تعامل المسلم المبتلى بالسراء

منذ 2015-03-08

إذا ابتلى اللّه المسلم بالسراء وأنعم عليه بالصحة في بدنه، والسعة في رزقه، ومكّن له في الأرض، وأعطاه من الجاه أو العلم أو السلطان ما يسر به خاطره، فعليه أن يتصرف في هذا الموقف تبعا للخطوات الآتية:

 

إذا ابتلى اللّه المسلم بالسراء وأنعم عليه بالصحة في بدنه، والسعة في رزقه، ومكّن له في الأرض، وأعطاه من الجاه أو العلم أو السلطان ما يسر به خاطره، فعليه أن يتصرف في هذا الموقف تبعا للخطوات الآتية:

 

1- الخطوة الأولى: اليقين الجازم بأن هذه الدنيا وما فيها عرض زائل، وأن الرّجعى إلى اللّه عز وجل ومن ثم فلا ينبغي أن ينسيه هذا المال أو الجاه ذكر اللّه عز وجل وافتقاره إليه {يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15]، وعليه أن يعلم بأن هذا اليقين هو أساس الإيمان الصادق، وأنه منه (أي اليقين من الإيمان) بمنزلة الروح من الجسد، وقد ورد في الأثر عن ابن مسعود رضي اللّه عنه أن اليقين هو الإيمان كله.

 

2- الخطوة الثانية: أن يحمد اللّه سبحانه ويشكره على ما أنعم به عليه، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]، وهذا الشكر ترجع فائدته للإنسان نفسه يقول اللّه سبحانه: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [النمل:40].

 

3- الخطوة الثالثة: أداء حق اللّه تعالى في هذا المال، ويتمثل ذلك في إخراج الزكاة، والصدقة والبر وبر الوالدين والإنفاق والإحسان إلى الفقراء والمساكين وتفريج الكربات، يقول اللّه تعالى: {وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:77]، وفائدة هذا الإحسان إنما تعود للإنسان نفسه.

 

4- الخطوة الرابعة: أن يلتزم بالطاعة والعبادة وإخلاص الوجه للّه تعالى، وسائر الأعمال الصالحة لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:7]، وأن لا يأمن مكر اللّه لقوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ} [الأعراف:99]، إن الأمن من مكر اللّه يدل على ضعف الإيمان فلا يبالي صاحبه بما ترك من الواجبات، وفعل من المحرمات، لعدم خوفه من اللّه بما فعل أو ترك، وهذا من أعظم الذنوب، وأجمعها للعيوب، ومعنى الآية أن اللّه تبارك وتعالى لما ذكر حال أهل القرى المكذبين للرسل، بين أن الذي حملهم على ذلك هو الأمن من مكر اللّه وعدم الخوف منه، وذلك أنهم أمنوا مكر اللّه لما استدرجهم بالسراء والنعم فاستبعدوا أن يكون ذلك مكرا، قال الحسن: "من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له"، وقال قتادة: "بغت القوم أمر اللّه ما أخذ قوم قط إلا عند سلوتهم وغرّتهم فلا تغترّوا باللّه".

 

5- الخطوة الخامسة: الابتعاد عن تلك الذنوب التي تسمى بالذنوب الملكية من نحو الجبروت والتكبّر والعظمة والقهر والاستعلاء في الأرض، وذلك كما حدث من فرعون وغيره من الجبابرة الذين طغوا في الأرض وعتوا عن أمر ربهم، ويتبع ذلك البعد عن الغرور وحب الثناء واستعباد الخلق وظلمهم واحتقار الفقراء والسخرية منهم ونحو ذلك. وباختصار فإن عليه التخلي عن النظرة الفوقية واعتقاد أنه أعلى من الناس وأنهم دونه، وأن يتذكّر دائما أن فقير اليوم قد يصبح غني الغد وأن الأيام دولة بين الناس، مصداقا لقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].


إن على الإنسان المبتلى بالسراء أن يتذكر قدرة اللّه عزّ وجلّ على تغيير الأحوال في لمح البصر، وأن يعي معنى قول اللّه تعالى: {حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس:24]، فإذا لم يجد ذلك نفعًا وأحس بطغيان المال فعليه أن يتذكر ضعفه وأنه يومًا راجع إلى ربه، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى . إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى} [العلق:6-8]، وعليه أن يعلم أن هذا الرزق إنما هو على حسب مشيئة اللّه تعالى وهو أعلم بأحوال عباده {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى:27]، وعلى صاحب المال ألا يبالغ في الفرح به، لأن ذلك الفرح يؤدي به إلى البطر والترف كما أنه يؤذي الفقراء والمحرومين ويؤدي بالإنسان إلى الاستهتار بالنعمة وترك الحيطة لصروف الزمان، أما الفرح الحقيقي فينبغي أن يكون بفضل اللّه وبرحمته مصداقا لقوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]، وإذا تخلّى عن هذه الذنوب فليتحلّ بأضدادها من نحو الخشوع والخشية والخوف من اللّه تعالى والتواضع والرحمة ونحو ذلك.

 

6- الخطوة السادسة: البعد عن التشبه بالشيطان بارتكاب الذنوب الشيطانية كما في الحسد، والبغي، والغل، والخداع، والمكر، والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، والافتتان بالمال أو الجاه أو السلطان، فهذه تؤدي إلى ذنوب الشح والبخل وحب التكاثر والجبن، ويتذكر قوله تعالى: {أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ . حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ} [التكاثر:1، 2]، وعليه أن يتحلى بعكس ذلك من صفات الحب والأمانة وسلامة الصدر والأمر بالمعروف ونحوها، كما يلزمه البعد عن سائر أنواع الذنوب الأخرى.

 

7- الخطوة السابعة: على المسلم أن يتذكر دائما أن التوسعة في الرزق أو البسطة في العلم أو الجسم ليست إلا اختبارًا له من مولاه وليست بحال دليلًا على إكرام اللّه عز وجل له، فقد نفى القرآن الكريم أن تكون كثرة المال أو الولد دليلًا على رضى المولى تعالى، وإنما العمل الصالح هو الوسيلة الحقيقية للحصول على هذا الرضوان والقرب من اللّه عز وجل يقول سبحانه: {وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى } [سبأ:37]، وهى على العكس من ذلك فتنة واختبار ينجح فيه من ينجح ويفشل فيه من يفشل، يقول اللّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28]، والحذر من الفتنة يقتضي الابتعاد عن الترف لأنه يضعف الإرادة الإنسانية ويجعلها شديدة الحرص على التقليد واستمرار ما هي فيه فلا تتطلع إلى آفاق جديدة لإصلاح المجتمعات التي تعيش بين ظهرانيها، كما أن الترف مدعاة للانزلاق في هاوية المنكرات وإلى الفخر والعجب والتكاثر ورفض الحق، قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ} [سبأ:34].

لقد بلغ الصراع على المال أشدّه في هذا العصر، وصرف كثيرًا من الناس عن ربهم وعن الأخذ بالقيم الأخلاقية النبيلة، وأدى إلى إثارة أغلب المشاكل التي يعانيها العالم اليوم وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض، ولهذا توجهت تعاليم القرآن إلى التخفيف من شرور المال وتحذير الناس من الانقياد الكلي له كي لا يفتنهم عن دينهم ويلهيهم عن ذكر اللّه.

 

(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)