بدع نهاية العام وبدايته

منذ 2014-10-20

عامٌ هجري قارب على الانتهاء، وعامٌ جديد أوشكَ على البدء.. وبين هذا وذاك تنتشر الكثير من البدع بين الناس؛ حيث يخصون أيام نهاية العام وبدايته بعبادات وعادات ما أنزل الله بها من سلطان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

عامٌ هجري قارب على الانتهاء، وعامٌ جديد أوشكَ على البدء.. وبين هذا وذاك تنتشر الكثير من البدع بين الناس؛ حيث يخصون أيام نهاية العام وبدايته بعبادات وعادات ما أنزل الله بها من سلطان، مبتدعين في دين الله تعالى ما ليس فيه، ضاربين بعرض الحائط حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرِنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌ» (متفقٌ عليه)، متناسين قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3].

 

ومن هذه البدع التي استحدثها الناس:

- تخصيص آخر جمعة في السنة بالعبادة وكثرة الصلاة والذكر والدعاء.

- حث الناس على التوبة على اعتبار أن الصحف تطوى وترفع آخر العام، وهذا غير صحيح لأن الأعمال ترفع في شهر شعبان (1).

- تخصيص آخر يوم في العام بالصيام، وكذا صيام أول يوم في العام بنية أنه كمن صام العام كله.

- الحرص على أداء صلاة فجر آخر يوم في العام وأول يوم فيه مع التهاون في أدائهما بقية الأيام.

- لبس الثياب البيض، وشرب الحليب، وأكل (الأرز بالحليب) في بداية العام الهجري رجاء أن يكون عامهم أبيض خالٍ من المصائب!!

- الاحتفال والتهنئة ببداية العام الهجري الجديد، وهذا مما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام؛ بل هو من استحداث الدولة العبيدية.

وغير ذلك كثير مما يفعله الناس جهلًا وابتداعًا.

 

ويمكن تعريف البدعة بذلك على أنها "طريقة في الدّين مخترعة تضاهي الشّرعيّة يقصد بالسّلوك عليها المبالغة في التّعبّد للّه سبحانه" (2)؛ لأن أصحاب هذه البدع يقومون بفعل أشياء وعبادات يظنون أنهم بفعلهم لها في هذه الأوقات يتقربون من الله سبحانه وتعالى؛ لكنهم وللأسف يأثمون ولا يؤجرون ذلك لأنهم يفعلونها دون دليل من كتابٍ أو سنة، "وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ الْحَسَنَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا أَمْرَ إيجَابٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ فَهُوَ ضَالٌّ مُتَّبِعٌ لِلشَّيْطَانِ وَسَبِيلُهُ مِنْ سَبِيلِ الشَّيْطَانِ" (3).

ولا شك أن ظهور البدع في الأمة وبين الناس يرجع إلى العديد من الأسباب؛ وإن من أهم تلك الأسباب: قلة العلم، وكثرة الجهل، والابتعاد عن السنة؛ فإنه كلما ماتت سنة واندثرت.. حلت مكانها بدعة وانتشرت، وصدق ابن عباس رضي الله عنهما عندما قال: "ما أتى على الناس عام إلاَّ أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن" (4). وقال ابن القيم رحمه الله: "القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السّنن" (5)؛ فإنه لا تجتمع بدعة وسنة في قلبٍ واحد.

وكذلك من أسباب انتشار تلك البدع: "التصميم على اتباع العوائد وإن فسدت أو كانت مخالفة للحق" (6) وهو اتباع الناس للعادات والتقاليد والإصرار على الإتيان بها وكأنهم يقولون بلسان حالهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23]. والله سبحانه وتعالى يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]. فالعبادات توقيفية؛ بمعنى أنه لا يجوز التعبد إلا بما شرعه الله ورسوله، لا بما كان من عادات الناس وأهوائهم؛ لأن "العبادات مبناها على الشّرع والاتّباع، لا على الهوى والابتداع" (7).

وواجب العلماء وأهل العلم في هذا الشأن أن يبادروا لبيان تلك البدع المستحدثة وإنكارها، وتحذير الناس من القيام بها أو اعتقادها. ولنعلم جميعًا أن البدع هذه من مداخل الشيطان للإنسان، ومن شأنها إحباط العمل وضلال الطريق؛ فإن "العبد لا يصل إلى اللّه إلّا بموافقة حبيبه صلّى اللّه عليه وسلّم في شرائعه، ومن جعل الطّريق إلى الوصول في غير الاقتداء يضلّ من حيث يظنّ أنّه مهتد" (8).

وفقني الله وإياكم إلى العمل بالسنة واجتناب البدعة.

-----------------------
(1) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان, وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» (رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة، وحسنه الألباني) .
(2) الاعتصام للشاطبي.
(3) مجموع الفتاوى لابن تيمية.
(4) المعجم الكبير للطبراني، وسنده صحيح ورجاله ثقات.
(5) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم (1/213).
(6) الاعتصام للشاطبي.
(7) مجموع الفتاوى لابن تيمية.
(8) قولة لأبي الحسن الوراق- الاعتصام للشاطبي.