التواضع زينة الأخلاق (2)
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال -صلى الله عليه وسلم-: «ما من آدمي إلا في رأسه حَكَمَة بيد مَلَك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته»
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال -صلى الله عليه وسلم-:
«ما من آدمي إلا في رأسه حَكَمَة بيد مَلَك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته»
ومن مظاهر التواضع وصفات المتواضعين (15)
· كراهيتهم مشي الناس خلفهم: فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: «ما رئي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل متكئا ولا يطأ عقبه رجلان» (16)، وسار قوم خلف عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فنظر إليهم غاضبا، وقال لهم: ارجعوا، فإنها فتنة للمتبوع، وذلة للتابع.
· زيارتهم لغيرهم: قدم سفيان الثوري «الرملة» فبعث إليه إبراهيم ابن أدهم أن تعال فحدثنا، فجاء سفيان فقيل: له يا أبا إسحق تبعث إليه بمثل هذا؟ فقال: أردت أن أنظر كيف تواضعه.
· لا يستنكفون من جلوس غيرهم إلى جوارهم: قال ابن وهب، جلست إلى عبد العزيز بن أبي رواد، فمس فخذي فخذه، فنحيت نفسي عنه، فأخذ ثيابي فجرني إلى نفسه، وقال لي: لم تفعلون بي ما تفعلون بالجبابرة، وإني لا أعرف رجلا منكم شرا مني.
· عدم أنفتهم من حمل أمتعتهم الخاصة: قال علي -رضي الله عنه- لا ينقص الرجل الكامل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله. وعن الأصبغ بن نباته قال: كأني أنظر إلى عمر -رضي الله عنه- معلقا لحما في يده اليسرى، وفي يده اليمنى الدرة، يدور في الأسواق حتى دخل رحله.
· جلوسهم إلى المساكين: عن مسعر قال: مر الحسين بن علي -رضي الله عنه- على مساكين وقد بسطوا كساء وبين أيديهم كسر فقالوا: هلم يا أبا عبد الله، فحول وركه وقرأ: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل:23] فأكل معهم ثم قال: قد أجبتكم فأجيبوني، فقال للرباب ـ يعني امرأته ـ أخرجي ما كنت تدخرين. (17)
اخفض جناحك
قال تعالى:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:215]
قال القرطبي: أي ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم (18)
ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- سيد المتواضعين، وكان يقول: « اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين» (19)
أراد به استكانة القلب والتواضع والإخبات، وأن لا يكون من الجبارين المتكبرين .. قال ابن تيمية: فالمسكين المحمود هو المتواضع الخاشع لله، ليس المراد بالمسكنة عدم المال بل قد يكون الرجل فقيرا من المال وهو جبار، فالمسكنة خلق في النفس وهو التواضع والخشوع واللين ضد الكبر، كما قال عيسى عليه السلام: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً}[مريم:32] (20)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال -صلى الله عليه وسلم-: «يا عائشة، لو شئت لسارت معي جبال الذهب، جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا، فنظرت إلى جبريل عليه السلام، فأشار إلي أن ضع نفسك، فقلت: نبيا عبدا »
قالت: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك لا يأكل متكئا: يقول: «آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد » (21)
وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «كان يمر على الصبيان فيسلم عليهم » (22)
وعنه أيضا قال: إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتنطلق به حيث شاءت (23)
وعن سهل بن حنيف قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم» (24)
وعن الحسن البصري أنه ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لا والله ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا يقوم دونه الحجاب، ولا يغدى عليه بالجفان، ولا يراح عليه بها، ولكنه كان بارزا من أراد أن يلقى نبي الله لقيه، وكان يجلس بالأرض، ويوضع طعامه بالأرض، يلبس الغليظ، ويركب الحمار ويردف عبده ويعلف دابته بيده -صلى الله عليه وسلم-. (25)
على الدرب
قسم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بين الصحابة -رضي الله عنهم- حللا، فبعث إلى معاذ حلة ثمينة فباعها واشترى بثمنها ستة أعبد وأعتقهم، فبلغ ذلك عمر فبعث إليه بعد ذلك حلة دونها، فعاتبه معاذ. فقال عمر: لأنك بعت الأولى. فقال معاذ: وما عليك؟! ادفع لي نصيبي، وقد حلفت لأضربن بها رأسك، فقال عمر: رأسي بين يديك، وقد يرفق الشاب بالشيخ (26)
وعن عمرو بن قيس أن عليا -رضي الله عنه- رئي عليه إزار مرقوع فعوتب في لبسه، فقال يقتدي بي المؤمن ويخشع له القلب (27)
وعن فضيل بن عياض قال: رئي على سلمان جبة من صوف، فقيل له لو لبست ألين من هذا؟ فقال: إنما أنا عبد، ألبس كما يلبس العبد، فإذا عتقت لبست ثيابا لا تبلى حواشيها (28)
وعن الإمام أحمد يقول المروزي: لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أبي عبد الله، كان مائلا إليهم مقصرا عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يًسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر يقعد حيث انتهى به المجلس. (29)
همسة في أذن كل متكبر
إذا كانت الهداية إلى الله تعالى مصروفة، والاستقامة على مشيئته موقوفة، والعاقبة مغيبة، والإرادة غير مغالبة، فلا تعجب بإيمانك وعملك وصلاتك وصومك وجميع قربك، فإن ذلك وإن كان من كسبك فإنه من خلق ربك وفضله الدار عليك وخيره، فمهما افتخرت بذلك كنت كالمفتخر بمتاع غيره، وربما سلب عنك فعاد قلبك من الخير أخلى من جوف البعير، فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم فأصبحت وزهرها يابس هشيم، إذ هبت عليها الريح العقيم، كذلك العبد يمسي وقلبه بطاعة الله مشرق سليم، فيصبح وهو بمعصية الله مظلم سقيم، ذلك من فعل العزيز الحليم الخلاق العليم (30)
المصادر والهوامش
(15) انظر موسوعة صلاح الأمة في علو الهمة / د. سيد العفاني ط دار الرسالة ج5 ص 445 وما بعدها (16) إسناده حسن أخرجه ابن أبي الدنيا في ( التواضع والخمول ) وأبو الشيخ في ( أخلاق النبي ) والبيهقي في ( الزهد ) 2/585 (17) أنظر التواضع والخمول لابن أبي الدنيا ص151 (18) تفسير القرطبي ص 3673 ط دار الشعب (19) رواه ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري ــ كتاب الزهد برقم 4116 والترمذي بنحوه عن أنس ــ كتاب الزهد برقم 2275 وحسنه الألباني في إرواء الغليل 3/363 (20) مجموع الفتاوى 18/382 (21) صحيح لغيره: رواه البغوي في شرح السنة وروى نحوه الهيثمي في المجمع 9/19 عن أبي هريره وقال ( رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال الأولين رجال الصحيح ورواه أبو يعلى بإسناد حسن ) (22) رواه البخاري ــ كتاب الاستئذان ــ باب التسليم على الصبيان (23) البخاري ــ كتاب الآداب برقم 5610 (24) صحيح: رواه أبو يعلى والطبراني والحاكم 2/466وصححه الألباني في الصحيحة برقم 2112 (25) صفوة الصفوة ج: 1 ص: 168 (26) مدارج السالكين 2/230 (27) إسناده صحيح أخرجه أحمد في فضائل الصحابة وهناد في الزهد 2/565 وابن سعد في الطبقات 6/ 583وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (28) ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول 1/548 (29) تاريخ الإسلام ــ الذهبي 4/588 (30) التذكرة في أحوال الموت وأمور الآخرة ــ القرطبي بتحقيق مجدي فتحي السيد (1/109) دار الصحابة
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز
- التصنيف: