المجتمع المختلط
من طبيعة الأَزْوَاج في كل هذا الخلق أن تتجاذب؛ فالذَّكَر والأنثى في النوع الواحد يتجاذبان حتمًا حَسَبَ ما بنى الله عليه طبيعةَ كلٍّ منهما، وحَسَبَ ما هدى إليه من فطرة، وسبحان {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}، فمَيْل الرجل للمرأة، ومَيْل المرأة للرجل إذن هو جزء من قانون عامٍّ، اقتضته حكمة الله سبحانه.
كثُر كلام الناس في هذه الأيام – في الصُّحف وفي دور العلم، وأقسام الفلسفة، ومعاهد تخريج المدرسين، والإِخْصَائِيِّينَ الاجتماعِيِّينَ منها خاصة - عن الكبت الجنسي ومضارِّه، وشاع بين كثير ممن ينتحلون الدراساتِ النفسيَّةَ – والفرويدية منها خاصة – أن السبيل إلى تلافي الأضرار المتولِّدة عن هذا الكبتِ هي اختلاط الذكور بالإناث، وتخفُّف النساء منَ الحجاب ومنَ الثياب، وهو تخفُّفٌ لا يعرف الداعون إليه مدًى ينتهي عنده، ولعله ينتهي إلى ما انتهى إليه الأمر في مُدُنِ العراة التي نُكِست فيها المَدَنِيَّةُ فارتدَّتْ إلى الهمجية الأولى! ذلك هو "المجتمع المختلَط" الذي يَدْعون إلى تعميمه في المدارس، وفي الإدارات الحكومية، وفي المصانع، وفي الشركات، وفي الأندية والمجتمعات. وقد أخذت هذه الدعوة سبيلها إلى التنفيذ في بعض هذه الميادين.
والواقع أنَّ هذا الاتجاه هو جزء منَ اتجاه أكبرَ وأعمَّ، يُرادُ به فَرْنَجَةُ المرأة، وحملها على أساليب الغرب في شتى شؤونها: في الزواج، وفي الطلاق، وفي المشاركة في العمل والإنتاج، في شتى الميادين، وفي الزيِّ وفي المحافل والمراقص، إلى آخر ما هنالك، وهذا الاتجاه هو بدوره جزء من اتجاه أكبر، يراد به سَلْخُنا من أدب إسلامنا وتشريعه، وإلحاقُنا بالغرب في التشريع، والأدب، والموسيقى، والرسم، وفي فنون الحياة بين جِدٍّ ولَهْو.
والموضوع ذو جوانبَ متعددِّةٍ؛ ولكن أبرز جوانبه ناحيتان:
ـ اختلاط النساء بالرجال.
ـ واشتغال النساء بأعمال الرجال.
وسأعالج الناحية الأولى منه في هذا المقال، مرجِئًا الشقَّ الثانيَ إلى مقالٍ تالٍ إن شاء الله.
وأخطر ما في هذه الدعوات الجديدة أنَّ أصحابَها يلجَؤُونَ إلى تَدْعِيمِها، وتثبيتِ جُذُورِها الغربية في أرضنا، بأسانيدَ من الدين، بعد أن يُحَرفوا الكَلِمَ عن مواضعه في نصوصه الشريفة؛ من قرآن أو حديث أو خبر؛ لذلك رأيت أن أبدأ هذه الكلمةَ بتقديم طائفة من الآيات القرآنية، تبين بوجهٍ قاطع حُكْمَ الإسلام الصريح في هذه الأمور:
1 – يقول الله - تبارك وتعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59].
تأمر هذه الآية المسلمات بإطالة الثياب، وبإدناء بعض أطرافها منَ البعض الآخر، حتى تَستُر الصدور والظهور والأذرُعَ والسُّوق، وتُصرح بالحكمة في ذلك، وهو تمييز الأحرار منَ النساء، وتكريمُهن بصَوْنهن عن أذى الذين يتعرَّضون للبغايا والخليعات، لأنَّ التبرُّج والتبذُّل يسلكهنَّ في مسالك الريب، ويُطمِع الفُسَّاق في التعرّض لهنَّ، وإيذائهنَّ في حيائهنَّ، وفي أعراضهن بالأقوالِ أوِ الأفعال.
2 – ويقول – تعالى -: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30 - 31]:
تأمر هاتان الآيتان الرجلَ والمرأة كليهما بغضِّ البصر عند رؤية أحدهما للآخر، وتُردِف الأمر بالمحافظة على العفاف مع الأمر بغضِّ البصر؛ كأن النظر هو سبيل التفريط في العفَّة، ثم هي تأمر المرأةَ بأن تحرص على ستر مواضع الفتنة والأنوثة منها، وعدمِ إفشائها بأدوات الزينة والتجميل المختلفة، أوِ الثياب الضيِّقة أو الشفَّافة، أوِ الحركات الخليعة التي تُذيع صوت ما تتحلى به من حُلِيٍّ، كما تأمُرُها أن تغطِّيَ رأسها بالخمار، وأن تضرب بفُضُوله على صدرها ليَستُر فتحة ثوبها.
ولا تُبيح الآيتان للمرأة أن تتخلَّى عن هذا الحجاب؛ إلا في حضرة الذين لا تُثِيرُهم مَفَاتِنَهَا؛ منَ المحارم أوِ الأطفال الذين لم يَبْلُغوا الحُلُم، أو ناقصي الذكورة منَ التَّبَع، والخَدَمِ الَّذين لا أَرَبَ لَهُمْ في النساء، وتكشف الآية الأولى عنِ الحكمة فيما تطلب إلى المؤمنين من غض الأبصار؛ فتقول: إنه أَدْعَى إلى تزكية النفس وتطهيرها، والسموِّ بها عن مواطن الدنس، وتقول للمرتابين في صدق هذا الأمر وحكمته: إن الله أخبَرُ بطبائع خلْقِه وبمذاهبهم فيما يصنعون من أنفسهم.
وتَختِم الآيتان هذه الحدودَ المرسومةَ بدعوة المؤمنين جميعًا إلى أن يعودوا إلى طريق الله بعد أن نأتْ بهم عنه الشهواتُ ودعوات المضلِّلينَ؛ لأن التزام طريق الله هو سبيل الفلاح والنجاح.
3 – يقول – تعالى -: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60]:
أمَّا هذه الآيةُ: فَهِيَ لا تبيح التَّخفُّف من بعض الثياب - كالجلباب والرداء والقناع فوق الخمار - إلا للطاعنات في السن؛ ممن ذهب رَوْنَقُهُنَّ، وفارقْنَ سِنَّ الزواج، ولم يَعُد مثلُ هذا الصنيع منهن يثير الناظرَ إليهن، ومع ذلك فهُنَّ مأمورات بأن يَلزَمْنَ جانب الحشمة؛ فلا يُبْرِزْنَ ما يتكلَّفن من زينة، وتَحُثُّهُنَّ الآيةُ على التزام القصد فيما أباحت لهن، وتصف الاحتشام أمام الغرباء بالعِفَّة؛ حيث تقول: {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ}.
4 – يقول – تعالى -: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 32 - 33]:
الحديث في هاتين الآيتَيْنِ موجَّهٌ إلى نساء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وهو يتضمَّن أَمْرَهُنَّ بأن يَلْزَمْنَ بُيُوتَهُنَّ، ولا يَصْنَعْنَ صنيعَ الجاهليات في التبرج، وبأنْ يَقْصِدْنَ في محادثة الرجال إذا دعتْ إليه ضرورةٌ؛ فيَذْهَبْنَ به مَذْهَبَ الجِدِّ والحزمِ والإيجاز، وبأن يُقِمْنَ شعائر الدين؛ من صلاة وزكاة، ويَلْزَمْنَ حدود الله، وتعلل الآية ذلك كله بأنه سبيل الطهارة، والبعد عن مظانِّ الرِّيبَةِ، وإطماع مرضى القلوب.
وقد يَظن بعض الناس أن توجيه الحديث في هاتين الآيتين إلى نساء الرسول -صلى الله عليه وسلم- يَعني أنهن قد خُصِصْنَ به دُونَ سائِرِ المُسْلِمات، وأنَّ حُكْمه لا يَتَعَدَّاهُنَّ إلى غَيْرِهنَّ، وهو خطأ ظاهر؛ فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو قدوة المسلمين، ومَثَلُهم الأعلى، ونساؤه قدوةُ المسلمات، ومثلُهُنَّ الأعلى؛ فالله - سبحانه وتعالى - يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
فإذا كان هذا هو الأحوطَ، وهو الأطْهَرُ، وهو الأدعى إلى إذهاب الرجس عن بيت سيدنا رسول الله، وعن نسائه الطاهرات رضوان الله عليهن ـ: فلا شكَّ أنَّ عامَّة المسلمات – وهنَّ أبعد عن العصمة جدًّا – أحوج إلى الأخذ به والتزامه. وإذا كانت إلانَةُ القول وإطالته في غير موجِب من جانب نساء الرسول – وهنَّ أُمَّهات المؤمنين – مَظِنَّةَ إطماع مرضى القلوب، فكيف يكون الحال بالقياس إلى سائر المسلمات، اللاتي لا يُحيطهن من أسباب العصمة، وذَوْدِ الشر، ودفْعِ الأطماع والإغراء ما كان يحيط بنساء الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟!
5- يقول – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].
هذه الآية خاصَّة بنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضًا، وهي تُنبِّه المسلمين إلى أنْ يُخفِّفُوا عند زياته والإلمام ببيته، وأن لا يُثقِلوا بإطالة الحديث بعد قضاء حاجاتهم، أو تناوُل ما دُعُوا إليه من طعام. كما تأمرهم إنِ احتاجُوا إلى طلبِ شَيْءٍ من نساء الرسول أن يكون حديثُهُمْ إليهن من خلف ستار، يَحجُبُ كُلاًّ منهم عن الآخر. وتعلِّل الآية الكريمة ذلك بأنه أدعى إلى طهارة الطرفين، وأحوط في تجنب أسباب الفتنة. وليتَ شِعْرِي إذا كان نساء النبي – وهنَّ مَنْ هُنَّ – وصحابة رسول الله – وهُمْ مَنْ هُمْ – مأمورين بذلك، فكيف لا نكون نحن مأمورين به؟!
6 – يقول – تعالى -: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 25 - 28].
المخاطبون بهذه الآيات همُ الذين لا تساعِدُهم ظروفهم المالية على الزواج، ودفع مُهور الحرائر من النساء. والآيات تُبيح لمن لا يستطيع الصبر من هؤلاء أن يتزوَّج من الإماء، بعد أن يدفع مُهُورَهُنَّ إلى مواليهِنَّ، وتَنْهَى عن أن يكون سبيلُ التَّنْفِيس عن شهوات الذين لا يجدون إلى ضبطها سبيلاً، هو الزنا بهؤلاء الإماء، أو عقد الصلات معهن في السِّرِّ، واتخاذَهُنَّ عشيقاتٍ أو صديقاتٍ – على ما يَحْلُو لبعض الناس في هذه الأيام أن يُسَمِّيهِنَّ تقليدًا لمذهب الفِرِنْجَةِ في تسميتهن (Girl friends) - ولكنها تنصح لهم بالصبر؛ حتى لا يَجنوا على أولادهم من هؤلاء الإماء بجعلهم أرقاء.
ويقول الله - تبارك وتعالى -: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}، بينما يسمي الفرويديون الصبرَ وضبط النفس، والتحكم في الرغائب والشهوات – كَبْتًا، ويرتِّبون على هذا الكَبْتِ ما شاءت لهم شياطينُهم منَ الأمراض النفسيَّة، فلْيختَرِ المسلمون لأنفسهم بين الكفر والإيمان، وبين ما أوحى اللهُ إلى نبيِّه، وما أوحت شياطين الجن إلى شياطن الإنس.
وتختم الآيات هذا الحديثَ بأن الله سبحانه وتعالى عليمٌ؛ يعرف حقائق شؤونكم ودقائقها، حكيم يضع الأشياء في مواضعها، فهو – سبحانه وتعالى – يُرْشِدُكم إلى سبيل الطهارة والتوبة، ويُبَيِّن لكم طريق الرشاد والصلاح، ويخفِّف عنِ الضعفاء منكم؛ فيرسُمُ لهم ما يحتملون، ولا يُكَلِّفهم ما لا يطيقون. يريد الله سبحانه وتعالى أن يعود بكم إلى طريقه الموصِّلة للخير، المنقِذَة من الضلال؛ بينما يريد الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات أن يميلوا بكم عن طريق الهداية والنجاة ميلاً عظيمًا.
هذه جملة من الآيات صريحةِ الدَّلالةِ فيما تأخذ به المسلمين والمسلمات؛ فهي تأمرهم:
1 – بستر جسم المرأة كلِّه – ومنه شعر الرأس – وتجنُّبِ إبداء المفاتن، والتزيُّنِ أمام الغرباء من غير المحارم.
2 – بتجنب التَّسَكُّعِ في الطرقات، واستعراضِها في غير حاجة، وبالاستقرار والاكتنان في البيوت.
3 – بتجنب التحدث إلى الرجال، فإذا دعت إلى ذلك ضرورةٌ فليكن بين الرجل والمرأة ستار، وليكن الحديث أَمْيَلَ إلى القَصْدِ، وعلى قدر ما تقضي به الضرورة.
4 – بغض البصر عند التقائه بالرجال، والرجال مأمورون بمثل ذلك عند التقاء نظرهم بالنساء.
5 – بالزواج لمن استطاعَهُ، وبالصبر وضبْطِ النفس لمَنْ أَطَاقَهُ، وبالزواج من الإماء لِمَنْ لا يُطِيقُ الصبر، ولا يجِدُ مهر الحرائر. أمَّا اتّخاذُ الخليلات ومُقارفة البغايا، فهو محرَّم يحذّر منه الدين.
ولا أَظُنُّنِي محتاجًا بعد ذلك كلِّه إلى إطالة القول في أنَّ التزام هذه القواعدِ، التي يأمر بها الشرع، أمرٌ قاطع لا يدع مجالاً للتوفيق بين إسلام المسلمين، وبين مذاهب دعاة المجتمعات المختلَطة في شتى صورها وأشكالها.
هذا هو حُكْم الدين لمن أراد أن يقيمه، وتلك هي حدود الله لمن أراد أن يلتزمها، وذلك هو الخير كلُّ الخير لِمَنْ أسلم وَجْهَهُ لِلَّه وآمَنَ بِالكِتاب كُلِّه، لا يحكِّم هواه أو أهواء الذين يُضِلُّون بغير علم مِمَّن يتَّبِعون الظَّنَّ، فيأخذ ببعضٍ ويَدَعُ بعضًا، ولا يطلب دليلاً على ما أُمِرَ به، ولكنه ينقاد إليه سواء ظهر له وجه الخير فيه أم خفي عنه؛ لأن الدين يقوم على مجموعة من المسلَّمات، يلتقي عندها الناس على اختلاف أفكارهم وأمْزِجَتِهم وبيئاتهم، فيُصبحون في اتّحادِهِمْ أُمَّةً واحدةً، ويُصْبِحون مع تعددهم كالفرد الواحد، وكالبُنيان المرصوص يشُدُّ بعضُهُ بعضًا، ويُصبحون في توادِّهم وتراحُمِهم كالجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَدَاعَى له سائر الأعضاء بالحُمَّى والسهر، وذلك هُوَ أقْصَى ما يطمح إليه التفكيرُ السياسِيُّ مِنَ التَّماسُكِ والتآلُف والاستقرار والاطمئنان.
أما الذين لا يُلزمون أنفسَهم حدودَ الله، ولا يَنقادون لما أمر به، فلنا معهم حديثٌ آخَرُ، وإلى هؤلاء نقول:
قدِ اقْتَضَتْ حِكمة الله - سبحانه وتعالى - أن يكون جميع خلقه من ذكر وأنثى؛ تجد ذلك في الحيوان، وفي النبات، وفي الظواهر الطبيعية؛ كالكهرباء والمغناطيس، وتجده في الكرة الأرضية نفسِها، فأحدُ قطبيها سالب والآخَر موجب، وتجده في أَدَقِّ دقائق الخَلْقِ وَأَلْطَفِ وَحَدَاتِهِ، وهي الذَّرَّةُ. و {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس: 36].
ومن طبيعة الأَزْوَاج في كل هذا الخلق أن تتجاذب؛ فالذَّكَر والأنثى في النوع الواحد يتجاذبان حتمًا حَسَبَ ما بنى الله عليه طبيعةَ كلٍّ منهما، وحَسَبَ ما هدى إليه من فطرة، وسبحان {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50]، فمَيْل الرجل للمرأة، ومَيْل المرأة للرجل إذن هو جزء من قانون عامٍّ، اقتضته حكمة الله سبحانه، لا سبيل إلى تجنُّبِهِ أو إنكاره. وليس من المطلوب ولا هو مما يرغب فيه ويُسْعَى إليه؛ أن يُخَفَّفَ هذا المَيْلُ أو يُعمَلَ على إضعاف حِدَّته.
ثم إنَّ إطلاق الأمر في تَجَاوُرِ الرَّجُلِ والمرأة واختلاطهما، لا يخلو من أحد أمرين: فهو إمَّا أن يؤدِّيَ إلى إثارة الشهوة في الجنسين وزيادة حدَّتها، أو يؤدي إلى إضعافها وكسر حدَّتها. فإذا كان الاختلاط مؤدّيًا إلى تجاذُب الذَّكَر والأنثى، على ما ركب في طبيعة كل منهما، ولم تكن هناك حدود لهذا الاختلاط، أو نظامٌ مرسومٌ، تحوَّل الأمر إلى فوضى لا ضابط لها، وعند ذلك يَشِيعُ الأذى بين الناس، بشُيوع الأمراض التي قدَّر الله سبحانه أن يضرب بها الذين يُقارفون الفاحشة منَ الزناة، ويَفْسُد المجتمعُ، ويَضطرب نظامه، ويتمزَّقُ شَمْلُ جماعته، ويموج بعض الناس في بعض، بتكاثر الأحقادِ والضغائن بين الآباء الذين أُوذُوا في بناتهم، والأزواج الذين أوذوا في نسائهم، والأولاد الذين أوذوا في أمهاتهم، وبين المتنازعين والمتنازعات، والمتنافسين والمتنافسات على العشيق الواحد والعشيقة الواحدة، وذلك كله مما لا خير فيه، ومما لا تسعى إليه جماعة من الناس، تنشد الوَحدة والطُّمَأْنِينة والسلام، وتتجنَّبُ السُّبُلَ التي تظن أنها لا تؤدي إليهما، ذلك هو أحد الفرضين.
أما الفرض الآخَر: فهو أن التجاور بين الرجال والنساء، وكثرةَ اللقاء بينهم وبينهنَّ، أفرادًا وجماعاتٍ موجِب لإضعاف التجاذُب؛ بخُفوت صوت الشهوة الجنسية، وإضعاف حِدَّتها أو تحويلها عن وجهها وأسلوبها، على ما يزعمه الزاعمون من بعض الباحثين في الدراسات النفسية، الداعين إلى تهذيب الغريزة الجنسية، أو التنفيس عنها، ومعنى هذا أن يجد كلٌّ منَ الذكور والإناث لذَّتَهم في مجرد الاستمتاع بالحديث والنظر، وأنَّ طول التجاور والتقارب يولِّد في نفوسهم ونفوسهنَّ شيئًا من الإلف، لا تثور معه الرغبة في استمتاع جسد كل منهم بجسد الجنس الآخر عند رؤيته؛ بل مع قربه منه وملاصقته له، وذلك كله أمر معقول ومحسوس يؤيِّده المنطق والتجرِبة، لأنَّ إلف النفس للشيء، وتَكرارَ اعتيادها إياه يضعف أثره فيها، فالذي يطيل المكث في مكان عَفِنٍ نَتِنٍ، يَفقد الإحساس بعَفَنه ونَتَنِه على مرِّ الزمان، والذي يُدمِن شمَّ رائحة زكية، يَفقد الإحساس بطِيبِها بعد وقت قصير أو طويل، والذي يتعوَّد لمس الأجسام الساخنة أو الشديدة البرودة، يفقد الإحساس بحرارتها أو ببرودتها، مما لا يُطيقه غيره من الذين لم يدمنوا ممارسة ذلك؛ وكذلك الشأن في الرجال والنساء؛ فالذين يسكنون المُدُن من الرجال لا يثير غرائزَهم الجنسيةَ رؤيةُ أذرع النساء وسوقهنَّ وصُدُورهن؛ بل إنَّ بعضهم لا يثيره رؤية الجسد عاريًا معروضًا في أكثر الأوضاع إغراءً على شواطئ البحر في الصيف، أو في مراسم الرسَّامين من هُوَاةِ رسم الأجساد البشرية العارية، وفي هؤلاء الرجال مَن كان يعيش في الريف من قبل، وكان يثيرُ شهوته مجرد الاستماع إلى صوت المرأة، أو مجرد النظر إلى وجهها أو يدها أو رِجلها، فضلاً عن مجالستها أو مصافحتها:
ذلك أمر صحيح تثبته التجرِبة ويؤكده الواقع، والذي يذهب إليه دعاة تهذيب الشهوة صحيحٌ من بعض نواحيه، وإن كان كثير من الشهوات الجامحة الجارفة يستعصي على الترويض، وينطلق إلى الفتك والافتراس، ويفلت زمامه من المروضين، وأغلب الظن أن إدمان الخضوع للتجرِبة على تعاقب الأيام، قد ينتهي إلى ما يريده المروّضون من دعاة التهذيب؛ ولكن أيُّ شيء يمكن أن يُسمَّى هذا الذي يسعون إليه، ويبذلون الجهود لتحقيقه؟ أليس هذا هو البرودَ الجنسيَّ عينَهُ؟ إذا رأى الرجلُ المرأةَ فلمْ يُثِرْ فيه هذا اللقاءُ ما يثور عادةً في الرجال عند رُؤْيَة النّساء، وإذا رآها بعد ذلك عاريةَ الأذرُع والسوق والصدور والظهور، بارزة النُّهُود والأوراك، فكان قُصارَى ما يلتَذُّ به هو الحديثَ والنظرَ، ولم يستتبع هذا الحديثَ والنظرَ أيُّ اندفاع أو رغبة في ممارسة الصلة الجسدية، وإذا تَشَابَكَتِ الأَذْرُع بالأَذْرُع، والتفَّتِ السُّوق بالسُّوق، ولامست الأجسادُ الأجسادَ؛ صدرًا لصدر، وبطنًا لبطن، ثم لم يطرأ على الرجل أيُّ تغْيير جِنسيٍّ جسديٍّ، وكان قُصارَى ما يستتبعه ذلك كلُّه، هو أن تَسرِيَ في جسده نشوة، لا تدفع به إلى الحالة الإيجابية العضوية، أليس يكون قد بلغ عند ذلك ما يسمى بالبرود الجنسي؟! وهو عند ذلك برود مزدوج يشمل الطرفينِ كِلَيهما: الرجلَ والمرأةَ؟!
ثم أليس البرود الجنسي مرضًا يسعى المصابون به إلى الأطباء، يلتمسون عندهم البُرْءَ والشفاء من أعراضه؟! فكيف إذن نجعل هذا المرض غاية من الغايات، نسعى إليها باسم التنفيس عن الكبْت، أو تهذيبِ الغريزة الجنسية؟! وكيف يكون الحال لو تصورنا هذا الناموس – ناموس تجاذُب الذكور والإناث – وقد "تهذَّب" في سائر خلق الله، فبَطَلَ تجاذُب السالب للموجب، أو فَتَرَ، فأصبح من غير المؤكّد أن يترتَّب على التقائهما التَّوْقُ الشديدُ، والمَيْل العنيف الذي لا يقاوم إلى الاندماج الكامل؟! أليس يفسد الكون كله؟!
{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71]
ثم إن هذا البرود الجنسي متفاوِتُ الدرجات، يختلف قوةً وضعفًا باختلاف درجات المجتمعات في الأخذ بمبدأ المجتمَع المختلَط، ورفْع الحواجز بين الذُّكْرانِ والإناث، ولكنه – في غير الحالات المَرَضِيَّة الشديدة، التي تُعَرِّضُ النوعَ البشريَّ للفناء بانقطاع النسل – يَسْتَتْبِعُ نتيجتينِ شديدتَيِ الخَطَر: ضعفَ النَّسْل وتخلُّفه وانحطاط خصائصه، وانتشارَ الشذوذ الجنسي واستفحال دائه.
أما النتيجة الأولى: فهي ترجع إلى أن حدَّةَ الشهوة وقوتها سبيلٌ إلى تحسين النسل، وداعيةٌ إلى إبراز أحسن خصائصه وأفضل صفاته، كما أنَّ فُتُور الشهوة وبُرودها سبيلٌ إلى ضعف النسل، وداعية إلى تدهور خصائصه وانحِطاط صِفاتِه، وممَّا يتَّفق مع هذا المذهب في النتيجة – وإن اختلف معه في التعليل – ما يذهب إليه علماء الوِراثة من التنبيه إلى خطر زواج الأقارب ومضارِّه[1] ، ويؤيده تأييدًا قويًّا تحريم الشريعة الإسلامية زواجَ أخوات الرضاعة، فمن الواضح أنه مبنيٌّ على اعتبار الغرباء، الذين لا تربطهم قرابة الدم ممن تجاوروا؛ حتى ازداد إلف أحدهما للآخر في حُكْم أقرباء الدم، هذه حقيقة معروفة تقطع بها المشاهدة وتجارب الأجيال المتعاقبة، وتؤيدها الشرائع الثابتة، وهي تشمل الإنسان والحيوان على السواء، ومن مظاهر تطبيقها على الحيوان إبعادُ الذكور عن الإناث، وعدم السماح باختلاطهما إلا عند اللقاح. ومن علامات صحتها - فيما أزعمه - انحطاطُ خصائص الجنس البشري في الهمج من العراة؛ الذين لا يزالون يعيشون في المتاهات والأدغال على حال تقرب من البهيميَّة، فإنهم لا يأخذون طريقهم في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا، ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة زادتْ مساحة الأعضاء الكاسية من أجسادهم، كما يستطيع أن يلاحظ أن الحضارة الغربية في انتكاسها، تعود في هذا الطريق القهقرَى درجةً درجةً؛ حتى تنتهي إلى العري الكامل في مُدُن العراة، التي أخذت في الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى، ثم استفحل داؤها في السنوات الأخيرة.
وقد أدرك قدماء العرب ذلك بالتجرِبة والملاحظة، فوصف أبو كبير الهُذَلِيُّ فارسًا عربيًّا مشهورًا من صعاليك العرب – وهو تأبَّطَ شرًّا – بأنَّ أُمَّه قد حملت به، وهي أشهى ما تكون إلى زوجها، حين لم تكن مُرْضِعًا، ولم تكن في أعقاب حيض، حتى لقد صوَّر أباه في هياج شهوته؛ وكأنه قد اغتصب أمه اغتصابًا وأخذها غِلابًا، وذلك حيث يقول[2] :
مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقِدٌ حُبُكَ النِّطَاقِ فَجَاءَ غَيْرَ مُهَبَّلِ
وَمُبَرَّأً مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ وَفَسَادِ مُرْضِعَةٍ وَدَاءٍ مُغْيِلِ
حَمَلَتْ بِهِ فِي لَيْلَةٍ مَزْؤُودَةٍ كَرْهًا وَعَقْدُ نِطَاقِهَا لَمْ يُحْلَلِ
فَأَتَتْ بِهِ حُوشَ الْفُؤَادِ مُبَطَّنًا سَهِدًا إِذَا مَا نَامَ لَيْلُ الْهَوْجَلِ
وأدرك ذلك أيضًا الإمام الجليل أبو حامد الغَزَالِيُّ، فجاء في كتابه "إحياء علوم الدين" من بين ما سَرَدَهُ في الخصال المطَيِّبَة لعيش الزوجينِ قوله[3] :
"ثامنًا: أن لا تكون من القرابة القريبة؛ فإن ذلك يقلل الشهوة، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تنكحوا القرابة القريبة؛ فإن الولد يخلق ضاويًا». وذلك لتأثيره في تضعيف الشهوة؛ فإن الشهوة إنما تنبعث بقوة الإحساس بالنظر واللمس، وإنما يقوى الإحساس بالأمر الغريب الجديد، فأما المعهود الذي دام النظر إليه مدة، فإنه يضعف الحس عن تمام إدراكه والتأثر به، ولا تنبعث به الشهوة". إ هـ.
أما النتيجة الثانية الخطيرة لشيوع البرود الجنسي؛ وهي انتشار الشذوذ واستفحال دائه: فهي راجعة إلى أنَّ الرجل الذي أَلِفَ أن يقع نظرُه على مفاتن المرأة فلا يثور، يحتاج لكي يثور إلى مناظر وأوضاع تخالف ما أَلِفَ، ثم إنَّ إصابته بالبُرود تَحرِمه لذةً من أكبر اللذائذ، ومتعةً من أعظم ما ينطوي عليه الناموس منَ المتع، وهي متعةٌ تسكن عندها النفس، ويطمئنُّ القلب، ويستقر الاضطراب، ومصيبته هذه بالبرود الجنسيّ تَحرِمه من الإحساس بذكورته، فيعاني أشد الألم مما يُحِسُّهُ في أعماق نفسه منَ الذّلَّة والمهانة، ويدفعه ذلك إلى أن يحاول تحقيق متعة الاتصال الجنسيّ، وإثباتها من كل الوجوه، عن طريق التقلب بين الخليلات وبائعات الهوى، والتماس الشاذِّ الغريب منَ الأساليب والأوضاع، رجاء انبعاث ما ركد من ذكورته، وقد تدفعه مع ذلك إلى إغراق نفسه في المخدِّرات تعويضًا لما فقده من لذة، أو إلى الإجرام أو المغامرة؛ إثباتًا لذكورته من وجه آخر.
ومثل هذا الشذوذِ يشمل المرأة والرجل على السواء؛ لأن البرود الجنسي الذي يؤدي إليه هذا الاختلاط – بل الذي يسعى إليه دعاة الاختلاط – برودٌ ذو شِقِّينِ، لا يحقق ما يزعمونه من أهداف؛ إلا إذا شَمِلَ الذكر والأنثى، فانتفت الرغبة الجنسية الجسدية في الطرفين كليهما؛ عند اللقاء، وعند اللعب، وعند الممازحة والمراقصة. ويستطيع القارئ أن يتتبع هذه الظاهرة في المجتمع الغربي؛ ليتبيَّن آثارها المدمرة فيه، وهي آثار لا مفر معها من مثل مصير الذي خَلَوْا من البائدين {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43].
وأنا أعلم أنَّ كثيرًا من الناس لا يقع منهم الدليل موقع الإقناع؛ إلا إذا نسب إلى الغرب، وإلى هؤلاء أسوقُ بعض ما نَقَلَتْه صُحُفٌ - لا تُتهم عندهم بالرجعية - عن علماء الغرب وهيئاته؛ فمن ذلك ما نقله المصوِّر (العدد 1689 ص 4) عن الأستاذ بيتريم ساروكين، مدير مركز الأبحاث بجامعة هارفارد في كتاب له، صدر أخيرًا بعنوان "الثورة الجنسية"، حيث يقرِّر أن أمريكا سائرة بسرعة إلى كارثة في الفوضوية الجنسية، كما يقرّر أنَّها متَّجهة إلى الاتجاه نفسِهِ، الذي أدى إلى سقوط الإمبراطورية الإغريقية، ثم الإمبراطورية الرومانية في الزمان القديم، ويقول في ذلك الصدد: "إنَّنا محاصرون من جميع الجهات بتيار مطرَّد من الجنس، يُغرق كلَّ غرفة من بناء ثقافتنا، وكل قطاع من حياتنا العامة، وهذه الثورة التي تَعْبُر بنا آخذةً في تغيير حياة كل رجل وكل امرأة في أمريكا ـ: أكثرٌ من أي ثورة أخرى في هذا العصر".
ومن ذلك ما جاء في صحيفة "الأخبار" (عدد 26 محرم 1377 ص 2 تحت عنوان: عالم أمريكي يقول: إن المرأة الأمريكية باردة) حيث نقلت ما صرح به الدكتور جون كيشلر، أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو، حين قال: "إن 90 في المائة من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي، وأنَّ 40 في المائة من الرجال مصابون بالعقم، وقال الدكتور: إن الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية، هي السبب في هبوط المستوي الجنسي للشعب الأمريكي".
ومَن شاء المزيد فليرجع إلى تقرير لجنة الكونغرس الأمريكية لتحقيق الأحداث في أمريكا، الذي نقلته مجلة "التحرير" (العدد 234 تحت عنوان: أخلاق المجتمع الأمريكي منهارة). وهو يشير إلى ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات بين الأحداث، وانتشار الحانات التي تقدم الخمور، وكُتُب الجنس، وقصص الجنس، وأفلام الجنس، وانتشار نوادي العراة بكثرة مخيفة على الشواطئ الشرقية خاصة. ومَن شاء فليرجع كذلك إلى تقرير اللجنة، التي شكلها مجلس العموم البريطاني للتحقيق في مشكلة الشذوذ الجنسي، فانتهت من بحثها إلى اقتراح إباحته بعد الواحدة والعشرين، وقد نشرته صحيفة "الأخبار" أخيرًا.
وأحب أن أشير إشارة موجزة إلى بعض مزاعم، يؤيد بها دعاةُ الاختلاط مذهبهم الهدامَ:
من ذلك: ما يزعمه بعضهم من أن الريف العربي كله – ومنه قُرَى مصر – يمارس الاختلاط:
والواقع أنَّه ليس هناك اختلاط بين الرجال النساء في أيِّهما، ولم يوجد هذا الاختلاط في أيِّ عصر من العصور؛ فسُفور القَرَوِيَّةِ أو البَدَوِيَّةِ شيءٌ، والمجتمع المختلَط شيء آخر، وكل الناس يعرفون أنَّ الزّيَّ الذي رَسَمَهُ الإسلام للنساء؛ من إطالة الثياب وتوسيعها، إلى تغطية الرأس بالخمار، والضرب بفضوله على الصدر، لا يتوافر في امرأة، كما يتوافر في القَرَوِيَّةِ والبَدَوِيَّةِ، ومن المعروف كذلك أنَّ السُّفور في هذه البيئات، لا يتجاوز معاونة المرأة لزوجها في بعض الأعمال، وهي معاونة محدودة فيما تستطيعه، مثل نقل الحطب أو جَنْيِ الثمار، أو القيام على الدواب، أو نقل بعض المتاع والغذاء، على أنها لا تفعل شيئًا من ذلك إلا بدافع الفقر والحاجة، أما السُّراة فنساؤهن مصونات في البيوت؛ لذلك كان الشاعر العربي إذا وصف المرأة الكريمة قال إنَّها (نَؤُومُ الضُّحَى)، على أنَّ التي يُلجئها الفقْرُ إلى الخُرُوجِ، لا تُخَاطِبُ الغُرَبَاءَ إلا بقدر ما تدعو إليه الحاجة الماسَّة الضَّروريَّة، وهي تضع طَرْفَ خِمَارِها بين يدها وبين يد الرجل إذا سلَّمت عليه، ومن المؤكَّد على كل حال أنها لا تُجالس الرجال في أسمارهم أو عقودهم؛ بل ولا تشارك أهل بيتها من الرجال على المائدة في بعض الأحيان؛ فأين ذلك كله من المجتمع المختلط؟!
ومن هذه المزاعم كذلك: ما يُرَوِّجونه من أن الأخطاء التي نشاهدها الآن من آثار الاختلاط، سوف تَزُول كما زالت في الغرب حَسَبَ زعمهم، وواقع الأمر أن الأخطاء لم تَزُلْ في الغرب؛ ولكن حياء الغربِيّين والغربيَّات هو الذي زال، ونحن ناس خُلُقُ دينِنا الحياءُ، والحياء خيرٌ كله؛ كما قال سيدنا رسول الله، إن الذي يُدمِن الحياة بين نَتَنِ الجِيَفِ، وعَفَنِ الأقذار، يَفقِد الإحساس بالنَتَنِ والعَفَنِ؛ ولكن هذا لا يعني أن النَّتَنَ قد زال.
ومن أعجب ما يلجأُ إليه دعاةُ الاختلاط في بعض دَعاياتهم، أنهم يعارضون الإسلام بما جرى عليه العُرف عند بعض البائِدِين؛ كالفراعنة، أو بمذاهِبِ بعض الدراسات الاجتماعية والنفسية الحديثة:
ومعارضة الإسلام بهذه أو بتلك لا تَصدر إلا مِن جاحد بالله ورسالاته وكُتُبه؛ لأنَّ الفِرْعَوْنِيَّة ليستْ دِينًا، وليستْ مَذهبًا خُلُقيًّا؛ ولكنها عصر تاريخيٌّ، قد يكون فاسدًا، وقد يكون ضالاًّ، وقد يكون كافرًا بالله، وقد قطع الإسلام ما بين إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وبين أبيه، وقطع ما بين نوح - عليه السلام - وبين ابنه، وبين لوط - عليه السلام - وبين زوجته، فكيف لا يقطع الإسلام ما بيننا وبين الكفار من الفراعنة، والله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة: 23]؟!!
أما الدراسات النفسية والاجتماعية: فهِي الآن دراساتٌ موجَّهة، تَخضع لمذاهب الدارسين وأهوائهم؛ ولذلك فهي متشعِّبة إلى مذاهبَ ومدارسَ مُتَباينةٍ، تتعرَّض لتغيُّر دائم لا يكاد يستقر؛ فترْك نصوص الدين الثابتة إلى هذه الفروض المتغيّرة، التي يَنقُض بعضها بعضًا، هو اتّباعٌ لِلظَّنّ المفرِّق للوَحدة، والباعثِ على التَّنازُع المؤدِّي للفَوْضَى والانحلال، ومن غير الجائز بوجه عام، وفي أيِّ حالٍ منَ الأَحْوَالِ، أن يُحْتَكَمَ في مثل هذه الشؤون إلى بعض مذاهب الناس قديمًا أو حديثًا، فهذه المذاهب والآراء إنْ صلحت لدارسِ فنونِ الشُّعُوبِ وعاداتها (الفولكلور)؛ لكي يتصور منها صورةً للمجتمَع في بيئاته المختلِفة، وفي عصوره المتتالية، فهي لا تصلح في كل الأحوال لأن تكونَ قُدْوَةً صالحة، ولا يصح أن تكون مَذهبًا خُلُقِيًّا أوِ اجتماعيًّا يُعارَض به مَذهب الإسلام، فما اخْتَلَفْنَا فيه من شيء فمَرَدُّه إلى كتاب الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفه، لا إلى الفراعنة، ولا إلى ما اعتاده الناس، وما جرى عليه العُرف هنا أو هناك، ومَنِ اعتراه أدنى شكّ في أنَّ مصالح الناس ومصلحة الوطن لا تتعارض مع الدِّين فقد أخرج نفسه من عِدَاد المسلمين.
ثم إني أُحب في آخِر الأمر أن أضع بين يديِ القارئ مقتطفاتٍ من خُطَّة الصِّهْيَوْنِيَّة الكبرى للسَّيْطَرَة على العالم، عن طريق هدم كل ما فيه من قوى، التي اكتُشِفَتْ مخطوطاتها، وذاع سِرُّها للمرة الأولى في أواخر القرن التاسعَ عَشَرَ، وهي الخُطة المشهورة باسم "بروتوكولات حُكماء صِهْيَوْن"، فقد تُعين على تدبر بعض ما ذكرته.
جاء في البروتوكول الأوَّل: "يجب أن ننظر إلى أولئك السكارى، الذين تبلدت أذهانهم بفعل الخمر، إنَّ الحريَّة أتاحتْ لهم هذا الإفراط والإدمان... إنَّ الشعب لدى المسيحيين أضحى متبلّدًا تَحْتَ تأثير الخمر، كما أنَّ الشباب قد انتابه العَتَه؛ لانغماسه في الفسق المبكر، الذي دفعه إليه أعوانُنا من المدرسين والخدم والمربيات، اللاتي يعملن في بيوت الأثرياء، والموظفين والنساء اللاتي يعملن في أماكن اللهو، ونساء المجتمع المزعومات، اللواتي يقلدنهن في الفسق والترف".
وجاء فيه أيضًا: "لقد كنا أوَّلَ مَن صاح في الشعب فيما مضى "بالحرية والإخاء والمساواة"، تلك الكلمات التي راح الجهلة في أنحاء المعمورة يردِّدُونها بعد ذلك دون تفكير أو وعي... إن نداءنا "بالحرية والمساواة والإخاء" اجتذب إلى صفوفنا من كافَّة أركانِ العالم، وبفضل أعواننا، أفواجًا بأكْمَلِها لم تلبثْ أنْ حملتْ لواءنا في حماسة وغَيْرَة. وكانت هذه الكلمات – في ذلك الوقت – تُسيء إلى الرخاء السائد لدى المسيحيين، وتحطّم سُلَّمهم وعزيمتهم ووَحْدتهم، عاملةً بِذَلِكَ على تقويض دعائِمِ الدولة، وأدى ذلك العمل إلى انتصارنا".
وجاء في البروتوكول الثاني: ".. أمَّا غَيْرُ اليهود فإنهم لا يستفيدون من تجارِب التاريخ التي تمر بهم، ولكنهم يتمسَّكُونَ بِنَظَرِيَّات رُوتينية، دون تفكير في النتائج التي قد يسفر عنها هذا المسلك، لذلك فنحن لا نعير غير اليهود أية أهمية، فلْيلْهوا ما طاب لهم اللهو؛ حتى ينقضي الوقت، ولْيَعِيشُوا على أمل ملذَّات جديدة، أو في ذكرى متع سالفة، وليعتقدوا أن هذه القوانين النظرية، التي أوحينا بها إليهم ذاتُ أهميَّة قصوى، فبهذا الاعتقاد الذي تؤكّده صحافتنا نَزيد من ثِقَتِهِمُ العمياء في هذه القوانين... يجب أن لا يكون هناك اعتقاد في أنَّ مناهجنا كلمات جوفاء. فنحن الذين هيَّأْنَا لنجاح دارون وماركس ونيتشه[4] ، ولم يفتنا تقديرُ الآثار السيئة التي تركتها هذه النظريات في أذهان غير اليهود".
وجاء في البروتوكول الرابع: "إنَّ لفظة الحريَّة تجعل المجتمع في صراع مع جميع القوى؛ بل مع قوة الطبيعة وقوة الله نفسها... على أنَّ الحريَّة قد لا تنطوي على أي ضرر، وقد توجد في الحكومات وفي البلاد دون أن تُسيءَ إلى رخاء الشعب، وذلك إذا قامت على الدِّين والخوف من الله، والإخاء بين النَّاس المجرد من فكرة المساواة، التي تتعارَضُ تمامًا مع قوانين الخليقة، تلك القوانين التي نصَّت على الخضوع. والشعب باعتناقه هذه العقيدة سوف يخضع لوصاية رجال الدين، ويعيش في سلام، ويُسلِّم للعناية الإلهية السائدة على الأرض، ومن ثَمَّ يتحتم علينا أن ننتزع من أذهان المسيحيين فكرةَ الله، والاستعاضة عنها بالأرقام الحسابية والمطالب المادية".
وجاء في البروتوكول الخامس: "ولكي نطمئن إلى الرأي العام يجب بادئ ذي بدء أن نُربكه تمامًا؛ فنُسْمِعه من كُلّ جانب، وبشتى الوسائل آراء متناقضةً، لدرجة يضل معها غير اليهود الطريق في تِيهِهم، فيدركون حينئذ أن أقوم سبيل هو أن لا يكون لهم أي رأي في الشؤون السياسية... والسرّ الثاني الملازم لنجاح حكومتنا، يقوم على مضاعفة الأخطاء التي ترتكب والعادات، والعواطف، والقوانين الوضعية في البلاد لدرجة يتعذر معها التفكير تفكيرًا سليمًا وسط تلك الفوضى... وسوف تساعدنا تلك السياسة كذلك على بث الفرقة بين جميع الأحزاب، وعلى حلّ الجماعات القويَّة، وعلى تثبيط عزيمة كل عمل فردي، يمكن أن يعرقل مشروعاتنا".
وجاء في البروتوكول الثامن: "لا يتيسر إسناد المناصب الرئيسية في الحكومة إلى إخواننا اليهود؛ لذلك فإننا سنُسْنِدُ المناصب المهمَّة إلى أناس من ذوي السمعة السيئة؛ حتى تنشأ بينهم وبين الشعب هوَّةٌ سحيقة، أو إلى أناسٍ يُمْكِنُ محاكمتهم والزج بهم في السجون، إذا ما حالوا دون تنفيذِ أوامرنا، والغرض من هذا هو إرغامهم على الدفاع عن مصالحنا حتى النفَس الأخير".
وجاء في البروتوكول التاسع: "ولكي نحطم التنظيمات التي أقامها غير اليهود عاجلاً، فإننا قد دَعَمْناها بخبرتنا، وأمسكنا بأطراف أجهزتها، فقد كانت الأجهزة تسير في الماضي بنظام صارم؛ ولكن عادل، فأحلَلْنا محله نظامًا متحررًا غير منتظم، ووضعنا يدنا على التشريع، وعلى المناورات الانتخابية، وتَحكَّمْنا في إدارة الصحافة، وفي نمو الحرية الفردية، والأهم من ذلك كله إشرافنا على التعليم، وهو المعول الرئيس للحياة الحرة".
وبعد: فإني أسوق هذا الحديث إلى دعاة المجتمع المختلَط؛ في المدارس، وفي الجامعات، وفي الأندية والمجتمعات، وفي المصانع والمتاجر، وفي إدارات الحكومة ومحافلها، وفي المعسكرات والمهرجانات، حيث تعرض أجساد الطالبات وأفخاذُهنَّ وأذرُعُهنَّ ومفاتن أجسادهن، في تمايلهن، وتثنِّيهن باسم الرياضة والفن، التي انتهت أخيرًا إلى إجراء مسابقات للسباحة في الجامعات، تظهر فيها الطالباتُ عارياتٍ؛ إلا من زيِّ الشاطئ، الذي لا يستر من العورات؛ إلا ما يضاعف فتنتها وإغراءها، وذلك على مشهد من الأساتذة والطلاب في منشآت الجامعات الرياضية! إلى هؤلاء جميعًا أسوق الحديث. ثُمَّ إِنّي أرجئ الشطر الآخر من الموضوع، وهو الخاص باشتغال المرأة بأعمال الرجال، مما جرى عرف بعض الناس في هذه الأيام على تسميته "حقوقَ المرأة" إلى حديث تالٍ إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] علماء الوراثة لا يعُدُّون أن قوَّة الشهوة أو ضَعْفها، هي العلة في قوة النسل وضعفه؛ لأنهم يردون قوانين الوراثة إلى عوامل مادَّية خالصة. ويزعمون أن ما يسمونه (الكروموسومات) بما تحتوي عليه من الجِينات، التي تصور الخصائص المختلفة، هي وحدها التي تتحكم في الوراثة، بما تحمله البويضات والحيوانات المنوية منها، فتنحدر بعض هذه الصفات والخصائص من الأسلاف إلى الأبناء والأحفاد، حسب قوانين معيَّنة رتبوها.
ولكن علماء الوراثة مع ذلك يعترفون بأن (الجينات) تكاد تكون شيئًا افتراضيًّا لم يره أحد، ولا يمكنُ تحديدُ عددها في الكروموسوم الواحد أو وصفها أو بيان خصائصها، هذا إلى أنَّ فَرْضَهُمْ هذا لا يستقيم مع كثير من الظواهر التي لا يمكن تعليلها على أساسه، مثل ظواهر الوراثة المتحدة الأزمنة، ومثل ظواهر الوراثة بالتأثير، ومثل وراثة الحالات العارضة وقت العلوق، ومثل قانون وراثة الصفات الخارجة عن المعتاد، على أن بين علماء الوراثة مَن أنكر نظرية (الكروموسومات) التي يترتب عليها عدم قابلية الصفات المكتسبة للوراثة؛ مثل لزنكو (Lysenko ). ثم إن علماء الوراثة جميعًا يعترفون بما يسمونه (الطفرة)، كما يعترفون بعجزهم عن تعليلها، وبقصور قاعدة (الكروموسومات) المادّيَّة عن تعليلها؛ بل ومناقضتها لها، وموضع الضعف في كل النظريات، التي يكتشفها الباحثون، أن أصحابها يظنون حين يطَّلعون على بعض الحقائق والأسباب، أنهم قد أحاطوا بكل الحقائق والأسباب، وذلك ما لا يُحصيه إلا الله وحده سبحانه وتعالى، ثم إنهم لا يقرون إلا بما يخضع للحس والتجرِبة.
[2] "شرح ديوان الحماسة" للتبريزي: 1: 84 - 86 ط مصطفى محمد 1357.
[3] ج 4 ص 132 – 133 لجنة نشر الثقافة الإسلامية 1356.
[4] من المعروف أن (فرويد) - رأس المزاعم النفسية الحديثة، التي تستند إلى ما سماه العقل الباطن، والتي تجعل الغريزة الجنسية محور الشخصية الإنسانية -: يهوديٌّ؛ بل لقد كان معروفًا بتعصبه المفرط لليهود؛ فلم يكن يختار مساعديه وأعوانه إلا منهم.
- التصنيف:
- المصدر: