أولادنا... وحب الله ورسوله
محبة الله سبحانه ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الغاية التي يسعى إلى تحقيقها كل من يريد السعادة في الدارين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحب عاطفة نبيلة تتواجد في القلوب الصافية، ومحبة الله هي الحصن الذي يحمي الإنسان من الوقوع في الزلل والمعاصي. ومن تربى على حب الله في صغره لا يمكن أن ينكس على أعقابه، ومهما وقع في الخطأ ومن منا لا يخطئ فإنه سيعود إلى الصواب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ...} [المائدة:54].
فالبعد عن حب الله يوقع في الخطأ وقد يودي إلى الإرتداد عن الدين والعياذ بالله .
ومحبة الله سبحانه ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الغاية التي يسعى إلى تحقيقها كل من يريد السعادة في الدارين .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « » (صحيح البخاري).
حب الله عزَّ وجلَّ:
من مظاهر حب الله أن نعلم مدى حب الله لعباده، ورد في الحديث القدسي أن الأرض في كل يوم تطلع فيه الشمس تقول: يا رب مرني أن أبتلع ابن آدم فقد أكل من رزقك ولم يشكرك حق الشكر، وتقول السماء يا رب مرني أن أطبق على ابن آدم فقد أكل من رزقك ولم يشكرك، وأن البحار تقول مثل ذلك... فيقول الله سبحانه: أأنتم خلقتموه؟ فيقولون: لا يا رب، فيقول سبحانه: لو خلقتموه لرحمتموه، دعوني وعبادي، من تاب منهم فأنا حبيبه، ومن جاءني تائبًا تلقيته من بعيد، ومن جاءني يمشي جئته هرولة...
هذه محبة الله لعباده، يبدل سيئاتهم حسنات، يرزقهم ويطلب منهم أن يعطوا مما رزقهم ليثيبهم في الآخرة..
والإيمان لا يكمل كما ذكرنا إلا بحب الله فكيف نصل إلى هذا الحب؟ وكيف نعلم أولادنا حب الله عز وجل
قد يظن ظان أن الله يحبه إذا كان قد وسع عليه في الرزق أو غير ذلك من نعيم الدنيا، لكن هذا ليس صحيحًا، فالتوسعة في المال أو العيال أو الجاه... قد يكون بسبب نقمة الله على عبده وخير دليل على ذلك إبليس الذي سأل ربه أن يؤخر عقابه إلى يوم القيامة فأجابه الله إلى ذلك.
كيف نعرف أننا نحب الله؟:
[1]- إن الله أمرنا بأوامر ونهانا عن نواهٍ فإذا اتبعنا ما أمرنا به وابتعدنا عما نهانا عنه برضى وإقبال عرفنا أننا مع الله.
[2]- إن الله يرضى من عبده إذا أكل أن يحمد الله عز وجل، فشكر النعم دليل محبتنا للمنعـِم.
[3]- من أحب شيئًا أكثر من ذكره، فكثرة الذكر توصل إلى التعلق بالله عز وجل.
كيف نجعل أطفالنا يحبون الله عز وجل؟
(الله معي، الله ناظري، الله شاهدي) ثلاث كلمات إذا استطعنا أن نوصلها إلى أبنائنا فقد ربيناهم على حب الله والتعلق به.
[1]- والطفل يحب أبويه وإخوانه والناس من حوله لأنه يراهم ويستمتع بإهتمامهم به، ويلمس محبتهم، وعلى الأم بشكل خاص أن تربط كل نعمة أو شيء جميل يناله بيتها بفضل الله سبحانه فالله معنا يحرسنا من كل مكروه، ويراقب أعمالنا، ويوجهنا بما أنزل في القرآن الكريم إلى طريق السعادة في الدارين...
[2]- القدوة الحسنة، فلا يكفي أن تلقن الأم أولادها مبادئ لا يرون تحققها فيها، والبيت الذي يقوم على طاعة الله في كل أمر يوجد مناخ الإيمان للأطفال، يرى الطفل أبويه يشكران الله على كل نعمة، ويؤديان ما فرض عليهما، يقرآن القرآن... فتنغرس هذه المبادئ في نفسه ويشب عليها.
[3]- من أساسيات حب الطفل لله عز وجل أن يعرف رحمة الله به، فإذا أخطأ فلا يجوز أن يقال له: أحرقك الله بالنار، بل يقال: هذا لا يرضي الله، وإذا عمل عملًا جيدًا يقال له: نسأل الله يرضى عنك.
هناك طفل وطفلة مات أبوهما، فسألا أمهما: أين بابا؟ قالت: أخذه الله. وبعد قليل سمعتهما يقولان: نحن لا نحب الله لأنه أخذ أبانا.
وطفلة صغيرة صلت مع أمها ثم سألتها: هل هذا يرضي الله؟
[4]- تربية الطفل على كتاب الله وحفظه بالتدرج ويبدأ هذا من السنة الثانية.
[5]- تعويد الطفل على سماع الأناشيد التي تبين قدرة الله تعالى وفقا للمرحلة العمرية (الله رب الخلق --- أمدنا بالرزق) وغير ذلك...
[6]- حث الأطفال على توفيرجزء من مصروفهم والتبرع به، فبذل المال يوصل بالله عز وجل.. وربط ذلك بما يخلفه الله عليه في الدنيا والآخرة.
[7]- مرافقة الأطفال في رحلة عمرة أو حج أو حتى إلى البَرّ ليروا قدرة الله تعالى، وهذا يرجع إلى ذكاء الأم وقدرتها على ربط الكون بفضل الله سبحانه.
[8]- توجيه الطفل نحو الصحبة الجيدة وإبعاده عن رفاق السوء.
[9]- تقويم لسان الطفل وتعويده على الكلام الطيب الطاهر.
هذه بعض الأساليب التي تربط الصغر بالله. وكل أم تستطيع أن تخترع من الأساليب ما يناسب أطفالها.
حب رسول الله صلى الله عليه وسلم
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ...} [آل عمران:31]
لا يتم إيمان المرء إلا بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا باتباعه فيما أمر به، والابتعاد عما نهى عنه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ} [النجم:3-4].
وإن كنا سألنا لماذا نحب الله؟، وأجبنا: لأنه خالقنا والمنعم علينا والرحيم بنا... ولأنه أهلٌ للعبادة فلنا أن نسأل لماذا يجب أن نحب رسول الله أكثر من أنفسنا وأهلنا ومالنا، حتى يتم إيماننا، قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أحبك أكثر من أهلي ومالي ولكن ليس من نفسي، فالتزمه رسول الله من تلابيبه، وقال: بل من نفسك يا عمر، بل من نفسك ياعمر. فقال عمر: الآن يا رسول الله. قال الآن يا عمر (أي الآن كمل إيمانك يا عمر) فعن طريقه عرفنا الله واحببناه فأحبنا وأكرمنا وأدخلنا في رحمته بفضل منه ورضوان.
عمر هذا قال مرة: والله إن إسلام العباس لأحب إليَّ من إسلام الخطاب: قيل له ولم؟ قال: إسلام أبي يفرحني، ولكن إسلام العباس بفرح رسول الله، وفرح رسول الله أحب إلي من فرحي.
إن معرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم واهتمامه بأمته صغيرهم وكبيرهم، سيدهم وعوامهم، تبين رحمته بنا {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:28]. هو الشفيع يوم القيامة يوم يترك كل الأنبياء والرسل الشفاعة ويقولون نفسي نفسي، إلا رسول الله يسجد أمام العرش ويقول: أمتي أمتي.. ولا يرفع رأسه إلا وقد أعطي الشفاعة والوعد ألا يخلد في النار من قال مرة واحدة بصدق (لا إله إلا الله)..
وكتب السيرة مليئة بالمواقف التي تشير إلى حب رسول الله أمته، وكذلك حب الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. من هذه المواقف التي لا تنسى مواقف أبي بكر في الدفاع عن رسول الله وتلقي أذى المشركين، وصدهم عنه صلى الله عليه وسلم، وموقفه في غار ثور يوم الهجرة إذ كان يسد الثغرات في الغار بقدميه لئلا تأتي عقرب أو حية فتلدغ رسول الله، وكان أن لدغته الحية لكنه لم يحرك ساكنًا..
وللمرأة دور في التعبير عن حب رسول الله، فهذه الأنصارية التي نعي إليها زوجها وأخوها وأبوها، ولكنها كان تسأل: فماذا فعل رسول الله؟ فلما أخبرت أنه بخير، قالت: كل مصيبة بعدك جلل (هينة) يا رسول الله.
وواجب المسلم أن يطّلع على هذه السيرة ليعرف هذه الشخصية العظيمة فيتعلق بها ويحبها ليكمل إيمانه.
ماذا نعمل ليكون رسول الله أحب إلينا من كل شيء؟
[1]- اتباع سنته والإكثار من النوافل.
[2]- دراسة سيرته والتأسي بها.
[3]- الدفاع عنه أمام الكفرة والمتطاولين عليه، ومقاطعة البضائع التي تأتي من البلدان التي يساء فيها إلى شخص رسول الله أو أحد من آل بيته أو أمهات المؤمنين..
هذا غيض من فيض والمتتبع يتأسّى ويمتثل.
كيف نعوّد أولادنا على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يترك رسول الله صغيرة ولا كبيرة في حياتنا اليومية إلا وذكر فيها دعاء، من الطعام إلى الشراب إلى لبس الثياب وخلعها إلى الخروج من البيت والدخول فيه، السلام على الناس وكيفيته، بل حتى دخول الحمام والخروج منه، وواجب الأم خاصة تربية أطفالها على ذكر هذه الأدعية.
قراءة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أكثر ما كتب بما يناسب كل المراحل العمرية، فقراءة قصة ما قبل النوم أمر ضروري للطفل، وحتى لا نقرأ له الخرافات ونتعب خياله، علينا أن نلجأ إلى سيرة رسول الله وسيرة أصحابه رضوان الله عليهم ومدى حبهم رسول الله (قصة أبي أيوب الأنصاري يوم نزل عنده رسول الله وسكن الطابق الأسفل..).
الحديث يطول ولا يستطيع مقال أو محاضرة أن يوفيه حقه، لكنها علامات ونقاط تهدي إلى الطريق الذي يثبت إيماننا.
اللهم إنا أحببناك حبًّا ملك علينا قلوبنا حتى سهل علينا الرضى بقضائك وشكر نعمائك فارض عنا وشفع حبيبنا فينا يوم القيامة.
إلهام صبري
- التصنيف:
- المصدر: