رأس كل خطيئة و لو كانت كفرًا
قد يَكفُر المرء أو يرتدّ.. فقط لدُنيا يُصيبها!
كثيرون هُم الذين كفروا من بعد إيمانهم، وارتدّوا من بعد ما تبيّن لهم الهُدى، وبدَّلوا دينهم .. فنافقوا، ومرَقوا، وتزندقوا، وألحَدوا!
وقد تحتدم المعارك الضارية والحروب الحامية، بين العلماء والمعنيين بقضايا الأسماء والأحكام، في تحقيق مناطات التكفير والرِّدَّة، والبحث في الشروط والموانع، ويكون الأمر أهون من ذلك!
** إنه.. حبُّ الدنيا وإيثار شهواتها الفانية، على الآخرة الباقية !
وخذها من الله عاليةً مدوِّية: {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ؛ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [النحل:106-107].
فتأمَّل قوله: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ}؛ إنها رغبة دنيوية خالصة من مال أو سلطان، تُهدِر الدين والعقيدة!
* وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام - كما عند مسلم-: «
».يقول ابن تيمية، في الفتاوى: "والله سبحانه وتعالى، جعل استحباب الدنيا على الآخرة؛ هو الأصل المُوجب للخسران .. واستحباب الدنيا على الآخرة، قد يكون مع العلم والتصديق بأن الكفر يَضرُّ في الآخرة، وبأنه ما له في الآخرة من خلاق".
إذًا .. قد يَعلم أنه بفعله ذا يَكفر، وأنه به يرتدّ عن دينه، ويُوقِن بسوء خاتمته ومُستقرّه دنياه وأُخراه، ومع ذلك يَكفر رغبةً في دنيا !
ويكفيك مثالًا .. ما ذكره ابن الجوزيّ في المُنتظم، بإسناده عن عَبدة بن عبد الرحيم قال: "خرجنا في سَرية إلى أرض الروم، فصحبَنا شابٌّ لم يكن فينا أقرأ للقرآن منه، ولا أفقه ولا أفرض، صائم النهار، قائم الليل.. فمَررنا بحصنٍ ... فنظر إلى امرأة من النصارى فعشقها، فقال لها بالرُّوميّة: كيف السبيل إليك؟! قالت: حين تتنصَّر، قال: ففعل فأدخل الحصن،قال: فقضينا غزاتنا في أشدّ ما يكون من الغمّ، فمَررنا به ينظر من فوق الحصن مع النصارى، فقلنا: يا فلان، ما فعلت قراءتُك؟! ما فعل علمُك؟! ما فعلَت صلواتُك وصيامُك؟! قال: اعلموا أني نسيت القرآن كلّه، ما أذكر منه إلا هذه: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ؛ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:2-3].
تأمَّل.. كيف ارتدّ عن دينه، بعد عِلمه وإيمانه؛ شهوةٌ عابرة، ومتاعٌ رخيص .. فكيف بغير العالِم وأهل القرآن والدّين؟! فمثل هذا حين ارتدّ .. لم تكن رِدَّتُه عن جهلٍ بالناقض، ولا عن إكراهٍ على فعل المُكفِّر، ولا عن خطأٍ غير مُتعمَّد! بل كما ترَى .. لمجرّد شهوة دنيويّة تمكَّنَت من قلبه، فكفرَ وارتدّ!
وكما قيل: "حبُّ الدنيا رأس كل خطيئة" ولو كانت كفرًا!
** وهذا هو غالب فتنة ورِدّة، طواغيت اليوم وجيوشهم وعساكرهم!
حرِصوا على كراسيهم وعروشهم، وتكالبوا على مناصبهم وثروات شعوبهم، وسيطروا على ممالك البلاد وأرزاق العباد! ولم يَعبأوا بحصول أغراضهم، على أيِّ الوجوه وقعَت وتحصَّلَت، ولو كان في سبيل ذلك؛ ضياعُ دينهم، ومروقُهم من مِلَّتهم، وكفرُهم بعد إيمانهم، وولاؤهم للكافرين، وعداؤهم للمؤمنين!
لذا تراهم يرتكبون الكُفر الأكبر البواح، ولا يجدون غضاضةً ولا أدنى مواربَة أو استحياء، من الجهر بمثل ذلك!
والسِرّ.. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ}.
أبو فهر المسلم
باحث شرعي و أحد طلاب الشيخ سليمان العلوان حفظه الله
- التصنيف:
- المصدر: