بِـرَّ والدَيك ما استطعتَ
وهل في الدنيا؛ أنعم وأطيب، ممَّن عاش له أبواه، أو أحدهما؟!
بِـرَّ والدَيك ما استطعتَ، واحْذَر شُؤم العقوق!
وهل في الدنيا؛ أنعم وأطيب، ممَّن عاش له أبواه، أو أحدهما؟!
فسَارع ببرّك قبل أن يُدركهما الأجل، ولَيتك تستطيع الوفاء!
وأنَّى لك به، والدَّين كبير، ولا طاقة لك بالسّداد!
فهذا أبوك، يقول عنه نبيّنا عليه السلام:
« » (رواه مسلم، وغيره).
فهل لك إلى ذلك من سبيل؟!
وأما الأمّ، فقد أخرج البخاري بإسنادٍ صحيح، في الأدب المفرد:
عن أبى بردة:
شهد ابنُ عمر رجلًا يمانيًّا يطوف بالبيت، حمل أمَّه وراء ظهره، يقول:
إني لها بَعيرها المُذللْ *** إن أذعِرَت ركابُها لم أذعَر
ثم قال: "يا ابن عمر، أترانى جَزيتها؟!"، قال: "لا! ولا بزفرةٍ واحدة".
والمراد بالزَّفرة: تردّد النَّفَس الخارج عند الولادة، المعروف بالطَّلْق.
فهل تراك قادرًا على الوفاء؟!
وأما شُؤم عقوقهما ودعائهما عليك؛ فيُوفَّى ولو في حقير؛ إلا أن يشاء الله.
ذكر الإمامُ ابن خَلِّكَان رحمه الله، في كتابه وفَيَات الأعيان؛ قال:
"ورأيتُ في تاريخ بعض المتأخرين، أن الزمخشري لمَّا دخل بغداد، واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغَانيّ؛ سأله عن سبب قَطْع رِجْله، فقال: دعاء الوالدة!
وذلك أني في صِبايَ أمسكتُ عصفورًا، وربَطُّتُه بخيطٍ في رِجْلِه، وأفْلَتَ من يدي، فأدركتُه وقد دخل في خرْق، فجذَبْتُه، فانقَطَعتْ رِجْلُه في الخَيط! فتألَّمَتْ والدتي لذلك، وقالت: "قطَعَ اللهُ رِجْلَ الأبعَد، كما قَطعْتَ رِجْلَه!"
فلما وصلْتُ إلى سِنِّ الطلَب؛ رحلتُ إلى بُخَارَى لطلب العلم، فسقَطُّتُ عن الدابَّة؛ فانكسَرَتْ رِجْلِي، وعمِلَتْ عليَّ عملًا أوجبَ قطعَها".
فيا مُقصّر -وكلّنا ذاك-؛ تدارَكهما ببرّك قبل الفوات!
ومهما برَرتَ؛ فدَينك عندهما كبير، ولا طريق إلى السداد ولا سبيل!
فاغْتَنِم ما بقي، وتُب ممَّا مضى، وإلا أُخِذْت بما بقي وما فات!
واعْلَم أن ذلك من الدَّين الذي به تُدان، والجزاء من جنس العمل!
ومَن فاتَه أبواه؛ فلا ييأس ولا يقنط؛ وليجتهد في الصدقَات والدَّعوات!
فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد، بإسنادٍ حسن:
عن أبى هريرة قال: «
».فاللهمَّ اغفر لآبائنا وأمهاتنا، أحياءً وأمواتًا، ولا تحرمنا رضاك وإياهما!
أبو فهر المسلم
باحث شرعي و أحد طلاب الشيخ سليمان العلوان حفظه الله
- التصنيف: