الواجب مع الحب يكمل
نحن ننتمي لفئة إن أتقنت علم الحب وفنه ودرّبته، ليكون أصله وأساسه، مرتبطاً بحب الإله وحب رضاه وحب ما يقرب منه، وربطوا المهارة ذاهبة، بمنحة عائدة.
لا أعتبر المساحة التي أتاحتها لي هذه المنابر التي لم تخضع لأرباب النفوذ من الصائلين على العقول والفكر ملكاً لقلمي؛ أصول وأجول فيها ببنات أفكاري وما يرتئيه خاطري؛ وإنما هي مساحة لكل نبض يصنع نهضة؛ وينشر الحب؛ وينثر السعادة؛ ويعلم الحكمة؛ وأسأل الله ربي أن يجعلني وقرائي دعاة حكمة؛ ورسل خير ونور ورشاد؛ وأتباع هدى؛ نتخلّق بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال: « » (رواه مسلم)؛ يفيض علينا الملهمون بعلمهم ونحن بجود الملهمين نفيض.
كنت قد شرفت بالشروع في الكتابة عن مدرسة فكرية ومعرفية لها حضورها المتميز ممثلة في فكر وتطوير وتنوير المفكر الدكتور عبدالحليم زيدان؛ ولسنا بحاجة للتذكير بما هو من مسلمات العقل المسلم أننا أمة نموذجها الوحيد والحصري في الاقتداء المطلق هو خير ولد آدم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وأن الحي لا تؤمن فتنته.
في تواصلي مع الملهم د. عبدالحليم زيدان أتحفني بمشاركة له في مجموعة عمل بموضوع لا يسعني إلا أن أقدمه للقارئ الكريم كما تفضل به عليّ مستهلا رسالته إليّ بعنوان المقال.
"أهلا بالحبيب؛ الواجب مع الحب يكمل".
ثم ذكر ما فتح الله به عليه وهداه إليه في موضوع "الحــــب" ونصه:
"ما نحن بصدده، من حديث الحب وسيرة الحب، وكل صحابه!!
فحري بِنَا جميعاً أن نحسن الدخول فيه لنحسن العرض ونخلص بالنتائج المرجوة..!!
ولا أرى الحديث عنه عبثية أو مجوناً أو مراهقة كما يتقن بعضهم وصفه..
كما لا أرى أنه رمزي وطقسي وآلي فقط، كما يتعامل معه بعض آخر.
بل أجده من أهم الموضوعات الجديرة بالاهتمام والإحياء والتنوير والتدريب والتأهيل والتجويد والتطوير..!!
فإننا نعرف أن المهارة الكامنة تحت موهبة نائمة قد تتحول الى مهارة حية، ومنها إلى مهارة نوعية، ثم الى مهارة تنافسية..!! فكيف لو أهملناها موهبة، وأهملناها مهارة!!؟؟
إن كان أعلى مقامات العبد في علاقاته المختلفة مع ربه جلا وعلا مختوم بخاتم عظيم سرمدي هو الحب، وتمثلات هذه العلاقات منوعة بالإقبال والرجاء، والخوف والإنابة، والخشية والتوبة، والتودد والدعاء، والتنعم والحمد، والثبات والمصابرة، والأمل والتطلع، والرزق والشكر، والجهاد والاستشهاد، والحياة والموت على أصلهما ..
كل هذه التمثلات ملأى بشحنات الحب والتمتع به والاكتفاء به والرضا به، واستبداله بما عداه، ثم الاستعانة به على ما سواه، فحب الذات وحب الوالدين وحب الأصدقاء وحب الأقارب وحب المرأة وطلبها وحب الزوجة وإتيانها وحب الولد وتربيتهم وحب الذرية ونماءها، وحب المجتمع وإصلاحه، وحب الأمة وعزتها، وحب المساكين ومساعدتهم، وحب المظلومين ونصرتهم، وحب الملكين عامته وخاصتهم، بل وحب الناس قاطبة..!!
وأضف إليه حب الأرض والكواكب والكون وما دب فيهم من خَلْقٍ وعاش فيهم من جماد ونبات وحيوان..!!
كل أولئك موضع استخدام حي يقظ حار للحب!!
حب مقبل وحب مدبر، حب فعل وحب ترك، حب حب وحب بغض..!! فكيف يرجى أن نمارس كل هذا بموهبة أصيلة أودعها الخالق فينا، اذا غيبناها!؟
وكيف نمارسه بمهارة حاذقة حريفة إن لم نسلم بضرورتها ودورها في صناعة الخير ودفع الشر، وإن لم ندربها ونرقيها ونطورها ونؤهلها لترى عين حبها لله وحب الله لها في كل ما تمر به أو يمر بها من ظروف وأمور وتفاعلات!؟
إن الجمادية مرض ابتلي به قوم ممن خلقهم الله أحياء فاختاروا الجماد، والنارية خلق لقوم اختاروا الطرف الآخر..!!
نحن ننتمي لفئة إن أتقنت علم الحب وفنه ودرّبته، ليكون أصله وأساسه، مرتبطاً بحب الإله وحب رضاه وحب ما يقرب منه، وربطوا المهارة ذاهبة، بمنحة عائدة، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]؛ وفهموها حركة ثنائية الاتجاه، ولكن بمستويات وقيم وأحجام مختلفة، فالحب منا إليه صاعد، والحب منه الينّا محيط بِنَا ومالئ علينا قلوبنا وعقولنا..!!
عنوانه الحقيقي الأول: إياك نعبد..
وعنوانه الأحق الثاني: وإياك نستعين
فما نبذله في الحب الأول هو نواة التفجير لمفاعل نووي حقيقي في فهم الحياة والانطلاق فيها وتحمل أعبائها وفهم نجاحاتها وإخفاقاتها، واستكناه أسرار حكمته فيها (ويتفكرون) حباً يقظاً واصباً لا حب هوجاء طائشة.
وما نتلقاه في الحب الثاني هو المطلق الموعود والسمو المنشود، وهذا ليس كلاماً مرسلاً، أو وعظاً أدبياً.. بل حقيقة الحقائق الكبرى، فمن يأخذ بي وبك في مسالك الدنيا ويعين ويهدي ويصلح البال ويجبر الحال ويقبل التوب وبرفع القدر ويوجب الوصل ويسمع القول ويجيب الدعاء إلا المحب!؟ ومن يثبت في المشاهد والمقاتل والمواقف إلا المحب!؟ ومن يتجاوز ويغفر، ويغفر ويمحو، ويعز ويدني، ويجمع ويرضي، ويؤجر ويَمُنّ، ويمنح فيُذهل، ويحمي فيربط الا المحب!؟
وفي الدنيا من حبِه الوارد ما يكفينا عن ذكر حبِه في الآخرة حيث الصفح والعفو وادخار الرحمة وتنمية الأجر ومضاعفة الحسنات وتثقيل الموازين بذكر وتذكر وكلام وأقوال، يجعلها بساتين وأشجاراً وغروساً مستطابة، ويجمعك على محبين ومع محبين ويجعلك على سرر متحابين، ويلقيك بالحبيب ﷺ، وصحب الحبيب ﷺ، وركب الحبيب ﷺ..!! وهل يجعل لك كل هذا إلا محب!؟
ثم يكون التجلي والنظر الى وجهه الكريم، وهو الأمر الأحب لنا، وهو ما كان ممتنعاً على الخلق على مر الزمن في الدنيا، فيكون هو الزيادة بعد الحسنى!! من غير المحب!؟
لكنه أضاف لثقافتنا كأمة ما يحرك فينا الانتقال من الموهبة الى المهارة، فجعل الحب التجريدي أساساً لصناعة الموقف، وجعل الأداء وضبط بوصلته بالنية وعملياته بالشرع وممارسته بالإتقان وتحقيقه بالإنجاز..!! كل ذلك في الحب العملي!!
وأعطانا من لدنه ما نعلم ثم نفهم ثم نطبق لنحول كل هذا الى ثلاثية (علم وفن ومراس) فرفع الدرجة من الحب الى الود، ومن الحالة الكامنة الى الحالة الناشطة، ومن المستجيبة الى المبادرة، فسمى من أسمائه الحسنى الودود..!!
خذ هذه المعاني واطرحها في بواكير رعاية الأطفال لتنشط موهبة الحب عنده وعندها، ولتدرب وترشد أداءها وضوابطها، ولتعلي مقامها، ولتجعلها شعلة إيقاد الحيوية عندهم ومحركها، فيتغير فهمهم واستجابتهم، وحركتهم وتفاعلهم، وسنجدهم في الصغر كما في الريعان والنضج والرشاد محبين مستجيبين، ومحبين مبادرين، ومحبين ودودين.
ضع هذه الخلطة للذات وللزوج والزوجة وللأسرة والحي والمجتمع لنرى العجائب باسم هذا الحب الأعظم الذي إن سرى أحيا وأعلا وأهدى وأبلى وأهنا.
وادعُ لأخيك الذي توقف عن أمور كثيرة وكتب هذا صبيحة الاثنين والأعباء والواجبات تترى، لكنه سمعك تقول: الحقنا..!! فوجبت!! "
تمت وما انتهت رسالة الحب التي بعث بها المحب د عبدالحليم؛ وما كان مني إلا أن قلت: بحر كلما استزدناه زادنا وزاننا.
اللهم اجعلها له ولمن انتفع بها نورا لنا جميعا في معاشنا ومعادنا وصل اللهم على الحبيب المبعوث رحمة للعالمين.
حسن الخليفة عثمان
كاتب إسلامي
- التصنيف: