الكذب حياتي.. ولكن!!

منذ 2014-03-31

في يومٍ من الأيام قالت لي إحداهن: "إن الكذب هو حياتي؛ فإن تركتُه دمرتُ حياتي؛ أكذب لأفخر على أقراني وأتباهى بما ليس عندي، أكذب لأنال تزكية ودرجة لا يمكنني إحرازها إن صدقت، أكذب لأدفع عن نفسي عقاب والدي، أكذب لأبدو ظريفة عذبة الحديث، أكذب لأنتقم من (أعدائي)، باختصار شديد (أكذب لأعيش)"!!

(مدخل):

وَمَا شَيْءٌ إذَا فَكَّرْتَ فِيهِ *** بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوءَةِ وَالْجَمَالِ

مِنْ الْكَذِبِ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ *** وَأَبْعَدَ بِالْبَهَاءِ مِنْ الرِّجَالِ

الكذب.. هذا المرض الخطير الذي استشرى بين الناس لا سيما النساء منهم، وأصبح لا غنى عنه بين طيات الكلام. لقد استهانت كثير من النساء بخطورة الكذب وعواقبه الوخيمة، وغفلن عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» (رواه مسلم).

هذه هي العاقبة؛ إنها النار وما أدراكِ ما النار!! فيا زهرتي الندية.. ما الذي يدفعكِ إلى الكذب؟! أهناك ما يستحق أن تلقي بنفسكِ من أجله في النار؛ أن تكوني عند الله (كاذبة)؛ أن يُنادى عليكِ في الملأ الأعلى بـ(الكاذبة)؟!

في يومٍ من الأيام قالت لي إحداهن: "إن الكذب هو حياتي؛ فإن تركتُه دمرتُ حياتي؛ أكذب لأفخر على أقراني وأتباهى بما ليس عندي، أكذب لأنال تزكية ودرجة لا يمكنني إحرازها إن صدقت، أكذب لأدفع عن نفسي عقاب والدي، أكذب لأبدو ظريفة عذبة الحديث، أكذب لأنتقم من (أعدائي)، باختصار شديد (أكذب لأعيش)"!!

كان هذا هو كلامها وبكل بساطة!!

 

أما علمتِ يا غالية أن الكذب حرام ومن آيات النفاق؛ قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريم الكذب في الجملة وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب وإجماع الأمة منعقد على تحريمه مع النصوص المتظاهرة..."، ثم قال رحمه الله: "ويكفي في التنفير منه الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»".

 

أما علمتِ أن الكذب عار يستحي منه ذوو الفطر السليمة؛ ومن ذلك موقف أبي سفيان رضي الله عنه مع ملك الروم وذلك قبل أن يُسلم؛ حين سأله الملك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكذب على الرغم من عداوته للنبي صلى الله عليه وسلم؛ يقول أبو سفيان: "فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عَليَّ كذبًا لكذبت عنه"!!

فحريٌ بكِ أيتها المؤمنة يا مَن زانكِ الإسلام أن تبتعدي عن الكذب وتتجنبيه، وأن تُجملي ثغركِ البسام بالصدق. قال الجاحظ: "لَمْ يَكْذِبْ أَحَدٌ قَطُّ إلَّا لِصِغَرِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ. فالذي يكذب يحط من قدر نفسه ويجعلها في أسفل السافلين".

 

أما علمتِ أن الكذب لا يكون من المؤمنة الصادقة؛ «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانا ؟ قال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلا ؟ فقال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن كذابًا ؟ فقال: لا» (الراوي: صفوان بن سليم- المحدث: الألباني- المصدر: الذب الأحمد- الصفحة أو الرق: 43- خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح مرسل).

 

أما علمتِ أن الكذب مهلكة وأن الصدق منجاة؛ ومن ذلك قصة كعب بن مالِك رضي الله عنه حينما تخلَّف عن غزوة تبوك ولم يكن له عذر فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم أتاه كعب رضي الله عنه وقال: "يا رسول الله، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أُعطِيتُ جدلًا ولكني والله لقد علمتُ لئن حدثتُك اليوم حديثَ كذبٍ ترضى به عني ليوشكن الله أن يُسخطك عَليَّ، ولئن حدثتك حديثَ صدقٍ تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله"، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالحقيقة ولم يكذب، فأنجاه الله تعالى هو وصاحبيه وتاب عليهم، وجعل الباقي من المنافقين. فاغتبط كعب رضي الله عنه بذلك وقال: "والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا".

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لَأَنْ يَضَعَنِي الصِّدْقُ وَقَلَّمَا يَفْعَلُ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَرْفَعَنِي الْكَذِبُ وَقَلَّمَا يَفْعَلُ". وقال بعض الحكماء: "الصِّدْقُ مُنْجِيك وَإِنْ خِفْته، وَالْكَذِبُ مُرْدِيك وَإِنْ أَمِنْته".

 

يا ريحانة الدنيا.. إن الكذب لا يجوز حتى وإن كان المرء مازحًا. لقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك فقال: «ويل للذي يحدث بالحديث ليُضحِك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له» (الراوي: معاوية بن حيدة القشيري- المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الترغيب- الصفحة أو الرقم: 2944- خلاصة حكم المحدث: حسن).

وبشّر الذي يترك الكذب حتى في المزاح ببيت في وسط الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» (الراوي: أبو أمامة- المحدث: الألباني- المصدر: صحيح أبي داود- الصفحة أو الرقم: 4800- خلاصة حكم المحدث: حسن).

 

يا بهجة العمر.. إن الذي يعتاد الكذب لن يُصدقه الناس أبدًا.. وأنتِ بالطبع تعرفين قصة هذا الولد الذي كان يكذب دومًا ويدعي أنه سيغرق فلما أوشك على الغرق بالفعل ونادى في القوم أن أغيثوني لم يستجب له أحد؛ كما قال الشاعر:

كَذَبْتَ، وَمَنْ يَكْذِبْ فَـإِنَّ جَـزَاءَهُ *** إذَا مَا أَتَى بِالصِّدْقِ أنْ لا يُصَدَّقَا

إذَا عُرِفَ الكذَّابُ بالكِذْبِ لَمْ يَزَلْ *** لَدَى النَّاسِ كَذَّابًا، وَإن كانَ صادِقَا

ويؤول حاله فيصبح كما قال الماوردي رحمه الله في كتابه الماتع (أدب الدنيا والدين): "ثُمَّ إنَّهُ إنْ تَحَرَّى الصِّدْقَ اُتُّهِمَ، وَإِنْ جَانَبَ الْكَذِبَ كُذِّبَ، حَتَّى لَا يُعْتَقَدُ لَهُ حَدِيثٌ يُصَدَّقُ، وَلَا كَذِبٌ مُسْتَنْكَرٌ". والكذاب ينفر منه الناس ويبتعدوا فلا يبقى له صديق ولا خلٌ حميم؛ حتى قال بعضهم: "مَنْ قلَّ صدقه، قلَّ صديقه".

 

واعلمي يا مهجة القلب أنه ليس هناك كذب أبيض وآخر أسود؛ لكن الكذب يستوي بعضه ببعض، ولم يرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم الكذب إلا في ثلاث حالات فقط: في الحرب، والرجل يقول لزوجته (أي يتودد إليها)، وفي الإصلاح بين المتخاصمين.

فعوّدي لسانك يا ندية الروح قولَ الصدق ففي ذلك النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، ولا تكثري من الكلام وآثري الصمت فهو أفضل، قال بعض الحكماء: "الْخَرَسُ خَيْرٌ مِنْ الْكَذِبِ وَصِدْقُ اللِّسَانِ أَوَّلُ السَّعَادَةِ".

(مخرج):

حَسْبُ الْكَذُوبِ مِنْ الْبَلِيَّةِ *** بَعْضُ مَا يُحْكَى عَلَيْهِ

فَإِذَا سَمِعْتَ بِكِذْبَةٍ *** مِنْ غَيْرِهِ نُسِبَتْ إلَيْهِ