شامُنا الجريح: دعاءٌ لأهل حلب

منذ 2016-12-18

هذه أبيات تضمنت مشاعر جالت في النفس وخواطر اعتلجت في الفوائد حول أوضاع إخواننا المسلمين في شامنا الحبيبة، وفيها تفاؤل وتبشير ودعاء، ولا أحسن الشعر بل هي أول قصيدة كتبتها وربما آخر، وقد عرضتها على أحد الأفاضل فأجرى عليها شيئا من التعديل من حيث الوزن، نظمتها على غرار منظومة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس وضمنتها بعض أبياتها، وهو صاغها على غرار قصيدة عنوان الحكم لأبي الفتح البستي وضمنها شيئا من أبياتها.

لِكُلِّ بَغـيٍ إِذَا مَا زَادَ هُلكـــَانُ *** أَيْـنَ الطُّغَـاةُ كَأَنَّ القَوْمَ مَا كَانُــوا

عَاثُوا فَسَادًا وجَـورًا أَزمُنًا قُضيَـتْ *** فَأَيْنَ مِنْهُم أَسَارِيــرٌ وَأَشْجَـــانُ

أَتَى عَلَى الْكُـلِّ أَمْرٌ لَا مَرَدَّ لــَهُ *** حَتَّى قَضَــتْ أُمَمٌ لَـمْ يَبْقَ إِنْسَـانُ

وَلِلنَّوَائِـبِ سُلْــوَانٌ يُهَوِّنُــهَا *** وَمَا لِـمَا قد أصابَ الشَّـامَ سُـلْوَانُ

أَمْرٌ عَظِيمٌ وكَـربٌ لَا عَزَاءَ لــَهُ ***حَتَّى قَضَـتْ مِنْـهُ أَمْصَارٌ وَسُكَّـانُ

تَبْكِي الْعُيُونُ دُمُوعًا لَا انْكِفَافَ لَهَا *** وَفِي الْقُلُـوبِ أَسًى مُضْـنٍ وَأَحْـزَانُ

فسَلْ عَنَ اَخْبَارِها تَأْتِيكَ مُنبــِئَةً *** قدْ حَـلَّ سَاحَاتِهـَا ظُلْمٌ وَطُغْيَــانُ

خَلْقٌ أُلُوفٌ مِـنَ الأَرْوَاحِ أَزْهَقَـهَا *** ظُلْـمُ الطُغَــاةِ وإفســادٌ وَعُدْوَانُ

فَكَمْ مِن اُمٍّ وَطِفـْلٍ حِيلَ بَيْنَهُـمَا *** كَمْ مُزِّقَــتْ ثَمَّ أَجْسَــادٌ وَأَبْـدَانُ

وَكَمْ فَتَاةٍ تُحاكي الشَّمْسَ إِذْ طَلَعَتْ *** كَأَنَّمَــا هِـيَ يَاقُوتٌ وَمَرْجَـــانُ

يَقُودُهَا العِلْـجُ لِلْمَكْرُوهِ مُكْرَهَـةً *** وَالْعَيْـنُ بَاكِيَــةٌ وَالْقَلْــبُ حَيْرَانُ

لِمِثْلِ هذَا يَذُوبُ الْقَلْـبُ مِنْ كَمَدٍ *** إِنْ كَانَ فِي الْقَلْـبِ إِسْـلَامٌ وَإِيمَــانُ

رَبَّاهُ نَشْكُو إِلَيْــكَ الذُلَّ حَلَّ بِنَا *** فَـمَا عَلَى الْــخَيْرِ أَنْصَارٌ وَأَعْــوَانُ

فَهذِهِ الشَّـامُ تَدْعـُونا وَلَا أَحَــدٌ *** مِنَّا يُجِيـبُ وَمَا فِي الْقَـوْمِ مِعْــوَانُ

كَمْ يَسْتَغِيثُ بِنَا الْمُسْتَضْعَفُونَ وَهُمْ *** قَتْلَى وَأَسْرَى فَمـَا يَهْتــَزُّ إِنْسَــانُ

هِيَ الشَّآمُ شَـآمُ النَّـوْرِ فَاغِمَــةً *** تارِيخـُهـا فيه أَفْنَانٌ وَأَغْصَــــانُ

قَدْ أُعْطِيَ المصطفى مِفْتَاحَ زَهـْرَتِهَا *** حَـتَّى كَأَنْ قد رَأَى قَصْــرًا لَهُ شَانُ(2)

وَفِـي دُعَاءٍ عَظِيــمٍ للنَّبـِيِّ أتى: *** للشامِ بُـورِك خيـراتٌ وإحســَانُ(3)

وَفِي الْـمَنَامِ رَأَى الأَمْلَاكَ آخِـذَةً *** عَمُـودَ نُـــورٍ تجاهَ الشَّامِ يــزدَانُ

وَقَالَ: إِنْ فِتَنٌ فِي أرضكُمْ وَقَعَتْ *** فَشَامُكُــمْ فيه إِسْــلَامٌ وَإِيمَــانُ(4)

وَحيثُ نَارٌ لِحَشْرِ النَّاسِ قَدْ خَرَجَتْ *** فَيَمِّمُوا نَحْوَهَا رَجْــلَى وَرُكْبَــانُ(5)

يَا قَوْمَنَا هَلْ عَلِمْتُمْ بِالذي رُزِئَـتْ *** شَامُ الْعَــلَاءِ فتشــريدٌ وَعــُدْوَانُ

قَـوْمٌ طُغَاةٌ بُغَـاةٌ زَادَ خُبْثُــهُمُ *** فريـقُ شَرٍّ وَلِلشَّيْطَــانِ أَعْـــوَانُ

شِبِّيحَةُ الشَّــرِّ أَعْوَانٌ لِطَاغِيــَةٍ *** أَزْلَامُ رِجْـسٍ وَلِلمَدْحُــوْرِ إِخْـوَانُ

أُسْــدٌ عَلَى ضُعَفَاءٍ لَا عتَاد لَـهُمْ *** وفي لِـقَاءِ العِـدَى جُعْـلٌ وَحُمْـلَانُ

حَبَائِلُ المَكْرٍ لِلأخْـيَارِ تَنْصِبُــهَا *** وذي دِمَاءٌ وَأَشْـــلَاءٌ وَأَحْـــزَانٌ

تَجرَّدُوا عنْ خِصَالِ الْخَيْرِ أَجْمَعِهَا *** وَبِالدِّثَارِ دِثَارِ الشَّـــرِّ قَدْ شَانُــوا

بِلَا عُقُـولٍ و َلَا سَمْعٍ وَلَا بَصَـرٍ *** يُغْنِيــهُمُ فَـهُمُ صُـمٌّ وَعُمْــيَانُ

بِئْسَ الْقُلُـوبُ وَأَكْبَادٌ فَكَمْ غَلُظَتْ *** أفَوْقَ الاَشْــلَاءِ تَطْريبٌ وَأَلْــحَانُ

أَيَا قُلُوبًا لهم مِنْ فَرْطِ قَسْوَتـــِهَا *** كَأنَّما هِيَ أَحْـــجَارٌ وَصَــفْوَانُ

بِئْسَ الْوُجُوهُ فَقَدْ شَاهَتْ وَمَا جَمُلَتْ *** أَنَّى لـِهَذي الوُجُوهِ الْغُبْرِ إِحْــسَانُ

لِلّهِ يَا قَوْمِ وَعــْدٌ وَهْوَ مُنْجِــزُهُ *** نَصْــرٌ لِنَاصِرِهِ مَا فِيهِ خِـــذْلَانُ

وَإِنْ تَكِدْهُ السَّمَا وَالْأَرْضُ أَجْمَعُـهَا *** فلاَ سَبــِيلٌ لها عنْـهُو وَسُــلْطَانُ

من يَخذُلِ اللهُ ما المخذولُ مُنتَصِـرٌ *** ومَن يُهِنْهُ فلاَ خَيْـــرٌ وَإِحْــسَانُ

بِاللهِ يَا قَوْمَــنَا عُودُوا لِخَالِـقِكُمْ *** عُــودُوا إِلَى اللهِ تَسْلِــيمٌ وَإِيـمَانُ

قُولُوا جَمِـيعًا أَمَـوْلَانَا وَسَيّـِدَنَا *** نَدْعُــوكَ يَا رَبَّنا وَالقَلْبُ حَـــرَّانُ

يَا رَبَّـنَا طَالَ مَـكْرُ الْمُعتَدِيـنَ بِنَا *** كَـمْ نَالَنَا مِنْـهُمُ بَطْـشٌ وَعُـدْوَانُ

يَا مَـنْ خَزَائِنُــهُ مَلأى مُفَتَّـحَةٌ *** النَّصـْرُ مِنْكَ بِنَصْرٍ أنتَ مِــحْسَانُ

مُجَاهِدي الشَامِ صَبْرَاً إنَّ مَوْعِدَكُمْ *** يُسْرٌ يَلُوْحُ وَتَيْسِـــيرٌ وَبُشْــرَانُ

فَاللهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ أخْبَــرنَا *** أنْ بَعْدَ كُلِّ عَسِـــيْرٍ حَلَّ يُسـْرَانُ(6)

________________

(1) هذه أبيات تضمنت مشاعر جالت في النفس وخواطر اعتلجت في الفوائد حول أوضاع إخواننا المسلمين في شامنا الحبيبة، وفيها تفاؤل وتبشير ودعاء، ولا أحسن الشعر بل هي أول قصيدة كتبتها وربما آخر، وقد عرضتها على أحد الأفاضل فأجرى عليها شيئا من التعديل من حيث الوزن، نظمتها على غرار منظومة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس وضمنتها بعض أبياتها، وهو صاغها على غرار قصيدة عنوان الحكم لأبي الفتح البستي وضمنها شيئا من أبياتها.

(2) كما في حديث البراء بن عازب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في قصة حفر الخندق وفيه قوله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: "فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ» فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا» (رواه أحمد)، وقال الهيثمي: "وفيه ميمون أبو عبد الله، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات"، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح.

(3) كما في الدعاء المأثور «اللهم بارك لنا في شامنا» (رواه البخاري) .

(4) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلاَ وَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ» ( رواه الحاكم). وبمعناه عن عبد الله بن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا عَمُودَ الْكِتَابِ فَعَمَدُوا بِهِ إِلَى الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ فَالأَمْنُ بِالشَّامِ» ( رواه الطبراني في الكبير)، وللحديث طرق أوردها الحافظ في الفتح وقال: "وهذه طرق يقوي بعضها بعضا وقد جمعها ابن عساكر في مقدمة تاريخ دمشق".

 (5) عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عليه وسلم: «سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ ، أَوْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ» قَالُوا: فَبِمَ تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ» (رواه أحمد)؛ وعن بهز بن حيكم بن معاوية القشيري؛ عن أبيه؛ عن جده قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أين تأمرني؟ فقال: «ها هنا»، وأومأ بيده نحو الشامِ، قال: «إنكم محشورون رجالاً وركبانًا، ومُجْرَون على وجوهِكم» (رواه الرَّبعي في فضائل الشام).

(6) إشارة إلى قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا؛ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح:5-6]، قال الحسن البصري: " كانوا يقولون: لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين".

قال ابن كثير: "ومعنى هذا: أن العسر معرف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكر فتعدد؛ ولهذا قال: "لن يغلب عسر يسرين"، يعني قوله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح:5-6] فالعسر الأول عين الثاني، واليسر تعدد".

روى الحاكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام وقد تألب عليه القوم فكتب إليه عمر: سلام عليك أما بعد فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة إلا يجعل الله له بعدها فرجا ولن يغلب عسر يسرين.

اللهم انصر إخوننا المسلمين المجاهدين في سبيلك في أرض الشام، اللهم الطف لهم بتيسير كلِّ عسير، وأيدهم بتأييدك، واحقن دماءهم، واحفظهم في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم، أنت المستعان وعليك التكلان وأنت حسبنا ونعم الوكيل.

عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر

عضو هيئة التدريس بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة