فن التوبة - (2) قصة الذنب!

منذ 2015-04-22

إن ندمت فأبشر فقد حققت الشرط الثاني من شروط التوبة.. وإن لم تندم فلا تيأس، لعل الران الذي يعلو قلبك سميك يحتاج إلى مجهود أكبر.

قصة ذنب!
وهل للذنب قصة؟
نعم..
للذنب قصة وحكاية
أذنبت..
حسنا إذا.. هذه ليست النهاية بل هي فقط البداية..
بداية القصة..

فابتداءً لم يفضحك الله أثناء ممارسة الذنب وأرخى عليك سدول ستره الجميل..
ثم أمر صاحب الشمال أن يرفع القلم لست ساعات لا يكتب الذنب لعلك تنتبه وتندم وتعود فيلقيه، كما ثبت في الحديث الصحيح..
ثم ناداك وبسط يده لك بالنهار لتتوب إن كنت قد أسأت بالليل، ومثله بالليل نداء وبسط آخر إن كنت قد أسأت نهارًا..
ثم نداء عام يشملك مع كل من أذنب وذلك في الثلث الأخير من الليل حين ينادي قائلًا: «هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟» [مسند أحمد ابن حنبل: 9591].
ثم إمهال وحلم بعد أن غفلت عن التوبة ربما يمتد لسنين طويلة لعلك تتوب وترجع.
فإن مرَّ كل ذلك كتب عنده ذنب واحد وكان في مشيئته..
وربما يمحى الذنب بالكلية بل ويبدله الله حسنات إن تبت وحققت شروط التوبة.

تلك الشروط التي ذكرتها مجملة في المنشور الماضي ووعدت بتفصيلها في هذا المنشور:
"إخلاص، وندم، وإقلاع، وعزم"..

شروط أربعة للتوبة زاد عليها بعض العلماء شرطًا خامسًا وهو: رد الحقوق والاستحلال من المظالم في حالة المعاصي المتعدية للغير.

شروط سهلة ميسورة لمن يسرها الله عليه وأدرك أنها ليست مجرد قواعد جامدة تردد في خطب روتينية ومواعظ نمطية، ولكنها منهج حياة يستصحبه المؤمن في كل أحواله ويحيا به ويتعايش معه.

أما الشرط الأول للتوبة فهو ليس خاصًا بها وإنما هو ثابت لا تنازل عنه في أي عبادة..

شرط الإخلاص:

أن تكون نية التوبة خالصة لله وحده لا لدنيا يصيبها التائب ولا لمخلوق يرضيه.
أن تكون محض استرضاء لله وحده لا شريك له.

أما الشرط الثاني للتوبة وهو الأهم وبه لخص النبي حقيقة التوبة فقال: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» [صحيح الجامع: 6802].

وقد يقول قائل: هاهنا مكمن الصعوبة في التوبة ذلك لأن هذا الشرط = شعور قلبي، يصعب التحكم فيه أو تكلفه.

وهذا الكلام له وجه لو أننا نتحدث نظريًا ونعبئ سطورًا أداءً لواجب..

لكن يفترض أن راغب التوبة بصدق على استعداد لبعض البذل ليحقق ذلك المقام العظيم ويتوب.

هذا الشعور بالندم يمكنك أيها التائب أن تحاول الوصول إليه إن لم تجده في قلبك ابتداءً، وذلك من خلال طريقين رئيسين:
- النظر لمن عصيت.
- والنظر لعاقبة المعصية.

لقد عصيت خالقك ورازقك ومن أنعم عليك بكل ما تتقلب فيه..
عصيت القادر على أن يسترد نعمه وينزل عليك نقمه ويعجل لك عقوبته..
تلك العقوبة التي لعل أولها وأعجلها = تلك الغصة والكآبة التي سبق وحدثتك عنها في المنشور السابق..
لعلها أسوأ ما في الاستسلام للمعاصي

إنه ذلك الشعور المقبض بالوحدة والتخلي عن حصون التوفيق والحفظ الإلهي..
ذلك الشعور الذي لا يزول إلا بتوبة صادقة واستغفار نادم يستأذن به المرء ربه على استحياء ليعود إلى حِماه.

أما العاقبة إن لم تتب ويتقبل الله توبتك أو يعفو عنك فأنت تعرفها جيدًا..
فقط غفلت عنها ونسيتها..
هلمَّ فتذكرها وتذكر حرها ولهيبها.

قل بربك إذا تذكرت كل هذا وبذلت وسعك لاستحضار تفاصيله أفلا تندم؟!
إن ندمت فأبشر فقد حققت الشرط الثاني من شروط التوبة..
وإن لم تندم فلا تيأس، لعل الران الذي يعلو قلبك سميك يحتاج إلى مجهود أكبر.

أما الشرط الثالث من شروط التوبة فهو ذلك القرار الحاسم..
قرار الإقلاع عن الذنب والكف عن انتهاك حرمات الله والتوقف عن مبارزته بالخطايا.
قرار صعوبته تكمن في لحظة واحدة ما بعدها أيسر..
إنها لحظة اتخاذه.

لحظة مجابهة النفس وقمع الهوى ومواجهة الشهوة بكلمة حاسمة قاطعة.
كلا..
قُضي الأمر..
انتهينا يا رب..
من دون ذلك القرار القاطع وتلك المواجهة الحاسمة فما التوبة إلا دعاوى لا يصدقها العمل.

وأخيرًا يأتي شرط العزم:
والعزم على عدم العودة للذنب شرط أصيل من شروط التوبة ذلك لأنه مرتبط بأمرين :
- الصدق.
- والأدب.
فالصادق في رغبته التوبة وندمه على ما فات، يود أن يقيه الله فيما هو آتٍ.
والتائب لحظيًا وهو يضمر العودة يعيش حالة من الكذب ليس على نفسه فقط ولكن الأهم أنه يكذب على ربه.

قل لي بربك.. كيف تكون التوبة صادقة وبين يديها تلك النية المضمرة بأنه عائد إلى الذنب بعد حين؟!
وأي تأدب مع الله ذلك الذي يزعمه ذلك الذي سولت له نفسه وصورت له أنه سيخدع مولاه؟!
لا أتحدث هنا عن ذلك الذي يعلم من نفسه ضعفًا ويدرك احتمالية وقوع الزلة والهنة فكلنا هذا الرجل..
لكن المقصد هو العزم وانعقاد النية الآني في تلك اللحظة الحاسمة..
لحظة القرار..

هنا لا بد من نية وحسن ظن
لا بد من قوة ولو مؤقتة
لا بد من تجاهل لهذا الاحتمال القائم بالعودة.
فإن عدت فأعد الكرة

عد وتب.. 
ثم عد فتب.. 
ثم عد فتب
ولا تمل فإن الله لا يمل حتى تمل.

لكن البداية = قرار وعزم على عدم تكرار تلك القصة.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
المقال السابق
سبب الغصة