تنبيهات لما يقال في بعض المناسبات

منذ 2014-08-12

من المسلّمات لدى كل مسلم أن الله عز وجل خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، وأن لا نعبده إلا بما شرع، وهذا مفهوم قولنا: "لا إله إلا الله" والنبي عليه الصلاة والسلام تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك نعوذ بالله من الخذلان، وقد صحَّ عن أبي ذر رضي الله عنه قوله: "تركنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وما من طائر يُقلِّب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه عِلمًا".

الحمد لله الذي خلق فسوَّى والذي قدَّر فهدى، والصلاة والسلام على من أرسله بالهدى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى، وبعد:

من المسلّمات لدى كل مسلم أن الله عز وجل خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، وأن لا نعبده إلا بما شرع، وهذا مفهوم قولنا: "لا إله إلا الله" والنبي عليه الصلاة والسلام تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك نعوذ بالله من الخذلان، وقد صحَّ عن أبي ذر رضي الله عنه قوله: "تركنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وما من طائر يُقلِّب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه عِلمًا".

وأنا أتصفح موقع (فلسطينيو العراق) وما فيه من تعليقات للعديد من المناسبات -كوني مشرفًا عليه-، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي وتبادل التهاني والتبريكات والتعازي والمواساة، وجدت بعض الألفاظ التي فيها مخالفات بما تتضمنه من معاني، والبعض يذكر مقولات غير واردة ولم تؤثر أو وردت لكنها غير صحيحة، مع أن ديننا بفضل الله دين شامل متكامل قد حوى كل ما يحتاج إليه المسلم في عبادته وتعامله وسلوكه بل في حياته اليومية كلها.

عندما سأل يهودي الصحابي الجليل سلمان الفارسي قائلًا: قد علَّمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة قال، فقال: "أجل  لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيعٍ أو بعظم".

وربنا جل وعلا يقول: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك من الآية:2]، ولم يقل أكثر عملًا، إنما أراد مِنَّا ربّ العِزَّة العمل الحسن كما حثنا على القول الحسن، ولا يكون العمل حسنًا إلا إذا كانت النية صادقة والعمل أو القول موافقًا لشرع الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وعليه رأيت من واجبي أن أُبيِّن بعض المخالفات في هذه القضية وما هو الصواب أو القول والذكر والدعاء الذي ينبغي أن يقال في مثل هذه المناسبات.


سوف أقتصر بالكلام والتنبيه على ما يخص الأمور المدرجة أدناه:

ما يقال عند التعزية والمواساة بحالات الوفاة:

مَن مِنَّا لم يفقد عزيزًا أو صديقًا بل قريبًا أو مُحبًا، سيما في ظل ما تمرّ به العديد من الدول الإسلامية، من تنكيلٍ وقتلٍ وتشريٍد واضطهادات؛ في سوريا والعراق وفلسطين وأراكان وغيرها من بلاد المسلمين، فلا بُدَّ من أن يُصّبر بعضنا بعضًا ونواسي من حلّت بهم الفاجعة، لا سيما فراق الأحبة والخواص، فنجد الكثير اعتادوا في مثل هذه الحالة على ألفاظ قد لا يدرك الكثير معناها أو لوازمها أو مدلولها، مع أنه في الحقيقة التعزية لها أثر في النفس ووقع في القلب خصوصًا من محبٍ أو قريبٍ أو صديق، من تلك الألفاظ الشائعة والتي لا يجوز النطق بها "البقية في حياتك!".

من يقول هذا القول يظن أنه قد واسى ذوي الميت بأن يُخفِّف مُصابهم بإضافة ما تبقى من عمر الميت إليهم! وهذا فيه مخالفة بمعنى هذا القول ومؤداه ومضمونه، وهو أن الميت كان له بقية من عمر فأدعو الله أو أتمنى أن تكون هذه البقية لحياتك أنت، وهذا لا يجوز فكل إنسان له أجل ولا يمكن أن يأخذ أحد مِنَّا عمر غيره مهما بلغت قرابته أو منزلته فلا يجوز إذا أن نتلفظ بهذا اللفظ.

الأمر الآخر أن هنالك دعاء جامع جميل نافع مفيد علَّمنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نقوله لذوي الفقيد وهو: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مُسمّى فلتصبِر ولتحتسِب» (مُتفقٌ عليه)، فهذا هو الدعاء الوارد وفيه من المعاني العظيمة، التي من تأمَّلها وتفكَّر بها لوجد راحة وطمأنينة، إذ فيها الرضا التام بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابنا لم يكن ليُخطئنا وما أخطئنا لم يكن ليُصيبنا وأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.

ولا بأس لمن لم يحفظ هذا أن يقول بعض الأدعية والكلمات التي فيها من المواساة والتعزية المعاني التي تقع موقعها، على سبيل المثال: "أحسن الله عزائكم، نسأل الله لكم الصبر والأجر على هذه المصيبة، رحم الله ميتكم وغفر له، نتقدَّم بأحر التعازي لذوي الميت ونسأل الله لهم الصبر والسلوان، البقاء لله"... وغيرها من الألفاظ المشروعة، لكن الأولى التقيد بما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

ما يقال لمن تزوج بعقد أو بناء:

من الألفاظ والمصطلحات الشائعة التي تقال في حالات عقد النكاح أو حفل الزفاف هي: "بالرفاء والبنين أو بالرفاه والبنين"! وهذا من الأخطاء والأشياء التي يجب أن ننتبه لها، إذ يرجع أصل هذه العبارة إلى الجاهلية الذين كانوا يقتلون البنات ويدفنوهن وهن أحياء خشية العار، وقد ذكر الله فعلهم هذا وأنكره، لذلك معنى هذه الكلمات هو الدعاء للعروسين بحياة متناسقة فيها حب ووئام وكذلك الدعاء لهم بالبنين دون البنات!

وقد علمنا عليه الصلاة والسلام دعاء جميلا فيه من المعاني العظيمة للعروسين الشيء الكثير وهو أن نقول لمن تزوج: «بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير» (أخرجه الألباني في آداب الزفاف، ص: [102]، وقال: "صحيحٌ على شرط مسلم")، فهل هنالك أفضل وأحسن من البركة، التي هي أساس السعادة في الأعمال ودوام الحياة، فالعبرة ليست بكثرة المال والأولاد والجاه، فكم من زيجات بنيت على المال والترف والتظاهر بالسعادة من دون بركة فسرعان ما تنتهي، لكن عندما تكون الحياة الزوجية فيها بركة الرزق والطاعة والأولاد والوقت، تكون حياة مثمرة نافعة سعيدة.

وقد ضرب الله لنا مثلًا عمليًا بأن الخير لا ندري هل يكون في الذكور أو الإناث، فعندما تمنت والدة مريم بنت عمران أن يرزقها الله ذكرًا يقوم على رعاية بيت المقدس رزقها الله عز وجل مريم سيدة نساء العالمين حيث قال تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:35-36]، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ» (رواه البخاري في الأدب: [5995]).

ما يقال لمن رُزِق بمولود:

لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام شيئًا خاصًا بهذه المناسبة، إلا أنه قد ورد عن بعض السلف الصيغة التالية وهي عن الحسن البصري رحمه الله: "بارك الله لك في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره"، وإن ضعَّف نسبة هذه الصيغة بعض أهل العلم عن الحسن البصري رحمه الله، وكان أيوب رحمه الله أيضًا كما ثبت عنه بسندٍ صحيح أخرجه الإمام ابن عساكر في تاريخ دمشق يقول: "جعله الله مباركًا عليك، وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم".

لذلك ينبغي أن تكون الكلمات ذات دلالات نافعة، من حيث الدعاء بالذرية الصالحة وما ورد من أدعية عن بعض السلف الصالح، ويجب تجنب كل ما فيه مخالفة لأي من ثوابت الدين والعقيدة، ولا بأس باختيار كلمات لم ترد مع التنبه لما فيها من معاني.

لذلك على كل مسلم أن يتقيد ببعض الأذكار الواردة بخصوص كل مناسبة حتى ينطبق عليه قول ربنا جل وعلا: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب من الآية:35]، فهنالك ذكر خاص عند دخول المنزل وعند الخروج وعند دخول الحمام وعند الخروج، وعند الذهاب للمسجد والدخول والخروج، وعند المرض وزيارة المريض وأذكار الصباح والمساء، ودعاء الهمِّ والحزن وركوب السيارة ودعاء السفر وعند الصعود وعند النزول وعند رؤية الهلال وعند لبس الثوب ونزعه وعند الطعام، وهكذا فكل حركة وانتقال وتحوَّل فيه دعاء خاص ينبغي أن يقال كي يشملنا قول ربنا أعلاه، وننصح باقتناء كتيب صغير اسمه (حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة) فرغم صِغر حجمه إلا أنه نافع ومفيد جدًا.

ما يقال إذا نزل أحدنا منزلًا:

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إذا نزل أحدكم منزلًا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه» (رواه مسلمٌ وغيره)، فهنا دعاءٌ جامع لكل ما يحتاج إليه المسلم في تنقله، ومانع له من كل الأضرار والشرور بإذن الله، ومعنى ذلك ألتجأ إليك يا ربّ وأستعيذ من كل ما يتوقع منه شرّ في رحلتي أو مكاني هذا.

ولما كثُر التهجير والتشريد، لكثير من المسلمين بين المخيمات والدول، فإن من لوازم ذلك التنقل الذي لا بُدّ فيه من نزول ببعض الأماكن، كالاستراحات أو التجمعات أو مرورًا ببعض الدول والمناطق، فكم نحن بحاجةٍ لهذا الدعاء في كل ترحالنا وإقامتنا، فيشرع أيضًا لمن هو مُقيم في بلدٍ ما وأراد التنقل أو الذهاب لمدينة أخرى فعليه أن يستذكر هذا الدعاء أيضًا.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا جميعًا وأن يُعيذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يُعلِّمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علَّمنا وأن يزيدنا عِلمًا.
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.