أمانة العبادة
ضياع الأمانة كليًا، هو ترك تلك التكاليف، ولكن التقصير في تلك التكاليف أيضًا ضياع لها، ونغفل عنها لأننا لا نحاسب أنفسنا عليها وذلك لأننا نركن إلى أننا قمن بتأديتها ولكن نغفل أن تلك التأدية أبعد ما تكون عن أداء حقها، ولأننا أيضًا لا نجتهد لنعرف ما أبعاد تلك الامانة التي حُمّلنا إياها، فالإنسان كما قال عنه الله عزوجل {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]!
ماذا تشعر عندما تقرأ أو تسمع عن الخيانة وتضييع الأمانة؟!
هذا الأمر تجده كبير جدًا في حق ما يفعله، وكم من الآيات والأحاديت التي تُرغب في خلق الأمانة والذم في الخيانة..
ولكن هل فكرت يومًا أنك من الممكن أن تكون في ضمن من كرهت فعله وتعوذت من أثاره على حياة القلوب، وأنت لا تدري؟!
هل فكرت يومًا في خيانة أمانة العبادة؟
نعم! وهذا أمر جلل! لأنك تخون الأمانة التي أئتمنك عليها الله عزوجل!
فإن كانت الآيات تتحدث عن ذم من ضيع الأمانة في حق البشر، فما بالنا في حق الله عزوجل نستهين بالأمر؟!
الأمانة التي نأت عن حملها السموات والأرض!
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]، ما هي الأمانة المذكورة في الآية؟
وقال القرطبي رحمه الله: "الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور" (الجامع لأحكام القرآن [14/ 252]).
وقال السعدي رحمه الله: "جميع ما أوجبه الله على عبده أمانة، على العبد حفظها بالقيام التام بها، وكذلك يدخل في ذلك أمانات الآدميين، كأمانات الأموال والأسرار ونحوهما، فعلى العبد مراعاة الأمرين، وأداء الأمانتين {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا} [النساء من الآية:58]" (تفسير السعدي ص [547]).
وقال الشنقيطي رحمه الله: "ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه عرض الأمانة، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب على السماوات والأرض والجبال، وأنهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها، أي: خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك عذاب الله وسخطه، وهذا العرض والإباء والإشفاق كله حق، وقد خلق الله للسماوات والأرض والجبال إدراكاً يعلمه هو جل وعلا، ونحن لا بعلمه، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها، وأبت وأشفقت، أي: خافت" (أضواء البيان[36/139]).
فالأمانة وهي التكاليف الشرعية التي أفتراضها الله علينا، برحمته وهو الغني عنا، إن قمنا بحقها أمتثالًا لأمور الله عزوجل أثابنا الله عليها، وإن قصرنا فيها أو تركناها عوقبنا على ذلك، ولأن الإنسان ظلوم لنفسه وجهول فقط ارتضى حمل تلك الأمانة!
ولكن هل خيانة تلك الأمانة تكون بترك تلك التكاليف فقط؟!
ضياع الأمانة كليًا، هو ترك تلك التكاليف، ولكن التقصير في تلك التكاليف أيضًا ضياع لها، ونغفل عنها لأننا لا نحاسب أنفسنا عليها وذلك لأننا نركن إلى أننا قمن بتأديتها ولكن نغفل أن تلك التأدية أبعد ما تكون عن أداء حقها، ولأننا أيضًا لا نجتهد لنعرف ما أبعاد تلك الامانة التي حُمّلنا إياها، فالإنسان كما قال عنه الله عزوجل {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]!
لنأخذ الصلاة والصيام كمثال لتلك الأمانات التي نضيع حقها بالتقصير فيها!
الوضوء والصلاة
الوضوء شرط أساسي لصحة الصلاة، فكيف تكون الصلاة صحيحة بدون الوضوء؟ فإذا فسد الوضوء فسدت الصلاة! ولكن هل تعلمت كيف تتوضأ..؟ ما شروط وأركان الوضوء..؟! لا أحد غالبًا من الناس يراك وأنت تتوضأ ولكن الله عزوجل يراك! وسيحاسبك على تلك الأمانة؟! والوضوء مدخل الصلاة..
أم الصلاة.. أحد أركان الإسلام، وهي أول ما سيحاسب عليها العبد يوم القيامة! عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه أبو داود [864]، وصحح الألباني في صحيح أبي داود [770]).
فما هي الصلاة التي أُومرنا أن نؤديها..؟ الصلاة التي ندخل فيها ونخرج منها لا نستطيع تذكر أي آيات قرأنا بها فيها؟ الصلاة التي ندخلها فنتذكر فيها كل أحداث اليوم ومشاكل اليوم.. أم هي صلاة التي نطمئن فيها..؟ فهل نكون مثل هذا الرجل الذي أرجعه النبي ليعيد صلاته لأنها لم تكن تامة؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخل المسجد، فدخل رجلٌ فصلَّى، ثم جاء فسلم على النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرد النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليه السلام، فقال: « »، فصلَّى، ثم جاء فسلم على النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: « » ثلاثاً، فقال: "والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره، فعلمني"، قال: « » (صحيح البخاري [793]).
هل فكرت يومًا أن تقرأ في صفة صلاة النبي..؟ فنحن في زمن يتوفر لنا كل السبل لتعلم، فالعلم الآن عند أطراف أناملك، وهذه نعمة ستسأل عنها أيضًا، فإن بحثت عن صفة صلاة النبي وجدت كتب، وكتيبات وصوتيات ومرئيات تشرح لك كيف كان يصلي النبي عليه الصلاة والسلام!
انتبه فتلك أمانة عظيمة ستسأل عنها!
ستسأل عن أركان الصلاة، وهل أديت أمانتها أم لا؟!
ستسأل عن الخشوع وحضور قلبك في الصلاة، وهل أديت أمانتها أم لا؟!
ستسأل عن القرآن الذي قرأته في صلاتك وتدبرك له، وهل أديت أمانته أم لا؟!
فإن ضيعت أمانة الصلاة، فلا تستعجب من قلبك وإقباله على الشهوات! {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم من الآية:59]، لا تستعجب إن وجدته لا ينتهي عن المنكر {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت من الآية:45].
لا تستعجب إن جدت الصلاة لا تعينك على نفسك ومحاربة هواك {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45].
هل فكرت يومًا أن ضياع أمانة صيام رمضان، تبدأ من أول شهر رجب، شهر الغرس! فإن كنت لم تستعد لرمضان فكيف تظن أنك سَتُحصّل الثمرة..؟ وثمرة رمضان التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].
فإن كان أهل الباطل يجتهدون من العام للعام لإضلال العباد بكل السبل في هذا الشهر، ويطوعوِّن كل جهودهم وآلاتهم لذلك، فأين أهل الحق من ذلك..؟
ففي تلك الأيام المباركة، إن لم تبدأ بالاستعداد لرمضان بالتوبة، وإصلاح نفسك وتطويعها لأمر لله، وتدبر القرآن والتزود من الخيرات، فكيف ستدخل رمضان وتجتهد في شهر القرآن؟
وقس على ذلك كل ما أئتمنك الله عزوجل عليه! فالأمانة كبيرة وسنسأل عنها، نسأل الله أن يعيننا عليها ولا يكلنا لأنفسنا طرفة عين.
سارة خليفة
طبيبة مصرية، تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة، وتعمل في أسرة التحرير بموقع طريق الإسلام.
- التصنيف:
- المصدر: