الغيب مؤقت
الغيب مؤقت وعما قليل ستكون الشهادة هي الأصل ويا لها من رحلة طويلة طويلة؛ طويلة بحيث أنها لن تنتهي.
يجب ألا يظن أحد أن ما هو غيب لنا اليوم سيبقى هكذا؛ إنه غيب مؤقت!
إن فترة الغيب لنا هي أثناء تلك السنين المعدودة والمؤقتة، لكن بمجرد الوفاة يصبح الغيب شهادة.
مع الغيب اليوم هناك فرصة للإختيار، وعندما ينكشف غطاء الغيب ويرتفع السِتر برؤية ملك الموت، عندها يمتنع الإختيار؛ إنهما لا يجتمعان. ينبغي أن يعلم الملحد والشاك، والغافل والساهي، والفاجر والعاتي أن بمجرد الوفاة فبقية الرحلة شهادة ومعاينة؛ لكن بلا اختيار.
كما ينبغي أن يعلموا كذلك أن خلال لحظة واحدة سيكون هناك السوق إلى الله الخالق {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:30]؛ {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق:6] ، لم يعبرالله تعالى عن الموت بتلف الجسد بل بلقاءالله فقال: {ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [الجاثية:15].
إن التعامل معه تعالى بالغيب لن يدوم طويلا؛ لحظة واحدة وسيقابل كلٌ ربه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام:30].
لا تغتر بالجدال؛ ففي أزمة دنيوية يُنسى! فلو أوبق -أهلك- ربك السفن {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} [الشورى:34]؛ فعندها: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى:35]؛ فيسقط الجدال إذ لا ينفع ولا يجدي..
{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} [غافر:83-84]!
ولو جاءت نفحة من العقوبة المنتظرة لاعترفوا بالظلم: {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:46].
فلا تغتر بالجدال، أو بما يسمونه عِلما يقابلون به رسالات الله، ولا تغتر بالفخر والإعتزاز البشري.. كل هذه طلاءات تسقط تحت أقل نار للمحنة في الدنيا.. ناهيك عن الآخرة!
لا تغتر؛ فلن يصطحبوا الكاميرات هناك ولا الألقاب ولن تقف خلفهم الأجهزة؛ عما قليل سيأتون ربهم فرادى؛ كل من أبق وتمرد على سيده أو نسي حقه، أو نسي وظيفته في الدنيا وجاء يعربد ويفسد لا ليبرّ ويوفي.
الغيب مؤقت وعما قليل ستكون الشهادة هي الأصل ويا لها من رحلة طويلة طويلة؛ طويلة بحيث أنها لن تنتهي.
اصبر فقط قليلا؛ لكن اصبر على الطريق وليس بعيدا عنه؛ فانتبه.
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف:
- المصدر: