خطوتان للنجاة: التوحيد والاستغفار

منذ 2015-10-30

يحتاج المؤمن في أحيان كثيرة إلى أن يطمئن قلبه ويهدىء نفسه إلى أنه يسير سير الفالحين وسط هذا الركام المتزايد من الصراع على الدنيا وزخرفها، والإسلام دين اليسر والسماحة، ودين الفوز في الدنيا والآخرة، فمن استمسك به فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا.

يحتاج المؤمن في أحيان كثيرة إلى أن يطمئن قلبه ويهدىء نفسه إلى أنه يسير سير الفالحين وسط هذا الركام المتزايد من الصراع على الدنيا وزخرفها، والإسلام دين اليسر والسماحة، ودين الفوز في الدنيا والآخرة، فمن استمسك به فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا.

والمؤمنون يتفاوتون في المكانة والمقام، ويزيد إيمانهم وينقص، يزداد بالطاعات وينقص بالآثام، ويحتاج المؤمن أن يستمسك بما به يضمن النجاة، ويسعد بالفوز في الدنيا والآخرة، وكثيرًا ما سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على ماإذا به استمسكوا نجوا، فعن عبد الله بن بسر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: "يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فباب نتمسك به جامع؟" قال :«لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عز وجل».

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس"، فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس».

وعن معاذ رضي الله عنه قال: قلت: "يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار"، قال: «لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت». ثم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل»، ثم تلا: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتى بلغ: {يَعْمَلُونَ} [السجدة:16-17]، ثم قال: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟» قلت: "بلى يا رسول الله"، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد»، ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: "بلى يا رسول الله"، فأخذ بلسانه، قال: «كف عليك هذا» قلت: "يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟" فقال: «ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».

والمؤمن إذا نجا من الكفروالشرك، فإنه يطمع في مغفرة الله سبحانه وجنته {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:48]، فإن اجتنب الكبائر وتاب منها، فيزداد خيره ويثقل ميزانه، فإن داوم على الاستغفار والتوبة من ذنوبه صغيرها وكبيرها، فإنه يزداد قربًا من ربه سبحانه، فهما خطوتان إذن إن حققهما المؤمن فقد فاز بالنورانية والفضل، التوحيد والاستغفار.

فالتوحيد حياة الكون كله، ومدار صلاحه، وسبب البركة فيه والخير، وأصل حماية المؤمنين من كل شيطان رجيم، وهو سبب النورانية التي تضىء بها القلوب، وهو حياة النفوس، قال سبحانه: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:122]، هذا مثل ضربه الله تعالى للذي كان ميتًا في الضلالة، هالكًا حائرًا، فأحياه الله تعالى بالإيمان والتوحيد، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفقه لاتباع رسله.{وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} أي: يهتدي به كيف يسلك، وكيف يتصرف.

هذا النور الذي يحصل عليه المؤمن إنما هو نور الإيمان والطاعة، قال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:28]، وهو نور يصاحب المؤمن في دنياه وآخرته , قال تعالى: {يوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد:12]، قال ابن القيم تعليقًا على الآية: "وهذه الظلمات ضد الأنوار التي يتقلب فيها المؤمن، فإن نور الإيمان في قلبه، ومدخله نور، ومخرجه نور، وعلمه نور، ومشيته في الناس نور، وكلامه نور، ومصيره إلى نور، والكافر بالضد".

والمؤمن كلما ازداد من الأعمال الصالحة زاد نوره، وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا» (صحيح مسلم [763]).

والعبد المؤمن يحتاج التوبة والاستغفار دومًا من ذنوبه، إذ كل بني آدم خطاء، وكل إنسان يقع في التقصير والذنب، وقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم أهل الإيمان والتوحيد أن يتبعوا السيئة الحسنة فورًا لتمحها، «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» (صحيح الترمذي [1987])، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:135].

يقول شيخ الإسلام: "إن العباد لا بد لهم من الاستغفار أولهم وآخرهم قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «يا أيها الناس توبوا إلى ربكم؛ فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (مجموع الفتاوى [3/120])، وقد ذكر عن آدم أبي البشر عليه السلام أنه استغفر ربه وتاب إليه فاجتباه ربه فتاب عليه.

ولهذا قرن الله سبحانه بين التوحيد والاستغفار في غير آية كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]، وقد قال سبحانه عن ذي النون: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، قال تعالى:{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم أو أحدثكم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من الدنيا دعا به فرج عنه، فقيل له بلى، قال: دعاء ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» (صحيح الجامع [2605]).

وهذه خاتمة المجلس، قد جمعت بين التوحيد والاستغفار: «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك».

 

د. خالد رُوشه.