت عنه شبهات شياطين الإنس، الذين يجلبون على من آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيل الشيطان ورجله.

فاصبروا يا إخواني، واحمدوا الله على ما أعطاكم، من معرفة الله سبحانه، ومعرفة حقه على عباده، ومعرفة ملة أبيكم إبراهيم، في هذا الزمان التي أكثرُ الناس منكر لها، واضّرعوا إلى الله أن يزيدكم إيمانا ويقينا وعلما، وأن يثبت قلوبكم على دينه، وقولوا كما قال الصالحون، الذين أثنى الله عليهم في كتابه: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [سورة آل عمران: 8]
واعلموا أن الله سبحانه، قد جعل للهداية والثبات أسبابا، كما جعل للضلال والزيغ أسبابا؛ فمن ذلك: أن الله سبحانه أنزل الكتاب، وأرسل الرسول، ليبين للناس ما اختلفوا فيه، كما قال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة النحل: 64] فبإنزال الكتب، وإرسال الرسول، قطع العذر، وأقام الحجة، كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [سورة النساء: 165].

فلا تغفلوا عن طلب التوحيد وتعلمه، واستعمال كتاب الله وإجالة الفكر فيه، وقد سمعتم من كتاب الله ما فيه عبرة، مثل قولهم: نحن موحدون، نعلم أن الله هو النافع الضار، وأن الأنبياء وغيرهم لا يملكون نفعا ولا ضرا، لكن نريد الشفاعة، وسمعتم ما بيّن الله في كتابه، في جواب هذا، وما ذكر أهل التفسير وأهل العلم، وسمعتم قول المشركين: الشرك عبادة الأصنام، وأما الصالحون فلا، وسمعتم قولهم: لا نريد إلا من الله، لكن نريد بجاههم*، وسمعتم ما ذكر الله في جواب هذا كله.

وقد منّ الله عليكم بإقرار علماء المشركين بهذا كله، سمعتم إقرارهم أن هذا الذي يفعل في الحرمين، والبصرة، والعراق، واليمن، أن هذا شرك بالله، فأقروا لكم أن هذا الدين الذي ينصرون أهله، ويزعمون أنهم السواد الأعظم، أقروا لكم أن دينهم هو الشرك.

وأقروا لكم أيضا أن التوحيد الذي يسعون في إطفائه، وفي قتل أهله وحبسهم، أنه دين الله ورسوله، وهذا الإقرار منهم على أنفسهم، من أعظم آيات الله، ومن أعظم نعم الله عليكم، ولا يبقى شبهة مع هذا إلا للقلب الميت، الذي طبع الله عليه، وذلك لا حيلة فيه.

ولكنهم يجادلونكم اليوم بشبهة واحدة، فأصغوا لجوابها، وذلك أنهم يقولون: كل هذا حق، نشهد أنه دين الله ورسوله، إلا التكفير والقتال، والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا! إذا أقرّوا أن هذا دين الله ورسوله، كيف لا يكفر من أنكره وقتل من أمر به وحبسهم، كيف لا يكفر من أمر بحبسهم؟! كيف لا يكفر من جاء إلى أهل الشرك، يحثهم على لزوم دينهم وتزيينه لهم؟! ويحثهم على قتل الموحدين، وأخذ مالهم، كيف لا يكفر، وهو يشهد أن هذا الذي يحث عليه، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنكره ونهى عنه؟! وسماه الشرك بالله، ويشهد أن هذا الذي يبغضه، ويبغض أهله، ويأمر المشركين بقتلهم، هو دين الله ورسوله!

واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين ولو لم يشرك، أكثر من أن تحصر، من كلام الله، وكلام رسوله، وكلام أهل العلم كلهم.وأنا أذكر لكم آية من كتاب الله، أجمع أهل العلم على تفسيرها، وأنها في المسلمين، وأن من فعل ذلك فهو كافر في أي زمان كان، قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [سورة النحل: 106] إلى آخر الآية وفيها: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ} [سورة النحل: 107] ؛ فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة، وذكروا: أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه، مع بغضه لذلك وعداوة أهله، لكن خوفا منهم، أنه كافر بعد إيمانه، فكيف بالموحد في زماننا، إذا تكلم في البصرة، أو الإحساء، أو مكة، أو غير ذلك خوفا منهم، لكن قبل الإكراه، وإذا كان هذا يكفر، فكيف بمن صار معهم، وسكن معهم، وصار من جملتهم؟! فكيف بمن أعانهم على شركهم، وزينه لهم؟ فكيف بمن أمر بقتل الموحدين، وحثهم على لزوم دينهم؟
فأنتم وفقكم الله تأملوا هذه الآية، وتأملوا من نزلت فيه، وتأملوا إجماع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله، نطلبهم دائما الرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم، في مسألة التكفير والقتال، فلا يجيبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ، وأمثالهم، والله أسأل أن يوفقكم لدينه القيم، ويرزقكم الثبات عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* يقصد الشيخ بهم الذين يستشفعون بالأموات قائلين «يا فلان اشفع لي عند الله» ونحوه زاعمين أنهم يتقربون إلى الله بجاه الصالحين، وهذا هو عين شرك الجاهلية الأولى، قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} [سورة الزمر: 3].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 38 مجاهدون.. في كل أرض وتحت كل سماء إن من يراقب أفعال أعداء الدولة ...

صحيفة النبأ العدد 38
مجاهدون.. في كل أرض وتحت كل سماء


إن من يراقب أفعال أعداء الدولة الإسلامية اليوم، ليعجب من عظيم مكر الله بهم، ويسخر من خفة عقولهم، ويفرح كثيرا بتأييد الله ونصره لأوليائه.

ففي كل يوم يخرج قادتهم مستعرضين بالخرائط الملونة عدد الأمتار التي استطاعوا انتزاعها من يد المجاهدين، دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء المقارنة بين التكاليف التي دفعتها الدولة الإسلامية لأخذ هذه الأرض، والتكاليف التي تكبّدوها هم لاستعادة السيطرة عليها مرّة أخرى.

وفي كل يوم يقيمون احتفالا بنصر مزعوم هنا أو هناك، وتثملهم نشوة هذه الانتصارات فترة من الزمن، فينامون سكارى وهم يحلمون بأن يستفيقوا على إعلان لانتصار حقيقي على الدولة الإسلامية، فيخيّب الله ظنونهم، حين توقظهم من سكرتهم أنباء فتوحات جديدة لجنود التوحيد في مشارق الأرض ومغاربها، حتى باتوا يتخوفون من أن يجعل الله في أي خطوة يخطونها وأي انتصار موهوم يحققونه نعمة لعباده المجاهدين ويسرا عليهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

ولنا اليوم في احتفالاتهم باستعادة السيطرة على مدينة الفلوجة صورة حيّة؛ فالمدينة التي سيطر عليها جنود الدولة الإسلامية وحققوا منها أهدافهم بأن أقاموا فيها الدين كاملا ما دامت تحت سلطانهم، وجعلها الله على أيديهم شوكة في حلوق الرافضة لثلاثين شهرا أو يزيد، وخسروا على أسوارها عشرات الألوف من القتلى والجرحى، وما لا يحصى من السلاح والعتاد والأموال، لم يتمكن المرتدون من استعادتها إلا بعد أن حشدوا أكثر من ثلاثين ألفا من المقاتلين، وأسرابا من الطائرات الحربية الصليبية، ولم يدخلوها إلا وهم يتشحطون بدمائهم، فلم يجدوا فيها من جثث جنود الخلافة ما يرقصون فوقها، ولا من سلاحهم وعتادهم ما يفرحون باغتنامه، فصبّوا جام غضبهم على الجدران والأحجار يحرقونها لينفسوا ما في داخلهم من غيض، ويدمرونها ليزيلوا ذكريات مريرة تعصف بأذهانهم وهم يحصون التكلفة الباهظة التي دفعوها لتحقيق هذا الهدف الذي يعلمون هم أكثر من غيرهم أن قيمته بالنسبة إليهم دعائية لا أكثر، فيما قيمة ما حققه جنود الخلافة كبيرة جدا وعلى كل الأصعدة، والحمد لله وحده.

فقد ثبّت الله المسلمين في الفلوجة تحت حصار خانق محكم لمدة تسعة أشهر، صابرين على الجوع وقلة السلاح والعتاد، دون أن يملؤوا الدنيا بكاء وعويلا، بل ولم يوقفوا غاراتهم على المشركين، مطلقين الحملة تلو الحملة، محققين فيهم النكاية العظيمة، فلما احتشدت عليهم الأحزاب وأحاطت بهم غرسوا أقدامهم في الأرض، ولم يسلموا منها شبرا إلا وقد أجروا بقربه نهرا من دماء المرتدين، واستمرّوا على حالهم مدافعين لعدوهم حتى أعذرهم الله بأن استقر كل ما في أيديهم من ذخيرة في صدور الروافض المشركين، واستحال كل ما في أيديهم من متفجرات نارا أحرق الله بها أجساد المرتدين، فخرجوا من ساحة المعركة مكلّلين بالفخار، متحرفين لقتال ومتحيّزين إلى فئة، بعد أن عرّفوا الكفار قيمة الثمن الذي عليهم الاستعداد لدفعه إن أغرتهم نفوسهم بالمسير للقاء عساكر التوحيد وجنود الخلافة، وبيّنوا للمسلمين حقيقة الرافضة وحجم حقدهم على أهل الإسلام، وما سينال المسلمين إذا ما تمكّنوا منهم.

خرج المجاهدون من الفلوجة وهم -بفضل الله- أضعاف ما كانوا عليه حين دخولها، أصلب عودا، وأشد حنكة في الحرب، وأشد شوقا لسفك دماء المشركين في كل أرض، سهاما في كنانة أمير المؤمنين -تقبله الله- يلقيها في صدور أعداء الإسلام، ومددا لإخوانهم في كل الجبهات يجبرون كسرهم، ويسدون ثغرهم، ويشاركونهم فتحهم ونصرهم.

خرجوا من الفلوجة وهم -بإذن الله- لا ينتابهم أدنى شك أنهم أقاموا فيها بما يرضي ربهم، فأقاموا الدين كاملا غير منقوص، وأزالوا الشرك وأهله، وحكّموا الشريعة، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا في سبيل الله، وبذلوا كل ما في وسعهم ليحفظوا ذلك كله، وهم عازمون اليوم وكل يوم على إعادة تلك الأرض وكل أرض إلى حمى الإسلام، وإخضاعها لأحكام الشريعة.

خرجوا وهم الكُرّار المتحفّزون للعودة إلى تلك الأرض، ليذوق أعداء الله على أيديهم أضعاف ما ذاقوه في الجولات الماضية، وليسوقوا الروافض سوقا أمامهم، لا إلى بغداد، ولكن إلى حيث ميعاد ثأرنا من المشركين، في النجف الأشرك، وكربلاء المدنّسة، بإذن الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ
...المزيد

العَشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ كثيرة هي المواسم التي تُضاعَف ...

العَشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ


كثيرة هي المواسم التي تُضاعَف فيها الحسنات، ويبارك الله تعالى فيها للمتعبدين والمتعبدات، وعلى قدر أهل التنفّل والتبتّل تأتي الأجور وتُرفع المنازل، ولعله من أكثر المواسم بركة للمسلم، وأعظمها خيرا العشر الأواخر من رمضان، ولقد اختلف أهل العلم في أفضل أيام السنة، فمن قائل أنها العشر الأواخر من رمضان، ومن قائل بأنها العشر الأوائل من ذي الحجة، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- له تفصيل نفيس في المسألة حيث سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟،
فأجاب: «أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة» [مجموع الفتاوى].

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ، وشدّ المئزر» [رواه البخاري ومسلم].

وفي حديث آخر: قالت عائشة، رضي الله عنها: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم].

والعشر الأواخر من رمضان فيها ليلة خير من ألف شهر، وهي ليلة القدر، قال النووي: «قال العلماء: وإنّما سُمِّيت بذلك لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان: 4]، وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر: 4-5] ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وتقديره له، وقيل: سُمِّيت بها لعظم قدرها وشرف أمرها، وأجمع من يُعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر للأحاديث الصحيحة المشهورة».
عن أبي سلمة، قال: «تذاكرنا ليلة القدر، فأتيت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- وكان لي صديقا، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل؟ فخرج وعليه خميصة فقلت له: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر ليلة القدر؟ فقال: نعم، اعتكفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشر الوسطى من رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين، فخطبَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إني أُريت ليلة القدر، وإني نسيتها أو أُنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من كل وتر، وإني أُريت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليرجع)» [متفق عليه].

و (من كل وتر) أي: الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين. وقد قال بعض أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: (وإني نسيتها أو أنسيتها) محمول على كونه لو تذكرها وأخبر الناس عنها، فلربما قل اجتهادهم في العشر واقتصروا على إحياء تلك الليلة المعلومة بعينها، ولذلك أخفاها الله تعالى عن عباده كما أخفى ساعة الإجابة من يوم الجمعة وغيرها، والمأمور بقيامها هي جميع تلك الليالي العشر الفاضلة مع الاجتهاد في طلب ليلة القدر والعمل على إدراكها.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري]. والتحري أي الاجتهاد في الطلب، والحث على التقرب إلى الله في تلك العشر بالقيام والقرآن والدعاء.

وإن مما يستغرب منه المرء أن نجد كثيرا من النساء اليوم يفرطن في هذا الأجر العظيم، ويضيعن الأوقات الثمينة في هذا الموسم المبارك.
وأبرز مظاهر تضييع الأوقات في هذه الليالي المباركة الانشغال بالتحضيرات لاستقبال عيد الفطر، حيث تنصرف همم بعضهن إلى شراء الملابس وإعداد الأطعمة والحلويات والتحضير للزيارات والمعايدات.

وهذه الأمور وإن كانت مباحة، ولكن الانشغال بالمباحات عن المندوب إليها من العبادات تضييع لخير عظيم.

فنرى من تدمن على التجول في الأسواق في الليالي العشر الأواخر، لتشتري لنفسها أو لأطفالها الثياب، وما يحتاجه بيتها في العيد، فتقضي كل ليلة في السوق الساعات الطوال، ثم تعود في الليلة التالية لتبحث عن غرض آخر، أو قطعة أخرى من اللباس.

وهكذا تنقضي الليالي ليلة بعد ليلة فلا تشعر المسلمة إلا وقد انقضى رمضان، فتقعد متحسّرة على ما فاتها من ثواب القيام وتلاوة القرآن، هذا بالإضافة إلى ما نالته من إثم بكثرة نزولها للسوق لغير حاجة، وعدم طاعتها الأمر الشرعي بالقرار في البيت، وتعريض نفسها وغيرها للفتن والمعاصي.
فكيف يخفى على المسلمة دعاء جبريل -عليه السلام- وتأمين النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه: (أرغم الله أنف عبد -أو بَعُدَ- دخل رمضان فلم يغفر له) [رواه ابن خزيمة وابن حبّان]؟ بل كيف لا نجزع لمثل هذا فنشمّر ونشدّ الهمة علنا نرقع ما خرق صومنا الذي مضى في هذا الشهر الفضيل، ونلحق بركب العتقاء من النار.
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 دين الإسلام وجماعة المسلمين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله ...

صحيفة النبأ العدد 37
دين الإسلام وجماعة المسلمين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

هذه السلسلة في بيان حقيقة الإسلام وضرورة الجماعة، نسأل الله أن يفقّهنا وإيّاكم في الدين ويثبّتنا على لزوم جماعة المسلمين.

قال الله، جلّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة: 5]، وقال جلّ وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران: 19]، وقال جلّ وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران: 85].

فالدين الذي رضي الله للناس والذي لا يقبل منهم سواه هو الإسلام، وحقيقته لغة وشرعا: السلامة -أي الإخلاص- والاستسلام -أي الانقياد- لله.
قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإسلام هو الاستسلام لله وحده، ولفظ الإسلام يتضمّن الإسلام، ويتضمّن إخلاصه لله... فمن لم يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم، كما في القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة: 112]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سورة النساء: 125]» [النبوات].

وقال رحمه الله: «الإسلام الذي هو دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله... هو أن يسلم العبد لله رب العالمين فيستسلم لله وحده لا شريك له ويكون سالما له بحيث يكون متألّها له غير متألّه لما سواه، كما بيّنته أفضل الكلام ورأس الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله؛ وله ضدان: الكبر والشرك، ولهذا رُوي أن نوحا -عليه السلام- أمر بنيه بلا إله إلا الله وسبحان الله ونهاهم عن الكبر والشرك [رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو]... فإن المستكبر عن عبادة الله لا يعبده فلا يكون مستسلما له، والذي يعبده ويعبد غيره يكون مشركا به فلا يكون سالما له بل يكون له فيه شرك؛ ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص» [الفتاوى]، «وكل واحد من المستكبرين والمشركين ليسوا مسلمين» [النبوات].

فلا يكون المرء مسلما إلا بالتزام الإسلام بهذين المعنَيين، فمن لم يستسلم لله -كمن ترك جنس العمل أو امتنع بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- لم يكن إلا كافرا، ومن لم يكن سالما لله -كمن عبد الأنبياء والأولياء مقلّدا ومتأوّلا- لم يكن إلا مشركا ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، وهذه الحقائق دلّت عليها شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإله هو المعبود المطاع» بحق [تيسير العزيز الحميد]، فلا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهذه الكلمة متضمّنة لمعنَيي السلامة والاستسلام لله، وهي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين إلى أقوامهم وأممهم.

قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لفظ الإسلام... له معنيان، أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة، والثاني ما اختص به محمد، صلى الله عليه وسلم... وله مرتبتان: إحداهما الظاهر من القول والعمل وهي المباني الخمس، والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن» [الفتاوى].

وهذه المباني الخمس التي هي حقيقة الإسلام قولا وعملا، ظاهرا وباطنا، بيّنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمسة، على أن يوحّد الله) [رواه مسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلم يكن الإسلام الذي اختصت به شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- إسلاما من غير سلامة واستسلام لله، بل إن المباني الخمس شُرعت ليكون المرء سالما لله مستسلما له بالتزام التوحيد واتّباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والقيام بالمباني، وقال إسحاق بن راهويه، رحمه الله: «غلت المرجئة حتى صار من قولهم: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها، إنّا لا نكفّره، ويُرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقرّ [بها]؛ فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم» [مسائل حرب الكرماني].ثم إن علاقة السلامة بالاستسلام بيّنها الله في آيات كثيرة من كتابه، منها أمره بقتال المشركين، قال جلّ وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [سورة التوبة: 11]، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- بعد أن تلا الآية السابقة: «فالتوبة من الشرك جعلها الله -عز وجل- قولا وعملا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقال أصحاب الرأي: ليس الصلاة ولا الزكاة ولا شيء من الفرائض من الإيمان، افتراءً على الله -عز وجل- وخلافا لكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ولو كان القول كما يقولون لم يقاتل أبو بكر -رضي الله عنه- أهل الردة!» [السنة لعبد الله بن أحمد].

وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا استسلام، فكفّروا تارك الصلاة كسلا –وهو تارك لجنس العمل- وكفّروا مانعي الزكاة -وهم ممتنعون بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- وخالفهم مرجئة الفقهاء في ذلك، فلم يعرفوا حقيقة الإسلام الذي رضيه الله للناس دينا، وكذلك أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا سلامة، فكفّروا صنف أهل الردة الذين عادوا إلى عبادة الأوثان -وهي أصنام وُضعت تصويرا للصالحين- ولم يجعلوا حداثة عهد الناس بالجاهلية وظهور الدجالين المتنبئين وتغلب مانعي الزكاة على ديار المسلمين موانع من تكفير أعيانهم، وخالفهم في ذلك جهمية العصر، الذين عارضوا قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة) [رواه مسلم عن عثمان].

فلا يكون بنيان الإسلام من غير هذه المباني، ومن يستهين بركن منه، يوشك أن يسقط عليه البنيان، فإن سقط، هلك في الدنيا بالسيف قبل الآخرة بالنار، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من بدّل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري عن ابن عباس]، إلا أن أعظم هذه الأركان هو الركن الأول الذي لا يصح إسلام المرء من دونه أبدا، وهو شهادة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، أن لا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهي متضمنة لتوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لا إله إلا الله: إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يُعبد، وكونه يستحق أن يُعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع» [تيسير العزيز الحميد].

وشهاد أن لا إله إلا الله، هي شهادة الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، أن يُعبد الله وحده ويُكفر بما دونه، وهي ملة إبراهيم -عليه السلام- الذي أُمرنا باتباعه، والذي قال لقومه: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة: 4].

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: «[الإسلام] هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله» [ثلاثة الأصول]، فهو السلامة والاستسلام لله.

ولا يكون المرء مسلما ما لم يعبد الله وحده ويكفر بما دونه، كما بيّن ذلك حديث المباني الخمس: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلا إسلام من غير عبادة الله (الاستسلام)، ولا إسلام من غير الكفر بالطاغوت (السلامة)، ولا يسلم المرء من رجس الشرك ونجاسة أهله ما لم يكفر بطواغيت زمانه، وبشركهم ومشركيهم، كالديمقراطيين والوطنيين والقوميين والقانونيين المرتدين عن الإسلام، ومن هؤلاء المرشَّحين والمصوِّتين في الانتخابات والاستفتاءات من الأحزاب «الإسلامية» المزعومة، والمتحاكمين إلى المحاكم الوضعية بدعوى المصلحة والضرورة، وعساكر الطاغوت وأنصاره من المجنَّدين و»المشايخ»، وطائفة «الإخوان المرتدين» وأحزابها وفصائلها وأخواتها التي جحدت التوحيد والشريعة والولاء والبراء والجهاد وامتنعت عن التزامها وحاربتها واستهزأت بها وظاهرت الصليبيين والطواغيت في الحرب عليها، بل يجب على المسلم أن يُظهر كفره بهؤلاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بالقلم واللسان، والسيف والسنان، متّبعا في ذلك خليلَي الرحمن -عليهما أفضل الصلاة والسلام- والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - دين الإسلام وجماعة المسلمين
...المزيد

{بعذابٍ مّن عنده أو بأيدينا} في الجانب الشرعي، امتنع الدعاة الحداثيون عن الإقرار بأن ما حل ...

{بعذابٍ مّن عنده أو بأيدينا}

في الجانب الشرعي، امتنع الدعاة الحداثيون عن الإقرار بأن ما حل بأمريكا هو انتقام إلهي وعذاب أصابها كما أصاب الأمم الكافرة قبلها، بينما حسم "دعاة الإخوان" أمرهم هذه المرة ووصفوه بذلك وربطوا الانتقام الإلهي بجرح غزة، وقد كانوا من قبل يرفضون الربط بين القوارع التي تضرب أمريكا وأوروبا وبين الانتقام الإلهي للمسلمين المكلومين في العراق أو الشام أو خراسان وغيرها، ويمنعون الفرح بها، وكانوا يقولون كما يقول الممتنعون: إنها مجرد كوارث طبيعية لأسباب علمية لا تحتمل العقوبة أو البلاء أو التخويف!، إنها انتقائية فقهية حزبية تطوّع الدين لأجل الحزب! وتتاجر بالآيات كما تتاجر بالجراحات!

وعلى كل فاضطرابات وتقلبات أهواء دعاة الإخوان والإرجاء، لا تقل عن اضطرابات وتقلبات المناخ، لكن بما أنهم أقروا بأنه انتقام إلهي عادل من أمريكا لغزة، ماذا لو نجح المجاهدون بافتعال هذه الحرائق في قادم الأيام؟! هل سيشاركوننا فرحة الانتقام أم سيصير "إرهابا" مخالفا لسماحة الإسلام؟!

الملحدون وأفراخهم من العقلانيين ينسبون هذه القوارع والكوارث دوما إلى التغيّرات المناخية الحادة، ويفسرونها بتفسيرات جافة تخرجها عن قدرة الله وتدبيره، وكأن الطبيعة تتغير بأمر نفسها وتتحرك بتدبيرها لا بأمر خالقها ومدبرها سبحانه.

هذه الاضطرابات ناجمة عن الخلط بين المصائب التي تحل بالمسلم، وبين القوارع التي تضرب الأمم والأقوام، فالأولى لا سبيل للجزم أن ما أصاب فلانا بعينه هو عقوبة له أو ابتلاء، وقد يجتمعان أو يفترقان، وبينهما عموم وخصوص فكل عقوبة ابتلاء، وليس كل ابتلاء عقوبة بدليل أن أكثر الناس بلاء الأنبياء، ولا يتصور أن بلاءهم عقوبة! بخلاف غيرهم من المؤمنين فقد يجتمع فيهم هذا وذاك، وقطعا بخلاف أحوال الكافرين الذين لا يتحقق في حقهم من هذه القوارع إلا العقاب أو التخويف الذي يرفض الحداثيون طرقه ويهمزونه بأنه "ثقافة وعظية تقليدية" لا تناسب المقام وتسيء إلى الإسلام!

وقد دلت النصوص الشرعية على استمرار وقوع القوارع والعقوبات في أمم الكفر إلى يوم القيامة لقوله تعالى: {ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ أو تحلّ قريبًا مّن دارهم}، قال ابن كثير: "أي: بسبب تكذيبهم، لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا، أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا".

والمتأمل لأقوال أئمة التفسير من السلف كابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير، يجد أنهم جمعوا في تفسيرهم لهذه القوارع بين تعذيب الكافرين بجنود السماء وجنود الأرض!، فالقارعة هي النكبة أو العذاب الذي يرسله الله على الكافرين، أو هي السرايا والغزوات التي تنزل بساحتهم فتعذبهم بأيدي المؤمنين، قلنا: وهذا هو الذي يعززه الواقع اليوم ونظيره قوله تعالى: {ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذابٍ مّن عنده أو بأيدينا}، قال ابن كثير: "أي: ننتظر بكم هذا أو هذا، إما أن يصيبكم الله بقارعة من عنده أو بأيدينا، بسبي أو بقتل" أ.هـ. وهذا مستمر حتى يأتي وعد الله، بالنصر والفتح في الدنيا، أو الفوز الكبير يوم القيامة ولذلك ختم بقوله: {إنّ اللّه لا يخلف الميعاد}.

وقد ترد شبهة كيف تكون هذه القوارع التي تضرب الكافرين عقابا إلهيا عادلا وفيهم الأطفال ومن ليس منهم، فنقول إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو على أقوام من الكافرين بعينهم بالهلاك الذي لا يفرق بين الصغير والكبير، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أعدل وأرحم بالخلق منكم، بل قد يضرب البلاء قوما كافرين بينهم مسلمون، فيبعثون على نياتهم كما في حديث الخسف، وفيه إشارة إلى وجوب مفارقة الكافرين وعدم تكثير سوادهم، كما بين الإمام النووي في شرحه فقال: "أي يبعثون مختلفين على قدر نياتهم فيجازون بحسبها، وفي هذا الحديث من الفقه: التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين لئلا يناله ما يعاقبون به، وفيه: أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا". [شرح مسلم]

وإنما نتج الإشكال عند الناس من سيادة فقه الإرجاء الذي يساوي بين المؤمن والكافر عند القوارع والمصائب بحجة "الإنسانية" الجائرة التي صارت مرتكزا لكثير من هذه الفتاوى المائعة المنحرفة التي ينسفها حديث الخسف السابق وفهم السلف لا فهم الخوالف.

وهذه رسالة إلى نصارى أمريكا والعالم ندعوكم فيها إلى الإسلام قبل أن تطبق عليكم جنود الأرض وجنود السماء! فإن الإسلام هو الدين الحق وما سواه باطل لن يقبله الله تعالى!، ولذلك سينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان مخيّرا إياكم بين الإسلام أو القتل، وها نحن نقرع في مسامعكم هذه الدعوة قبل أن يأتيكم الموت من كل مكان {بعذابٍ مّن عنده أو بأيدينا}، فهذا وعد الله لنا، والله لا يخلف الميعاد.

◼ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 478
السنة السادسة عشرة - الخميس 16 رجب 1446 هـ

مقتطف من المقال الافتتاحي:
{بعذابٍ مّن عنده أو بأيدينا}
...المزيد

{بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} (ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم) هكذا وصف النبي ...

{بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا}

(ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم) هكذا وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- نار الدنيا، هذه النار داهمت أمريكا في أبهى مدنها فأحرقتها وأدمت قلوب مترفيها فأبكتهم وشردتهم وأبادت ديارهم حتى وصفوها بـ "أهوال يوم القيامة" و "نهاية العالم" ووقفت "الدولة العظمى" بكل قواتها ومقدراتها عاجزة أمام قدرة الخالق سبحانه التي تجلت في نار الطهي والتخييم، فكيف بهم غدا وهم يحترقون في نار الجحيم!

وبينما اتّحدت الجاهلية المعاصرة بجيوشها وحكوماتها ودعاتها، على وصم التوحيد والجهاد بـ "التطرف الفكري" تحريفا وتشويها، واجتمعوا على حربه ومكافحته، سلط الله عليهم "التطرف المناخي" كما اصطلحوا على تسميته وتفسيره، ولا يظلم ربك أحدا.

على الأرض، امتدت ألسنة اللهب لتطال أبعد من القصور والبنيان، حيث تضررت بشدة "أسواق التأمين والإسكان" الربوية التي عجزت عن تأمين الخسائر التي بلغت عشرات المليارات في تقديرات ليست نهائية.

العجز الأمريكي أمام نار الطهي، بلغ حد الاستعانة بمئات السجناء للمشاركة فيما عجز عنه الطلقاء، واستنفرت فرق الجيش الأمريكي لضبط الأمن الذي ذرّته الرياح في الهواء، باختصار سقطت المنظومة الأمريكية الحكومية الأمنية في مناطق الحريق، وعمّ الرعب والفوضى الأرجاء، هذا مشهد مصغر للعجز الأمريكي أمام قدرة الخالق تعالى، وهو مشهد تقريبي لما قد تشهده الدول الصليبية المتغطرسة في حال داهمتها قوارع أكبر وأوسع، إنها رسالة إلهية مفادها: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ}.

هذا المشهد حيث الفوضى العارمة وفقدان السيطرة هو فرصة عملياتية ملهمة لشن هجمات أو الإعداد لها، حيث تنقدح أفكار لدى المجاهدين المنفردين حول مدى إمكانية التسبب بحريق مشابه؟ الأمر ممكن، كل ما عليك هو الخروج في "رحلة تخييم" إلى إحدى الغابات القريبة من الأحياء السكنية، ثم أضرم النار وانسحب بهدوء.

في الجانب الشرعي، امتنع الدعاة الحداثيون عن الإقرار بأن ما حل بأمريكا هو انتقام إلهي وعذاب أصابها كما أصاب الأمم الكافرة قبلها، بينما حسم "دعاة الإخوان" أمرهم هذه المرة ووصفوه بذلك وربطوا الانتقام الإلهي بجرح غزة، وقد كانوا من قبل يرفضون الربط بين القوارع التي تضرب أمريكا وأوروبا وبين الانتقام الإلهي للمسلمين المكلومين في العراق أو الشام أو خراسان وغيرها، ويمنعون الفرح بها، وكانوا يقولون كما يقول الممتنعون: إنها مجرد كوارث طبيعية لأسباب علمية لا تحتمل العقوبة أو البلاء أو التخويف!، إنها انتقائية فقهية حزبية تُطوّع الدين لأجل الحزب! وتتاجر بالآيات كما تتاجر بالجراحات!

وعلى كل فاضطرابات وتقلبات أهواء دعاة الإخوان والإرجاء، لا تقل عن اضطرابات وتقلبات المناخ، لكن بما أنهم أقروا بأنه انتقام إلهي عادل من أمريكا لغزة، ماذا لو نجح المجاهدون بافتعال هذه الحرائق في قادم الأيام؟! هل سيشاركوننا فرحة الانتقام أم سيصير "إرهابا" مخالفا لسماحة الإسلام؟!

الملحدون وأفراخهم من العقلانيين ينسبون هذه القوارع والكوارث دوما إلى التغيُّرات المناخية الحادة، ويفسرونها بتفسيرات جافة تخرجها عن قدرة الله وتدبيره، وكأن الطبيعة تتغير بأمر نفسها وتتحرك بتدبيرها لا بأمر خالقها ومدبرها سبحانه.

هذه الاضطرابات ناجمة عن الخلط بين المصائب التي تحل بالمسلم، وبين القوارع التي تضرب الأمم والأقوام، فالأولى لا سبيل للجزم أن ما أصاب فلانا بعينه هو عقوبة له أو ابتلاء، وقد يجتمعان أو يفترقان، وبينهما عموم وخصوص فكل عقوبة ابتلاء، وليس كل ابتلاء عقوبة بدليل أن أكثر الناس بلاء الأنبياء، ولا يُتصور أن بلاءهم عقوبة! بخلاف غيرهم من المؤمنين فقد يجتمع فيهم هذا وذاك، وقطعا بخلاف أحوال الكافرين الذين لا يتحقق في حقهم من هذه القوارع إلا العقاب أو التخويف الذي يرفض الحداثيون طرقه ويهمزونه بأنه "ثقافة وعظية تقليدية" لا تناسب المقام وتسيء إلى الإسلام!

وقد دلت النصوص الشرعية على استمرار وقوع القوارع والعقوبات في أمم الكفر إلى يوم القيامة لقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ}، قال ابن كثير: "أي: بسبب تكذيبهم، لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا، أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا".


◼ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 478
السنة السادسة عشرة - الخميس 16 رجب 1446 هـ

مقتطف من المقال الافتتاحي:
{بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا}
...المزيد

أهم أحكام الصيام (2/2) - الحكمة من الصوم: للصوم فوائد عظيمة كثيرة، مدارها كلها على الحكمة ...

أهم أحكام الصيام

(2/2)
- الحكمة من الصوم:

للصوم فوائد عظيمة كثيرة، مدارها كلها على الحكمة التي شرع الله تعالى لأجلها الصيام، وهي (التقوى)، والتي تتمثل بأداء ما أمرنا الله به، والكف عما نهانا عنه سبحانه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، و(لَعَلَّ) هنا للتعليل، أي: لأجل أن تتقوا الله، فتتركوا ما حرّم الله، وتقوموا بما أوجب الله.

- حكم تارك الصوم:

من ترك الصوم في رمضان لعذر فلا شيء عليه، كمن تركه لمرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار.
أما من ترك صيام رمضان بلا عذر شرعي فيُنظر حاله، فإن كان تركه للصيام لشهوة طعام وشراب وجماع أو نحو ذلك وأنه كان مُقرّا بوجوب صيام رمضان وركنيّته في الإسلام، فهذا فاسق مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

أما من جحد وجوب الصوم -كأن قال مثلا: لا يوجد في الإسلام صيام رمضان- فهذا كافر بإجماع الفقهاء، لأن وجوب صوم رمضان معلوم من الدين بالضرورة، وهو ركن بُني عليه الإسلام، ومن جحده واستحل فطره فقد نقض أصل الدين.

- عقوبة المفطر من غير عذر:

يراد بالعقوبة هنا: الجزاء الدنيوي المترتب على من أفطر عمدا في رمضان من غير عذر شرعي.
وعقوبته متفرعة عن اعتقاده في حكم الصيام، فمن ترك صوم رمضان بلا عذر مع كونه لا يجحد وجوبه، فهذا يعاقب ويعزّر بالجلد أو بحبسه أو بما يراه الإمام من عقوبات رادعة له ولغيره، ومن ترك الصيام مع استحلاله لتركه فهذا مرتدّ يُستتاب من ردّته، فإن لم يتب، يُقتل ردةً بلا خلاف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا أفطر في رمضان مستحلّا لذلك، وهو عالم بتحريمه استحلالا له، وجب قتله، وإن كان فاسقا عوقب عن فطره في رمضان بحسب ما يراه الإمام» [مجموع الفتاوى].

- مستحبات الصوم:

مستحبات الصيام كثيرة، أهمها:
1. السحور، ويستحب تأخيره إلى قبيل طلوع الفجر.
2. الدعاء أثناء الصوم وعند الإفطار.
3. تعجيل الإفطار بعد غروب الشمس.
4. الإفطار على رطبات وترا، فإن لم يكن فعلى تمرات، وإلا فعلى ماء.
5. تفطير الصائمين.
6. الإكثار من النوافل كـ (قيام الليل بالتراويح والتهجد، وقراءة القرآن، والصدقة، والاعتكاف في المسجد... إلخ).
وغير ذلك من الطاعات الكثيرة.
مكروهات الصوم
1. المبالغة في المضمضة والاستنشاق.
2. إكثار الكلام بغير ذكر الله وبلا ضرورة.
3. تذوّق الطعام من غير حاجة.
4. الإكثار من الطعام والشراب عند الإفطار.
مباحات الصوم
1. تأخير اغتسال الجنب والحائض والنفساء (إذا طهرتا) إلى ما بعد الفجر.
2. بلع ما لا يمكن الاحتراز عنه كالريق وغبار الطريق ونحوهما.
3. تذوّق الطعام للحاجة (كطهو الطعام أو إطعام طفل).
4. شم الروائح (الطيب أو الطعام).
5. صب الماء على رأس الصائم وجسده، وكذلك النزول في الماء والانغماس فيه.
6. التداوي بما لا يصل إلى الجوف كزرق الإبرة (غير المغذية) في العضلة أو الوريد.

- مبطلات الصوم:

1. نقض شرط من شروط صحة الصيام، مثل ردة المسلم، وجنون العاقل، والحيض والنفاس للمرأة.
2. نقض ركن من أركانه، كمن تعمّد الأكل والشرب (أما إذا أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر)، والجماع وإنزال المني بتعمد (أما الاحتلام في نهار رمضان فلا يبطل الصوم).
3. تعمد إخراج القيء (أما إذا غلبه القيء فلا شيء عليه).
4. إخراج الدم بالحجامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) [صحيح، رواه أبو داود وغيره].
وختاما، نسأل الله تعالى أن يتقبل منّا الصيام والقيام والجهاد وسائر الأعمال، وأن يعيد علينا شهر رمضان وقد فتحت لنا بغداد ودمشق، وفُكّت قيود الأسرى والأسيرات من سجون الطغاة...
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقالة:
أهم أحكام الصيام
...المزيد

أهم أحكام الصيام (1/2) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى ...

أهم أحكام الصيام
(1/2)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، وعلى كل مسلم تحقيق هذا الركن ليتم إسلامه، ولا يمكنه ذلك إلا بمعرفته لأهم أحكام الصيام في رمضان.

- تعريف الصوم:

الصوم لغةً: مِن صَامَ يَصُومُ، والمصدر منه صَومَاً وصِيَامَاً، والصوم هو الإمساك عن الشيء، سواء كان طعاما أو شرابا أو كلاما أو غير ذلك، قال تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيَّاً} [سورة مريم: 26]، فـ (صَوْماً) وردت هنا بمعنى: إمساكا عن الكلام [لسان العرب، لابن منظور].

والصوم شرعاً: الإمساك عن المفطرات (من الطعام والشراب والجماع)، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع النية.

- حكم الصوم:

صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، وواجب (فرض) على كل مسلم، بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، وقال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [سورة البقرة: 185].

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» [متفق عليه].

وقد أجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان على المسلمين، وأن من أنكر وجوبه كفر [مراتب الإجماع، لابن حزم].

- شروط وجوب الصوم:

لا يجب الصوم إلا على:
1. المسلم: فلا يصح صيام الكافر.
2. العاقل: فلا يجب على المجنون.
3. البالغ: فلا يجب على الصبي، ولكن يستحب أن يُدرَّب عليه ليتعوده عند البلوغ.
4. الصحيح: فلا يجب على المريض الذي يزيد الصوم في مرضه أو يؤخر في شفائه.
5. المقيم: فلا يجب على المسافر، ويستحب له الصوم إن لم يجد فيه مشقة.
6. القادر: فلا يجب على من لا يطيقه، كالكبير في السن، والمريض الذي لا يُرجى شفاؤه، والحامل والمرضع إذا كان الصوم يضر بهما أو بولديهما.

- أركان الصوم:

1. النية: ومحلها القلب، ويكفي أن تنوي منذ أول يوم من أيام شهر رمضان صيام الشهر كله، ويقوم مقام النية الاستعداد للصيام بالقيام للسحور وتحري وقت الفجر للامتناع عن المفطرات ونحو ذلك.
2. الإمساك عن المفطرات: وهي الأكل والشرب والجماع (يعني الإمساك عن شهوتي البطن والفرج).
3. الزمان: ووقت الصوم من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.

- فضل الصوم:

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدّم من ذنبه) [رواه البخاري].

فإن صُمت رمضان (إيمانا) منك بأن صيامه فرض من الله تعالى يجب أداؤه، فقد حققت الشرط الأول في الحديث، وإن صُمت رمضان (احتسابا) للأجر والمثوبة من الله تعالى، ولم تصم رمضان رياء وسمعة، فقد حققت الشرط الثاني في الحديث، ولك بعد ذلك البشارة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بـ (مغفرة ما تقدّم من ذنبك) إن شاء الله.

- الحكمة من الصوم:

للصوم فوائد عظيمة كثيرة، مدارها كلها على الحكمة التي شرع الله تعالى لأجلها الصيام، وهي (التقوى)، والتي تتمثل بأداء ما أمرنا الله به، والكف عما نهانا عنه سبحانه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، و(لَعَلَّ) هنا للتعليل، أي: لأجل أن تتقوا الله، فتتركوا ما حرّم الله، وتقوموا بما أوجب الله.

- حكم تارك الصوم:

من ترك الصوم في رمضان لعذر فلا شيء عليه، كمن تركه لمرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار.
أما من ترك صيام رمضان بلا عذر شرعي فيُنظر حاله، فإن كان تركه للصيام لشهوة طعام وشراب وجماع أو نحو ذلك وأنه كان مُقرّا بوجوب صيام رمضان وركنيّته في الإسلام، فهذا فاسق مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

أما من جحد وجوب الصوم -كأن قال مثلا: لا يوجد في الإسلام صيام رمضان- فهذا كافر بإجماع الفقهاء، لأن وجوب صوم رمضان معلوم من الدين بالضرورة، وهو ركن بُني عليه الإسلام، ومن جحده واستحل فطره فقد نقض أصل الدين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقالة:
أهم أحكام الصيام
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً