مع القرآن - صالح أم رهط الفساد؟

منذ 2017-09-16

وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)

تأكيد بعد تأكيد ليتعايش المؤمن مع أحداث الأنبياء و أقوامهم , و يتعظ مما حدث للمكذبين مهما طالت بهم المهلة و يستبشر بنجاة المؤمنين و جزائهم في الدارين .

هذا صالح يدعو ثمود ,فبادر الأكثرية بالإجرام و الاختصام و التعصب لعقيدة المجتمع السائدة , و رغم لين صالح و دعوته لهم إلى التوحيد و التوبة و الاستغفار و إعلامه إياهم بأن الله عزيز غفار , مالك الملك , شديد القوى , كثير العطاء .

فكان ردهم الأبشع : إنما نحن متشائمون منك و ممن قبل دعوتك و اتبعك عليها , فأخبرهم أنهم في فتنة و ابتلاء و اختبار من الله .

هنا برزت طوائف الفساد التي كانت تتمثل في تسعة أشخاص يتبنون الفساد و خلفهم من خلفهم من الشيع و الأتباع و أصحاب المصالح .

اتفق المفسدون على المكر بصالح و قتله و أهله ثم الكذب و ادعاء البراءة من دمه .

فكان تدبيرهم الماكر سبب نقمة الله عليهم فسبق تدميره تدميرهم حتى أضحت مساكنهم خاوية بعدما أفناهم الله و أهلكهم .

و ما مكرهم في مكر الله بشيء , إنما هو الغرور و الفتنة التي حذرهم منها صالح فلم يرتدعوا .

و كما هي سنن الله : كانت النجاة من نصيب المؤمنين الصادقين .

قال تعالى :

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ۚ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ ۖ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)} [النمل]

قال السعدي في تفسيره :

" { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } "(45) النمل

ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا: أن وحِّدوا الله, ولا تجعلوا معه إلهًا آخر, فلما أتاهم صالحٌ داعيًا إلى توحيد الله وعبادته وحده صار قومه فريقين: أحدهما مؤمن به, والآخر كافر بدعوته, وكل منهم يزعم أن الحق معه.

" {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} "(46)

قال صالح للفريق الكافر: لِمَ تبادرون الكفر وعمل السيئات الذي يجلب لكم العذاب, وتؤخرون الإيمان وفِعْل الحسنات الذي يجلب لكم الثواب؟ هلا تطلبون المغفرة من الله ابتداء, وتتوبون إليه؛ رجاء أن ترحموا.

" {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} "(47)

قال قوم صالح له: تَشاءَمْنا بك وبمن معك ممن دخل في دينك, قال لهم صالح: ما أصابكم الله مِن خير أو شر فهو مقدِّره عليكم ومجازيكم به, بل أنتم قوم تُخْتَبرون بالسراء والضراء والخير والشر.

" {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ } "(48)

وكان في مدينة صالح -وهي "الحِجْر" الواقعة في شمال غرب جزيرة العرب- تسعة رجال, شأنهم الإفساد في الأرض, الذي لا يخالطه شيء من الصلاح.

" {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} "(49)

قال هؤلاء التسعة بعضهم لبعض: تقاسموا بالله بأن يحلف كل واحد للآخرين: لنأتينَّ صالحًا بغتة في الليل فنقتله ونقتل أهله, ثم لنقولَنَّ لوليِّ الدم مِن قرابته: ما حضرنا قتلهم, وإنا لصادقون فيما قلناه.

" { وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} "(50)

ودبَّروا هذه الحيلة لإهلاك صالح وأهله مكرًا منهم, فنصرنا نبينا صالحًا عليه السلام, وأخذناهم بالعقوبة على غِرَّة, وهم لا يتوقعون كيدنا لهم جزاءً على كيدهم.

" {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } "(51)

فانظر -أيها الرسول- نظرة اعتبار إلى عاقبة غَدْر هؤلاء الرهط بنبيهم صالح؟ أنا أهلكناهم وقومهم أجمعين.

" {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } "(52)

فتلك مساكنهم خالية ليس فيها منهم أحد, أهلكهم الله; بسبب ظلمهم لأنفسهم بالشرك, وتكذيب نبيهم. إن في ذلك التدمير والإهلاك لَعظة لقوم يعلمون ما فعلناه بهم, وهذه سنتنا فيمن يكذب المرسلين.

" {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } "(53)

وأنجينا مما حلَّ بثمود من الهلاك صالحًا والمؤمنين به, الذين كانوا يتقون بإيمانهم عذاب الله.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
سليمان :عندما يكون الداعية ملكاً
المقال التالي
لوط و اعوجاج سلوك قومه