أشواق وشهداء..
أما الفائز على المدى القصير والعاجل فأنا وأنت، حينما نصْدُق، وحين يرى تعالى منك ما أمر.. ولا تخلط بينهما.
مقدار ابتعاد الأمة كثير، والمسافة بعيدة، وطريق العودة له دروبه ومنحنياته وقد يقف أحيانا أو يأخذ منعرجات..
لكن في كل محاولة للعودة يظن كل أهل بلد أنها ستنطلق من هناك، كما ظن الأفغان زمنا، وكما ظن أهل الجزائر عام 91، وكما ظن أهل مصر زمن الربيع العربي.. هكذا كل ظن.
ظنهم ليس كاذبا، لكن الموجات أبعد.. فتستغرق موجات من الزمن وقطاعات من الشعوب ومساحات من القلوب والمشاعر والأعمال والمواقف..
وكل ظن من شعب أو أهل بلد أن الانطلاقة من ثَم كثيرا ما لا تقع، إذ إن الرغبة البشرية طبيعتها التعجل، وهذا أمر لا يعاب على أهله بل يُمدح لهم طلب نصرة الدين ويمدح لهم رجاؤهم في ربهم تعالى.. وسيحقق الله تعالى وعده، ويصْدقهم موعوده تعالى؛ لكن بطريقة ربانية تستغرق ما يشاء الله تعالى من زمن أو بلاد أو نفوس..
لكن في نهاية كل جولة ثمة حدث كبير وهائل على المستوى الشخصي لكلٍ.. إذ فاز من بذل واصطفاه الله للشهادة.
كثيرا ما ننسى أن المطلوب مواقفنا نحن، كما جاء في الحديث: (ليبتليك ويبتلي بك) وأن الفائز هو من فاز في المواقف وأعطى من نفسه لله وصدق حتى النفَس الأخير..
فاز ذلك المتضمخ في دمائه ينظر الى السماء ويبتسم ضاحكا، وفّي ووفّى الله له وجعله علامة لمن خلفه، وأما شأن الأرض بعده.. فذلك شأن من بقي ليكمل الامتحان.. هنا تزفر الشهقات وتسكب الدمعات على من بقي بعدهم.
أما يفعل الله بعده، أو به، أو بأثره.. فهذا لله. فثمة حِكَم ربانية وبراهين ووعود وأمم يشملها قدر الله تعالى فيما يُجريه.
وسيكون من الخير ما تطمئن به قلوب المؤمنين، ويَصْدق لهم الوعد فيرونه بأعينهم عيانا {هذا ما وعدنا الله ورسوله} ، ويطمئن الصِّديقون {سبحان ربِنا. إنْ كان وعْدُ ربِنا لمفعولا} ، وتنبهر به قلوب ضعاف الإيمان وأصحاب الريب {فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين} ، وتبهت به وجوه الذين كفروا {فبُهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين} .
أما الفائز على المدى القصير والعاجل فأنا وأنت، حينما نصْدُق، وحين يرى تعالى منك ما أمر.. ولا تخلط بينهما.
لقد فاز قوم بالشهادة ووفى قوم حتى اللحظة الأخيرة وكلاهما فاز.. وأما الإسلام نفسه فالله تعالى يصنع له، والله تعالى يصنع به، ويُبطل به عقائد وزيف، ويسقط به باطلا كثيرا، ويجري به قدره تعالى..
يكفي أن تموت ورايتك في يدك لم تُفلتها ولم تسقط منك، ويكفي أن تلقى الله وأنت على الطريق، وأن تلقاه وأنت محترق على دينك وأمتك، لم تنخدع بالباطل ولم تنهزم، ولم تترك جهدا إلا بذلته..
يا أخي الحبيب.. نحن اليوم محترقون على واقع الأرض وواقع أمتنا ولهذا أجره ومكانته عند الله، ولكن إذا قمت بما عليك وقضيت شهيدا صريحا، أو صِدّيقا وفيا، أو مؤمنا في غربة؛ ووصلت الى قناديل معلقة بالعرش، حيث لا صخب ولا وصب، وحيث تسرح في الجنة ما شئت.. فلا أدري هل سيسأل هؤلاء الشهداء عن دنيانا أم هم يومئذ {في شُغُل فاكهون} ..؟
ليس كلامي لتقعد..! بل كلامي لتبذل ولا تيأس من نتيجة أو استبطاء، لأنك حينما تبذل فأنت الفائز؛ فسواء وجدت أو لم تجد فلا تحرِم نفسك من شرف العمل لله ومع الله.. من أجله تعالى.
واعلم وأن تبذل أنك قطرة، وأن:
تتابع القطرات ينزل بعده سيل، يليه تدفق الطــــــــوفان
فيموج يقتلع الطغاة مزمجرا أقوى من الجبروت والسلطان
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: