الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف - (10) إجحاف غير لائق

منذ 2015-01-23

يجب على المسلم حيال أخيه المسلم المرتكب لهذه البدعة "بدعة المولد" أن يعلمه حكمها الشرعي، ثم يأمره برفق أن يتركها مبينا له أنه لا فائدة يجنيها منها لأنها بدعة وكل بدعة ضلالة، والضلالة غير الهداية، وإن أبى نهاه برفق كذلك ولا يكثر عليه من التشنيع والتقبيح لفعله كيلا يحمله على العناد والمكابرة، فيهلك، ويهلك معه.

إجحاف غير لائق

 

إن مما ينبغي أن يعلم ويقال أيضا تمشيا مع مبدأ الإنصاف من النفس[1] أن أكثر الذين يقيمون حفلات المولد النبوي الشريف من المسلمين إنما يقيمونها حبا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب الرسول دين وإيمان، وحب من يحب الرسول واجب، فلذا لا يصح من المسلم ولا ينبغي له أن يبغض أخاه المسلم لفعله بدعة كهذه قد وجد أكثر الناس في بلاده وفي العالم الإسلامي يفعلونها، ولم يحمله عليها، ولا دفعه إليها غالبا إلا عاطفة الحب لنبيه صلى الله عليه وسلم والرغبة في التقرب إلى الله تعالى بذلك، وإلا كان ذلك إجحافا غير لائق بمثله.

وكما لا يصح أن يبغضه لا يصح أيضا أن يصفه بالشرك والكفر لمجرد احتفاله بالمولد أو إتيانه الحفل إن دُعِيَ إليه فإن مثل هذه البدعة لا تكفر فاعلها ولا من يحضرها ووصم المسلم بالكفر والشرك أمر غير هين، وقد تقدمت الأحاديث في ذلك[2]، فلا غلو أيها المسلم ولا إجحاف ولكن العدل والإنصاف، وإلا لعن بعضنا بعضا وخسرنا وجودنا كأمة تهدي بالحق وبه تعدل.

إن كل ما يجب على المسلم حيال أخيه المسلم المرتكب لهذه البدعة "بدعة المولد" أن يعلمه حكمها الشرعي، ثم يأمره برفق أن يتركها مبينا له أنه لا فائدة يجنيها منها لأنها بدعة وكل بدعة ضلالة، والضلالة غير الهداية، وإن أبى نهاه برفق كذلك ولا يكثر عليه من التشنيع والتقبيح لفعله كيلا يحمله على العناد والمكابرة، فيهلك، ويهلك معه لتسببه في إهلاكه. ويومئذ يخسران معا، إن المواجهة بالمكروه كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحاشاها، ويقول: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ويريدون أن يفعلوا كذا وكذا»[3]؛ لأن الطبع البشري هكذا لا يتحمل المواجهة بالمكروه، حتى ولو كان أتى المكروه وفعله، ورحم الله تعالى الإمام الشافعي إذ أثر عنه قوله: "من نصح أخاه سرا فقد نصحه، ومن نصحه علنا فقد فضحه".

هذا كله فيما إذا كانت البدعة المنهي عنها ليس فيها من أعمال الشرك وأقواله شيء، وذلك كدعاء غير الله تعالى أو الاستغاثة به وكذبح لغيره عز وجل أو قيام في خشوع من مظاهر العبادة لغير الله تعالى، وإنما هي إظهار الفرح بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وإطعام الطعام شكرا لله تعالى على نعمة الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، أو قراءة شيء من السيرة النبوية أو سماع بعض المدائح الخالية ألفاظها من الشرك والغلو في المدح ولا اختلاط فيها بين النساء والرجال ولا وجود منكر، ولا ترك معروف كترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها.

أما إذا صاحب هذه البدعة شيء من الشرك في الأقوال أو الأفعال أو داخلها باطل أو فساد فإن على المسلم المنكر لها أن يشدد في الإنكار، ولا بأس أن يغلظ في القول بحسب المنكر الموجود قوة وضعفا وعليه أن يطالب في إصرار بترك المنكر من شرك وغيره من المعاصي المحرمة، ولو أدى ذلك إلى مقاطعة فاعله وهجرانه فقد كان السلف الصالح إذا رأى أحدهم أخاه يأتي منكرا أنكره عليه فإن أصر عليه هجره حتى يتركه، وإن كان هناك فارق بيننا وبينهم، وهو أن المقاطعة اليوم لا تنفع لأنها لا تكون كاملة بحيث تؤثر على الأخ المقاطع ولذا فترك الهجران مع بقاء دعوة الأخ ومراوضته على فعل ما ترك من الواجب، أو ترك ما ارتكب من الحرام أجدى وأنفع.

وخلاصة القول في هذا أن بدعة المولد كثيرا ما تكون خالية من أفعال الشرك وأقواله، ومن فعل المحرمات ففي هذه الحال ينكرها المسلم على إخوانه برفق ولين بعد تعليمهم حكمها الشرعي وترغيبهم في ترك البدع مطلقا. لأنهم ما فعلوها إلا بدافع الإيمان والرغبة في الأجر فيراعى مقاصد الناس وبواعث أعمالهم وهذا من الحكمة المأمور بها المسلم في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.

أما في حال وجود شرك أو باطل أو فساد أو شر مصاحب لهذه البدعة فإن الإنكار يكون بحسبه شدة ويسرا قوة وضعفا، وليكن الرائد في ذلك والحامل عليه أداء حق الله تعالى وواجب نصح المسلمين ومساعدتهم على الاستقامة على دينهم ليكملوا ويسعدوا في الدنيا والآخرة.

والله من وراء القصد وهو المستعان وعليه وحده التكلان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جاء هذا في حديث عمار بن ياسر في كتاب الإيمان من صحيح البخاري نصه قال عمار: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من إقتار. ظاهر هذا الحديث الوقف غير أنه روي مرفوعا.

(2) تحت عنوان غلو شائن.

(3) (البخاري (النكاح [4776])، مسلم (النكاح [1401])، النسائي (النكاح [3217])، أحمد [3/285]).

 

كتاب الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف

تأليـف / فضيلـة الشيـخ أبي بكر جابر الجزائري

أبو بكر جابر الجزائري

مدرس بالمسجد النبوي وعضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية سابقا

المقال السابق
(9) غلو في المولد شائن
المقال التالي
(11) الخاتمة