الزمن جزء من العلاج

منذ 2015-04-17

إن من استشعر ذلك، واستقر في ضميره هذا المعنى؛ فإنه لا يعجل، بل لا يفكر في عجلة، ويدع الأمر لله مع بذل الوسع والطاقة.

 

التوبة قنطرة للعبد ينتقل بها من العصيان إلى الطاعة؛ لكن لها ما وراءها من العمل الشاق حتى يبلغ درجة الاستقامة (الهداية). وللوصول إلى هذا الساحل فلا بد من تربية عميقة تستغرق زمنًا، واستصحاب الزمن هنا جزء من العلاج، وإغفاله يناقض الفطرة والسواء الإنساني، كما يناقض السنن الإلهية التي قامت عليها الحياة.

ودليل ذلك قال الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82].

وتأمل (حرف ثم) الذي يفيد الترتيب مع التراخي؛ أي أن الوصول إلى درجة الهداية والاستقامة يحتاج إلى وقت، يمارس فيه العبد الطاعات كبدًا ومشقة ما بين تخلية وتحلية (التربية) حتى يصل إلى درجة التذوق والإحساس بالنعمة (اللذة).

وهو ما يذكرِّنا بسفيان الثوري رحمه الله حين قال: "كابدتُ قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت به عشرين سنة".

وكل سبيل فيه انبتات عن هذه الخطوات مآله الانقطاع وعدم الوصول، وكل تغير سريع مآله الضياع، وكل استعجال في البدايات هو سبب انحراف واحتراق النهايات.

ومن ذلك نزول القرآن مفرَّقًا بحسب الحوادث عبر زمن طويل؛ ليكون مؤثرًا في التثبيت: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان:32].

حتى قضية النصر والتمكين واستحقاق الأمة لتنزل الفرج فإنها لا تخرج عن هذه السُّنة؛ فإن حكمة الله البالغة تقتضي أن يدخل المؤمنون تنور المحنة ليُبتلوا، ويُستل الشر الذي في نفوسهم، ويُصقل الخير، وتنضج التجربة، ويترسخ الافتقار إلى الله، ويتخذ الشهداء، ويغربل الصف المسلم، فينفي خبثه، وكل ذلك يحتاج إلى مدة ليتلبسوا بتجليات هذه الحكمة الإلهية.

إن من استشعر ذلك، واستقر في ضميره هذا المعنى؛ فإنه لا يعجل، بل لا يفكر في عجلة، ويدع الأمر لله مع بذل الوسع والطاقة.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام