داريا... حلقة بمسلسل تهجير سنة سورية

منذ 2017-01-25

قد لا يكون تهجير أهالي داريا هي آخر حلقات مسلسل التهجير القسري لأهل السنة من سورية.

لا تخفى معالم جريمة الحرب التي يقوم بها النظام النصيري في سورية مع كل اتفاق إذعان يقوم به مع فصائل الثورة السورية المسلحة، حيث يصر على إدراج بند ينص على تهجير سكان المدن والبلدات من أهل السنة تحت تهديد الإستمرار بمسلسل الإبادة واستخدام جميع الأسلحة المحرمة دوليًا ضد الحجر والشجر والبشر.

وليس عجبًا أن يجري ذلك تحت سمع وبصر الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية التي لم تعد مجرد شاهد زور على ما يجري في الدول العربية والإسلامية من انتهاكات، بل باتت المنظمة الدولية شريكًا في الجرائم التي يرتكبها الروافض والنصيريين في كل من سورية والعراق واليمن وغيرها.
 

وكيف لا وقد تواطأت المنظمة الدولية على حصار بلدة مضايا السورية من خلال التماهي مع النظام النصيري بدمشق ومنحه صلاحية التلاعب بألفاظ ومصطلحات التقارير الأممية بشأن حصار البلدة، حيث حذف النظام النصيري كلمة "محاصرة" عند الحديث عن مضايا واضعًا بدلًا منها كلمة "يصعب الوصول إليها" كما كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ناهيك عن فضيحة علم المنظمة الدولية بالمجاعة في مضايا - بسبب حصار النظام النصيري لها - قبل أشهر من إنتشار أنباء الموت جوعًا هناك على مواقع التواصل الاجتماعي كما ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
وها هي منظمة العهر والعار تشارك اليوم في تهجير أهل داريا من بيوتهم لصالح المشروع الصفوي المدعوم غربيًا، تمامًا كما شاركت من قبل في تهجير أهل الزبداني وأهل حمص وغيرها من البلدات السورية، فأسياد هذه المنظمة ومبتدعوها يقفون اليوم بكل وقاحة وصفاقة مع هولاكو العصر ونيرون الزمان في الشام.

لقد انتهت أمس الجمعة بالفعل المرحلة الأولى من إتفاق إخلاء مدينة داريا في ريف دمشق من سكانها، في حلقة من مسلسل تهجيرمتكرر لكل بلدة صامدة أو مدينة مقاومة للمشروع الصفوي النصيري الدولي في سورية، من خلال سلاح الحصار والتجويع والقصف العنيف المدمر بأعتى الأسلحة المحرمة دوليًا، والتهديد بالإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة التي تجرمها نصوص المعاهدات والمواثيق الدولية العفنة.

نعم... لقد غادر أمس نحو أربعمئة مقاتل مع أسرهم من بلدتهم داريا باتجاه مناطق سيطرة المعارضة في مدينة إدلب شمال سوريا حسب الإتفاق، فيما غادر نحو ستمئة مدني إلى بلدتي قدسيا والكسوة بريف دمشق، لتستكمل غدًا وبعد غد عملية الإجلاء وخروج المقاتلين بسلاحهم الفردي، بينما يخرج المدنيون دون أن يحملوا أي شيء من مقتنياتهم الشخصية ذات القيمة المادية، بالإضافة لمنعهم من حمل المال أو الذهب حسب شروط نظام الطاغية.

وبعيدًا عن الأسباب التي أدت إلى اضطرار ثوار داريا القبول ببنود مثل هذا الإتفاق المجحف الذي أرغمهم على ترك منازلهم وتهجيرهم من أرضهم، والتي كان أولها تخاذل ثوار محافظة درعا عن نجدة إخوانهم المحاصرين منذ أربع سنوات متواصلة، وعدم تحريك جبهة الجنوب التي استفاد من جمودها النظام النصيري بالتفرغ للنيل من صمود وثبات أهل درايا... فإن ما حدث بداريا يؤكد مضي النظام النصيري بإحداث تغيير ديمغرافي حول العاصمة دمشق مرورًا بالحدود السورية اللبنانية تنفيذًا لأجندة طهران وخدمة لمشروعها الصفوي في المنطقة.

وعلى الرغم من وضوح هذا المخطط الخبيث فيما يجري في كل من سورية والعراق على وجه الخصوص، حيث التهجير القسري لسكان المدن والبلدات السنية أمام سمع وبصر العالم بأسره، والذي يهدف في النهاية إلى تحويل الأكثرية السنية الساحقة في الدول العربية والإسلامية إلى أقلية أمام الأقليات من الرافضة والنصيرية وغيرهم... إلا أن الدول السنية – فيما يبدو – لم تحسم أمرها بعد بخصوص إنشاء تحالف سني لمواجهة خطر المشروع الصفوي على هويتها بل و وجودها في المنطقة.

ومع ظهور انحياز الدول الكبرى وصنيعتها الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية إلى طاغية الشام وملالي قم... إلا أن الكثير من الدول العربية ما تزال تستنجد بمجلس الأمن و تعول على الأمم المتحدة في إيقاف العبث الرافضي بأمن وأمان الدول السنية وأهلها!! لا يمكن لأحد أن يلوم أهل داريا على اضطرارهم القبول بأخف الضررين كما يقال، فقد صمدت المدينة أمام أعتى هجمة همجية شهدتها البشرية، ويكفي أن نذكر أن قوات النظام قد أسقطت في أسبوع واحد من شهر حزيران/يونيو الماضي 309 برميلًا متفجرًا على المدينة، كما استهدفت المدينة في يوم 20 من الشهر نفسه بأكثر من ستين برميلًا متفجرًا حسبما أكد المجلس المحلي للمدينة... حتى أطلق "ستيفن أوبراين" مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية على مدينة داريا اسم: "عاصمة البراميل المتفجرة"!!

كما مُنعت عن مدينة العنب والدم - كما يحلو لأهلها أن يسموها - المساعدات الإنسانية الدولية، وكانت أول قافلة مساعدات لها في 10 حزيران/يونيو 2016م بعد 4 سنوات من الحصار، وأثارت المساعدات سخط المدنيين، إذ إنها لم تحتوِ على مساعدات ضرورية، وهو ما دفع عضو المكتب الإعلامي لمدينة داريا للقول: "الأمم المتحدة شريك بشار الأسد في حصار المدينة وقصفها وإفراغها من أهلها".

تعرضت أكبر مدن غوطة دمشق الغربية منذ بداية الثورة السورية لأكثر من مجزرة كان أكبرها وأفظعها في 25 آب/أغسطس من عام 2012م، يوم قامت قوات الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري التابعين لقوات النظام السوري بقتل أكثر من 300 مدني في المدينة بينهم نساء وأطفال، ناهيك عن أكثر من ألف جريح ومصاب، ناهيك عن المفقودين.


لقد أثر مشهد خروج مقاتلي درايا وأهلها من بلدتهم بعد هذا الصمود الأسطوري في نفوس كثير من السوريين والمهتمين بثورة أهل الشام، وعبر الكثير من المغردين على "تويتر" عن تقديرهم لثبات وصمود مقاتلين ومدنيي درايا، مؤكدين أنهم خروجوا من بلدتهم مرفوعي الرأس، وأنهم كرارون لا فارون، و أن اللائمة تقع على من خذلهم وتقاعس عن نصرتهم ومساندتهم.

قد لا يكون تهجير أهالي داريا هي آخر حلقات مسلسل التهجير القسري لأهل السنة من سورية، خصوصًا إذا لم تعي الفصائل المقاتلة على الأرض أن العامل الأهم في إيقاف هذا المشروع وإحباطه وإفشاله يكمن في وحدتهم وإخلاصهم في إعلاء كلمة الله ونصرة دينه.

 

د. زياد الشامي

24 ذو القعدة 1437