متى نخوف الناس؟
ويمضي رحمه الله قائلاً: بل ينبغي للإنسان الشديدِ الخوفِ من الله تعالى، الكثير الذكر للآخرة، أن يُشاغل نفسَه عن ذكر الموت، ليمتدَّ نَفسُ أملِه قليلاً، فيؤلّفَ الكتب، ويعملَ أعمال الخير. فأما إذا أدامَ ذكرَ الموت كانتْ مفسدتهُ عليه أكثرَ من مصلحته. ألم تسمع أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سابق عائشة رضي الله عنها مرةً فسبقتْه، وسابقها مرةً أخرى فسبقَها، وكان يخرجُ ويُشاغل نفسَه؟.
قال الإمام أبو الفرج بن الجوزي المتوفى عام 597هـ رحمه الله تعالى، في كتابه (صيد الخاطر)، ما معناه:
إنّ أصلحَ الأمور الاعتدالُ في كلّ شيء، فإذا رأينا (والضمير هنا يعود فيما يبدو لي على العلماء الشرعيين)، أربابَ الدنيا، المتعلِّقين بها، قد غلبتْ آمالُهم، وفسدتْ في الخير أعمالُهم، ونسُوا لقاءَ الله، وجَرأهم ذلك على الوقوعِ في المخالفات الشرعية، أمرناهم بذكر الموت، والقبور، والآخرة. فأما إذا كان الإنسانُ لا يغيب عنه ذكرُ الموت، وأحاديثُ الآخرة، فتَذْكارُه الموتَ زيادةً على ذلك لا يُفيد إلا انقطاعَه عن العمل بالكُليّة، (أي: أن يصاب بمرض نفسي كالاكتئاب).
ويمضي رحمه الله قائلاً: بل ينبغي للإنسان الشديدِ الخوفِ من الله تعالى، الكثير الذكر للآخرة، أن يُشاغل نفسَه عن ذكر الموت، ليمتدَّ نَفسُ أملِه قليلاً، فيؤلّفَ الكتب، ويعملَ أعمال الخير. فأما إذا أدامَ ذكرَ الموت كانتْ مفسدتهُ عليه أكثرَ من مصلحته. ألم تسمع أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سابق عائشة رضي الله عنها مرةً فسبقتْه، وسابقها مرةً أخرى فسبقَها، وكان يخرجُ ويُشاغل نفسَه؟.
إنّ رؤيةَ الحقائق على حقيقتها باستمرارٍ تفسدُ البدنَ وتُزعج النفسَ (أي: توقع في الأمراض العضوية والنفسية).
وقد رُوي عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، أنه سأل الله تعالى أن يَفتحَ عليه بابَ الخوف، ففُتح عليه، فخاف على عقله فسألَ الله أن يردَّ ذلك عنه.
فتأمَّلْ هذا الأصلَ؛ فإنه لا بُدَّ من مُغالطة النفس (إذا طغى عليها الخوف طُغياناً أخلَّ بالتوازن المطلوب لتحقيق المقصود من إصلاح الأرض وإعمارها)، ففي هذه المغالطة صلاحُها.
انتهى كلامُه رحمه الله بشيءٍ من التصرف.
ويحضرني في هذا المقام الحديثُ الشريف الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه رحمهما الله، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ».
قال ابن الأثير رحمه الله في شرح الحديث: "نفّستَ عن المريض: إذا مَنّيتَه طولَ الأجل، وسألتَ اللهَ له أن يُطيل عُمُرَه".
إن الاعتدال والتوازن مطلوبان، والحكمة وضع الشيء في موضعه.
حضرتُ حفل زواجٍ، فطُلب إلى أحد الشباب الناشئين من طُلاب العلمِ الشرعي أن يلقي كلمة فتحدّث عن أهوال يوم القيامة، فانصرفت لما وُضع الطعام، ولم أذقْ منه لقمة!
وحدثني أحدهم أنه كان في مجلس عقدِ نكاحٍ، فلما تمَّ الإيجاب والقبول، والتهنئة للشابِّ، وأبويه، وذويهم، طُلب من أحد الحاضرين أصحاب الصوت الجميل بالقرآن أن يقرأ لهم شيئاً من الذكر الحكيم، فقرأ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة من الآية:229]! ومع أنيّ أشكُّ في هذه الرواية، إلا أنني أستفيد من مغزاها.
إنني أعتقد من تجربتي الشخصية: طفلاً، وطالباً، ومعلِّماً أنّ الأطفالَ، وتلاميذَ المرحلتين: الابتدائية والمتوسّطة، ينبغي أن يُدفعوا: بالمحبة، والرغبة، والرجاء، والأمل، إلى العمل المطلوب منهم، ثم تُعطى لهم جرعات الخوف والترهيب بالتدريج حتى يحصل التوازن المطلوب. والله تعالى أعلم.
أحمد البراء الأميري
دكتوراة في الدراسات الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود.
- التصنيف:
- المصدر: