مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى
قد تأتي عليك الأوقات تظن فيها أنك قد خُلّيت ونفسك .. وأن ربك لم يعد يتولاك بتوفيقه ورعايته! فتذكر حينها سابق إحسانه إليك؛ فهل عودك إلا حسناً وهل أسدَى إليك إلا مِنَنا؟!
أبطأ جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجزع جزعاً شديداً.
قال ابن جريج: احتبس عنه الوحي اثني عشر يوماً. وقال ابن عباس: خمسة عشر يوماً. وقيل: خمسة وعشرين يوماً. وقال مقاتل: أربعين يوماً!، فاشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي مَرِض) فلم يقُم ليلتين أو ثلاثاً؛ فقال المشركون: قد قلاه ربُّه وودّعه، فأنزل الله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}[الصحى:3]
أي: ما تركك ربك يا محمد منذ أن اختارك، ولا أبغضك منذ أن أحبك!
لم يكتفِ الله بمداواة قلب أحب خلقه إليه بتلك الآية، بل زاده بالبشرى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ}[الضحى:5]
قال البيضاوي: وعد شامل لما أعطاه من كمال النفس وظهور الأمر وإعلاء الدين، ولما ادخر له مما لا يعرف كنهه سواه!
ثم عددت الآيات نعم الله عليه –صلى الله عليه وسلم- تنبيهاً على أنه كما أحسن إليه فيما مضى يحسن إليه فيما يستقبل وإن تأخر!
قال ابن عاشور عن حكمة تأخر الوحي في تلك الفترة: "ما كان إلا للرفق بالنبي صلى الله عليه وسلم كي تسْتَجِمَّ نفسه وتعتاد قوته تحمُّل أعباء الوحي إذ كانت الفترة الأولى أربعين يوماً ثم كانت الثانية اثني عشر يوماً أو نحوها، فيكون نزول سورة الضحى هو النزول الثالث، وفي المرة الثالثة يحصل الارتياض في الأمور الشاقة".
وفي بعض الآثار أنه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام لما نزل عليه بتلك الآية: « » فقال جبريل عليه السلام: كنت أنا إليك أشوق ولكني عبد مأمور؛ وتلا: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ}[مريم:64]
قد تأتي عليك الأوقات تظن فيها أنك قد خُلّيت ونفسك .. وأن ربك لم يعد يتولاك بتوفيقه ورعايته!
فتذكر حينها سابق إحسانه إليك؛ فهل عودك إلا حسناً وهل أسدَى إليك إلا مِنَنا؟!
{فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ}[مريم: من الآية 65] أي اصبر صبراً عظيماً بغاية جهدك على كل ما ينبغي الاصطبار عليه (ومنها العبادة) فإنها لا تكون إلا عن مجاهدة شديدة (النسفي)
{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}[مريم: من الآية 65] وهل يستحق أحد منك تلك المجاهدة للوصول إليه .. سواه!
بقلم/ أحمد عبد المنعم
- التصنيف: