مع القرآن - الشيطان عداوة لا تنتهي

منذ 2015-05-25

الدنيا معبر وقنطرة، وقف الشيطان لآدم وذريته منذ بداية قصتهم بسلعة واحدة ومنهج واحد: اهتموا بالقنطرة واعملوا من أجلها ودعكم من النعيم المنتظر بعد عبورها، يريد ألا يصل آدم وذريته لما بعد القنطرة بسلام.

الكثير من بني آدم يرتمون في أحضان الشيطان مطمئنين لما يدلهم عليه من شهوات، ومتساهلين مع ما يرميه عليهم من شبهات، ركنوا لزخرف زائل وتناسوا نعيم منتظر.

الدنيا معبر وقنطرة، وقف الشيطان لآدم وذريته منذ بداية قصتهم بسلعة واحدة ومنهج واحد: اهتموا بالقنطرة واعملوا من أجلها ودعكم من النعيم المنتظر بعد عبورها، يريد ألا يصل آدم وذريته لما بعد القنطرة بسلام.

والأغبياء من بني آدم لا ينظرون إلا تحت أرجلهم، ترى أحدهم وقد طغى وتكبر وتجبر وجحد الحق كأنه مخلد.
والحقيقة: ما هو إلا مغرور ضعيف، صدق حيلة الشيطان واغتر بالقنطرة وزينتها، وباع ما بعدها من نعيم كامل باق غير زائل.

تعالوا معًا نراجع أول القصة:
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ . وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ . فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة:34-36].

قال العلامة السعدي في تفسيره:
"لما خلق الله آدم وفضله، أتم نعمته عليه، بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها، ويستأنس بها، وأمرهما بسكنى الجنة، والأكل منها رغدًا، أي: واسعًا هنيئًا، {حَيْثُ شِئْتُمَا} أي: من أصناف الثمار والفواكه، وقال الله له: {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طه:118]، {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} نوع من أنواع شجر الجنة، الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء، أو لحكمة غير معلومة لنا، {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} دل على أن النهي للتحريم، لأنه رتب عليه الظلم.

فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه، حتى أزلهما، أي: حملهما على الزلل بتزيينه، {وَقَاسَمَهُمَا} بالله {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21]، فاغترا به وأطاعاه، فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد، وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة.

{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أي: آدم وذريته، أعداء لإبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو، يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق، وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا، تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6]، {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف من الآية:50].

ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض، فقال: {وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ} أي: مسكن وقرار، {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} انقضاء آجالكم، ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها، وخلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة، مؤقتة عارضة، ليست مسكنًا حقيقيا، وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار، ولا تعمر للاستقرار".

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
سخر لنا كل شيء فعصيناه
المقال التالي
فتحنا باب المعصية ففتح الله باب التوبة