تذوق المعاني - [26] أذكار الصباح والمساء (5)
والمراد هنا من تخصيص الملائكة من بين سائر المخلوقات: هو الدلالة على أن الملائكة أفضل من البشر، أو أن المقام مقام الإشهاد، والملائكة أولى بذلك من غيرهم؛ إما لأنهم عرفوا أن الله لا إله إلا هو، وأن محمداً عبده ورسوله، قبل سائر المخلوقات، وإما لأن الأصل في الشهود العدالة، وهي أتمّ فيهم.
1. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند جويرية، وكان اسمها بَرّة فحول اسمها، فخرج وهي في مصلاها، ورجع وهي في مصلاها، فقال صلى الله عليه وسلم: «لم تزالي في مصلاك هذا»، قالت: "نعم"، قال صلى الله عليه وسلم: «قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن؛ سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته» (الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: [1503]).
إذا أردنا أن نعلم كم جلست أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها في مصلاها لقدرنا أنه من بعد صلاة الصبح حتي الظهيرة، عند عودة النبي صلى الله عليه وسلم أي ما يقارب الخمس ساعات أو أزيد ثم يخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بكلماتٍ تزن ما قالته هي طوال هذه المدة في الثواب والأجر، فلابد أن لهذه الكلمات شأن عظيم.
«سبحان الله وبحمده عدد خلقه»: فكأنك تقولها بعدد خلق الله، هذا العدد الذي لا يحصيها بشر، فخلق الله لايحصي من حيث النوع، فهناك الأنس والجن والملائكة والحيوانات بأنواعها المختلفة والكائنات البحرية والطيور وعالمها والمطر والرعد والبرق وسحب السماء ونجومها وجبال الأرض، وسهولها ورملها وترابها، ما لا يحصي من الخلق، وتحت كل نوع عدد لا يحصيه بشر فكم عدد البشر من أول آدم عليه السلام إلي من تقوم عليهم القيامة.
ونحن الأحياء الأن بالمليارات فكم يكون عددهم، وكم يكون عدد الملائكة الذين يدخل منهم كل يوم سبعون الف ملك البيت المعمور في السماء لايخرجون منه حتي قيام الساعة، وكم عدد الجن وبقية المخلوقات من كواكب ونجوم ومجرات لا نعلم عنها شيء؛ كل هذا العدد يدرج في قول: «سبحان الله وبحمده عدد خلقه».
«سبحان الله وبحمده ورضا نفسه»: أي أبلغ به رضا الله عز وجل، كما يقول أهل البلاغة الأسلوب خبري اللفظ إنشائي المعني الغرض منه الدعاء، فأنت تسبح الله وتحمده وفي نفس الوقت تدعو الله أن يبلغك ذكرك رضاه عز وجل، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبوسعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخر حديث رؤية الله عز وجل يوم القيامة: «هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول الله: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا، أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقول الله: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا، أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول الله: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبداً»، فماذا بعد رضا الله عز وجل؟!
«سبحان الله وبحمده زنة عرشه»: أي يكون وزنها في وزن عرش الله عز وجل، والعرش كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما السموات في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة» (الراوي: أبو ذر الغفاري - خلاصة الدرجة: صحيح لغيره - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: [109]).
هذا هو العرش فما بالكم بحملة العرش، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش: إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه، مسيرة سبعمائة عام» (الراوي: جابر بن عبدالله - خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: [4727])، فكم يكون وزن العرش؟! وكم يبلغ وزن «سبحان الله وبحمده زنة عرشه».
«سبحان الله وبحمده مداد كلماته»: وكأن قولك يحتاج لمداد كمداد كلمات الله حتي يكتب ومعلوم أن مداد كلمات الله يفوق البحار والمحيطات، قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي َلنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف من الآية:109]، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان:27]، وعلى هذا فيكون المعنى أنه واسع كثير جداً.
ويبقي شيئ مهم وهو ألا نفتر عن ذكر الله وأن نستشعر المعاني الإيمانية ونتفكر في الأذكار التي نرددها وأن نصدق النية مع الله في كل شيء.[المصدر:جزء من محاضرة: (الفتاوى الثلاثية [1-2-3]، للشيخ محمد بن صالح العثيمين].
فأكثروا من قول «الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته»، في كل وقت وكل حين فأجرها عظيم.
2. «اللَّهُمَّ إنِّي أصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ، وأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ، ومَلائِكَتِكَ، وجَميْعَ خَلْقِكَ، أنَّكَ أنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيْكَ لَكَ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ ورَسُولُكَ» (أرْبَعَ مَرَّاتٍ) (أبو داود [4/317] برقم [5069]، والبخاري في الأدب المفرد برقم [1201]، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم [9]، وابن السني برقم [70])، وجاء في الحديث: «أن مَن قالها حين يصبح أو يمسي أربع مرات، أعتقه الله من النار».
«وأُشْهد حملة عرشك»: قال تعالى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17]، قال ابن عباس: "{فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}أي: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدَّتهم إلا الله"، وكذا قال الضحَّاك.
وقال الحسن البصري: "الله أعلم كم هم؟ أثمانية أم ثمانية آلاف؟".
«وملائكتك»: لملائكة خلق عظيم، خلقهم الله تعالى من نور؛ فعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خُلِقَت الملائكةُ من نورٍ، وخُلِقَ الجانُّ من مارج من نارٍ، وخُلِقَ آدمُ مِـمَّا وُصِفَ لَكُم» (صحيح مسلم [2996]).
وعطفه «جميع خلقك» على «ملائكتك»؛ من باب عطف العام على الخاص؛ لأن جميع الخلق تتناول الملائكة وغيرهم.
والمراد هنا من تخصيص الملائكة من بين سائر المخلوقات: هو الدلالة على أن الملائكة أفضل من البشر، أو أن المقام مقام الإشهاد، والملائكة أولى بذلك من غيرهم؛ إما لأنهم عرفوا أن الله لا إله إلا هو، وأن محمداً عبده ورسوله، قبل سائر المخلوقات، وإما لأن الأصل في الشهود العدالة، وهي أتمّ فيهم.
«أعتقه الله»: الإعتاق هنا هو التخلُّص عن ذل النار.
سهام علي
كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.
- التصنيف:
- المصدر: