الحسنات ولَّادة وكذلك السيئات ... والسوءات!

منذ 2016-05-23

أحيانا لا تستطيع أن تفهم كيف تظهر على بعض الناس خصال معينة ابتداءً، وتطل من معاملاتهم أخلاق في أول الأمر ثم تجد كل ذلك وقد اختفى فجأة أو انقلب إلى الضد تماما!
الحقيقة أن الأمر لا يحدث فجأة كما يهيأ للبعض
إن ترك المرء لبذرة مشاعر ما تنمو بداخله وإصراره على المكث في بيئة تحفز نمو تلك المشاعر وتكاثرها أو توالدها؛ يطمس الخصال المضادة لها رويدا رويدا ويحولها تدريجيا إلى النقيض وتعلو أركان نفسه مع مرور الوقت تلك السجايا التي استنشقها وتخللت طباعه وتكاثرت فيها ذاتيا وتوالدت واستدعت المزيد من أخواتها فجعلته على تلك الحال التي قد تدهشك وإذا بك بعد حين تفاجأ بهم وبأنك لا تكاد تتعرف عليهم وتعرفهم
أو أنك في الحقيقة لم تكن يوما تعرفهم ولا تعرف بوجود تلك المشاعر التي طفحت على سطح شخصياتهم بعد أن تكاثرت وتوالدت
نعم... تلك هي الحقيقة التي لا يدركها البعض
المشاعر والخصال تتكاثر وتتزايد بمجرد تواجدها وترك العنان لها 
وأيضا بالتواجد في بيئات تنتشر فيها تلك المشاعر (الولَّادة)
قديما قالوا ذلك عن الطاعة والمعصية وكيف أن كلا منهما يتوالد ويجلب المزيد من رفاقه
والحقيقة التي أعتقدها أن أصل ذلك هو توالد المشاعر المؤدية لتلك الطاعة أو المعصية
مثلا مشاعر الحقد والكراهية إذا نبتت بذرتها في قلبك وتركتها برهة دون مراجعة وضبط ومحاسبة للنفس وتساؤل عن كُنه تلك المشاعر وهل هي لله أم أن الهوى والأسباب الدنيوية قد تسربت إليها؛ فإن هذه المشاعر لا محالة ستتوالد وربما تنقسم ذاتيا وتتكاثر بشكل مريع يجعلك بعد حين تكاد تنكر قلبك ولا تعرفه وقد علاه سواد الحقد واستشرت فيه ظلمات الغل والكراهية
نفس الأمر بالنسبة لمشاعر العشق والهيام إن لم يتم توجيهها وتأمل طبيعتها وضبطها فستجد ذلك الانغماس المفرط في هيام الرومانسية لأجل الرومانسية نفسها وعندئذ لا تعجب حين تلحظ ذلك الهروب الواضح من الواقع لأجل التحليق الحالم بين سحائب الأوهام بأجنحة الخيال عبر علاقة عابرة أو حتى رواية سطحية أو فيلم تافه طمعا في الوصول للمزيد من تلك المشاعر الناعمة المتكاثرة فهي ببساطة مشاعر متكاثرة ولاَّدة
الجرأة والإقدام أيضا يتكاثران ذاتيا كلما ارتقى المرء سلمهما؛ كلما رخصت الدنيا في عينيه وبات أكثر استعدادا لتحمل كلفة الحق 
كذا الجبن والخور كلما هبط المرء إلى دركهما تدنى أكثر فأكثر وتشابكت أشواك الخوف لتصنع المزيد من الحواجز الكثيفة التي تحول بين الإنسان وبين الإقبال على كثير مما ينبغي أن يقبل عليه وهنا يتمكن الشيطان من ممارسة وظيفة مفضلة لديه وهي وظيفة التخويف "إنما ذلكم الشيطان يخوِّف أولياءه" لكن البداية تكون بتلك النبتة التي سمح لها المرء أن تتكاثر وتتوالد فهي كغيرها من المشاعر... ولّادة
من هنا تستطيع أن تفهم طبيعة تلك التغيرات التي تطرأ على بعض الخلق وتذهب بهم من جهة إلى أخرى وترحل بهم من الشيء إلى ضده ونقيضه وكل ذلك مرتبط بالتوجه العام الذي توفره البيئة المحيطة وتشجعه
ومن هنا أيضا تدرك أن هناك دائما ثمة أمل في التغيير للأفضل وأنه مهما قحلت تربة نفسك فإن هناك إمكانية لاستصلاحها وإعادة غرس النبت الطيب فيها بشرط رعايته وتوفير البيئة المناسبة لتكاثره وتوالده فكما قالوا قديما: الحسنات ولَّادة 
وكذلك السيئات ...
والسوءات!