سلسلة سؤال وجواب (5) حكم الذبح لغير الله تعالى؟ تعريف الذبح؟ وأنواع الذبح؟ 1- حكم الذبح ...

سلسلة سؤال وجواب (5)

حكم الذبح لغير الله تعالى؟
تعريف الذبح؟ وأنواع الذبح؟

1- حكم الذبح لغير الله تعالى: شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام:

قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام: 162، 163]


2- تعريف الذبح

لغةً: القطع
اصطلاحاً: إزهاق النفس بإراقة الدم بطريقة مخصوصة.


3- أنواع الذبح:

1- شرك أكبر: مثل الذبح للجن أو للأولياء.
2- الذبح الجائز: مثل الذبح للأكل أو لإكرام الضيف.
3- الذبح المشروع: مثل الأضحية والعقيقة والهدي.
...المزيد

من يوقف إجرام الحكم الشيوعي في الصين؟ مع شيوع نظرية حصر صراع المسلمين في هذا الزمان مع اليهود ...

من يوقف إجرام الحكم الشيوعي في الصين؟

مع شيوع نظرية حصر صراع المسلمين في هذا الزمان مع اليهود والنصارى المحاربين تصوّر البعض أن اليهود والنصارى هم فقط من يحارب أهل الإسلام في هذا الزمان، في حين أن هناك من الأمم من يناصب أمريكا العداء وفي الوقت نفسه تشنّ حرباً على المسلمين لتغيير دينهم واستضعافهم أشد مما يفعل اليهود والنصارى بمراحل كثيرة.

إذ لا شك أن الشيوعيين الملاحدة والهندوس الوثنيين والرافضة المشركين وطواغيت الحكم في بلاد المسلمين ارتكبوا بحق المسلمين من الجرائم أضعاف ما فعله مشركو أهل الكتاب.


- عقود من الاستضعاف للمسلمين

فتحت حكمهم الطاغوتي الغاشم يرزح أكثر من مئة مليون من المنتسبين إلى الإسلام منذ عشرات السنين، وهم مصرّون لا على إلباسهم لباس الشيوعية الكافرة فحسب، بل هم عازمون على محو أي أثر للإسلام في تلك الديار، أسوة بما فعله إخوانهم من شيوعيي روسيا من قبل، وذلك خوفاً من أن يستيقظ المسلمون في تلك الديار من غفلتهم، فيجاهدوا عدوهم لاستنقاذ أنفسهم وأعراضهم من أيدي الظالمين، ويسعوا لإقامة الدين في تلك البلاد، ويزيلوا منها كل مظاهر الشرك والإلحاد.

فبعد أن تحكّم أولئك الملاحدة بكل مناحي حياتهم بدءاً من فرض القوانين الطاغوتيّة التي تحكم كل شؤونهم وليس انتهاء بتحديد عدد أطفالهم ونوعية طعامهم وشرابهم ولباسهم بل وأسمائهم واللغة التي بها يتكلّمون وبواسطتها لله يتعبّدون، بعد هذا كله قرّر طواغيت الصين أنّهم لم يحقّقوا أحلامهم الشيطانية بمحو كل أثر للإسلام في البلاد التي يحكمون، وأن عليهم أن يفرضوا على الناس تغيير معتقداتهم بالقسر والإكراه، وأن يمسحوا من قلوبهم كل ما يمت للإسلام بصلة، ويحلّوا مكانه أفكار الطاغوت (ماو) الخرقاء وعقائد الشيوعيّة الكافرة.


- لماذا الجميع ساكتون؟

ولا زالت العلاقات التي تجمع الطواغيت الحاكمين لبلدان المسلمين مع حكومة الصين الكافرة قوية، خاصة أن الأخيرة اتخذت منذ عقود منهجا بعيدا عن التحيّز للمعسكر الأمريكي أو المعادي له، وتطبّق خطّتها للهيمنة على المناطق خارجها بشكل خبيث يعتمد على فرض النفوذ الاقتصادي والمالي لا على النفوذ العسكري والمجابهة المباشرة، ولذلك لم نجد من هؤلاء الطواغيت عداء ظاهراً لحكومة الصين الشيوعية، بعكس العداء تجاه حكومة روسيا الشيوعية الذي كان يغذيه تحريض أمريكا للدول التابعة لها، وردود أفعال تجاه غطرسة السوفييت ومحاولاتهم فرض نفوذهم من خلال الانقلابات العسكرية والاحتلال المباشر كما حدث في أفغانستان.

ونتيجة هذه العلاقات بين الطواغيت وحكومة الصين الكافرة لم يكن هناك توجّه منهم لدفع الإعلام إلى كشف حقيقة ما يتعرّض له المسلمون على أيدي الشيوعيين في تلك البلاد، وكذلك لم يأذنوا لعلماء السوء الموظّفين لديهم بإشعال المنابر بالخطب التي تحرّض على جهاد أولئك المشركين، ولا تحرّكت الأحزاب والجماعات المنتسبة إلى الإسلام كالإخوان المرتدّين وربائبهم من السرورية للحديث في هذا الباب كما يتحدثون في أي قضية يجدون لهم عليها ظهيرا من الطواغيت.


- فلا تخشوهم

أما المنتسبون للجهاد فقد زعموا بأن المعارك مع الصليبيين والطواغيت أشغلتهم، فهم ينتظرون أن تحسم هذه المعارك ليتفرّغوا لفتح جبهات جديدة ضد المشركين، بل رأينا بعضا آخر منهم كأطراف في حركة طالبان المرتدة يرى في حكومة الصين الشيوعية حليفا له في الحرب ضد أمريكا، وقد قوي هذا التوجه لديهم بعد الطفرة الكبيرة في العلاقات بين حكومة الصين والحكومة الباكستانية المرتدة التي تراجعت علاقاتها كثيرا مع أمريكا بتأثير دعمها المتزايد للحكومة الهندوسية.

ولذلك فإن الكثير من هؤلاء لا يودّون أن يتذكر المسلمون قضية الحكم الطاغوتي الصيني، وما يرتكبه بحق المسلمين من جرائم، خوفاً من فتح جبهة جديدة للجهاد ويريدونها تبقى باردة، ليتفرّغوا لقتال أمريكا كما تصوّر لهم أوهامهم، أو خوفا من إغضاب طواغيت الصين، وهذا الأمر بالغ الأهمية لإدراك الأسباب الحقيقيّة عن تقاعس التنظيمات والفصائل التي تنادي بالجهاد عن قتال المشركين في الصين، لإزالة شركهم واستنقاذ المسلمين من تحت أيديهم.

إذ هناك هالة من الغموض تحيط بالصين وقوتها تفرض نوعاً من الإعراض عن مجرّد تصوّر الدخول في حرب معها، وهذه الهالة ولا شك هي شبيهة بتلك التي كانت أحاط بها الاتحاد السوفيتي نفسه من مظهر للقسوة المفرطة وشهوة إلى الفتك والتدمير، وبتلك التي أحاط بها الجيش الأمريكي نفسه من قدرة على تحقيق أصعب المهمات بدقة وفاعلية، وذلك كلّه قبل أن يتورّط الطرفان في احتكاك مباشر مع مجاهدي الإسلام الذين عرفوا أن كثيرا من التصورات بخصوصهما كانت أوهاما كاذبة خلقها الإعلام، وآمنوا بإمكان هزيمة هؤلاء المشركين ثم رأوا ذلك حقا في خراسان والصومال والعراق، وهم على يقين اليوم بأنّ أي منازلة على الأرض بينهم وبين تلك الجيوش لن تكون في صالح الكفرة على الإطلاق، وأن حروب طائراتهم لن تحسم المعركة معهم بإذن الله تعالى مهما طالت.- توسيع للهيمنة خارج الصين

إن الاقتصاد والاستثمارات هما أهم مرتكزات الصين الخارجية في سعيها لمد نفوذها في العالم، وقد عبّرت عن هذا بإعلان استراتيجية أسمتها "الحزام والطريق" تعتمد على ربط الحكومات الأخرى بها عن طريق الاستثمار في اقتصاداتها وتكبيلها بالديون الربوية، والسيطرة على البنية التحتية والموارد في تلك البلدان وخاصّة طرق المواصلات وشبكات الاتصالات والصناعات الاستخراجيّة، وبالتالي إخضاع هذه الحكومات لها مع الزمن، ومما يساعد الحكومة الصينية على تقوية علاقاتها مع الحكومات الطاغوتية تركيزها على الجانب الاقتصادي دون الجانب السياسي الذي تحاول الدول الغربية التدخل فيه ولو ظاهرا من خلال مطالبتها الحكومات الموالية لها بالديمقراطية وما شابه من قضايا يرفضها الطواغيت المستبدون بالحكم.

وكذلك فإن المساعي الأمريكية للانسحاب من المنطقة بعد الإرهاق الشديد الذي أصابها من حرب المجاهدين خلال عقدين من الزمان تقريبا، من شأنه أن يزيد من قدرة الصين على مد نفوذها العسكري بعد الاقتصادي والسياسي في عدة بلدان، بل ومساعدة الطواغيت في حرب المسلمين إن طلبوا المساعدة في ذلك، كما هو جار اليوم في إعانتهم للطاغوت بشار على حرب المسلمين في الشام، ولن يطول الزمن قبل أن يتدخّلوا بشكل مباشر في الحرب بجنودهم وطائراتهم وصواريخهم وسفنهم الحربيّة، كما فعلت روسيا، إذا شعروا بالخوف على أحد الطواغيت الموالين لهم.


- أوقفوا إجرام الشيوعيين

كل هذه الأمور تفرض على مجاهدي الدّولة الإسلاميّة أن يهيؤوا أنفسهم لحرب طويلة مع مشركي الصين، طلبا لإزالة شركهم، واستنقاذا للمسلمين من تحت أيديهم، وحماية للمسلمين خارج الصين من أن ينالهم أذاهم أو يفرضوا عليهم كفرهم بالله العظيم.

وإن الواجب الأكبر يقع على عاتق المسلمين الواقعين تحت حكم أولئك الملاحدة المجرمين، إذ يتعيّن عليهم يجاهدوهم ويعظّموا النكاية فيهم، فما بقي عندهم شيء يحسبون حساباً لخسارته، إذ استولى المشركون على دينهم وأنفسهم وأعراضهم وعقولهم يعبثون فيها كيف يشاؤون، وأن يتذكّروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعِيْنة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط اللّه عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) [رواه أبو داود]، فإن لم يقدروا عليهم وجبت الهجرة من تلك الديار إلى أقرب دار للإسلام منهم، فإن لم يجدوا فإلى أي دار هي أقل شرا من دارهم، كما هاجر المسلمون من مكة إلى الحبشة وكلاهما ديار كفر.

وإن واجب المسلمين أن يعينوهم في جهادهم، وأن يحاربوا مشركي الصين في كل مكان، فيستهدفوهم بالقتل والأسر، ويستهدفوا مصالحهم الاقتصادية واستثماراتهم بالاغتنام والتخريب، ويزرعوا الرعب في قلوب موظفيهم وأعضاء بعثاتهم وسفاراتهم، فإن أولئك المشركين إن أيقنوا أن حربهم على المسلمين في الصين ستكلّفهم الكثير من الخسائر داخلها وخارجها فسيكفون أذاهم بإذن الله تعالى، قال سبحانه: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: 84].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 171
الخميس 23 جمادى الآخرة 1440 هـ
...المزيد

اليقين بوعد الله ربّ العالمين الحمد لله وليّ الموقنين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله ...

اليقين بوعد الله ربّ العالمين

الحمد لله وليّ الموقنين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه الغر الميامين، أما بعد:

فإن اليقين هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وأما اليقين فهو طمأنينة القلب، واستقرار العلم فيه" [مجموع الفتاوى].

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منزلة اليقين، وهو من الإيمان منزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمّر العاملون، وعمل القوم إنما كان عليه، وإشاراتهم كلها إليه... فاليقين روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصّدّيقيّة، وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره". ا.ه [المدارج].

وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "واليقين: استقرار الإيمان في القلب علما وعملا، فقد يكون علم العبد جيدا، لكن نفسه لا تصبر على المصائب بل تطيش، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: إذا شئت أن ترى بصيرا لا صبر له رأيته، وإذا شئت أن ترى صابرا لا بصيرة له رأيته، فإذا رأيت بصيرا صابرا فذاك" ا.ه [جامع المسائل].

- مراتب اليقين
واليقين له ثلاث مراتب:
1- علم اليقين.
2- حق اليقين.
3- عين اليقين.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "علم اليقين ما علمه بالسماع والخبر والقياس والنّظر، وعين اليقين ما شاهده وعاينه بالبصر، وحق اليقين ما باشره ووجده وذاقه وعرفه بالاعتبار، فالأولى مثل من أخبر أن هناك عسلا وصدق المخبر، أو رأى آثار العسل فاستدل على وجوده، و"الثاني" مثل من رأى العسل وشاهده وعاينه، وهذا أعلى كما قال النّبي صلى اللّه عليه وسلم: (ليس المخبر كالمعاين)، و"الثالث" مثل من ذاق العسل ووجد طعمه وحلاوته، ومعلوم أن هذا أعلى مما قبله... كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم في الحديث الصّحيح: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) وقال صلى الله عليه وسلم (ذاق طعم الإيمان: من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولًا) فالناس فيما يجده أهل الإيمان ويذوقونه من حلاوة الإيمان وطعمه على ثلاث درجات".ا.ه [الفتاوى، باختصار].


- من ثمار اليقين

واعلم أخي بارك الله فيك أن أهل اليقين يمتازون عن غيرهم بأمور ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز منها:

أنّهم إن جمعوا إلى يقينهم الصبر حصلوا على مرتبة عظيمة وهي الإمامة في الدّين، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة، 24].

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "أي: لما كانوا صابرين على أوامر الله وترك نواهيه وزواجره وتصديق رسله واتّباعهم فيما جاؤوهم به، كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر اللّه، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر".ا.ه [التفسير]، وقال رحمه الله تعالى: "وقال بعض العلماء: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين" [التفسير]، وقال ابن القيم رحمه الله: "وإذا تزوج الصبر باليقين: ولد بينهما حصول الإمامة في الدين". ا.ه [المدارج].

ومنها انتفاعهم بآيات الله تعالى وحججه، قال عزّ وجلّ: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:20].

قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: "وفي الأرض عبر وعظات لأهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها".ا.ه [تفسير الطبري].

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وخصّ سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين" ا.ه [المدارج].

ومن فوائد اليقين وثماره أن أصحابه هم المهتدون الفائزون قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 6،5].

قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: "فأخبر أنهم هم أهل الهدى والفلاح خاصة دون غيرهم، وأن غيرهم هم أهل الضلال والخسارة" ا.ه [تفسير الطبري].

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "يقول اللّه تعالى: {أولئك} أي: المتّصفون بما تقدّم: من الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، والإنفاق من الذي رزقهم اللّه، والإيمان بما أنزل الله إلى الرسول ومن قبله من الرسل، والإيقان بالدار الآخرة، وهو يستلزم الاستعداد لها من العمل بالصّالحات وترك المحرمات، {على هدى} أي: نور وبيان وبصيرة من الله تعالى، {وأولئك هم المفلحون} أي: في الدنيا والآخرة".ا.ه [التفسير].وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وخص أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين،... وأخبر عن أهل النار: بأنهم لم يكونوا من أهل اليقين، فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}" ا.ه [المدارج].

ومن فوائد اليقين أن صاحبه ثابت لا يعتريه شك ولا يصيبه تردد بل يحمله اليقين على مباشرة الأهوال وركوب الأخطار.

ففي الصحيحين عن أنس رضي اللّه عنه، قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النّضر إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الآية [الأحزاب: 23].

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط، وهم وغم، فامتلأ محبة لله، وخوفا منه ورضا به، وشكرا له، وتوكلا عليه، وإنابة إليه. فهو مادة جميع المقامات والحامل لها" ا.ه [المدارج].


- التوصّل إلى اليقين

فإن قلت فكيف أتحصّل على اليقين؟ قلنا قد ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: "وأما كيف يحصل اليقين فبثلاثة أشياء: أحدها: تدبّر القران، والثاني: تدبر الآيات التي يحدثها الله في الأنفس والآفاق التي تبيّن أنه حق، والثالث: العمل بموجب العلم قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} والضمير عائدٌ على القران" [مجموع الفتاوى].

فاجتهد أخي المبارك في تحصيل هذه المنازل السامقة الرفيعة بتعلّم العلم النافع والتدبّر في آيات الله العظيم والعمل بها فإنّ اليقين يزيد وينقص، وإيّاك وسلوك مسلك الساهين اللاهين والوقوف في مقام المغترّين، والتلّبس بأحوال البطّالين الذين ركنوا إلى أنفسهم وساروا مع أهوائهم ولم يتداركوا أحوالهم ولم يقدموا لآخرتهم نسوا الله فنسيهم..

واقتد بالموقنين بوعد ربهم من الصحابة ومن بعدهم فقد بذلوا أرواحهم طيبة بذلك قلوبهم فرحين مستبشرين بوعد خالقهم فهذا أنس بن النضر رضي الله عنه يقول: إنّي لأجد ريح الجنة دون أحدٍ، وذا عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه يقول: "لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة"، ورمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتّى قتل [رواه مسلم].

وهذا عمرو بن الجموح رضي الله عنه يخرج في غزوة أحد وهو يقول: "والله إنّي لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة" [رواه البيهقي].

فكن موقنا بوعد ربك باذلا له نفسك صابراً محتسبا على طريقك وإن كنت في جوف المحنة فإنّ الله تعالى سينجز لك الوعد.

قال الله سبحانه وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 171
الخميس 23 جمادى الآخرة 1440 هـ
...المزيد

مقال: لا تتبعوا خطوات الشيطان (2) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: نواصل في ...

مقال: لا تتبعوا خطوات الشيطان (2)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نواصل في هذا العدد ما بدأناه مسبقا من الحديث عن خطوات الشيطان:

فمن خطوات الشيطان اتباع الهوى قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50].

قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: إن الله لا يوفق لإصابة الحقّ وسبيل الرشد القوم الذين خالفوا أمر الله وتركوا طاعته، وكذّبوا رسوله، وبدّلوا عهده، واتبعوا أهواء أنفسهم إيثاراً منهم لطاعة الشيطان على طاعة ربهم" [تفسير الطبري].

وصاحب هذه الآفة لا ينتفع بالأدلة لأنه يقتفي هواه ولا تردعه الحجج لأنه تبع لشهواته فهو أبعد عن معرفة الحق فضلا عن اتباعه.

ومنها اتباع الظن وترك اليقين قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116].

قال ابن كثير رحمه الله: " يخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنه الضلال، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأوَّلِينَ}، وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}، وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم، وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطل، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} فإن الخرص هو الحزر...، و {هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ} فييسره لذلك {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} فييسرهم لذلك، وكل ميسر لما خلق له". [التفسير]

وهذا حال أكثر الناس اليوم والله المستعان بعيدون عن الحق تاركون لليقين بأوامر الله المحكمة الواضحة -كالهجرة والجهاد وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين والمرتدين- متّبعين للظن، ومن هذا حاله لا يصل إلا إلى الضلال والعياذ بالله.

ومن خطواته اتباع المتشابه وترك المحكم، قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].

قال ابن كثير رحمه الله:" يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، أي: بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد من الناس، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى، ومن عكس انعكس... {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أي : ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال سبحانه: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أي: الإضلال لأتباعهم، إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهذا حجة عليهم لا لهم" [التفسير].

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) [رواه مسلم].

ومن خطواته التسويف والتأخير وطول الأمل، قال تعالى عن الشيطان: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}. [النساء: 119]

قال ابن كثير رحمه الله: "{وَلأضِلَّنَّهُمْ} أَيْ: عن الحق {وَلأمَنِّيَنَّهُمْ} أَيْ: أزين لهم ترك التوبة، وأعدهم الأماني، وآمرهم بالتسويف والتأخير، وأغرهم من أنفسهم". [التفسير]

ومن مداخله على المعلمين والمصنفين أن يكون مقصودهم الباطن من نشر الدين انتشار الذكر وعلو الصيت والرياسة والعياذ بالله.عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وذكر حديث أول من تسعر بهم النار ومنهم: رجل تعلم العلم، وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار) [صحيح مسلم].

قال النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وإدخالهم النار دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} وفيه أن المعلومات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصا، وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصا" [شرح صحيح مسلم].

وَقَدْ يتخلّص البعض من تلبيسات إبليس الظاهرة فيأتيهم من مدخلٍ خفي وذلك بإيهامك أنك أعرف الناس بمداخله، فان سكنت إلى هذا هلكت بالعُجب وإن سلِمتَ من ذلك سلِمتَ بإذن الله تعالى.

هذه بعض خطوات الشيطان إلى إفساد قلبك وتكون الوقاية منها بالانقياد لشرع الله تعالى ظاهراً وباطناً وسؤالك له سبحانه أن يجنّبك إيّاها.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 208].
قال الإمام الطبري رحمه الله: " يعني جل ثناؤه بذلك: اعملوا أيها المؤمنون بشرائع الإسلام كلها، وادخلوا في التصديق به قولا وعملا ودعوا طرائق الشيطان وآثاره أن تتبعوها فإنه لكم عدو مبين لكم عداوته، وطريقُ الشيطان الذي نهاهم أن يتبعوه هو ما خالف حكم الإسلام وشرائعه" [تفسير الطبري].

ومتى كنت كذلك كانت خطواتك كلها محكمة ثابتة بعيدة عن خطوات الشيطان بل إنه سيسلك طرقا غير طرقك كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك) [متفق عليه].

قال النووي رحمه الله: "وهذا الحديث محمول على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكا فجا هرب هيبة من عمر وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئا، قال القاضي: ويحتمل أنه ضرب مثلا لبعد الشيطان وإغوائه منه وأن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان. والصحيح الأول" [شرح صحيح مسلم].

فعندما يكون العبد مشغولاً بالطاعة والذكر، فلن يكون محلاً للوساوس فإن غفِل وسوس إليه الشيطان بالمعاصي. قال ابن الجوزي رحمه الله: "وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه ويزيد تمكنه منهم ويقل على مقدار يقظتهم وغفلتهم وجهلهم وعلمهم" [تلبيس إبليس].

فكن مستيقظا محترسا من عدوك في كل وقت وحين، عسى الله الكريم أن يجنبنا وإياك سبل الظالمين، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 170
الخميس 16 جمادى الآخرة 1440 هـ
...المزيد

الأسباب الجَالبَةُ لمَعُونَة الله ▪ الاستقامة على دين الله قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ ...

الأسباب الجَالبَةُ لمَعُونَة الله


▪ الاستقامة على دين الله
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل].


▪ الاستعانة بالصبر والصلاة
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة].


▪ الاستعانة بالله وحده
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وإذا استعنت فاستعن بالله) [الترمذي].


▪ تقوى الله وحفظ حدوده
قال -صلى الله عليه وسلم-: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) [الترمذي].


▪ إعانة المسلمين وقضاء حوائجهم
قال -صلى الله عليه وسلم-: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) [مسلم].


▪ التوكل والاعتماد على الله
قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق].


▪ الأخذ بالأسباب المشروعة
عملا بالقاعدة الشرعية النبوية الأصيلة: (اعقلها وتوكل).


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 518
السنة السابعة عشرة - الخميس 1 جمادى الأولى 1447 هـ
إنفوغرافيك العدد
...المزيد

مِن أقوال علماء الملّة قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور ...

مِن أقوال علماء الملّة

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
"وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، ولا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهرا وباطنا، فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة، ولا استجلبت مصالحهما بمثل الصلاة، وسر ذلك أن الصلاة صلة بالله عزّ وجل، وعلَى قدر صلة العبد بربه عزّ وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع عنه من الشرور أسبابها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عزّ وجل، والعافية والصحة، والغنيمة والغنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرات كلها محضرة لديه، ومسارعة إليه". [زاد المعاد] ...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 518 الافتتاحية: • (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 518
الافتتاحية:

• (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُون)


قد يتطرق اليأس لبعض النفوس الضعيفة حين ترى تتابُع النكبات بأمة الإسلام، وتداعي الأمم الكافرة عليها كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فتهتز ثقة هذه النفوس بوعد ربها! وكأنه تعالى لم يجعل لمهلكهم موعدا.

والعبد مأمور باليقين أنّ هذه الأحداث المؤلمة، إنما هي أقدار العدل سبحانه، وأنّ وقوعها سنة كونية جارية فيها من الحِكم العظيمة ما لا يحيط بها إلا مُجريها، وفيها من المكاسب ما لا يتحقق إلا بها، بل وعليها تترتب غايات وأحكام ومآلات يظهرها الله عقب وقوعها، لذا اقتضت حكمة الله أن تقع ولو كرهتها النفوس، وما الدنيا بجميع محطاتها إلا دار اختبار وتمحيص للعبد من حياته وحتى مماته، لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

وإن كان الأمر كذلك؛ فالمؤمن لا ينفك عن عبوديته لله تعالى في جميع أحواله، في حال قوته أو ضعفه، في سرائه أو ضرائه، وقد حكى الله لنا حال الأنبياء وكيف كان تعبّدهم لله على تقلُّب أحوالهم عسرا ويسرا، شدة ورخاء، فما من نبي إلا وقد ابتُلي -وأتباعه- بتسلُّط الكافرين وطغيانهم؛ فكانت عبادتهم لله في تلك المرحلة؛ الصبر واليقين والتسليم لأمر الله، والتضحية لدينه، والتبشير بحتمية فرجه ونصره لعباده، والتراحم والتواصي بالصبر على سبيله، والترغيب بما أعده المولى لأهل طاعته، والترهيب من وعيده تعالى لأهل معصيته.

وإذا أدرك المؤمن أن المحنة مرحلة حتمية في طريق التوحيد؛ كان حريا به أن يوطّن نفسه لاستقبال هذا القدر الإلهي بما يليق به، ليخرج منه على أتم إيمان وأكمل يقين، وأن يربّي نفسه خلاله على أعلى المراتب في الإيمان والتسليم والعبادة والأخلاق والأخوة والإيثار والبذل، وغير ذلك مما علّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه حال اشتداد المحنة، فلا تمر عليه إلا وقد فقه عن الله مراده من الابتلاء، وحكمته مما كتبه عليه من الشدة واللأواء، فلا أحد حينئذ أحسن ظنا بالله منه، ولا أحد أشد تمسكا بالتوحيد منه، ولا أصلب على المصائب وأشد تحملا للمصاعب منه، وتلك كلها كنوز حظي بها وثمرات قطفها في ظلال الشدة والمحنة فانقلبت منحة، فتأمل.

بهذا يُصيّر المؤمن محنته منحة؛ بحسن اتّباعه وتسليمه لأقدار ربه، وحرصه على ألا يخرج منها إلا فائزا حائزا أجور الصابرين الموقنين، ولا شك أن هذه الفضيلة الإيمانية تشتد الحاجة إليها في بيئة الجهاد أكثر من غيرها، لأنه لا قيام للجهاد إلا بها، والمجاهد له من الابتلاء والمحنة قدر كبير لأنه على درب الأنبياء مسيره، وعلى منهاج خاتمهم -صلى الله عليه وسلم- مستقره ومقيله، وهو في الذروة يذود عن المسلمين ويحمي حماهم ويصد عادية الأمم عنهم، فمحنته على قدر همته، وتمحيصه على قدر مهمته، وأجره على قدر مشقته.

ومهما اشتدت المحن وتوالت الخطوب، فالواجب على المسلم، ألا يحمله ذلك على استبطاء الفرج والنصر من خالقه ومالكه، وألا يسري لقلبه سوء الظن بمدبّر أمره، وليعلم أن للأمور ميقاتا عند رب العباد، وأجلا محتوما إذا جاء لن يتقدم ولن يتأخر، وله -جل جلاله- الحكمة البالغة في تحديد موعد إهلاك الكافرين كما قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}، قال القرطبي: "أي لهلاكهم وعذابهم وقت معلوم في علمه سبحانه، إذا جاء وقت انقضاء أجلهم، لا يمكنهم أن يستأخروا ساعة باقين في الدنيا، ولا يتقدمون فيؤخرون". أهـ، سواء كان هذا بعذاب من عند الله بالكلّية، أو بعذاب يجريه على أيدي عباده، أو بهذا وذلك، فالله هو مدبّر الأمور ومصرّفها.إن وعيد الله للكافرين حق لا مرية فيه، وانتقامه منهم صدق لا ريبة فيه، وهو شديد إذا وقع، فالله شديد العقاب شديد العذاب شديد المحال، وأخذه أليم شديد، ولن تنفعهم وقتها قوتهم ولا حشودهم ولا جيوشهم، كما فعل الله بأشياعهم من قبل، وأخذهم بغتة فإذا هم مبلسون آيسون، وقد أنذرهم الله فما كانوا يعتبرون، وحذّرتهم الرسل وأتباعهم فكانوا بهم يستهزئون، حتى وقع عليهم عذاب الله القاصم لظهورهم، واعترفوا بذنبهم حين عاينوا العذاب فما قبل الله منهم اعترافهم، كما قال الله تعالى يصف حالهم: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} إلى قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}، قال ابن كثير: "ما زالت تلك المقالة، وهي الاعتراف بالظلم، هجيراهم حتى حصدناهم حصدا وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودا".

فهذه عاقبة الكافرين غدا وإن تغطرسوا اليوم، وإن طغوا وبغوا وعلوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد، وسولت لهم أنفسهم ألا حساب عليهم! وظنوا أن لن يقدر أحد عليهم، كما هو حالهم في كل زمان ومكان، والله تعالى يهددهم في كتابه ويتوعدهم بعذابه كما قال عز وجل: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}، قال ابن كثير: "لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر؛ ولهذا قال: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي} أي: نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني، فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ!".

فالمسلمون مطالبون شرعا أن يتيقنوا وعد الله بالكافرين وبأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، فهو قادم لا محالة، والله جعل لمهلكهم موعدا مستقرا في علمه، ولكن يؤخّره ويحجبه عنا لحِكم جليلة يريدها سبحانه منها: إتمام أجور المؤمنين، وتربيتهم على التعلق به وحده، وترقيتهم في منازل اليقين بوعوده وأخباره، وإشعارهم بعظيم فضله عليهم ونعمته بعد النصر فإنّ ذلك أدعى لشكرهم ربهم، ومنها إتمام إملائه للكافرين والمجرمين؛ حتى إذا أخذهم لم يفلتهم، ومنها تهيئة صفوف المؤمنين وتنقيتها وتطهيرها لتكون أهلا لنزول هذه الوعود الإلهية، وغيرها من حِكم الحكيم الخبير سبحانه.

ومَن تيقّن قدوم شيء استعدّ له وأحسن استقباله، ومِن تمام اليقين بوعد الله تعالى؛ الإعداد له وإتيان أسبابه من تجريد التوحيد لله تعالى والصدق معه، والجهاد في سبيله حق جهاده، ومراعاة سننه الكونية والشرعية فالسنن لا تحابي، فقد وعد الله عباده المؤمنين بالنصر ولم يخص به قوما ولا جماعة، إنما خص به من ينصره تعالى ويقف عند حدوده، فكونوا كذلك أيها المسلمون، ينصركم الله ويثبت أقدامكم.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 518
السنة السابعة عشرة - الخميس 1 جمادى الأولى 1447 هـ
...المزيد

إيَّاكم والظن فإنه أكذب الحديث بسببه يُتهم البريء، ويُكذَّبُ الصادق، ويخوَّن المُؤتمن، ويُرمى ...

إيَّاكم والظن فإنه أكذب الحديث

بسببه يُتهم البريء، ويُكذَّبُ الصادق، ويخوَّن المُؤتمن، ويُرمى العفيف، ويُدان المظلوم، وهو باب من أبواب الظلم، يتلبس بأصعب المواقف التي يتعرض لها المرء في حياته، وقد حذرَنا رب العزة منه، وأمرنا باجتنابه والابتعاد عنه فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [الحجرات: 12].

إنه سوء الظن، له محرضات كثيرة أولها الادِّعاء بمعرفة ما في القلوب، والزعم بالاطلاع على خبايا الصدور، ولقد علَّمنا الشرع الحنيف ألا نحكم على الناس من خلال السرائر، فالله تعالى -هو الوحيد- المطلع عليها، ولم يسمح لنا بالتفتيش فيها والتنقيب بها.

أخي المجاهد: إن الحكم على ما في قلوب الناس يدفع المرء لإساءة الظن بهم، فيرى الخطأ غير المقصود مفتعلا ومدروسًا، بل عن سابق قصد وترصد، ويسمع الكلمة -حمَّالة الأوجه- ذما، ويرى الابتسامة استهزاء، والمزاح ازدراء، والنصيحة اتهاما، والعون انتقاصا.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانها) [أخرجه البخاري وأحمد].

ففي الحديث تحذير من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التحسس والتجسس، لأن بهما اطلاع على جزء من الأمر وليس كله، وقد يكون الحق فيما خفي، كذلك الحسد مدخل من مداخل سوء الظن بالناس، فهو يحرض عليه، فما مبرر تمنيه زوال النعمة عن أخيه إلا أن الأخير فعل كذا وقال كذا وقصد كذا، فهو بذلك يبرر حسده ولن يرى كسوء الظن معينا له على ذلك، وقل ذلك أيضا عن التباغض، فإذا ما أبغض المرء أخاه أساء الظن به.

وإن الأولى بالمسلم الانشغال بذكر الله عن الانشغال بعورات الناس وتتبعها، والعمل على علاج أمراضه بدل السعي لعلاج أمراض غيره، فمن انشغل بنفسه لن يجد الوقت للانشغال بالآخرين.

وليس المقصود هنا التوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل المقصود أن يبتعد المرء عن إساءة الظن إن لم يكن لديه دليل قاطع واضح بيِّن، وتحسين الظن فيما يستوعب ذلك.

قال أحدهم: "إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عذراً لا أعلمه".

وقال تعالى: { وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [النجم:28].

أخي المجاهد إن الشيطان متكفل بسوء الظن، فهو الوقود الذي يستعمله لزرع الخصومات والعداوات بين الإخوة، ولا يكاد يفتر عن التحريش بينهم، وأهم الأمور الواجب اتباعها لقطع الطريق على الشيطان في هذا الباب هو إحسان الظن بإخوانه والمسلمين.


• قالوا عن سوء الظن:

"من حكم بشرٍ على غيره بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره، وعدم القيام بحقوقه، والتواني في إكرامه، وإطالة اللسان في عرضه، وكلها من المهلكات، فليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد".

"ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه فقال: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]".


- وعن الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين عدَّد بعضهم أمورا، أهمها:

حمل الكلام على أحسن المحامل، واستحضار آفات سوء الظن، ودعاء الله تعالى والالتجاء إليه لتخليصه من هذه الآفة، وإنزال النفس منزلة الآخر، فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه، وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد وجَّه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: {لوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} [النور:12].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 132
الخميس 1 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

واجب النساء في جهاد الأعداء النساء شقائق الرجال، وكم من مسلمة لم يقعدها ضعفها وانشغالها بتربية ...

واجب النساء في جهاد الأعداء


النساء شقائق الرجال، وكم من مسلمة لم يقعدها ضعفها وانشغالها بتربية أطفالها وطاعة زوجها عن أن تنال من المعروف ما ناله الكُمّل من الرجال، بل منهن من طرقت أبوابا هي من أخص خصائص الرجال لما فيها من شدّة على النفس، وحاجة إلى القوّة والعزيمة، كباب الجهاد في سبيل الله تعالى.

وإننا اليوم في إطار هذه الحرب على الدولة الإسلامية، وما فيها من شدة وبلاء، يغدو لزاما على النساء المسلمات أن يقمن بواجبهن على كافة الأصعدة في دعم المجاهدين في هذه المعركة، بأن يعددن أنفسهن مجاهدات في سبيل الله، ويتجهزن للذود عن دينهن بأنفسهن فداء لدين الله تبارك وتعالى، وبتحريضهن لأزواجهن وأبنائهن، فيكن كالنساء المجاهدات من الرعيل الأول.

ولبيان أهمية واجبك أختي المسلمة في الصراع المحتدم اليوم بين ملل الكفر وملة الإسلام، لا بد لنا أن نذكرك بالمرأة المجاهدة في العصر الذهبي للإسلام، وما سوف نسوقه لك من نماذج لنساء المسلمين هو أحد الجوانب المضيئة في حياة المرأة المسلمة، أم الأبطال وأخت الأبطال وزوجة الأبطال، وليس غريباً على نساء المسلمين اليوم أن يكون عندهن من الفداء والصدق والحب للدين مثل المجاهدات السابقات اللاتي نصرن الإسلام.

وعسى أن يكون ما سنذكره من صور دافعاً لك -أختي الكريمة- لتقتدي بهن، ليحصل لك من الخير ما حصل لهن وللدين في وقتهن، فهنَّ حقاً من يستحققن أن يقتدى بهن، وليست غيرهن قدوتك أختي المسلمة، كلا، فإن أردت أن تعرفي من أنت فانظري بمن تقتدين، وإذا أردت أن تعرفي حال الأمة فانظري بمن تقتدي نساؤها، فإن كنَّ يقتدين بالعظيمات المجاهدات الصادقات القانتات العابدات الصابرات فقد انتصرت الأمة، وإن كن يقتدين بالكافرات الكاذبات الضالات المضلات المائلات المميلات، فهذه خسارة كبيرة للأمة حقاً.


• حرص النساء الصحابيات على القتال:

لقد دخلت المرأة ميدان المعركة في قرون الإسلام الأولى ليس ذلك بسبب قلة الرجال في وقتها، ولكنه راجع إلى حبها للأجر والفداء والتضحية في سبيل الله، يبين ذلك ما رواه أحمد عن حشرج بن زياد الأشجعي عن جدته أم أبيه أنها قالت: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاة خيبر وأنا سادس ست نسوة، فبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن معه نساء، فأرسل إلينا فقال: (ما أخرجكن؟ وبأمر من خرجتن؟) فقلنا: خرجنا نناول السهام، ونسقي الناس السويق، ومعنا ما نداوي به الجرحى، ونغزل الشَّعر، ونعين به في سبيل الله، قال: (قمن فانصرفن)، فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاماً كسهام الرجل، قلت: يا جدة ما أخرج لكن؟ قالت: تمراً.

ومن حبها أيضاً للجهاد والفداء لهذا الدين فقد قادها ذلك الحب الصادق إلى طلب خوض الجهاد طلباً صريحاً من الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقالت كما في البخاري وسنن النسائي واللفظ له عن عائشة -رضي اله عنها- أنها قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نخرج فنجاهد معك، فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد؟ قال: (لا، ولكنَّ أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور)، وفي رواية أحمد والبخاري قال: (لا، جهادكنَّ الحج المبرور وهو لكنَّ جهاد).


• نسيبة الأنصارية:

وأول تلك النماذج التي نسوقها لك -أختي الكريمة- لتقتدي بها، لو كانت نساء المسلمين مثلها لما ضاع لنا حق ولا انتهكت لنا حرمة إن شاء الله، إنها المجاهدة الشجاعة التي خرجت يوم كان الجهاد جهاد دفع، إنها أم عمارة نَسِيبةُ بنتُ كعبٍ الأنصارية.

جاء في ترجمتها في سير أعلام النبلاء للذهبي: "شهدت أم عمارة ليلة العقبة وشهدت أحداً والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة وجاهدت وفعلت الأفاعيل، وقُطعت يدها في الجهاد، وقال الواقدي شهدَتْ أُحُداً مع زوجها غزية بن عمرو ومع ولديها، خرجت تسقي ومعها شَنٌّ وقاتلت وأبلت بلاء حسناً، وجُرحت اثني عشر جرحاً.
وكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحداً، قالت سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لمقام نَسيبةَ بنتِ كعبٍ اليومَ خيرٌ من مقامِ فلانٍ وفلان)، وكانت يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً، وضربها ابن قمئة على عاتقها وكان أعظم جراحها، فداوته سنة، ثم نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد، فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، رضي الله عنها ورحمها".• ألق ترسك إلى من يقاتل:

قال الإمام الذهبي: "قالت أم عمارة: رأيتني، وانكشف الناس عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فما بقي إلا نفر ما يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي فرأى رجلاً مولياً ومعه ترس، فقال: (ألق ترسك إلى من يقاتل)، فألقاه فأخذته فجعلت أترِّسُ به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، ولو كانوا رَجَّالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله، فأقبل رجل على فرس فيضربني وترَّسْتُ له فلم يصنع شيئاً وولى، فأضربُ عرقوبَ فرسِه فوقع على ظهره فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصيح: (يا ابنَ أمِّ عِمارة أمَّكَ أمَّكَ)، قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شَعوبَ، وهو اسم من أسماء الموت".

قال الإمام ابن كثير: "قال ابن هشام: وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد، فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول: دخلت على أم عمارة فقلت لها: يا خالة أخبريني خبرك، فقالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إلي، قالت: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل يقول: دلوني على محمد لا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضربني هذه الضربة" [البداية والنهاية].


• من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟!

وقال الذهبي: "عن عبد الله بن زيد [وهو ابن أم عمارة] قال: جرحتُ يومئذ جرحاً وجعل الدم لا يَرْقَأُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعصب جرحك)، فتُقْبِل أمي إليَّ ومعها عصائب في حِقْوها، فرَبَطَت جرحي والنبي -صلى الله عليه وسلم- واقف فقال: (انهض بُنيَّ فضارب القوم)، وجعل يقول: (من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟)، فأقبل الذي ضرب ابني فقال رسول الله: (هذا ضارب ابنك)، قالت: فأعترض له فأضرب ساقه، فبرك، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبسم حتى رأيت نواجذه، وقال (استقدت يا أم عمارة)، ثم أقبلنا نَعُلُّه بالسلاح حتى أتينا على نفْسِه، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي ظَفَّرَكِ)".

وقال: "عن عبد الله بن زيد بن عاصم أيضاً، قال: شهدتُ أُحُداً، فلما تفرقوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دنوت منه أنا وأمي نذب عنه فقال: (ابن أم عمارة؟) قلت: نعم، قال: (ارمِ)، فرميت بين يديه رجلاً بحجر وهو على فرس، فأصبت عين الفرس، فاضطرب الفرس، فوقع هو وصاحبه، وجعلت أعلوه بالحجارة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يتبسم، ونظر إلى جرح أمي على عاتقها فقال: (أمَّكَ أمَّكَ اعصِبْ جُرْحَها، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة) قلت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا".

وقال: "عن محمد بن يحيى بن حبان قال: جُرِحَتْ أم عمارة بأُحُد اثني عشر جرحا، وقطعت يدها يوم اليمامة، وجُرِحَتْ يوم اليمامة سوى يدها أحد عشر جرحا. فقدمت المدينة وبها الجراحة فلقد رئي أبو بكر -رضي الله عنه- وهو خليفة يأتيها يسأل عنها، وابنها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي قطعه مسيلمة، وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني الذي حكى وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قُتل يوم الحرة وهو الذي قَتل مسيلمة الكذاب بسيفه" [سير أعلام النبلاء].

هذه هي المجاهدة الشجاعة الصابرة أم عمارة، وحقاً من يطيق ما تطيق أم عمارة؟ متى كانت هذه قدوتك أختي الكريمة في شجاعتها وفدائها وإقدامها وثباتها وصبرها على هذا الطريق أفلحتِ، بإذن الله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 132
الخميس 1 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

لا تتبعوا خطوات الشيطان الحمد لله رب العالمين معز المؤمنين مذل الكافرين، والصلاة والسلام على من ...

لا تتبعوا خطوات الشيطان

الحمد لله رب العالمين معز المؤمنين مذل الكافرين، والصلاة والسلام على من بعث بالسيف رحمة للعالمين, أما بعد:

فإن من سنن الله أن جعل لأهل الحق أعداء من الإنس والجن قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: 112]
والشيطان إنما سمي بذلك لبعده عن الحق وتمرده، وكل عات متمرد من الجن والإنس فهو شيطان، وقليل من الناس من يعرف هذه الحقيقة فتجد أغلبهم يحترسون من شياطين الجن ولا يحترسون من شياطين الإنس.
وجميع الشياطين من الجن أو الإنس هدفهم واحد وغايتهم واحدة وهي صرف الناس عن الحق وأن يكون أكثرهم في جهنم والعياذ بالله، كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]

فعلى المسلم أن يحذر من اتباع خطواته فهو عين ما حذرنا الله منه في الكثير من آياته، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 168]
ونهانا عن موالاته ونصرته كما قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف: 50]، قال ابن كثير رحمه الله: "وقال بعض العلماء: وتحت هذا الخطاب نوع لطيف من العتاب كأنه يقول: إنما عاديت إبليس من أجل أبيكم ومن أجلكم، فكيف يحسن بكم أن توالوه؟ بل اللائق بكم أن تعادوه وتخالفوه ولا تطاوعوه". ا.هـ [التفسير].

ولا شك في أن معرفة عقبات الشيطان لصد المؤمن عن دينه، ومعرفة مداخله إلى القلب يعين على الحذر منه، وأولى من ذلك أن تعرف أن الشيطان عدو لك فلن يأمرك بخير ولن ينهاك عن شر.


• عقبات الشيطان

وللشيطان سبع عقبات يقف للمؤمنين فيها ذكرها أهل العلم رحمهم الله.

العقبة الأولى: عقبة الكفر فإن ظفر به في هذه العقبة بردت نار عداوته واستراح، فإن سلم منها ببصيرة الهداية، وسلم معه نور الإيمان.

طلبه في العقبة الثانية: وهي عقبة البدعة فإن خلص منها بنور السنة، واعتصم منها بحقيقة المتابعة، وما مضى عليه السلف الأخيار، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

طلبه في العقبة الثالثة: وهي عقبة الكبائر، فإن قطع هذه العقبة بعصمة من الله، أو بتوبة نصوح تنجيه منها طلبه في العقبة الرابعة: وهي عقبة الصغائر، فإن سلم منها طلبه في العقبة الخامسة: وهي عقبة المباحات فشغله بها عن الاستكثار من الطاعات، وعن الاجتهاد في التزود لمعاده، وأقل ما ينال منه تفويته الأرباح، والمكاسب العظيمة، والمنازل العالية.

فإن نجا من هذه العقبة ببصيرة تامة ونور هاد، ومعرفة بقدر الطاعات والاستكثار منها طلبه الشيطان في العقبة السادسة: وهي أن يشغله بالأعمال المفضولة عن الأعمال الفاضلة، فإن في الأعمال والأقوال فاضلا ومفضولا، وذروة وما دونها، كما في الحديث: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت) الحديث. [رواه البخاري]، وحديث (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد). [رواه أحمد والترمذي]، وهؤلاء هم القلة، والأكثرون قد ظفر بهم في العقبات الأول.

فإذا نجا منها بقيت له العقبة السابعة التي لابد منها ولو نجا منها أحد لنجا منها رسل الله وأنبياؤه، وأكرم الخلق عليه، وهي تسليط جنده عليه بأنواع الأذى، باليد واللسان والقلب، فكلما جد في الاستقامة والدعوة إلى الله، والقيام له بأمره، جد العدو في إغراء السفهاء به [مدارج السالكين].

فما هي مداخل الشيطان لإيقاعك في هذه العقبات؟

اعلم أخي المبارك أن مداخل الشيطان كثيرة ومتنوعة منها:

الدعوة لاتباع وتقليد الآباء وعلماء السوء. قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}. [البقرة: 170]
قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى: {وإذا قيل} لهؤلاء الكفرة من المشركين: {اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ} على رسوله، واتركوا ما أنتم فيه من الضلال والجهل، قالوا في جواب ذلك: {ببَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا} أي: وجدنا {عَلَيْهِ آبَاءَنَا} أي: من عبادة الأصنام والأنداد، قال الله تعالى منكرا عليهم: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} أي: الذين يقتدون بهم ويقتفون أثرهم {لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ} أي: ليس لهم فهم ولا هداية!!". [التفسير]وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}. [لقمان: 21]
قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يجادلون في توحيد الله جهلا منهم بعظمة الله اتبعوا أيها القوم ما أنزل الله على رسوله، وصدقوا به، فإنه يفرق بين المحق منا والمبطل، ويفصل بين الضال والمهتدى، فقالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من الأديان، فإنهم كانوا أهل حق، قال الله تعالى ذكره {أوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ} بتزيينه لهم سوء أعمالهم، واتباعهم إياه على ضلالتهم، وكفرهم بالله، وتركهم اتباع ما أنزل الله من كتابه على نبيه {إلى عَذَابِ السَّعِيرِ} يعني: عذاب النار التي تتسعر وتلتهب". [تفسير الطبري]

وما أعجب هذه العقول فهم لا يقابلون الدليل بالدليل ولا يواجهون الحجة بالحجة إنما يلجؤون مباشرة إلى التقليد الأعمى وذلك لعجزهم عن إقامة الحجة والدليل.

والمسلم بعيد عن تقليد الرجال آباء كانوا أو علماء وترك شرع الله؛ لأن الإسلام هو الانقياد لأمر الله واتباع شرعه ولذلك قال في الآية بعدها: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىى}. [لقمان: 22]


• ومنها اتباع الشهوات

قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14].

قال القرطبي رحمه الله: "واختلف الناس من المزين، فقالت فرقة: الله زين ذلك... وقالت فرقة: المزين هو الشيطان... فتزيين الله تعالى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء، وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها، والآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس" ا.هـ [تفسير القرطبي]

فالله سبحانه وتعالى أوجد في قلوب الناس هذه الجبلة الفطرية لكنه ضبطها بضوابط شرعية للانتفاع بها في حين أن الشيطان حريص على تزيين الشهوات المحرمة الخالية من هذه الضوابط وشتان بين الحلال والحرام.

والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 169
الخميس 9 جمادى الآخرة 1440 هـ
...المزيد

جاهدوا لإدخال العباد في دين الله تعالى لا يمضي يوم إلّا ويعلن فيه عن عدد من القتلى في صفوف جيوش ...

جاهدوا لإدخال العباد في دين الله تعالى

لا يمضي يوم إلّا ويعلن فيه عن عدد من القتلى في صفوف جيوش الكفر والردّة، كثير من هؤلاء كانوا من قبل يعيشون تحت حكم الشريعة، وربما علّمتهم الدّولة الإسلاميّة التوحيد، ودلّتهم على طريق الهدى والرشاد، ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو على كل شيء قدير.

دعاهم المسلمون إلى الجهاد في سبيل الله تعالى فأبوا النفير، وضنوا بأنفسهم وأموالهم أن تبذل في سبيل الحكيم الخبير، فقالوا كما قال أسلافهم من قبل، قال تعالى: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 57]، وتركوا دار الإسلام طالبين العيش ولو تحت حكم الكافرين، الذين لم يتركوهم وشأنهم بل ساقوهم للقتال في سبيل الطاغوت فانساقوا في هذا الطريق أفواجاً، مستبدلين الإيمان بالكفر، والهداية بالضلال، فسبحان من بين أصبعيه قلوب العباد يقلبها كيف يشاء.

إن حب الدنيا وكراهية الموت لم يورد كثيرا من المنتسبين إلى هذه الأمة موارد الذل ومعصية الله تعالى فحسب، بل أوردهم موارد الكفر والشرك كما نراه واضحاً بيناً في حال كثير من الناس اليوم، يندفعون للدخول في جيوش المشركين باسم التجنيد الإجباري بداعي الخوف، ويظاهرونهم على قتال المسلمين بداعي الخوف، ويقاتلون لتكون كلمة الذين كفروا هي العليا بداعي الخوف.

وأعانهم على هذا الكفر كثير من علماء السوء ودعاة الفتنة، الذين كذّبوا عليهم وأخبروهم أن هذا الخوف هو عذر لهم أمام الله عزّ وجلّ، وذلك أن هؤلاء المحرِّفين المبدِّلين يبحثون عن أعذار لأنفسهم ليبرروا موالاتهم للطواغيت وتلبيسهم على الناس في أمرهم بداعي الخوف أيضاً.
فهم خوفاً من الموت يأبون القتال في سبيل الله تعالى، ثم خوفاً من الموت يقاتلون في سبيل الطاغوت، فالناس من خشية الذل تعيش كل أعمارها في ذل، وهرباً من الموت في سبيل الله تعالى يقتلون أنفسهم في سبيل الطاغوت، ألا سحقاً سحقا.

وإن الناظر إلى حال هؤلاء المتعبّدين للطواغيت خوفاً، يجد أن كثيراً منهم لا يلبثون أن يتحولوا إلى عبادتهم رجاءاً عندما يجدون في هذه العبودية لهم بعضاً من متاع الدنيا الزائل، وما يفتحونه أمامهم من سبل الشهوات، وتسليطهم على رقاب العباد، ليتحوّل كل منهم إلى طاغوت صغير يستعبد الناس لنفسه دون رب العالمين، وأمام ما نالوه من هذه العبودية فإنهم يتحولون إلى عبادة الطاغوت حبّاً له وطلباً لدوام ملكه وما يتضمنه ذلك من استمرار إنعامه عليهم.

ومع كل هذا الكفر الذي انغمسوا فيه، يرى أحدهم نفسه مسلماً، بل يرى قتاله المسلمين تحت رايات الشرك جهاداً، وإن قتل، رفع إخوانه في الشرك على قبره (نعي الشهيد)، وحولهم علماء السوء ودعاة الفتنة يزينون لهم كفرهم، ويرسّخون فيهم دين التجهّم وعقيدة الإرجاء الذي يحبه الطواغيت ويقربون المتدينين به من الناس.

فوراء هذه الجيوش من المرتدين جيوش من المرجئة العاذرين لهم بما لم يعذرهم به الله تعالى، القائلين بأن هؤلاء مسلمون، وأن قتالهم في سبيل الطاغوت خوفاً منه أو طمعاً بما لديه لا يخرجهم عن دائرة الإسلام، مشترطين ما لم ينزّل الله تعالى به سلطاناً لتكفيرهم من قبيل الاعتقاد القلبي وإرادة زوال حكم الإسلام ودوام الكفر، وإن كانوا بأفعالهم يزيلون حكم الإسلام ويرسخون حكم الطاغوت في الأرض.

إن أولئك المرتدين لا يردعهم عن شركهم إلا أن يصير خوفهم من المجاهدين أعظم من خوفهم من الطواغيت، أو يجدوا ملجأ يقيهم من بطش الطواغيت بهم إن تركوا صفه أو ناصبوه العداء، ولذلك فإن جهاد جيوش الطواغيت وبث الرعب في صفوف جنودها، والسعي لتحقيق التمكين في الأرض وتوفير المكان الآمن لكل تائب من الشرك والكفر، هو السبيل الأفضل لإنقاذ ملايين الناس من الشرك الذي أوقعهم به الطواغيت فأخرجوهم به من دائرة الإسلام.

وليضع كل مجاهد في سبيل الله تعالى نصب عينيه هذا الأمر، فيعلم أن كل طلقة يطلقها في سبيل الله عزّ وجلّ له بها أجر إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد -بإذنه سبحانه-، ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 169
الخميس 9 جمادى الآخرة 1440 هـ
...المزيد

قصة شهيد - عبد الملك الداغستاني أسلم ثم سمع النداء فلبى (عبد الملك الداغستاني) التحق بجند ...

قصة شهيد - عبد الملك الداغستاني


أسلم ثم سمع النداء فلبى
(عبد الملك الداغستاني) التحق بجند الخلافة في مصر فقاتل معهم وقتل

كثيرونَ همُ الذين كانت أعمارُهم في ساحات الجهادِ قصيرة، ولكنهم تركوا خلفهم أثرا كبيرا لا زال إخوانهم من بعدهم يعيشون على طيب شذاهم، يتنفسون عبيرهم الفوّاح، ويستأنسون به في دربهم المُعبّد بالمصاعب والدماء.

من بين هؤلاء.. الأخ (عبد الملك الداغستانى) أبو محمد -تقبله الله- من أرض داغستان الجريحة، منّ اللهُ تعالى عليه بنعمة الإسلام من بين عائلة ملحدة، وذلك قبل خمس سنوات من الآن، فيسّر اللهُ له سُبلَ الهداية إلى معتقد أهل السنة والجماعة (الفرقة الناجية)، فحسُن إسلامُه وعرِف فلزِم.


• سمع النداء فلبى

سمع كغيره من المسلمين بإقامة الخلافة الإسلامية واشتعال جذوة الجهاد فيها، فمكث سنوات عدة يبحث عن طريق للهجرة إلى ولاية من ولاياتها، حتى أكرمه الله تعالى بالنفير والالتحاق بإحدى سرايا المجاهدين التابعة لجند الخلافة بمصر.
ورغم حداثة إسلامه، لم يجلس أبو محمد يتابع أخبار المجاهدين عن بعد، عبر وسائل الإعلام المتنوعة والمحطات الفضائية، وهو قاعد في بيته متفرجا عليهم! بل جدّ وأخلص في البحث عن طريق يوصله إلى أرض الجهاد حتى أكرمه الله بذلك، فظفر أبو محمد بما كان يُحدّثُ به نفسه قبل "الهجرة والجهاد"، فصدق عليه قول القائل.


أجل تلك أحلامه الغاليات
تعهدها في ظلال السيوف
وميراثه أبدا شاهد
على صدقه في عراك الحتوف


وبعد جهد وتدبير وتوكل على الله ولطف منه وصل أخيرا إلى ثغر من ثغور الإسلام يرابط فيه ويقاتل أعداء الإسلام، وكم كانت فرحتُه كبيرة يوم أن استلم عدة القتال لأول مرة، بعد انتهاء فترة التدريب والمعسكر، فكان -تقبّله الله- يهتمّ بعتاده وسلاحه أشد الاهتمام، وما ذلك إلا لتعلق قلبه الشديد بالقتال والجهاد، فعتاده بالنسبة إليه هو أقرب الطرق وأقصرها إلى جنات النعيم (بإذن الله).

عُرف أبو محمد بعلو الهمة والنشاط، مجتهدٌ دؤوبٌ يتربص بالمرتدين وقطعانهم، ويتحين الفرصَ لاستهدافهم في كل مكان، ينطبق عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من خير مَعاش الناس لهم رجلٌ ممسكٌ عنانَ فرسِه في سبيل الله يطيرُ على متنه، كلَّما سمع هَيْعَةً أو فَزَعَةً طار عليه يبتغي القتلَ والموتَ مظانَّه....) "صحيح مسلم"، فخرج ذات مرة مع إخوانه في إحدى العمليات الأمنية ضد المرتدين، فكان مثالا للشجاعة والإقدام، غير هيّاب يطارد الموت في كل محفل.


• رحماء بينهم

كان أبو محمد -تقبله الله- يهتمّ كثيرا لحال إخوانه في القوقاز حريصا عليهم، وكان كثيرا ما يُلحُّ على أميره بأن يعلمه الفنون العسكرية وصناعة المتفجرات، لكي يعود إلى القوقاز ويقاتل الكفرة والمرتدين هناك.

وذات يوم شعر أبو محمد أنه أثقلَ على أميره، فذهب إليه -وكان ذلك قبل مقتله بيوم واحد- فخلا بأميره واعتذر منه وصارحه قائلا: (أخي أنا أعلم أني أثقلت عليك في طلب العودة للقتال في القوقاز، وأنا الآن أقول لك لن أرجع إلى القوقاز حتى نفتح مصر كاملة إن شاء الله).• مقتله أثناء صلاته

وفى ظهر اليوم التالي، جلس أخونا -تقبله الله- مع أميره وإخوانه يتذاكرون ويتحدثون حول مراتب الدين من إسلام وإيمان، ثم سأله الأخ (أبو محمد) كيف أصبحُ مؤمنا حقا؟ فأخذ الأخ الأمير يذكر له صفات الإيمان وخصاله، ويوصيه بتقوى الله تعالى في كل حركاته وسكناته، ليكون مستعدا للقاء الله في أي لحظة.

فجلس (أبو محمد) ما بين الظهر إلى العصر يستغفر ويسبّح ويذكر الله تعالى، وكأنه يستعد للقائه -سبحانه-، وبقي على حاله هذه حتى دخل وقت العصر، فقام أبو محمد وأذّن لصلاة العصر، وما هي إلا دقائق حتى قدمت قوة عسكرية لجيش الردة فدارت اشتباكات لساعات عدة بين المجاهدين والمرتدين، فما كان من المرتدين كعادتهم إلا أن استغاثوا بالطائرات لتخلّصهم من حصار المجاهدين لهم.

ومع قدوم الطائرات الحربية اضطر الإخوة ومعهم أبو محمد إلى الانحياز والانسحاب من المكان إلى حيث أراد الله لهم، حيث كان الأخ أبو محمد على موعد مع الشهادة هناك.

وأثناء سيرهم، سأل الأميرُ أبا محمد وقال له: (هل أنت جاهز الآن للشهادة)؟،فابتسم أبو محمد وقال: (نعم أخي منذ أن وعظتني وقت الظهر وأنا في توبة واستغفار وذكر لله تعالى)، ثم توقفوا لكي يصلّوا المغرب والعشاء، والطائرات فوقهم لم تفارق الأجواء، فبدأوا صلاتهم، وفجأة باغتهم صاروخ من طائرة وهم في صلاتهم، ليُقتل أبو محمد -تقبله الله- مع بعض إخوانه، ليكون آخر أعمالهم من الدنيا الصلاة لله تعالى، فرحم الله أبا (محمد الداغستانى)، ونعم الخاتمة التي نالها بالصدق والهمة، ليُقْتلَ مهاجرا مجاهدا مصليا، فلله دره وعلى الله أجره.

وإن في قصة أبي محمد -تقبله الله- عبرة لكثير ممن شغلوا أنفسهم بالعلم عن العمل! وأسَرُوا أنفسَهم في بطون الكتب ولم يتنسموا عبير الجهاد لحظة! فما عرف أبو محمد من دينه غير ما صحَ به توحيدُه وعبادته، فلزِم ما عرف وعمل بما علم، فجمع الله له بين الهجرة والجهاد والقتل في سبيل الله، -نحسبه والله حسيبه- إنها بركة الهجرة والاجتماع والاتباع.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 169
الخميس 9 جمادى الآخرة 1440 هـ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً