نوستالجيا (مارجريت) - نوستالجيا (مارجريت) (1)

منذ 2015-02-14

كنتِ قد ارتضيتِ بحماقتك المعهودة أن أتعب أنا من كلّ شيء وتتعبي أنت منّي فقط! كنتِ ما زلت فتاة تلهو لا تعرف في الحبّ همّا يشقيها أن تصير امرأة! وتحسبين الحبّ وحده يصنع المعجزات.

ليلة كئيبة كقلب سفّاح قضتها وهي تسعى أشواطًا بين غرفة الأطفال، تطمئنّ لكون الغطاء الدّافئ لم يستغلّ غيابها لينسلّ عن أقدامهم وجنوبهم ليسلمها فريسة لقضمة البرد، وبين الشّرفة تصافح بوجهها الزّمهرير وتنظر للأفق بعينين من زجاج تنتظرني أن أعود.

وعاد (جودو) على خلاف العادة..
عدتُ في صلف ووجهي لا يحمل انفعالاً من أيّ نوع، عدتُ لأخبرها أنّني فعلتها، عدتُ وأنا أعرف الرّحلة المجنونة من التساؤلات الّتي سأخوض غمارها غير عابئ، لطالما كنتُ مقتنعًا دومًا مع هامش شكّ أنّكِ حمقاء يا (مارجريت)، ولطالما أخبرتك بهذا وأنت ترفعين حاجبيك في لا مبالاة حقيقيّة تزيدك سحرًا وتألقًا وتوهّجًا، لكن هذا أوان أيقنت أنّك مجنونة فعلا!

ولطالما كان جوابي عن أكثر أسئلة العشّاق حماقة: "لماذا تحبّني؟!"
هو: لأنّني سئمت المدّعين للذّكاء والمتصنّعين للمثاليّة، وأنت فوق كونك ساذجةً راضيةٌ بما أنت عليه، هذه فعلاً هي البراءة الأصليّة واستصحاب العدم الأصليّ.

كنت تبتسمين حينها في رضا عن الكون وعن هذه الهرطقات الّتي أقول، وتعتبرينها غزَلاً برغم أنفي، ضاربة عرض الحائط في عدم اكتراث تامّ، واعٍ بمباني الألفاظ ومعاني اللّغة وأساليب العرب واليونان في المخاطبة، لماذا تصنعين هذا بي؟!

إنّ التّضحية من أجلي هي أسوأ مظاهر العداء بالنّسبة إليّ، إنّها أبشع التّعبيرات عن الأثرة –الأنانيّة-.
وأنت تتجاوزين يومًا بعد يوم هذا المفهوم لتصوغي عشر سنين من التّضحية ثلاثيّة الأبعاد بلا مقابل!
كنتِ قد ارتضيتِ بحماقتك المعهودة أن أتعب أنا من كلّ شيء وتتعبي أنت منّي فقط!

كنتِ ما زلت فتاة تلهو لا تعرف في الحبّ همّا يشقيها أن تصير امرأة! وتحسبين الحبّ وحده يصنع المعجزات.
وكنتُ أنا أدخل الحياة الحقيقيّة بالسّبر والتّقسيم، كأنّما أتأبّط التّملّك أو الكينونة (لإيريك فروم)، وقد قلت لك بلهجة تقريريّة كالّتي يستعملها السّيسيّ -عجّل الله به نقمته وكفّ بغيه-، وهو يقول: "انتم مش عارفين أنّكم نور عينينا ولّا إيه؟!".

كنت أنا أقول:
- إن أمكنك أن تقبلي رجلاً لا يغريه شيئًا، ولا يرضيه شيئًا، انتقائيًّا ذا ذوقٍ نادر ومقاييس معقّدة، وأن تقنعي بقليل استقرار وقليل حرّيّة، وقليل مال وقليل منّي وكثير أمومة، مع احتفاظك ببساطة تفاصيلك، فمرحبا!

وانتبهت لكوني أقرب لمن يساوم في صفقة شراء ردّاخ إلكترونيّ، مع استعمال أعقد صيغ الخطاب منّي لطالب زواج، فقلت أحاول تلطيف الجوّ بإضفاء بعض الرّومنطيقيّة على التّعابير..

- أعدك أن تكوني ملكة يجلّها الشّعب، ويحبّها الملك ويخلّد التّاريخ اسمها، وأن تكوني معي جارية بلا عنوان، مُهانة يستحقرها الملك ويذلّها، ولا يعرفها النّاس ولا التّاريخ.. وكنت تبتسمين، تبتسمين برغم كلّ شيء! تبتسمين وأنا مازلت أسرد بقيّة شروطي (الظّالمةِ الفاجرة).

لم تُدركِ بعدُ في ذلك اليوم أنّ هناك نوعًا من الحبّ كالسّجائر، هو نوع من الإدمان نكرهه، ولا نقدر على تركه، ونموت به في النّهاية، ولم تُدركِ -وهو الأهمّ- أنّني كنتُ يومها سيجارتك الأولى، الّتي ستدمنين بعدها الألم!

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

كمال المرزوقي

رئيس جامعة الإمام مالك للعلوم الشّرعيّة بتونس.

 
المقال التالي
نوستالجيا (مارجريت) (2)