الزحزحة المطردة بعيدا عن الإسلام
ثمة أمان غريب واطمئنان مزعج يعيشونه بينما الإسلام وأهله يمسي لهم دور الأقلية ويعيشون على هامش المجتمع بينما عصبه المؤثر والمشكل لقيمه وأخلاقه وواقعه في اتجاه آخر..
حول إلغاء مادة الدين من التعليم.. قوم يصرخون، وآخرون ينفذون
بعض الأنظمة تمنع الوعاظ والدعاة الإسلاميين رأسا وابتداء.. وهذا معروف أمره للأمة التي تنتظر تغير الظروف ليعود صوت هذا الدين.. فيما يحسن الناس الظن بالدعاة المقهورين والمغلوبين على أمرهم.
لكن ثمة أنظمة أخرى أخطر وأقل غشما وغباء؛ حيث تدَع (الدعاة) يتكلمون أو يصرخون.. يتمتمون بكلمات مكرورة ويجترّون جملا محفوظة، وأيما بحة أو شحتفة تسهل الوجبة الدعوية.
لكن تبقى المشكلة الكبيرة قائمة..
الدعاة والوعاظ يتكلمون ويظهرون، (الغُترة) (مكوية) جيدا لم تتكسر، الأمور تسير بخير؛ الحلقات متوالية والأيام تتوالى وتمر الليالي، وهي مُرة.
لكن في الوقت نفسه تسير تلك الأنظمة من خلال (المنهج الإعلامي المدروس) و(المنهج التعليمي المدروس)، وكذا (سبل التثقيف وبث القيم) في اتجاه الزحزحة المطردة بعيدا عن الإسلام ومقتضيات الوعظ والدعوة، بل تسير في اتجاه محكم ومخطط لاستبدال القيم، وتقليل، إن لم يكن محو، أثر هذا الدين.
بل وتسارع تلك الأنظمة في ولاء العدو واستباحته لبلاد المسلمين وثرواتهم ومقدراتهم، ويزداد تمكنا من رقاب البلاد، وتزداد الأنظمة تبعية ويزداد رهان المسلمين لعدوهم.. بينما الوعظ (شغال) !!
لا يجب أن يكون لهؤلاء حينئذ لهم وصف العمالة أو الخيانة، فهذا ليس لازما، ولا يبدو صحيحا باطراد، ولا نحتاج الى إلصاق هذا الوصف بأحد..
إنما نحتاج الى مستويين من التساؤل، وكلاهما مختلف عما يبتادر الى الذهن..
أولهما: هل هؤلاء الدعاة يفهمون الإسلام ودوره وصورة تطبيقه الواقعية؟ هل يعرفون مدى التغيير المطلوب، هل يعرفون حجم ما ينبغي تغييره.. هل الإسلام هو تسبيحات تحت ظلال راية الغرب؟ وتجر هذه الجملة جملا كثيرة وأسئلة كثيرة، لا تخلو من أسى كما لا تخلو من تجريح..
والسؤال الثاني: هل تحتاج الأمة إلى وعاظ ودعاة وخطباء أم تحتاج الى حكماء يعرفون عللها وخللها، ويعرفون الإسلام ودوره، ويعرفون الواقع وتعقيداته ويعرفون مقدار النقلة المطلوبة، ويعثرون على الطريق..؟
يطمئن الكثير عندما يجدون قنوات الوعظ (تتكاثر)، ولست أشاركهم في هذا؛ إذ بجانبها الكثير مما يمثل الإطار الفاعل للنقلة الحقيقية المرادة للمجتمع وهو في الاتجاه المضاد؛ بينما تمثل هذه القنوات ديكورا لمُخرج آخر، أو حالة من النجاح والقدرة (للمخطِط) على استيعاب أطياف مجتمع لهضمها وتجاوزها وزرع حالة تغريبية وإباحية جديدة..؟ لقد نجح (المخطِط) أن يتجاوز (عقبة) الدعاة بسهولة بل واستخدمهم (للتسكين والشرعية) لحين التخلص منهم بأيسر مما يتخلص من منديل مستعمل.
قد يفسر لك هذا بعضا من صيحات الرموز في أوقات دون أوقات، وأكثرها خادمة لهدم المشروع الإسلامي..! ويفسر لك بعضا من التحرج من الدم حينا مع الصلافة أحيانا كثيرة عندما يُقتل المسلم مباشرة.. ثم يتدافعون ويتساءلون ويتهاترون هل الطواغيت الذين قتلوا المسلمين مسؤولون عن هذا القتل؟!! أم من دفع المسلمين للصمود والمواجهة؟!! ثم يرجحون الثانية ويصبون عليهم اللعنات والحناجر وكأن الجريمة أضحت تعكير صفو القتلة..!
وقد يفسر لك لماذا يعيشون مرتاحين جدا في ظل تبديل الشرائع وتقنين وشيوع الإباحية وولاء الكافرين..
وقد يفسر لك مدى الراحة ومزاولة الحياة بارتياح ومتعة بعد هزيمة راية الإسلام وقتل وإهانة وتشريد وشيطنة أهله، ثم حتى مع إلغاء مادة الدين واكتساح وتقدم دور الأقليات، ودور قوى الإباحية، والتي أوكل اليها تشكيل الأجيال القادمة ـ بما فيهم ذريتهم! حتى أنك لتشعر أنهم فقدورا قرون الاستشعار لأي إحساس نحو الخطر أو الأسى أو الغضب.. ولو فعلوا ففي المكان الخطأ والزمان الخطأ والحدث الخطأ..!
ثمة أمان غريب واطمئنان مزعج يعيشونه بينما الإسلام وأهله يمسي لهم دور الأقلية ويعيشون على هامش المجتمع بينما عصبه المؤثر والمشكل لقيمه وأخلاقه وواقعه في اتجاه آخر..
يبقى السؤال هل تحتاج الأمة حكماء؟ أم خطباء؟ ولماذا يتصور من أحسن الخطبة أنه يحسن توجيه مجتمع أو أمة..؟
وهل من الصواب أن تجنح الأمة لاتباع كل واعظ أو متلفع بغترة وطاقية أو بمن يحسن استخراج الدموع من الناس؟ أم تكون خلف حكماء وفقهاء يعرفون الداء ويشرعون في طريق الدواء؟
ثمة سؤال أصعب لهؤلاء المرضي عنهم من الوعاظ وأضرابهم.. ماذا لو صمتوا قليلا، وفكروا كثيرا، ونظروا الى اتجاه الواقع..؟!
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: