قصور الأغنياء
إن من قيمة المال أن يهدي الناس الى الخير، وأن يبين لهم الحق، وأن يملأ القلوب كما يملأ البطون.
قصور عند أغنياء المسلمين، ليست قصورا مسكونة بل هو قصور مذموم ومعيب في فهم دور المال.
فإعطاء الفقراء مالا في اليد ليس هو كل شيء، فالإعطاء مطلوب، بل وشرَع الله تعالى أن يكون العطاء على وجه الإغناء القاطع للفقر، بآلة لحرفة أو لنفقة عام أو غير ذلك، فإغناء الفقراء مطلوب.. لكن هذا جانب.
ولكن ثمة جانب يبدو اليوم ملحّا بشدة.. وهو الاستثمار في هداية الناس وإصلاح عقولهم واستقامة مشاعرهم وتوعيتهم بالحقائق؛ حقائق الدين وحقائق الواقع وحقائق التهديدات والخطورة والفرص، حقائق الحقوق المسلوبة والمقدرات المنهوبة.
كم من فقير أطعمه أو كساه ـ بإذن الله ـ مسلمٌ موسر، ثم يأتي من يتلاعب بعقل الفقير فيحشده لحتفه! ولخسارة دينه ودنياه، ناهيك عن حشده لإنكار الإسلام وجحود الخير والتنكر لمصلحته ومصلحة بلاده ووقوفه مع عدوه ومع سارقيه لصنع مستقبل مظلم، مع تشويه المسلم، الذي أحسن اليه، وتسليمه لعدوّهما، أو ليؤذيه بنفسه..! والسبب القابع خلف كل هذه المواقف هو أن هناك من تلاعب بعقله وقلب له الحقائق مع أنه سارق له ولم يطعمه؛ فترك الفقراء من ساندهم وذهبوا الى من تلاعب بعقولهم وامتلك خداعهم.
وهذا انكشاف لتصور المسلمين لدور المال؛ إذ دأبوا على الإحسان الفردي ولم يهضموا ما يتوجب من واجبات شرعية قد استجدت وفرضها الواقع وقد يكون ثوابها أعظم مما يتصوره المسلم من حيث كم الإصلاح ومنع الفساد وكمّ القلوب المهتدية الى ربها تعالى بسبب هذه الأداة.
إننا نفتقد الى أمور مهمة وحاسمة؛ نفتقد الى الإستثمار في سياق الخبر الى الناس وطريقة إعلامهم به وإيقافهم على الحقيقة.. بل ونحتاج الى تنويع طرق الدعوة، والدخول الى مجالات متعددة ومنها المجال الفني بضوابط هذا الدين.
إن سياق الخبر قد يجعل الفدائي المدافع عن الدين والعِرض والشرف مجرما، وقد يجعل المجرم الناهب الصائل على الدين والدنيا حَمَلا وديعا يحتاج أن يفرك الناس له أقدام أصابعه بعد أن انتهك أعراضهم! وأن يمسحوا له شواربه بعد أن الْتهم الأبرياء، وأن يحشدوا أنفسهم لترَفه، ويجوعوا من أكل تخمته..!
ثم انحشروا في معاونته لقطع الطريق على أنفسهم وتحررهم والحفاظ على دينهم وهويتهم..!
لقد أسلم الفقراء والمحتاجون أنفسهم وذريتهم ومستقبل أولادهم لمن يخرّب لهم الدّين والدنيا، وأصبحوا يُتخِمون فئات مجرمة ألبسها عدوهم ثوب البطولة.. من خلال امتلاك الإعلام والقدرة على توجيه العقول..
وفي الوقت نفسه بقي الملتزمون والمسلمون عموما مدافعين أمام أي كلب إباحي، أو كاتب سيناريو، أو روائي يهاجم الإسلام.. فيبقى المسلمون يتألمون ويتأففون ويدافعون، وهم عاجزون عن مبادأة محرجة لعدوهم يحشرونه حيث يجب أن يكون.
إن من قيمة المال أن يهدي الناس الى الخير، وأن يبين لهم الحق، وأن يملأ القلوب كما يملأ البطون.
فإن الله تعالى عاب على اليهود غذاء الحرام للعقول وغذاء الحرام للبطون؛ فقال تعالى {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} وهذا يوجب فساد القلوب، أَ {كَّالُونَ لِلسُّحْتِ} وهذا يوجب فساد الأبدان. وفي حديث رسول الله، قال تعالى «إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة»..
إن الناس تحتاج الى إصلاح القلوب وإشباعها بالهدى واستقامة العقول ومعرفة الحقائق ورفض التزييف.
يجب أن يتواجد المسلمون في بيئة الإعلام والتوجيه وسياق الخبر وتفهيمه للناس، بل ولو استطاعوا أكثر من ذلك كالدراما والتاريخ وشتى الوسائل فيجب أن يفعلوا.. وكل هذا ممكن مع تعدد الأدوات الإعلامية.. والله المعين.
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي