وهو قائم يصلي في المحراب
من يقرأ كتاب الله فليفهم عن ربه تعالى، ولْيتلقى قلبه عن ربه هذه الأبواب المفتوحة، وليقابلها بهذا الجهد المبذول.
اختار الله تعالى بشارة عبده زكريا بالولد في حالٍ يجب الالتفات اليه، إذ كانت البشارة في هذا الموطن: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ..} [آل عمران من الآية:39]..
ولما تمت البشارة أُمِر بإحدث عبادة جديدة وصلاة زائدة شكرا على النعمة الحادثة.. فنعمة متجددة تقابلها صلاة متجددة وشكر خاص.. فأُمر بالصلاة طرفي النهار : {وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران من الآية:41]، هذا هو محل الصلاة في مجال القرب من الله والنعم الدينية والدنيوية.
بشّرت الملائكة السيدةَ مريم ـ وهي عابدة ـ بالاصطفاء والاجتباء على نساء العالمين، وبعد هذه البشارة العظيمة أُمرت أن تُحدث من العبادة ما يكون شكرا لهذه النعمة الكبيرة: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43]. قال بعض السلف أنها "قامت في صلاتها لربها حتى نزل ماء الأصفر في قدميها"..
مظنة البشارة والمجال المهيِيء لها هو الاستقامة والتعبد ومحل الصلاة وحالها.. وبعد حدوث النعم وتجدد البشارات يكون إحداث تعبد جديد وتوجه لله بصلاة جديدة..
فبهذا تتنزل رحمات وبشارات، ويتحقق رجاء وأمنيات قد تبدو يوما ما بعيدة، أو مستبعدة بأسباب الناس وما تواطؤوا عليه.. لكن تلك العلاقة الخاصة قد يفتح الله لها أبوابا، ويُحدث لها أسبابا، ويهيء لها أمورا ويُجري الأمور بمشيئته الطليقة سبحانه..
هذا هو محل الصلاة، وتفاعل التعبد.. فهكذا كن عبد الله وارج ربك، وهكذا كوني أَمة الله وارجي ربك..
فمن يقرأ كتاب الله فليفهم عن ربه تعالى، ولْيتلقى قلبه عن ربه هذه الأبواب المفتوحة، وليقابلها بهذا الجهد المبذول.
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف:
- المصدر: