الفتوى

منذ 2017-10-24

قد بيـَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن الاشتغال بالعلم تعلُّمًا وتعليمًا أفضلُ من الاشتغال بنوافلِ العبادات التي يقتصرُ نفعُها على صاحبها، وأن من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع، وأن من يرد الله به خيرًا يفقهْه في الدين، وبيَّن الفرقَ الواسع بين العالم البصيرِ والعابد الجاهل، فقال: «من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضَعُ أجنحتَها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإن العالم لَيستغفرُ له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضلُ العالم على العابدِ كفضل القمر على سائرِ الكواكبِ، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا؛ إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر».

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فــإنَّ طلب العلم الشرعي فريضةٌ على كل مسلم ومسلمة، ولقد حثَّ الله تعالى في كتابه الكريم على طلب العلم النافع والاستكثار منه، وأثنى على العلماء، وبيَّن عظيمَ فضلِهم ورفعةَ مكانتِهم، وأنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ووردت كذلك أحاديثُنبويةٌ كثيرةٌ تبيِّن فضلَ العلم والعلماء، وأنهم ورثةُ الأنبياء في معرفة الحق والعمل به وإرشاد الناس إليه.

فلقد بيـَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن الاشتغال بالعلم تعلُّمًا وتعليمًا أفضلُ من الاشتغال بنوافلِ العبادات التي يقتصرُ نفعُها على صاحبها، وأن من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع، وأن من يرد الله به خيرًا يفقهْه في الدين، وبيَّن الفرقَ الواسع بين العالم البصيرِ والعابد الجاهل، فقال: «من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضَعُ أجنحتَها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإن العالم لَيستغفرُ له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضلُ العالم على العابدِ كفضل القمر على سائرِ الكواكبِ، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا؛ إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر». (رواه الإمام الترمذي وغيره).

وبهذا تظهر مكانة العلماء والمفتين في سائر الأقطار والأزمان، وخطورة مهمتهم في إرشاد الناس إلى الحق الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى، وضرورة تميــيزهم عن الذين يدَّعون العلم ويجلسون للفتوى وهم ليسوا أهلًا لذلك.

وفيما يلي بحث مـختصر في علاقة الفتوى وأهل الإفتاء في تنمية المـجتمع، والله سبحانه وتعالى هو الموفق والمستعان.

تعـريف الفـتوى:

- معنى الفتوى في اللغة:

1- تأتي الفتوى بمعنى البيان؛ يقال: أفتاه في الأمر: أبانه له.

2- تأتي الفتوى بمعنى الجواب على السؤال؛ يقال: أفتاه في المسألةيفتيه: إذا أجابه.

ويقال: الفُتوى والفُتيا والفَتوى، والجمع: فَتاوِي بكسر الواو، ويجوز: فَتاوَىبفتحها للتخفيف.

- وأما شرعًا فتـني: الإخبار عن حكم شرعي لا على وجه الإلـزام مع معرفة الدليل.

وهذا القيد "لا على وجه الإلزام" للتفريق بين الفتوى والقضاء، أو بين المفتي والقاضي؛ فالمفتي يـبين الحقَّ للسائل ولا يلزمُه، أما حكمُ القاضي فهو ملـــزِم واجب التنفيذ،كما وأن الفتوى أعْظَمُ أثرًا وأعمُّ تعلقًا من القضاء؛ حيث إن فتوى المفتي إذا صدرت تُعَدُّ تشريعًا عامًّا، وأما القضاء فيقتصرُ الحكمُ فيه على واقعة مُعيَّنة بين طرفين.

وقد تضمن هذا التعريف أمورًا:

فقوله: "عن حكم شرعي" يدلُّ على أن الفتوى تختصُّ ببيانِ الحكم الشرعي دون غيره من الأحكام، وفي هذا احترازٌ عن بيان الأحكام غير الشرعية: كاللغوية، والطبية والعقلية؛ فإن ذلك لا يدخل تحت الفتوى بمعناها الشرعي الخاص، وإن كان داخلًا تحت المعنى اللغوي العام للفتوى، وهو البيان والجواب.

وأما قوله "مع معرفة الدليل"، فيفيد أن الفتوى إنما تصدرُ عمن يعرف الدليل، وهو العالم الفقيه بالشرع، وهذا يشمل: ما أخبر به المفتي عما فهمه عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، مما نصَّ عليه الكتاب والسُّنة، أو أجمعتعليه الأمة، ويشمل ما استنبطه وفهِمه باجتهاده، ويشمل أيضًا ما أخبر به عما فهمه عن إمامه الذي قلَّده من كتاب أو ألفاظ هذا الإمام.

والله جل وعلا أخبر أنه المفتي لعباده لأنه المشرّع لهم؛ قال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} [النساء: 176]، ولقد أفتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم،وأفتى الصحابةُرضي الله عنهم بعده، وهم القدوةُ بعده صلى الله عليه وسلم، وهم الذين بلَّغوا هذا الدين ونقلوه، وتوالى من بعدهم أئمةٌ أعلامٌ شهد لهم الناسُ بالورع والنزاهة، فقاموا بأعباء الفتوى والإجابة عن الأمور والمسائل الدينية التي تعرض لعامَّة الناس وخاصَّتهم.

إعداد: الشيخ عبد اللطيف دريان

مفتي الجمهورية اللبنانية