نور الالتزام الأول..!

منذ 2018-01-17

في مراحل بكورة الالتزام ينظر الشخص للداعية والعالم والواعظ أنه دال على الله، ولهذا يسمع منه ويقبل ولكنه لو وجده ضالا مضلا انصرف عنه الى من يظن فيه الخير إنه لم يتعصب بعد ولم يتعبد بهذا الرجل ولم يعبده!..

عندما يتدين إنسان ويلتزم بدينه، يكون الدافع خلفه ـ في حال صدق التزامه ـ هو البحث عن الله تعالى، والرغبة الصادقة في المضي في طريقه؛ حيث النجاة..

 

يلتزم إنسان لأن ثمة نداء في الفطرة يدعوه لربه فيلبيه، وإقرار بالآخرة قابع في الفطرة فيعمل لها، لا يستطيع المسلم دفعا لهذه الحقائق.. فهي في فطرته كإنسان وفي عقيدته كمسلم..

 

قد يلتزم الإنسان عقب حادثة وفاة أو أزمة، أو عقب سماع موعظة أو آية أو عقب موقف أو قصة، والبعض يلزم للنقاء فطرته وحبه للطاعة ورغبته في استكمال إقامته على الطاعة وامتثال منهج الله.

عندما يلتزم أحدهم ترى نور التوبة ونور الطاعة على وجهه قلب ساذج نقي لا يعرف غير طلب الله والدار الآخرة..

 

لكن ثمة قاطع للطريق وانحراف يطرأ فيردّ الإنسان أسوأ مما كان حتى إنه ليبحث عن نفسه فلا يجدها..! يبحث عن حاله قبل التغير فلا يجده..

وذلك أن الإنسان قد يتعرض لفتنة صريحة، وقد ينقطع به الطريق حينما ينحرف عن طلب ربه تعالى..

 

في مراحل بكورة الالتزام ينظر الشخص للداعية والعالم والواعظ أنه دال على الله، ولهذا يسمع منه ويقبل ولكنه لو وجده ضالا مضلا انصرف عنه الى من يظن فيه الخير إنه لم يتعصب بعد ولم يتعبد بهذا الرجل ولم يعبده!..

 

لكن عندما يتحول من الاقتداء واستماع الموعظة الى التعصب للشخص واتباعه هو حتى يصبح غاية فيتعبد به! لا برسول الله، وقد يعبده هو لا يعبد ربه! فيحب ويبغض من أجله ويوالى ويعادى من أجله..

 

والمتبوع يوقع الناس فيما رأى من هوى، حتى يعود الناس الى أن يستنكروا ما التزموا وتدينوا من أجله، ويخدعون أنفسهم فيريهم عكس ما يرون وقنعهم بنقيض ما يعتقدونه ويطلبون الدين عند العلمانيين والتقوى عند الإباحيين والسنة عند الملاحدة فاستجازوا النفاق ومعاونة المبدلين والتجسس على المسلمين والصد عن الطريق وقول الباطل..

 

هنا تتنكر الوجوه وتقبح الملامح، ويعود الشخص أبعد مما كان عليه العامي من المسلمين الباحث عن الحق بطيبة وبراءة ونقاء قلب إن وجد الحق اتبعه ولم ينكره لكن هنا إن وجد الحق تنكر له، وقلب الحقائق، وأبغض إخوانه أكثر من اليهود والنصارى، وعادت الأفئدة أقسى وأكثر التواء..

فإذا به يبحث عن نفسه فلا يجدها، وعن القلب القديم فيبتعد عنه، وعن النور الأول الصافي فإذا به بعيد المنال ودونه حواجز..

 

يا أخي الكريم في كل مكان:

لا تدع أحدا يضلك ولا تزد في حسن الظن حتى تهلك، أحسن الظن هونا ما ودع لعقلك وفهمك مجالا اجعل عقلك حاضرا ولا تسلم زمامك لأحد فيصنع منك بساطا يمشي عليه، ويصنع المجرمون منك حشودا تخدم هدم دينك فيعلوا بك إباحي وملحد! وقسيس وحاخام! ويسلَّم بك القدس لعدوك، فيبكي الباكي هنا خزيا لو بقي له قلب! وفي الآخرة بكاء أكثر وفي الحديث (أحبب حبيبك هونا ما..) (وأبغض بغيضك هونا ما) لا تترك البديهيات الأولى ومفردات الحق التي تعرفها..

 

لا تتحذلق على الحق البسيط ولا تتفلسف عليه.. إن الحق واضح وعميق وبسيط كثرة اللغظ لا تحوله الى باطل وكثرة الضالين عنه لا تجعله منكرا؛ بل تجعل هناك محرومين كثر وضالين جدد وبألوان حديثة..!

 

كثيرا ما كانت الناس ترتاح لوجوه عابدة ومطيعة فصاروا يتوجسون منهم وباعدت بينهم وبين أهل الإسلام خطى ومواقف وخنادق كل ما أخشاه أن نفقد نورا اكتسبناه وحقا عرفناه وطريقا قد سلكناه أخشى أن نفقد النور الأول والصافي.. تلك اللحظة التي قال فيها الجنيد بن محمد (وا شوقاه الى البدايات) فوا شوقاه الى البساطة الأولى والخير النقي..

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي