تذكير بالفرض المنسي

منذ 2014-11-01

حال الأمة اليوم فحال لا يرضي عدواً ولا حبيباً، فبدل أن يعكف الناس على دراسة أمور دينهم، وما ينفعهم عند ربهم يوم القيامة، نراهم ركنوا إلى الدنيا ورضوا بها سكناً ومستقراً، والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7-8]، ألهتهم الدنيا بكل زخرفها وبهرجتها وزينتها، فانكب الناس عليها بيعاً وشراءً، وشهوة ورغبة، تمر بجانب آلات الصرف الآلي وترى المسلمين صفوفاً حولها، كل يريد أن يسحب مبلغاً من المال، وربما الآذان يؤذن: "الله أكبر، حي على الصلاة، حي على الفلاح"، وكأن ذلك لا يعنيهم بحال

نختلف.. نتشابك، نتخاصم.. ثم نتباغض، كلٌ معجب برأيه ومصر عليه! هكذا نحن في تناولنا لمعظم شئوننا
والسبب بكل وضوح هو غياب فرض آكد، ومن تركه آثم، هو العلم..

لو بنينا تصوراتنا على علم مسبق لما حدث ما يحدث، ولو بدأنا أول الطريق من الاتجاه الصحيح وسلكنا الطريق المطلوب لما تعبنا وأتعبنا من حولنا، ولكن وللأسف الجهل سيد الموقف في كثيرمن الأحيان.. حتى أصبح الشاب الصغير قليل العلم يتطاول على علماء الأمة بسبب رؤيته المختلفة المبنية على جهل وتسرع.

والحل؟
البداية من هنا:
أخرج ابن ماجة في الحديث الصحيح، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم».

قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "كل عمل كان عليك فرضاً فطلب علمه فرض، وما لم يكن العمل به عليك فرضاً فليس طلب علمه عليك بواجب"، قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].

هناك فرض واجب من العلم يأثم المسلم بتركه..
قال ابن عبد البر رحمه الله: "قد أجمع العلماء على من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته نفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع".

ولزيادة التوضيح وبيان الفرق إليك ما يلي:
أقسام طلب العلم (1): طلب العلم ينقسم إلى قسمين:

الأول: فرض على الأعيان:
أي واجب على كل مسلم، ومن لم يتعلمه فهو آثم، كأحكام الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وبر الوالدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعرفة حق الله تعالى على عباده وحقهم عليه سبحانه، ومعرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وركناها وشروطها ونواقضها، وكذلك مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله، كل ذلك من العلم الضروري الذي يجب على المسلم تعلمه ومعرفته، ولا يسعه الجهل به البتة، فإن لم يتعلمه فهو عاص آثم معرض للعقوبة، ولما علم الصحابة رضي الله عنهم هذا المعنى العظيم، عكفوا على كتاب الله تعالى حفظاً وتعلماً وتعليماً، فلم يتجاوزوا عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من أحكام وأوامر ونواهي وحلال وحرام.. ذلك كان دأب السلف الصالح رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين.

أما حال الأمة اليوم فحال لا يرضي عدواً ولا حبيباً، فبدل أن يعكف الناس على دراسة أمور دينهم، وما ينفعهم عند ربهم يوم القيامة، نراهم ركنوا إلى الدنيا ورضوا بها سكناً ومستقراً، والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7-8].

ألهتهم الدنيا بكل زخرفها وبهرجتها وزينتها، فانكب الناس عليها بيعاً وشراءً، وشهوة ورغبة، تمر بجانب آلات الصرف الآلي وترى المسلمين صفوفاً حولها، كل يريد أن يسحب مبلغاً من المال، وربما الآذان يؤذن: "الله أكبر، حي على الصلاة، حي على الفلاح"، وكأن ذلك لا يعنيهم بحال، بل والله لقد مررت مرات ومرات وأنا ذاهب إلى الجامع للصلاة، والمساجد تصلي، والأئمة يقرءون وكثير من الناس حول آلات الصراف، تفوتهم الصلاة لا يهمهم ذلك، ولكن لا يمكن أن يفوتهم استعمال الصراف، وأخذ ما يخرج منها من وسخ الدنيا من الأموال، سبحان الله كيف اشتروا الضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة، فما أصبرهم على النار.

الثاني: فرض على الكفاية:
وهو الذي لا يجب على جميع أفراد الأمة، بل إذا قام به البعض سقط عن الباقين، كتحصيل الحقوق، وإقامة الحدود، ومعرفة دقائق الأحكام في مسائل النكاح والطلاق والبيوع والقضاء وأمثال ذلك، مما لا يسع جميع الناس معرفته والتوصل إليه، لأنه ربما ضاعت أحوال الناس، ونقصت معايشهم، وتعطلت مصالحهم، فلا بد من تفريغ البعض للقيام بمهمة طلب هذا العلم.

قال ابن عبد البر رحمه الله: "قد أجمع العلماء على من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته نفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع، والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك، ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه، نحو الشهادتين بالسان، والإقرار بالقلب، بأن الله وحده لا شريك له، ولا شبه له، ولا مثل له، لم يلد، ولم يولد، ولك يكن له كفواً أحد، خالق كل شيء، وإليه يرجع كل شيء، المحيي المميت الحي الذي لا يموت، عالم الغيب والشهادة، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، والذي عليه جماعة أهل السنة والجماعة، أنه لم يزل بصفاته وأسمائه، ليس لأوليته ابتداء، وليس لآخريته انقضاء، وهو على العرش استوى..

والشهادة بأن محمداً عبده ورسوله، وخاتم أنبيائه حق، وأن البعث بعد الموت حق، للمجازاة بالأعمال، والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة، ولأهل الشقاوة والكفر والجحود في السعير حق، وأن القرآن كلام الله، وما فيه حق من عند الله، يلزم الإيمان بجميعه، واستعمال محكمه، وأن الصلوات الخمس فريضة، ويلزمه من علمها علم ما لا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها" (جامع بيان العلم وفضله:1/56).

كثير من الناس اليوم لا يعرف أحكام الطهارة ولا التيمم، ولا المسح على الخفين، وتخفى اليوم على الناس أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة، وأحكام الصيام والحج والعمرة، والزكاة، وأحكام النكاح والطلاق، وهي أحكام مهمة جداً تتعلق بالحرام والحلال، ومع ذلك نجد أن هناك عزوفاً من جماهير المسلمين عن حضور الدروس العلمية، والمحاضرات، والخطب، أو حتى سماع ذلك عبر الأشرطة، أو اقتناء الكتب والفتاوى التي تهم المسلم في يومه وليلته، وتهمه في دينه ودنياه، وهذا من الطلب الواجب المفروض على كل مسلم تعلمه حتى لا يقع فيما حرم الله عليه ويتعذر بالجهل، فليس اليوم هناك جهل، مع التقدم العلمي، وإيصال المعلومة بأبسط شكل وأسهله، وأقل وقت وأقصره..

فهناك الإنترنت، والقنوات الفضائية العلمية التي تُعنى بهذا المجال، ووسائل الاتصال الأخرى كالهاتف والرسائل، فليس هناك عذر لمسلم بأنه جاهل، أو أنه لا يعرف حكم مسألة من المسائل التي يقوم عليها دينه، كيف وقد أمره الله تعالى أن يتعلم العلم الموصل لرضى ربه سبحانه، وهذا حديث لو تدبره الناس لعملوا به ولما تجاوزوه، لما يحتويه من حب الله تعالى للعلم وأهله، ولعنه لما سوى ذلك من الأعمال المذمومة التي لا تنفع صاحبها عند ربه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً» (أخرجه الترمذي وحسنه، وابن ماجة، والبيهقي، وحسنه الألباني).

-------------------------
(1) بحث وجوب طلب العلم: يحيى بن موسى الزهراني. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.