المنهج القويم للتغيير الصحيح (1)

منذ 2017-11-16

لابد لكل المتفكرين بنهضة الأمة من الدراسة والتفكر والفحص من أين أُتي هذه الأمة وما الوصفة والعلاج المناسب لحالتهم إذ الداعية كالطبيب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله

المنهج القويم للتغيير الصحيح 1

اعلم أن من الدروس المهمة والعبر المستفادة من سنن الله في آيات الله المسطورة وفي الآيات الكونية فقه التغيير.

فلابد لكل المتفكرين بنهضة الأمة من الدراسة والتفكر والفحص من أين أُتي هذه الأمة وما الوصفة والعلاج المناسب لحالتهم إذ الداعية كالطبيب...

بمعنى ذلك لابد من التفكر والعمل للتغيُّر من حالة ضعف الإيمان ومن حالة المعصية سواء وصلت إلى الردة وما دونها ومن حالة الفرقة والكراهية التي سببتها الذنوب واستفاد منه الشيطان إلى قوة الإيمان والطاعة والمحبة والاجتماع ثم لابد أن يُترقى بذلك التغيير إلى أوج العزة والمجد والاستقلال بل وقيادة البشرية إلى العدالة المنشودة الحقيقة لا المزيفة.

ولكن لابد أن يُبدأ أولا بالتغيير ما في الأنفس كما قال الله تعالى {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [سورة الرعد: 11].

وقال تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة الأنفال: 53] ففي هذه الآيات دروس وعبر لمن يعتبر.

أما الآية الألى في سورة الرعد إذا تدبَّرت في الآيات التي سبقتها واللا حقة والسياق الذي سيقت لأجله هذه الآية تعلم أن ذلك كله للالفات إلى قدرة الله العلي القادر والآيات الباهرات في هذه المخلوقات.

والمعنى: إذا علمتم أن الله له هذه القدرة فاعلموا أيضا أنه قادر على أن يُغيِّر ما بالمسلمين من الضعف والمهانة والقحط والأمراض إلى القوة والعزة والرخاء والصحة لكن بشرطٍ واحدٍ فقط وهو أن يغيروا ما بأنفسهم من ضعف الإيمان أو فقده لمن فُقِد منه ومع ذلك يدًّعي أنه مسلم ، كما عليهم أن يقلعوا عن المعاصي التي تلبَّسوا بها خصوصاً الكبائر منها وكذلك الصغائر على حسب الامكان لأنها خطيرة إن اجتمعت على الشخص أو أصرَّ عليها أو فعلها مع استخفافٍ أو تساهلٍ.

أما الآية الثانية في سورة الأنفال فتجد أيضا إن تدًّبرت في سابقها ولاحقها والسَّياق الذي سيقت لأجله أنها تتحدث عن التحذير عن حال آل فرعون والذين من قبلهم حيث إنهم كذبوا بآيات الرحمن وصدُّوا الناس عن سبيل الله.

أما الآية التي سبقت في آية الأنفال فهي قوله تعالى {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الأنفال: 52 ].

وأما الآية اللاحقة فهي {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} [سورة الأنفال:54 ].

إذاً فكما ترى هنا أيضاً الآيات السابقة واللاحقة تتحدث عن الأخذ بالذنوب لفرعون وآله وللذين من قبلهم مما يدل على أن في ذلك تحذير وعبرة في أن الله لا يذر الظالم يفعل ما يريد في هذه الدنيا بل سيأخذه أخذ عزيز مقتدر إن عاجلا أو آجلا وفي ذلك تحذيرلأهل البطر والكبر ما فيه كفاية ولذلك المعنى: فليتوبوا إلى الله وليتغيروا إلى نحو الصواب والرشد.

فعلى العموم التكذيب يتنوع إلى أنواع كثيرة فمنه التكذيب بالاعراض والتكذيب بالجحود والانكار والمكابرة والتكذيب بالاستكبار أو بالاستخفاف والسخرية بالداعية إلى الله أو دينه.

لذلك نجد -على الأسف - كثيراً ممن انتسبوا إلى الإسلام في هذا الزمان ادَّعوا الإسلام باللسان ورفعوا شعارات الإسلام وأعلنوه ونطقوا به ليلاً ونهاراً نفاقاً ولكنهم مع ذلك تراهم تركوا دينهم وراءهم ظهرياً وهجروا القرآن وتطبيقه وعلى سبيل المثال لا الحصر الحدود وكثيراً من الشرائع والحق الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم واستبدلوا بها قوانين استوردوها من الغرب أو الشرق والله المستعان.

وأيضاً لابد من الالفات هنا اللفتة المهمة الأخرى وهي أن يعلم المرء أن تغيير الأنفس تغييراً جذرياً لابد أن يمر الناس فيه هذه الخطوات التالية:-

أولاً: لابد من تربيتهم بالتوحيد تربية قوية متقنة متينة.

ثانيا: لابد من تربيتهم بالاهتداء بتكميل كل فرائض الله اعتقاداً وعملاً أي تطبيقاً مع ترك كل ما حرَّمه الله للدخول إلى الجنان.

ثالثاً: لابد من تربيتهم على الاستقامة على ذلك الطريق المستقيم والمنهج السوي.

رابعا: لابد من تربيتهم على الدعوة إلى الله لكل الناس لأجل العمل بدين الله ولدين الله لينصرنا الله إن نصرنا دينه وليتنعم الناس كلهم تحت ظلالها الوارفة بهذا المنهج القويم العادل.

خامساً: الصبر والمصابرة في سبيل الحق وما وصل من وصل إلا بهذا الصبر الذي أوله مشقة وآخره لذة ما تعدلها لذة ونعمة ما تعدلها نعمة.

سادسا: ترك العاطفة والحماسة اللتان هما بمثابة الثورة التي تثور ثم تنطفأ.

سابعا: التدريج والتدرج للتغيير، وأعني بذلك التنبُّه على تربية الناس على المنهج المستفيم والخلق القويم باللطف والتفهم للظروف التي يعيشه الناس ، إذ تغيير الناس بتأثير قلوب الناس بالتربية والتعليم بأن يأخذوا دين الحق بالقناعة هي من أهمِّ الأمور التي تحقق نصراً للمسلمين عامة إن عاجلا أو آجلاً.

وهذا الفقه هو الذي كان منتبهاَ عليه ثاني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو عمر بن خطاب رضي الله عنه - إذ أرسل رسالة إلى احدا ولاياته فقال فيها: " إني لم أبعث إليكم عمالي ليضربوا أبشاركم وليأخذوا أموالكم ولكن ليعلِّموكم دينكم ".

وقال حسن البصري رحمه الله: " الحاكم واسطة بين الله وخلقه يرى من الله ويريهم ويسمع من الله ويسمعهم وينقاد إلى الله ويقيدهم ".

إذاً هذا هو المنهج المستقيم الذي يجب أن يتمسَّك به قيادات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ليعملوا به حتى يجني ثماره كلاً من الحكام والمحكومين على السواء.

إذ لا معنى بالاهتمام بحكم الناس أو هيمنتهم أو سيطرتهم أو تسلطهم على رقابهم ليفعلوا أوامر معينة أو ينتهوا مناهي معينة ، ليس هذا من أهمِّ الأمور للتغيير الحقيقي كما علمت من الفقه العظيم الذي وجَّه إليه عمر رضي الله عنه للأمة والتابعي الجليل حسن البصري رحمه الله.

إذ هذه الحالة تجعل الحكم نفسه قائم على قاعدة هشة فسرعان ما تنقلب هذه الشعوب التي حُكِّمت بالقوة كرها أعداء يساندون أعداء المسلمين إذا حصلت لهم أي ظرف من الظروف تسمح لهم كظروف حربية مثلاً تؤدي على سيطرة أراضي المسلمين من قبل الأعداء والعياذ بالله من ذلك.


والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل

أبو عبدالله عبد الفتاح بن آدم المقدشي