مع القرآن - وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ

منذ 2015-08-18

أمة واحدة متميزة بشريعتها متفردة بالتوحيد الصافي الخالي من شائبة شرك، فضلهم الله بالشريعة الكاملة والكتاب الناسخ لما قبله المبين لكل ما تاهت فيه الأمم من قبل الموضح لعقيدة التوحيد بكل بساطة ويسر.

أمة واحدة متميزة بشريعتها متفردة بالتوحيد الصافي الخالي من شائبة شرك، فضلهم الله بالشريعة الكاملة والكتاب الناسخ لما قبله المبين لكل ما تاهت فيه الأمم من قبل الموضح لعقيدة التوحيد بكل بساطة ويسر.

وأكمل فضله عليهم بإمام الأنبياء وسيد المرسلين حبيب رب العالمين صلى الله عليه و سلم.

ثم كان التميز في القبلة التي ترمز إلى الحنيفية السمحة ملة أبينا إبراهيم الذي أمره الله ببناء القبلة قبل مولد رسول الإسلام بمئات السنين ليقطع الحجة على كل ذي قلب مريض من أهل الأهواء من الأمم السابقة.

قال تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة:150].

قال العلامة السعدي رحمه الله: "خاطب الأمة عمومًا فقال: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وقال: {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أكده بـ "إن" واللام، لئلا يقع لأحد فيه أدنى شبهة، ولئلا يظن أنه على سبيل التشهي لا الامتثال.

{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} بل هو مطلع عليكم في جميع أحوالكم، فتأدبوا معه، وراقبوه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن أعمالكم غير مغفول عنها، بل مجازون عليها أتم الجزاء، إن خيرا فخير، وإن شراً فشر.

وقال هنا: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} أي: شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة، لينقطع عنكم احتجاج الناس من أهل الكتاب والمشركين، فإنه لو بقي مستقبلاً بيت المقدس، لتوجهت عليه الحجة، فإن أهل الكتاب، يجدون في كتابهم أن قبلته المستقرة، هي الكعبة البيت الحرام، والمشركون يرون أن من مفاخرهم، هذا البيت العظيم، وأنه من ملة إبراهيم، وأنه إذا لم يستقبله محمد صلى الله عليه وسلم، توجهت نحوه حججهم، وقالوا: كيف يدعي أنه على ملة إبراهيم، وهو من ذريته، وقد ترك استقبال قبلته؟

فباستقبال الكعبة قامت الحجة على أهل الكتاب والمشركين، وانقطعت حججهم عليه.

{إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} أي: من احتج منهم بحجة، هو ظالم فيها، وليس لها مستند إلا اتباع الهوى والظلم، فهذا لا سبيل إلى إقناعه والاحتجاج عليه، وكذلك لا معنى لجعل الشبهة التي يوردونها على سبيل الاحتجاج محلاً يؤبه لها، ولا يلقى لها بال، فلهذا قال تعالى: {فَلا تَخْشَوْهُمْ} لأن حجتهم باطلة، والباطل كاسمه مخذول، مخذول صاحبه، وهذا بخلاف صاحب الحق، فإن للحق صولة وعزا، يوجب خشية من هو معه، وأمر تعالى بخشيته، التي هي أصل  كل خير، فمن لم يخش الله، لم ينكف عن معصيته، ولم يمتثل أمره".

ثم قال رحمه الله: "ولما كان توليته لنا إلى استقبال القبلة، نعمة عظيمة، وكان لطفه بهذه الأمة ورحمته، لم يزل يتزايد، وكلما شرع لهم شريعة، فهي نعمة عظيمة قال: {وَلأتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ}.

فأصل النعمة، الهداية لدينه، بإرسال رسوله، وإنزال كتابه، ثم بعد ذلك، النعم المتممات لهذا الأصل، لا تعد كثرة، ولا تحصر، منذ بعث الله رسوله إلى أن قرب رحيله من الدنيا، وقد أعطاه الله من الأحوال والنعم، وأعطى أمته، ما أتم به نعمته عليه وعليهم، وأنزل الله عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا}.

فلله الحمد على فضله، الذي لا نبلغ له عدًّا، فضلاً عن القيام بشكره، {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي: تعلمون الحق، وتعملون به، فالله تبارك وتعالى من رحمته بالعباد، قد يسر لهم أسباب الهداية غاية التيسير، ونبههم على سلوك طرقها، وبينها لهم أتم تبيين، حتى إن من جملة ذلك أنه يقيض للحق، المعاندين له فيجادلون فيه، فيتضح بذلك الحق، وتظهر آياته وأعلامه، ويتضح بطلان الباطل، وأنه لا حقيقة له، ولولا قيامه في مقابلة الحق، لربما لم يتبين حاله لأكثر الخلق، وبضدها تتبين الأشياء، فلولا الليل، ما عرف فضل النهار، ولولا القبيح، ما عرف فضل الحسن، ولولا الظلمة ما عرف منفعة النور، ولولا الباطل ما اتضح الحق اتضاحا ظاهرا، فلله الحمد على ذلك" أهـ  من تفسير السعدي.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
فاستبقوا الخيرات
المقال التالي
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ