القلب السليم - (1) إذا ذُكِر الله وجل قلبه

منذ 2015-07-22

أيحضر القلب عند ذكر الحبيب ولا يحضر عند ذكر المجيب؟! أتخشع الجوارح لذكر المخلوق ولا تبالي بذكر الخالق؟! أينقطع الفؤاد كمدا لغياب فان وزائل ولا يبالي بهجران باق ودائم؟!

ولا تزال قصة الطبيب المسلم الذي عاد أحد مرضاه قديمًا دالة على معنى وجل القلب، وذلك أنهم حكوا أن طبيبًا ذهب ليتفقد أحد المرضى، والذي كان طريح الفراش لا يُدرى سبب مرضه، ولا يُعرف له علة ظاهرة، فتناول الطبيب يد المريض ليقيس النبض، وأخذ أثناء ذلك يسأل من حوله عن أحواله، ثم عرَّج فسأل عن جيرانه، فأخذ النبض عندها يسرع شيئًا فشيئًا، حتى إذا سأل عن جار بعينه وهنا أسرع النبض أكثر؛ حتى إذا سأل عن أبناء هذا الجار اضطربت أوصال المريض وازداد النبض علوًا، فلما ذُكِر أن له ابنة حسناء وأتى ذكر اسمها سَرَت الرعشة من نبضه إلى جسده الذي بدأ يرتجف وبصره الذي زاغ ووجهه الذي أمطر العرق، فقال الطبيب لأهله عندها: هذا ليس بمريض! هذا رجل عاشق!

ولله المثل الأعلى! أيحضر القلب عند ذكر الحبيب ولا يحضر عند ذكر المجيب؟! أتخشع الجوارح لذكر المخلوق ولا تبالي بذكر الخالق؟! أينقطع الفؤاد كمدا لغياب فان وزائل ولا يبالي بهجران باق ودائم؟!

من علامات المحب انزعاجه عند ذكر محبوبه، فإذا أردت اختبار قلبك لتعرف أي القلوب هو؟! فاسأل نفسك: أيحضر القلب عند ذكر ربه؟ أيخشع لسماع كلامه؟ أينصت لترديد أذانه؟ أبكى ليلة خوفا من عذابه؟ أضطرب يومًا لاحتمال طرده من جواره؟ أقلق من خاتمة أعماله؟

كن صادقًا وإن لم يطلع عليك أحد، فإنه سبحانه أدرى منك بسريرتك وأعلم بك منك، فاعرف موقعك من الإيمان كما سبق وعرف الحسن البصري لما سأله رجل فقال: يا أبا سعيد! أمؤمن أنت؟ فقال له: "الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث والحساب فأنا به مؤمن، وإن كنت تسألني عن قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]، إلى قوله: {أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال من الآية:4] فوالله ما أدري أنا منهم أم لا".

أحياء القلوب إذا تليت عليهم آيات الرحمن خرُّوا سجدًا وبكيّا، بينما غيرهم خرَّ عليها صمًّا وعميانًا، لأنهم أصحاب حياة يسمعون بقلوبهم قبل أسماعهم، ولذا قال ابن زيد في قول الله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة من الآية:12] "واعية: إنما تعي القلوب ما تسمع الآذان من الخير والشر".

قال ابن القيِّم: "فالوعي توصف به الأذن كما يوصف به القلب، يقال: قلب واع وأذن واعية لما بين الأذن والقلب من الارتباط، فالعلم يدخل من الأذن إلى القلب، فهي بابه والرسول الموصل إليه العلم؛ كما أن اللسان رسوله المؤدي عنه، ومن عرف ارتباط الجوارح بالقلب علم أن الأذن أحقها أن توصف بالوعي، وأنها إذا وعت وعى القلب".

 
المقال التالي
(2) له في كل شيء عبرة