مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - بل كانوا يعبدون الجن
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } [سبأ 40 – 42]
{بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} :
أكثر البشر عبدوا الشيطان عبادة طاعة, أمرهم بالشرك فأطاعوه فكانت طاعتهم عبادة له من دون الله , زين لهم الأوثان و زين لهم عبادة الرسل أو الملائكة , زين لهم اختراع المناهج و سن الشرائع و القوانين و خلع رسالات الله و كلماته من الحياة فأطاعوه.
و يوم الحشر يستهزيء الله بهم و يسأل ملائكته توبيخاُ للمشركين, أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون؟ فكان جواب الملائكة دون أدنى تفكير : سبحانك تنزهت عن كل شريك, بل هم أطاعوا الشيطان و أعوانه من الجن لما زينوا لهم الشرك فكانت عبادتهم على الحقيقة عبادة للشيطان.
و ها هم جميعاً يوم القيامة في مواجهة الحقيقة الناصعة, حيث لا ينفع المشرك شركه و لا ينجده معبوده بل الكل في أشد الحاجة لعفو الرحمن و النار أمامهم متقدة مستعرة تستعد لالتهام كل مشرك عاند الله و استكبر عن منهجه.
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } [سبأ 40 – 42]
قال السعدي في تفسيره:
{ {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا } } أي: العابدين لغير اللّه والمعبودين من دونه, من الملائكة. { {ثُمَّ يَقُولُ } } الله { { لِلْمَلَائِكَةِ} } على وجه التوبيخ لمن عبدهم { أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ } فتبرأوا من عبادتهم.
و { {قَالُوا سُبْحَانَكَ} } أي: تنزيها لك وتقديسا, أن يكون لك شريك, أو ند { { أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} } فنحن مفتقرون إلى ولايتك, مضطرون إليها, فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا؟ أم كيف نصلح لأن نتخذ من دونك أولياء وشركاء؟"
ولكن هؤلاء المشركون { {كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} } أي: الشياطين, يأمرون بعبادتنا أو عبادة غيرنا, فيطيعونهم بذلك. وطاعتهم هي عبادتهم, لأن العبادة الطاعة, كما قال تعالى مخاطبا لكل من اتخذ معه آلهة { { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} }
{ { أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } } أي: مصدقون للجن, منقادون لهم, لأن الإيمان هو: التصديق الموجب للانقياد.
فلما تبرأوا منهم, قال تعالى مخاطبا لهم: { {فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} } تقطعت بينكم الأسباب, وانقطع بعضكم من بعض. { وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا } بالكفر والمعاصي - بعد ما ندخلهم النار - { {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} } فاليوم عاينتموها, ودخلتموها, جزاء لتكذيبكم, وعقوبة لما أحدثه ذلك التكذيب, من عدم الهرب من أسبابها.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: